بعدما فشل الوطنيون الغيورون بمصر فى إثناء الحكومة عن عزمها الاستمرار فى بيع الغاز لإسرائيل، تولت المقادير الأمر، وشاء ربك أن يفضح الحكومة ويحرجها. ذلك أنه بعد أن تجاهلت الحكومة حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل بسبب ثبوت المخالفات الجسيمة التى شابت العقد، قد نامت المسألة خمسة أشهر، وظن المتواطئون والمنتفعون والمتسترون أن المسألة مرت، ولكن لأن ربك يمهل ولا يهمل،
فقد فوجئنا فى الأسبوع الماضى بأن الشارع المصرى أصبح طرفا فى القضية، إذ غرق الناس فى الظلام لفترات متفاوتة فى عشر محافظات، وقالت صحيفة «الشروق» إن انقطاع الكهرباء أعاد تلك المحافظات إلى «العصور الوسطى». وامتد انقطاع التيار إلى بيوت ومنتجعات الأكابر، فى رسالة توحى بأن السفينة إذا غرقت فسوف يغرق معها الجميع، سكان العشش وبيوت الصفيح جنبا إلى جنب مع سكان القصور المشيدة والقلاع المحصنة.
قيل لنا على لسان رئيس الشركة القابضة للكهرباء إن شركات توزيع الكهرباء اضطرت لتطبيق تخفيف الأحمال فى أنحاء كثيرة من الجمهورية بسبب انخفاض ضغط الغاز المورد للمحطات وسوء حالة المازوت. وقال بوضوح إن قرار تخفيف الأحمال صدر لأن وحدات الشبكة الكهربائية مجهزة للعمل بالغاز الطبيعى المازوت كوقود احتياطى. إلا أنه فى الفترة الأخيرة انخفضت نسبة الغاز الطبيعى المستخدم فى محطات الكهرباء إلى نحو 79٪ بعد أن كانت 89٪، ولتعويض ذلك تم اللجوء إلى المازوت، الذى أدى إلى إصابة محطات الكهرباء بالأعطال التى أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه،
وفى الحر الشديد الذى ضرب مصر أدى انقطاع التيار الكهربائى إلى تعطيل وإتلاف الأجهزة الكهربائية المنزلية وكذلك أجهزة التكييف والمراوح، ناهيك عن أن أعدادا غفيرة من البشر أصبحت تعيش فى الظلام لفترات متفاوتة (إحدى قرى الفيوم انقطعت الكهرباء عن سكانها طيلة عشرة أيام متصلة، وفى بنى سويف انقطع التيار طوال 20 ساعة. وفى بقية المحافظات تراوح الانقطاع بين ساعتين وخمس). وبطبيعة الحال فإن انقطاع الكهرباء أوقف تشغيل «موتورات» المياه التى توصلها إلى بعض البيوت خصوصا سكان الطوابق العليا، الأمر الذى حرم كثيرين منها وأغرقهم فى الظلام فى نفس الوقت.
نقلت صحيفة «الشروق» فى عدد الأربعاء الماضى 18/8 على لسان مسئول فى وزارة الكهرباء أن نقص الغاز فى محطات الكهرباء تأثر بتصديره إلى إسرائيل. وعرفنا مما نشرته صحيفة «الدستور» يوم الخميس أن وزير الكهرباء حين طلب من وزير البترول إمداد محطات الكهرباء باحتياجاتها من الغاز لتشغيلها بطاقاتها الطبيعية فإن صاحبنا رد عليه قائلا: إنه ليس لديه غاز. وهو ما علق عليه السفير والخبير القانونى إبراهيم يسرى منسق حملة وقف بيع الغاز لإسرائيل قائلا: إننا بصدد مشهد انكشف فيه موقف الحكومة التى تعاقدت على بيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس (دولار وربع الدولار) فى حين تبيعه للوحدات المصرية بثلاثة دولارات وهى أحوج ما تكون إليه الأمر (لاحظ أن غزة تعانى من الإظلام) الذى يعنى أنها تخلفت عن مسئوليتها تجاه الشعب وأهدرت ثروته.
إن أحدا لم يفهم الملابسات المريبة التى أحاطت باتفاق بيع الغاز لإسرائيل، وإن كان الشىء الوحيد الذى ثبت لنا أن أسبابا سياسية كانت وراء الاتفاق المشئوم، وأن تجاوزات ومخالفات شديدة حدثت فى إبرام ذلك العقد أدت إلى تمريره بالمخالفة للقانون، وأن علاقات مريبة تخللت الصفقة. فى الوقت ذاته فإننا نشك فى أن أحدا سيحاسب على ما جرى، وبالتالى فإن الأزمة الراهنة ستمر بعد اتخاذ ما يلزم من إجراءات التهدئة والمراهنة على ضعف الذاكرة الجمعية.
لقد قلت إن الأقدار وحدها كشفت سوأة الاتفاقية، وأخرجتها إلى العلن، فأعادت تسليط الأضواء على حقيقة الفضيحة فيها، كما أن انفجار الأزمة على النحو الذى حدث نقل القضية من موضوع تحمس لأجله بعض المثقفين الوطنيين فى مصر، إلى أزمة حادة أثارت غضب عامة الناس وسخطهم. وإذ أثبتت تجارب وجولات عدة ضعف قدرة المجتمع المصرى على الضغط للدفاع عن حقوقه،
فإننا فيما بدا صرنا نعول بشكل أكبر على التدخل الإلهى لكى يحقق بقدرة الله ما عجزنا عن تحقيقه بقدرتنا. إن لدينا ملفات عدة تنتظر قدر الله ومشيئته، ورغم أن العدل الإلهى الذى ننشده لم يشملنا فى مراحل سابقة ــ ربما لأننا نستحق ما نزل بنا ــ فإن أملنا كبير فى عفو الله وكرمه فى شهر رمضان، عله يشملنا برحمته وعفوه ويفرج كربنا ويغيثنا بقدره الذى انتظرناه طويلا.. إنه سميع مجيب.