المضك المبكي
جلس ذلك الرجل على السرير الأبيض ... في إحدى المستشفيات ،ويبدو أن جسده اتشح بلون البياض تأثرا بالسرير الذي يحويه ، حيث غُطى جزءٌ كبير من جسده بشرائط الشاش الأبيض .. ورُبطت قدمه بحديده إلى أعلى السرير، ولا يكاد يسمع منه إلا تأوهاته الخجولة... التي لا تكاد تسمعها ، ذهبت بخيالي لاستطلع ما الذي أصابه يا ترى ، ليصل لمثل هذه الحالة ، فتارة أقول ربما انه حدث له حادثا مروعا ، ... وتارة أقول قد يكون حريقا الم به و اخذ منه مأخذا شديدا ، لم يقطع حبل تفكيري إلا صوت ساعتي وهي تعلن عن قدوم من نحبهم ويحبوننا ... عن من يأتون إلينا ليواسوننا... ويحمدوا الله على سلامتنا... فقد كانت ساعتي تشير إلى الرابعة عصراً... وهو بداية وقت زيارة المرضى .... بدأت غرفتنا تعج بالزوار ... وبدأت تدب فيها عروق من حياة العالم الخارجي.. فهذا ينقل لمريض الأخبار ... وهذا يحضر الحلوى وقوارير العصير وذاك القهوة المعطرة الممزوجة بطعم الهيل ... وهذا يتنقل بين المرضى ليواسيهم بكلمات لطيفه ،
وهكذا... كنت اختلس النظر بين الفينة والأخرى لذلك المريض... وقد لفت نظري انه كلما أتاه زائر .... خرج من عنده وهو يقهقه بصوت عالي .. فقلت في نفسي لابد أن اعرف ما قصته وما الذي يجعل كل من يزوره يخرج من عنده وقد اختلطت أمعائه بمعدته... وظهرت على جبهته خطوط عريضة ليست إلا عروق الابتهاج... من شدة الضحك ... فعزمت أن اذهب إليه بعد انتهاء وقت الزيارة .
مرت الدقائق تلو الدقائق وفضولي يتسارع معها بانتهاء كل ثانيه ..... انتهى وقت الزيارة ....
اقتربت منه قائلا: مساء الخير.
قال: مساء الخيرات.
قلت: لا بأس عليك.
قال : ما أتشوف بأس.
قلت: سلامتك يا أخي ، هناك شيء يحيرني وأريد الإفصاح لك عنه.
قال: قل لا تخجل ما هو؟
قلت: كل الذين يأتون لزيارتك عندما تنتهي الزيارة يخرجون وضحكاتهم تصل اسطنبول.
قال: ههه ما لك بنا حاسدنا على ذلك.
قلت: شيء لا يهمني ،ولكن الفضول دفعني لمعرفة ذلك.
قال : حكاية طويلة ههه أمر عادي سأقولها لك ،
يا طويل العمر اسكن بعمارة بالطابق الثاني وشقتي تشرف على ساحة كبيرة وسط المدينة وأنا معتاد النوم أيام الصيف على البلكون"الشرفة"
أنا من الناس الذين تأتيهم الأحلام الليلية بشكل مستمر
يا مرحوم البي00 كالمعتاد تلك الليلة نمت على البلكون "الشرفة" وغصت في أعماق نومي ، حلمت أنها قامت القيامة وتجمعت الناس في مكان واسع جدا وفي الجانب الأخر تجمعت على مد النظر باصات نقل ركاب
بعضها كتب عليه " إلى الجنة" وأخرى " إلى جهنم".
ووسط الناس منصة مرتفعة عليها أشخاص يمسكون بأيديهم سجلات
يقرؤون الأسماء فلان ابن فلانة إلى باص الجنة وفلان ابن فلانة إلى باص جهنم 000وهكذا ،وأنا انتظر اسمي وقلبي يدق بشدة فجأة طلع اسمي خلدون ابن صالحة إلى باص الجنة . فرحت كثيرا وركضت ابحث عن باص الجنة وسط ازدحام ليس له مثيل حتى عثرت عليه وصعدت به وعندما امتلاءه
انطلق الباص وفي الطريق شاهدت لوحتين كتب على الأولى " الجنة خمسين كيلو مترا" وكتب على الثانية " جهنم مئة كيلومترا " وإذا بالباص يجاوز الجنة وكنت أظن أن السائق يقصد بابا أخر للجنة، لكني شاهدت لوحة كتب عليها " جهنم خمسة وعشرين كيلومترا " حينئذ تيقنت انه قاصدا جهنم
قلت في نفسي لا بد أن هناك خطا ما، ولا احد يحتج من الركاب غيري فسالت الذي بجانبي إلى أين أنت ذاهب ؟
قال بكل ثقة : إلى جهنم .
فانتفضت واتجهت نحو السائق قائلا : توقف أنا طريقي إلى الجنة وليس إلى جهنم أرجوك توقف ، لكن السائق لم يكترث بي وهو يتابع سيره.قائلا: إن هذا الباص مبرمج على أن لا يتوقف إلا في جهنم .
وفجأة ركضت باتجاه الباب ورميت نفسي منه.
وما أن استفقت إلا ووجدت نفسي في المستشفى.