للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلفلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6020 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 49 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 49 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:31

    فلســـطـين لـنـا
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Topicon
    السفير

    طلال سلمان
    في البدء كان التشتيت. كان لا بد من طمس الهوية الجامعة وتمزيق أواصر القربى والامتداد الطبيعي للتاريخ وارتباط الناس بأرضهم. تم تشطير المشرق العربي الخارج من ركام الخلافة التي انتهت إمبراطورية عثمانية إلى كيانات سياسية مناقضة للجغرافيا الإنسانية تفتقر إلى علة الوجود، فضلاً عن مقوماته.
    تم إعداد المسرح مع انفجار الحرب العالمية الأولى لاستنبات «دول» على أرض لم يعرف أهلها «الدولة» بمعناها الحقيقي منذ قرون: كانت مِزقاً من «سلطنة» عظمى يمتنع عليها السقوط إلا بالتوقيت الاستعماري الدقيق (معاهدة سايكس ـ بيكو بين الوارثين البريطاني والفرنسي) تمهيداً للقرار الحاسم والمؤسس للدولة الغربية الوحيدة في هذه الأرض المضيعة هويتها: دولة الحركة الصهيونية باسم إسرائيل.
    تم تمزيق الروابط بين من كانوا يعتبرون أنفسهم، بداهة، أبناء شعب واحد لتصير كل جهة «دولة»: لـ«الثورة العربية» التي يسرت ـ بوهج النسب الشريف ـ تنفيذ المشروع، «مملكة» في الشرق العراقي بنفطه ومائه، وفي الجنوب الشرقي «إمارة» صغيرة في بادية فسيحة تتسع لعرش مملكة ستستولد قيصرياً بعد حين لاستيعاب الفائض الفلسطيني عن «دولة إسرائيل»... وفي الغرب «متصرفية الطوائف» التي يمكن ان توفر التبرير بالسابقة... أما في ما تبقى من سوريا الطبيعية فأربع «دول» متوهمة سيكون على شعبها ان يقاتل لتوحيدها متجرعاً حسرة العجز عن حماية الحلم بشرعية الحق التاريخي.
    غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار «الحلفاء» دقت الساعة للشروع في الاحتفال الدموي الفخم باستقدام «الدولة» التي تتجاوز الزمان عائدة من بطن الأسطورة بالطائرات الحربية والدبابات والوحدات العسكرية المدربة إلى أرض لم يحفظ أهلها هويتهم بها ولم يحموا وحدة أرضهم بثباتهم متحدين فيها جميعاً. كان الأشقاء في الخارج يصطرعون على «الحدود» فيتنافرون ويتباعدون ويغرقون في متاهات «السيادة» إلى حد التصادم منشغلين بتفاهاتهم عن مقدمات العاصفة التي ستخرجهم من التاريخ والجغرافيا معاً: أقيمت إسرائيل أمام عيونهم المفتوحة بالدهشة والخوف، بقوة السلاح. وتوزع الشعب الذي كان واحداً فشطروه خلف حدود رسمت على عجل، متفقداً أسباب قوته فلم يجد منها إلا بقايا أحلامه التي صارت أوهاماً تتضخم بعد كل هزيمة حتى كادت تغدو حقيقته الوحيدة.
    اختارت الأنظمة حماية كياناتها. وكان على كل نظام ان يقدم من فلسطين ما يحفظ وجوده. وغالباً ما صارت إسرائيل ضمانة الكيان والنظام معاً.
    ضربت رياح الكيانية أهل الأرض الواحدة فشتتت جمعهم. وضربت فلسطين ذاتها فنشأت مقاومتها وفيها مقاتل الكيانيات العربية جميعاً.
    ها هم «العرب» وقد ضربهم التشتيت فوزعهم رهائن لأنظمة عاجزة وملتحقة بالأقوى... وها هي إسرائيل الأقوى فأين المفر؟! لا كياناتهم دول ولا شعوبهم المحقرة والمبعدة عن القرار تملك من الحرية ما تحفظ به هويتها.
    وبين الكيانيات العربية عداوة تطغى، غالباً، على العداء لإسرائيل، بل هي تتلاقى معها في ظلال الراية الأميركية ذات النجوم الخمسين.
    مع التشتت العربي صارت إسرائيل دولة عظمى ومن حولها تجمعات مستضعفة لقبائل وطوائف ومذاهب وعشائر مقتتلة خارج الزمان، بينما تتقدم إسرائيل لوراثة الإمبراطوريات جميعاً، وفي المكان والزمان معاً.
    فلسطين في الشتات. تلك هي النتيجة.
    أما التشتت العربي فهو السبب الذي لن يكف عن استيلاد المزيد من الهزائم.
    وبين التشتت والشتات تضيع الأوطان وإن بقيت للدول التي استنبتت كبديل منها الأسماء المذهبة.
    وفلسطين قد تغدو نموذجاً للمستقبل العربي إذا لم يحفظه أهله من التفتت أشتاتاً.
    في هذا العدد من «فلسطين ـ السفير العربي» عرض لجانبي المأساة العربية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:36

    مـا بـعـد الـشـتـات
    كـان شـتـاتـاً صـار شـظـايـا


    عزمي بشارة
    لجأ الناس عام 1948 إلى أقرب أرض عربية، وسبقتْهم إليها الحدود الجديدة. فحتى الأرض العربية الأقرب تشظّت دولاً بتقسيمات استعمارية. وكان اللجوء أحيانًا إلى أقرب بلدة فلسطينية غير محتلة بفعل التقسيم الأول، ثم تجاوز الاحتلال حدود التقسيم إلى خطوط الهدنة. هكذا كان لجوء اللد والرملة إلى رام الله ولجوء ساحل فلسطين الجنوبي إلى غزة. وهكذا لجأ سكان العديد من القرى إلى بلدات مجاورة. وما كان لبنان بالنسبة إلى أهل الجليل وحيفا بأبعد جغرافيًا وسياسيًا وحضاريًا من بُعد غزة عن المجدل. وكانت صفد أقرب لدمشق جغرافيًا، وبمعان أخرى، من قربها إلى نابلس أو الخليل أو القدس. وتشتّتتْ يافا في الاتجاهات كلها. فمن ركب البحر ركبه شمالاً إلى لبنان، أو أبحر جنوباً إلى غزة، ومن اتّجه شرقًا وصل عمان.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 34_P2-20_ns

    وما كان الفلسطينيون عالة على أحد، بل قدموا من بلاد مشروع ناهض، فلاحين وأبناء مدينة صاعدة وعمّالاً مهرة ومثقفين. وسادت بين القرى والعشائر في فلسطين وفي البلدان التي قدموا إليها أنواع من العلاقات الأهلية والحساسيات أكثر من تلك التي سادت بين هويات البلدان والأقطار.
    من هنا لم يمانع البعض من استخدام العلاقة مع الفلسطينيين في الصراعات الداخلية. ولكن بالمجمل كانوا جزءاً من مشروع المدينة العربية الصاعدة، وربطوا مصيرهم بالتيارات الصاعدة فيها، ومن ضمنها التيار العروبي على وجه الخصوص. واحتوتْهم المدينة العربية حين استوعبت ذاتها، وفشلتْ في احتوائهم حين فشلتْ في استيعاب ذاتها، وحين انتصر ترييف المدينة على تمدين الريف.
    ومثل كل أقطار بلاد الشام، كانت فلسطين غير مبلورة كيانًا وهوية سياسية. ولكنها كانت أسرع إلى التبلور في ظل حدود سايْكس بيكو من غيرها من الكيانات العربية التي استقلت بسبب الصراع مع الاستيطان الصهيوني. ولكن لم تكفِ ثلاثة عقود توحّدت فيها إداريا في ظل الانتداب البريطاني لتوحّدها على مستوى الهوية بوسائل الاتصال التي كانت قائمة في حينه. ومن هنا قضت جدلية التاريخ أن تجتمعَ فلسطين في الشتات، أن يوحّد المخيم القرى والبلدات، وان توّحد الغربة والقضية الغرباء. لقد ساهم الشتات ومدارس الوكالة في بناء الهوية الفلسطينية أكثر مما ساهمت الكثير من الدول القطرية في بناء هوية لشعوبها.
    وقامت حركة التحرر الوطني الفلسطيني الحديثة في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، وفي الشتات تحديدًا، وإن أصرّتْ على عقد مؤتمرها الأول في القدس الشرقية وهي في ظل السيادة الأردنية. وكان العمل الفدائي عبارة عن تسلّل لاجئين إلى أرض الوطن. لقد بدأ العمل الفدائي والفصائل المسلّحة كحركات لاجئين وأبناء لاجئين.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 34_30_ns

    حوفظ على الهوية عبر التأكيد على الانتماء للبلد. و«البلد» في عرف الفلاح في حينه هو قريته، وقد استخدم في وصف الوطن الفلسطيني لفظ «البلاد». هذا هو مجتمع الفلاحين الأصليين حيث لقطع الأرض أسماء تعرف بها، وليس أرقام قسائم و«بلوكات» كما شاء الإنكليز واليهود. كان المستوطنون اليهود أشتاتًا من أصقاع الأرض وعشرات الأقطار واللغات، ولكنهم سمّوا فلسطين بـ«البلد» أو «الأرض» (هآرتس)، والمقصود «أرض إسرائيل» (إيرتس يسرائيل). أما الفلسطينيون فأبناء وطن واحد ولغة واحدة، ولكنهم كنّوا بلدهم بـ«البلاد». هذا بعض من الفرق بين السكان الأصليين غير المستعجلين على عملية بناء الأمة، ولا على الإيديولوجية القومية من جهة، وحركة استيطانية من جهة أخرى، جاءت مسلحةً بآخر تجلّيات قوميات وسط أوروبا وشرقها، مزوّدة بأدواتها الفكرية القومية والاشتراكية، والاشتراكية القومية (ولكي لا أتهم بالتشبيه بالنازية، فإن هذه استعارة حرفية من المؤرخ اليهودي زئيف شطرنهال أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، في تسميته لحركة العمل الصهيونية، «اشتراكية قومية» بالحرف).
    كان إنجاز الحركة الوطنية الفلسطينية في الشتات هو بناء الهوية الوطنية الفلسطينية. ولذلك فإن الطامة الكبرى التي حلّت بحلول الاتفاقيات مـــع إسرائيــــل، هو تشتيت القضية الفلسطينية شظايا، وتفكيكها قضايا. قضية الضفة، وقضية القطاع، وقضية القدس، وعرب الداخل، والأردن، ولبنان، وهذا الشتات وذاك... ويعجبك من يطرح نفسه متحدثًا باسم كل شظية مطالبًا ألا تتدخّل بقية الشظايا في شؤونها، لأن أهلها أدرى بشعابها. لقد توقعتُ ذلك في أسبوع توقيع أوسلو في معرض تعليل رفض الاتفاق وأسميتُ هذه الصيرورة المتوقعة في حينه «كردنة أو تكريد القضية الفلسطينية»، لأن حالة الأكراد في حينه مثّلت بالنسبة لي مثالاً على قضايا مشتّتة بين دول لا قدرة لها على تشكيل حركة وطنية موحّدة. فما لبث الواقع الفلسطيني بعد أوسلو أن فاق أسوأ توقّعاتنا في حينه. واستحال الشتات الموحّد في قضية، شظايا.

    أما إنجاز المخيّم الفلسطيني الأساسي فيكمن في كونه شكّل مكانًا لبناء إنسان فلسطيني متمسّك بوطنه وبحق العودة، ومتعلّم، أو يحب أن يعلِّم أبناءه، وفدائي. كان المخيم تأكيدًا على عودة قريبة تبرّر العيش في مخيّم مؤقتا. وكان أيضًا مدرسة في النضال. فماذا يمسي المخيم لمن يقيم فيه ويسمع عن إمكانية التخلي عن حق العودة، وعن أن العودة بعيدة المنال؟ وماذا يصبح مخيم لم يعد يتاح له العمل الفدائي النضالي لأن الجبهات العربية كافة أقفلت أمامه؟ إنه يعني حيّ فقر كبيرا. هذا ليس سؤالاً نظريًا، بل هو حياة بشر لم يتخلوا عن حق العودة ولا يقبلون بالتسويات، ولا يرون مساهمة وجودهم في المخيم في تقريب حق العودة، إضافة إلى أنهم يبحثون عن فرصة لأبنائهم وبناتهم. لذا لا بد لأي حركة وطنية فلسطينية أن تجيب عن هذا السؤال الحتمي. وهو سؤال، لا تُعفى الدول العربية التي تريد سلامًا مع إسرائيل من دون حق العودة، من الإجابة عليه.
    يُستَخدم لفظ الشتات في سياق قضية فلسطين حيث المشبَّه هو الحقيقي، والمشبَّه به أسطورة. فالشتات، «دياسبورا»، (بالعبرية: جَلويوت، تْفوتسوت)، تشبيه من رؤية يهودية للوجود في أقطار العالم بعد خراب الهيكل بعيدًا عن الوطن الموعود المدعى وهو «أرض اسرائيل»، سواء كانت أرضًا دنيوية أو سماوية. اليهود في أوطانهم حيث يعيشون. أما الوطن الآخر فهو إيديولوجية دينية، حوّلتها الصهيونية إلى إيديولوجية قومية تعني بناء الدولة. ليسوا شتاتا. هذه التسمية كفيلة أن تثير غضب أي يهودي أميركي لأنها قد توحي أن أميركا ليست وطنه.
    في حين أن الشتات الفلسطيني هو لجوء حيّ من أرض الوطن الذي جرى تشريدهم منه بالأمس القريب. وما زال بعض جيلِ المشرّدين الأول حيًا يرزق. والشتات الفلسطيني في غالبيته هو تجمّعات فلسطينية في وطن كبير، هو الوطن العربي. ولم يكن هذا التشديد على كون المنفيّين لاجئين، نفيًا لانتمائهم لوطنهم الكبير، بقدر ما كان تأكيدًا على حق العودة الى الديار.
    وكما يبدو فقد غدتِ الوسيلة مؤخرًا هدفاً. فإذا كانت التعاسة تدليلاً على صحة لقب اللاجئ، ولقب اللاجئ إثباتًا للتمسك بفلسطين، فقد باتت التعاسة وسيلة. أما الهدف فليس التحرير والعودة. ففي ظل سياسات التسوية القائمة بين الدولة العربية بهويتها القطرية من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، أصبح التشديد على عدم التوطين وليس على حق العودة. أصبحت التعاسة القائمة في واقع اللجوء هي الدليل على تمسّك الفرد بهويته الوطنية، ولم يعد فقدان الوطن وحق العودة يكفيان دليلاً. وصار الهدف هو رفض التوطين في دولة عربية. وما حق العودة على شفاه العديد من الساسة إلا أداة لتأكيد عدم التوطين. وعدم التوطين لا يعني العودة إلى فلسطين، بل قد يعني التوطين في أستراليا أو كندا أو الدول الاسكندنافية. هناك يصبح اللجوء اغترابًا، والشتات جاليات.
    والغريب أن حق العودة الذي أُلصق حرجًا وإحراجًا في مبادرة السلام العربية من خارج سياقها، هو ليس شرطًا في واقع السلام المنفرد بين أي دولة عربية وإسرائيل، وخطابه. وقد تحقّق فعلاً اتفاقا سلام بين دول يعيش فيها لاجئون فلسطينيون وبين إسرائيل من دون أن يكون حق العودة أحد شروط هذه الاتفاقات. لكنه لا ينفك يكرّر ويكرّر في الاستهلاك الداخلي للشعار السياسي.
    فماذا يعني شعار حق العودة في ظل سلام موقّع أو منشود مع اسرائيل من دون أن يكـــون شـــرطه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين؟ لا يعني إلا تحوّله من موضوع صراع مع إسرائيل، إلى مسألة مطروحة في العلاقة بين الدولة القطرية والفلسطينيين الذين يعيشون على أرضها. ألا يفترض أن حق العودة هو مطلب موجه لإسرائيل وليس للفلسطينيين؟

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 34_8-9-1_ns
    في ظل نشدان السلام مع إسرائيل على أساس حدود الرابع من حزيران 1967، ومن دون حق العودة قد يعني شعار عدم التوطين أموراً كثيرة غير العودة. فهو يعني : 1. مناهضة الهوية العربية بخلق آخر داخلي عربي. ويُستغل هذا الآخر لبناء هوية وطنية داخلية عصبوية متطرفة، أي أن الآخر الفلسطيني يستخدم في صناعة هوية وطنية محلية. إنه أداة في سياسة الهويات، 2. تحويل الصراع الاجتماعي والسياسي في البلد المعني إلى صراع هويات، تستخدم فيه الهوية كإيديولوجية، كما في حالة الحركات القومية والمتطرفة والفاشــية والطائفية التي خــبرتها بلدان أخرى عديدة. 3. لا يعني مطلب عدم التوطين من دون برنامج سياسي لإحقاق حق العودة في إطار استراتيجية تحرير، إلا التهديد الدائم بالتهجير.
    يكتسب حق العودة معنىً في إطار استراتيجية تحرير. والتحرير هو برنامج سياسي وليس مجرّد خطاب إيديولوجي. ولا يقوم مثل هذا البرنامج إلا كجهد عربي وليس قطرياً. والتناقض الوجودي مع إسرائيل هو تناقض عربي أصلاً وليس تناقضاً قطرياً. أما في غياب برنامج عربي للتحرير ونهوض التسوية مع إسرائيل في إيديولوجية الدولة القطرية، فإن رفض التوطين هو مجرد شوفينية محلية، ولا يكون الرد عليه بالمناشدة الأخوية، بل بلغة الحقوق: حقوق المواطن، وحقوق المقيــــم، وحقوق الإنسان. فإذا لم تكن العلاقة مع الفلسطينيين علاقة قومية تقضي أن الدولة العربية هي جزء من الوطن العربي الكبير، وهو وطن الفلسطينيين أيضاً، فإن الرد هو ليس الخنوع لفكر عنصري عصبوي بل بلغة الحق. فما ينظّم العلاقة مع الفلسطينيين في هذه الحالة ليس معروفًا يُسدى لهم. لقد عملوا وأنتجوا وساهموا في بناء كل دولة عربية عاشوا فيها، قبل أن تتبلور هويتها الوطنية المحلية. ولا فضل فيها لأحد على أحد، ولا لهوية على هوية.
    يكتسب حق العودة معنىً في ظل صراع عربي مع إسرائيل. ولا بد للحركة الوطنية الفلسطينية التي ترفع حق العودة حقًا لا شعارًا، أن تنتظم في الصف العربي في ظل هذا الصراع. إذ إن حركة وطنية فلسطينية من دون صراع عربي إسرائيلي تتحوّل هي أيضًا إلى حالة قطرية تسعى لتسوية مع إسرائيل من دون حق العودة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:39

    الشتات الفلسطيني أمل بالعودة

    الفضل شلق
    يشكل الشعب الفلسطيني دياسبورا (شتات) حول العالم، وفي بلدان عربية متعددة، وحتى في أرض فلسطين والأردن. هم لاجئون في وطنهم. يعيشون على الأمل. الأمل هو وطنهم الحقيقي. يعتقدون ان الأمل يحقق العودة. ما تنازلوا عن حق العودة الى فلسطين. ما زالوا يحلمون بالعودة الى أرض فلسطين. ما زالوا يعتبرون فلسطين وطنهم. هم يشكلون شعباً محوره الأمل بالعودة الى الوطن الفلسطيني.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 38_p5-1_ns
    ما تنازلوا ولا تخلوا عن حق العودة. العودة هي حقيقة وجودهم. يمكن ان تكون هناك حقائق أخرى أساسية في وجودهم. لكن حقيقة العودة هي ما يقرر كل حقائق الوجود الأخرى لدى الفلسطينيين. لكل فرد منا هويات متعددة، في كل مرحلة تتقدم هوية على أخريات، وتكون لها الأولوية الأولى. الهوية الفلسطينية، التي انبنت على حق العودة، ذات أولوية على كل الهويات الأخرى لدى كل فلسطيني.
    يقول أحد كبار الباحثين في الهجرات على مدى الكرة الأرضية وعبر التاريخ الإنساني إن الأوطان تحدد نفسها بالموطن الحالي، وان الدياسبورات (الشتات) تحدد نفسها بالموطن السابق. تختلف قضية فلسطين عما عداها في العالم من قضايا. ما يميز قضية فلسطين هو أن الدياسبورا الفلسطينية، سواء كانت محلية أم إقليمية عربية أم دولية، تحدد نفسها بالمستقبل، بوطن المستقبل. بالعودة الى الوطن في المستقبل. هناك أهوال تفصل بين الواقع الراهن وبين هذه العودة. لكن العودة تشكّل الأمل. يشكّل هذا الأمل الواقع الاساس، المعنى الحقيقي. في الحياة الفلسطينية هو ما يعطي الحياة الفلسطينية المعنى والمغزى.
    أنشأت الوطن الفلسطيني دولة انتدابية بفضل اتفاقية سايكس بيكو، إبان الحرب العالمية الأولى، وفي الوقت نفسه كانت قد تأسست الوكالة اليهودية التي عملت خلال عهد الانتداب من خلال خطة مبرمجة محكمة لإخلاء المدن والقرى الفلسطينية من سكانها بالعنف والإكراه والمذابح فانتشر هذا الشعب داخل أرضه وفي الأقطار العربية، في المخيمات، وفي العالم تحت ظروف شتى. ثم أعلنت دولة اسرائيل عام 1948. عندها فقد الشعب الفلسطيني أرضه بعد نضالات عديدة مريرة طويلة ضد قيام هذه الدولة. خسر أرض فلسطين، حتى الذين بقوا منهم على أرضها، خسروا الوطن الأصيل برغم ان البعض منهم بقي داخل الوطن الأصيل الذي كان في ظل الاحتلال الاسرائيلي أشبه بالسجن الكبير. خسر الشعب الفلسطيني الوطن الأصيل. فتّش عن الوطن البديل. لم يجده إلا في المخيمات. عاملهم الذين استضافوهم من الشعوب العربية، برفق حيناً وبشدة أحياناً. ولكنهم ما شعروا إلا أنهم غرباء.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 38_p5_ns
    حياتهم في المخيمات دمغت حياة الذين عاشوا منهم خارج المخيمات. وحتى الذين نالوا شهادات جامعية وعملوا في الحرف المهنية العالية، ما شعروا إلا أنهم غرباء. تقصَّدت الأنظمة العربية في عصر الانتداب والاستقلال لاحقاً إشعارهم أنهم غرباء. لقد أُعيدت صياغة العرب في شعوب. والشعوب مستقلة ذات هوية. ومن مقومات الشعوب ذات الهوية ان تتعصّب ضد من عداها حتى ولو كان عربياً. هُجّر الفلسطينيون، من فلسطين، حسب خطة محكمة بالإكراه والقسر والمذابح. ثم استقبلوا كلاجئين في أراض عربية. وكان القصد من كونهم لاجئين أن يبقوا غرباء، وأن يبقى الشتات أسلوب حياتهم. بعض الشعوب تندثر في الشتات، أما الشعب الفلسطيني فقد تشكّل وأعيد تشكيله مرات عديدة في الشتات. وصولاً الى تشكيل حركة سياسية تعبّر عنه، ولو من دون وطن حقيقي. وطنهم الحقيقي بقي المستقبل. الأمل بالمستقبل.
    خسر الفلسطينيون موطن الأصل بواسطة التهجير (بالإكراه والقوة أي سياسة التطهير العرقي). حاولوا لفترة الاستعاضة عنه بوطن بديل. أدى ذلك الى اقتتال سياسي. والاحتكاك السياسي أدى الى العنف، مما قاد الى طرد حركتهم من الأردن الى لبنان في بداية السبعينيات. كان الوضع في لبنان في ذلك الحين ملتهباً بين الطوائف والطبقات. كانت الانقسامات السياسية أعمق. والانقسامات الاجتماعية والمطالب الناتجة عنها أكثر عمقاً. اضاف لجوء بعض الفلسطينيين الى لبنان الى وضعه المتفجر. اندمجوا او تعاونوا مع الحركة الوطنية. ظنّوا النضال السياسي والعسكري في لبنان وطناً بديلاً. مارسوا السلطة على جزء من الأرض اللبنانية، لدى جناح من جناحي الحرب الأهلية. انتهى الوطن البديل بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. أُخرج مقاتلون، حاول بعضهم العودة من دون طائل. ما عادوا، ما عادت القيادة ومن معها إلا الى فلسطين أرض العودة. بعد اتفاق أوسلو، على سيئاته، خسروا أيضاً الوطن البديل. أحس الذين منهم عادوا الى فلسطين بعد اتفاق اوسلو أنهم لم يعودوا الى الوطن المأمول، بل عادوا الى سجن كبير. يعرف الجميع كيف ولماذا قُتل الجنرال رابين، وهو الذي كان وقّع اتفاق اوسلو. ثم جاء بيريز الى رئاسة الوزارة، ثم جاء نتنياهو، وكان مشروع clean break ، الذي كتبه له صهاينة أميركيون، يهدف الى القطيعة مع اتفاق اوسلو. حتى اتفاق أوسلو لم يكن يرضي الصهاينة. ثم تتالت الهجومات والمذابح ضد الفلسطيني، وهي ما تزال مستمرة. والواضح كما قال أحد كبار المؤرخين الصهاينة قبل تركه اسرائيل للتدريس في بريطانيا إن هدف اسرائيل الحقيقي هو الترانسفير من الضفة الغربية، والإبادة الجماعية في غزة.


    لم يبقَ للفلسطينيين إلا حق العودة. لم يبقَ لهم إلا الأمل بالمستقبل. على ما في ذلك من مخاطر وأهوال. يتمسك الفلسطيني بالعودة لأنها هي ما يعطي حياته المعنى والمغزى. حياته من دون هذا الأمل خواء. هو مهمّش أينما عاش في أية بقعة من بقاع الأرض. لا معنى لحياته إلا إذا تمسّك بحق العودة الذي تحاول اسرائيل تجريده منه ونزعه من وعيه والتأكيد على نفيه، وفي جميع الاتفاقات المعقودة او التي سوف تعقد.
    هناك تناقض بين الشتات وحق العودة. في الشتات ابتعاد وتفرّق. وفي العودة تجمّع وتوحّد. يتعرض الفلسطيني للتناقض داخل ذاته، فهو مضطر الى الذهاب في الشتات من أجل حياة أفضل، وهو مضطر لأسباب تتعلق بالهوية الى التمسك بحق العودة واعتبارها حقيقة وجوده. هي حقيقة افتراضية، ما لم تتحقق. لكنها حقيقة تقرر وجوده بشكل أو بآخر. ما يساعده على ذلك هو العائلة واللغة. العائلة أصغر من شعب وأكبر من فرد. هي الحميم المحيط بالفرد في بلد الغربة. ليس لديه علاقة حميمة إلا مع عائلته القريبة. أما اللغة فهي عربية شاملة أكثر من فلسطينية. تذكره اللغة أن فلسطينيته مسألة عابرة. وأنه حالما يتكون في شعب فلسطيني، فإنه سيندمج في عروبةٍ ما، إذا تحققت، وأنه سيفقد وجوده كشعب مستقل رغم النضالات المريرة في سبيل أن يتشكّل كشعب.
    لا يعيش أحد (من العرب والبشر الآخرين) تناقضات الشعب الفلسطيني في الشتات، ولا مأساوية هذه الحياة بكل ما تتعرض له من قيود حتى في الدول العربية المجاورة. تتخذ القضية الفلسطينية خصوصيتها من هذه التناقضات الذاتية التي يعاني منها كل فلسطيني على أرض الوطن السليب أو في الشتات الهادف الى العودة. هي حياة مستلبة بالكامل.
    ربما خرج من هذه التناقضات العميقة أفكار وتجارب تضيء الدرب للشعب الفلسطيني وتضيء الدرب للأمة العربية. ربما اكتسب الفلسطينيون من تجربة الشتات ما يقدم إضافات عملية ونظرية للوعي العربي المشتت. ألا يعيش العرب وعياً مشتتاً؟ ألا يعيش بقية العرب في شتات الوعي وهم يقيمون في أرضهم؟
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:44

    عـن وطـن لـن يصبـح ذكريــات
    بيـتــي فـي القــدس


    بيان نويهض الحوت

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 43_26_ns
    اليوم الأخير الذي عشته في بيتي في القدس كان اليوم السادس والعشرين من نيسان، سنة 1948. كان الوالد قد اتخذ القرار أخيراً بسفرنا إلى لبنان لزيارة الأهل وقضاء فترة ريثما تهدأ الأحوال، ولم يكن توفر المواصلات سهلاً بسبب ندرة البنزين، وكان أخي خلدون قد غادر البيت باكراً بحثاً عن سيارة تقلنا إلى عمّان، وبقينا نحن ـ أبي وأمي وأخواتي وأنا والحقائب ـ في الانتظار.
    عاد أخي وهو يقول: «السيارة عند الباب». سأله والدي: «هل تأكدت من السائق أن لديه ما يكفي من البنزين»؟ «نعم». «وهل قلت له بأنني عائد معه إلى القدس من عمّان». «نعم».
    وهكذا.. بكل بساطة غادرنا. وكان كثير من الجيران قد غادروا قبلنا، وهم يتعجبون كيف نبقى في القدس ولنا في لبنان أهل وبيت. أذكر جارتنا «ست زكية» وهي تبكي بكاء مراً وتقول لأمي: «سأبقى وحيدة يا خالتي أم خلدون، سأبقى وحيدة»، وأمي تؤكد لها بأنها «بضعة أسابيع ونعود».
    أعترف اليوم بأنني كنت سعيدة في ذلك اليوم، وأكاد لا أصدق بأن حلمي برؤية جبال لبنان الخضراء سوف يتحقق. أنا من صغار الأسرة الذين ما كانوا قد زاروا الموطن الأول بعد بسبب الحرب العالمية وما تلاها.
    لم أتعجب من خلو الشوارع تقريباً من السيارات والبشر، لكن ما أثار قلقي أننا عندما مررنا بالقرب من مقبرة مأمن الله (ماميلا) رأيت أمي وأبي يتبادلان النظرات الحزينة، ورأيت الدموع تنهمر من عيني أمي. لماذا تبكي أمي؟ كنت أعرف أن ضريح أختي الحبيبة مها في ذلك المكان، وكم كنت أتألم عندما كانوا يرفضون أخذي معهم لزيارتها قائلين لي في كل مرة بأنهم سوف يأخذونني عندما أكبر. كنت أتمنى أن أزور ضريحها ولو مرة، فأنا أحبها ولا أعرفها، كانت تكبرني عمراً وقد اختارها الله إلى جواره وهي في الثالثة. هل حقا أننا قد لا نعود كما قالت الست زكية؟ لا.. مستحيل. لا.. ممكن. إذاً لماذا تبكي أمي وكأنها تمر بضريح مها للمرة الأخيرة؟
    أعوام مرت قبل أن أعترف لأمي بمخاوفي في تلك اللحظات، لكنها لحظات ومرت. ولا تقاس مخاوفها بمخاوف الأعوام التي تلتها، بل العمر الذي تلاها.
    ما كان والدي ليتحدث كثيراً عن الأيام التي عاشها في القدس قبل سقوطها، وكذلك أخي خلدون، وهو من أوصلنا من عمّان إلى دمشق، وبعد أربعة أيام قضيناها في ضيافة الخالة أنيسة أوصلنا إلى رأس المتن في لبنان، مسقط رأس والدي، ثم عاد إلى القدس في صباح اليوم التالي. ما عرفته عن أيامهما الأخيرة تلك، عرفته على مدى العمر. كان كل منهما لا يتكلم إلا رداً على سؤال. جزء من مأساة ضياع الوطن.. إننا نعتقد أننا نتكلم كثيراً عن ضياعه، غير أن العمر يمضي قبل أن نكتشف أن ما لم نتكلم عنه أكثر بكثير مما ذكرناه أو تذكّرناه.
    المرة الأولى التي استمعت فيها إلى من يتحدث أمامي بإسهاب عن مصير بيتي في القدس كانت في أوائل الخمسينيات، وكنا قد غادرنا لبنان لنقيم في عمّان، حيث استقر والدي. اقترب عيد الميلاد، وكانت مفاجأة يوم أذنت إسرائيل للفلسطينيين بزيارة أقربائهم في الأردن، مشترطة عليهم بأن يقضوا سحابة يوم العيد فقط، ثم يعودوا من بوابة مندلبوم قبل انقضاء النهار. كلنا انتظرنا على أحر من الجمر زيارة الست إميلي والست إدما، وهما شقيقتان وجارتان لنا في البقعة الفوقا، إذ توقعنا أن تقوما بزيارة أخت ثالثة لهما في عمّان، ومن ثم تأتيان لزيارتنا. وكان قرع على بوابة الحديقة في الثالثة بعد الظهر، فهرعنا جميعنا لنفتح البوابة.
    قالت الست إميلي بأنهم ـ أي الإسرائيليون ـ ما تمكنوا من فتح باب بيتنا أول مرة (كان الباب من حديد صلب يصعب جداً قهره ويقع في منتصف الدرج الطويل المفضي إلى الدور الثاني). غير أنهم سرعان ما جاؤوا بسلالم عالية فتسلقوها حتى وصلوا إلى الشرفة الكبيرة وتمكنوا من فتح بابها. وقد أعربت الست إميلي عن الدهشة التي أصابتها من إصرارهم على الدخول هكذا، فهم لن يستطيعوا سكنى البيت بواسطة السلالم المؤقتة، لكنها عادت لتقول بأن السبب اتضح سريعاً حين توقفت أمام المنزل شاحنة كبيرة فارغة، وشاهدت عدداً كبيراً من الشباب يعاونون بعضهم بعضاً، منهم من يقذف بالكتب من الشرفة إلى الحديقة، ومنهم من يجمعها، ومنهم من يوصلها إلى الشاحنة حيث يتولى آخرون تكديسها فوق بعضها البعض. ولم يتعبوا. استمروا هكذا لساعات عدة حتى تمكنوا من السطو على المكتبة كاملة. وقد علمت السيدة اميلي فيما بعد، من السكان اليهود الذين احتلوا البيت بأنهم وجدوا خزانات الكتب كلها فارغة.
    طوال الحديث لم ينبس والدي بكلمة واحدة. سؤال واحد وجهه في النهاية للست إميلي: طمئنيني عنكم، وعمّن تبقّى من الجيران؟
    كانت السنوات تمضي.. ومكتبة والدي الجديدة في عمّان تكبر، حتى بت أتجرأ على سؤاله عن هذا الكتاب أو ذاك، إلى أن رأيته مرة يكاد لا يستطيع الإجابة وهو يقول بصوت منخفض وألم: «كان عندي في مكتبتي في القدس». ولما قالها للمرة الثانية ما عدت أجرؤ على سؤاله عن أي كتاب، كنت أنتظر خروجه من البيت حتى أبحث بمفردي..
    بعد أكثر من نصف قرن على حديث الست إميلي، قرأت مقالاً عن مصير المكتبات الخاصة في القدس الغربية بالذات، للكاتب الإسرائيلي غيش عميت (مجلة Jerusalem Quarterly ، العدد 33، 2008، 7ـ 20)، وعنوانه: «أشياء لا مالكين لها؟ حكاية الكتب التي خلفها الفلسطينيون وراءهم سنة 1948». وفي نهاية المقال لائحة بأسماء مكتبات في أحياء البقعة والقطمون والطالبية والمصرارة وغيرها.. وعلى رأس اللائحة «مكتبة عجاج نوبهض ـ البقعة». عجبت حقاً من الكاتب الذي حاول جاهداً أن يظهر بمظهر الباحث عن الحقيقة، غير أنه نقل من غير تعليق ما ورد في تقرير «المكتبة الوطنية» عن الفترة ما بين كانون الثاني 1948 وحزيران 1949: «الكتب الفلسطينية لم يكن لها مالكون بالأصل. الكتب وُجدت ببساطة، مبعثرة تحت رحمة من يمر بها، حيث كان ممكناً أن يتعثر المار في الشارع بمجموعة من الكتب مجهولة المصدر»، وفي أكثر من مكان يشيد الكاتب بالجيش الإسرائيلي الذي بذل الجهود «المضنية» لجمع الكتب!!
    أين هذا التجني الفاضح من الواقع؟ جميع أصحاب المكتبات المذكورة أسماؤهم لا يمكن تصور مشهد كتبهم ملقاة في الشوارع. وأين هذه الترهات من رواية الست إميلي التي شاهدت بعينيها كيف تمت سرقة مكتبتنا بتخطيط مسبق واقتحام علني للمنزل في وضح النهار؟ ثم إن والدي لم يترك مكتبته وراءه كما قال التقرير، وهو من الذين لم يغادروا القدس أصلاً، والحكاية معروفة.
    ومن المكتبة إلى البيت.
    كان بيتنا في حي البقعة الفوقا، في شارعها الرئيسي مقابل سكة الحديد، وكنا من شرفة بيتنا نشاهد جزءا من الشارع التجاري الكبير الذي تتباهى به جارتنا البقعة التحتا، وكذلك كنا نشاهد أمامنا حي القطمون المرتفع على هضبة، والذي كان من الأحياء الجديدة، ومعظم ساكنيه يبتني الفيلات الأنيقة. أما حينا فكانت بيوته قديمة الطراز، يعلوها القرميد ذو اللون الأحمر الباهت قليلا، وعلى النسق الألماني إجمالاً، وكانت الكولونية الألمانية من أقرب الأمكنة إلى بيتنا، كذلك كانت محطة سكة الحديد.
    لو سئلت ما أكثر ما كان شارعنا الطويل يتميز به لقلت من دون تردد إنها أشجار الكينا الباسقة، والتي منها تعلمت الكبرياء مع الخشوع لله. أما الهدوء فكان شاملاً، حتى السيارات كانت لا تمرّ في شارعنا إلا قاصدة منزلاً معيناً، ونادرا ما تملك أحد السكان سيارة خاصة.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 43_27_ns
    أذكر بأننا كنا نشعر بأننا سعداء جداً لأننا في القدس، المدينة التاريخية العظيمة، ليس فقط لأننا هكذا تعلمنا في البيت والمدرسة، بل لما كنا نشاهده بعيوننا في المدينة العتيقة وأيدي الكبار تمسك بأيدينا خوفاً من أن نضيع في الزحام، كنا نشاهد أقصاها وقيامتها والدرج الطويل الذي مشى عليه السيد المسيح، وكذلك كان إعجابنا كبيراً بأبوابها وقبابها وأزقتها، حيث في كل زاوية هناك تاريخ.. غير أننا كنا نحبّ أيضاً شارعنا الذي لا عبق للتاريخ فيه، وكانت سعادتنا تتضاعف مع شعورنا بأن شارعنا لنا وحدنا، وكأن القدس قدسان، قدس للجميع وقدس لنا نحن وحدنا ـ نحن الصغار ـ حيث كنا في شارعنا نلعب الغمّيضة، ونركض وراء العجلة (الدحديله) بلا رقيب، وكنا نركب الطائرات الورقية، ونحسد بنات الحي المجاور في سهل البقعة الفوقا ـ السهل الواقع خلف بيوتنا ـ فطائراتهن كانت ترتفع أكثر من طائراتنا. لكن.. يا لغبائنا، هن كن يتمتعن باللعب في سهل واسع وكأنّ لا حدود له، ونحن يحد شارعنا سكة الحديد من جهة، وتحاصرنا من الجهة الأخرى أصوات الكبار بألا نقترب من السكة.
    حقيقةً.. لم نكن نبالي، كان القطار صديقاً حميماً لنا، نسعد بصفيره، ويدهشنا جبروته، وكأننا في كل مرة يمر فيها نراه أول مرة. ومن شدة التعب من اللعب كنا نأوي إلى بيوتنا حتى قبل المغيب أحياناً. ولا أنسى كم كنت أشعر داخل البيت بأمان عجيب لا أدري اليوم سبباً له، خاصة أن الأحداث كانت تتفاقم في الأشهر الأخيرة. لكن ما مر يوم خطر لنا فيه أن يكون ذاك العام هو عامنا الأخير في القدس.
    هل أسمح لنفسي بالعودة بالذاكرة إلى بيتي؟ ولو قليلا؟
    كان البيت متسع الأرجاء، فيه سبع غرف وليوان كبير كنا نقضي فيه كعائلة معظم الأوقات. في إحدى زوايا الليوان كان يقبع الراديو/المذياع، ونحن حوله نتحلق لنستمع إلى الأخبار، وكثيراً ما كانت أختي الكبرى «نورا» تطلب منا بحزم أن نسكت كي تستمع إلى عبد الوهاب. أمّا قرب المدخل فكان هناك التليفون الثابت المكان ورقمه (4702)، كان يسعدني أن أكون أول من يرد على التليفون لأسجل لوالدي أسماء أصدقائه وأصحاب الدعاوى منذ عاد إلى المحاماة. وكان لليوان باب واسع يأخذنا إلى الشرفة العابقة صيفاً بالريحان والفل والياسمين الذي لا يخلو منه بيت في القدس، أما ملك الأزهار على شرفتنا فكان عرف الديك المخملي الخمري.
    كنّا نسكن الدور الثاني، ويسكن الدور الأول جارنا الأستاذ العلامة باللغة العربية، عادل جبر، ولا أنسى الليالي الطوال وهو في الصالون مع والدي يتناقشان في مسألة تاريخية أو فقهية أو لغوية، ويناديني والدي كي آتيهما بكتاب ما. كانت تلك من أسعد اللحظات لديّ، فأنا مؤتمنة على مكتبته، وكنت أعرف مكان الكتب، ولا أذكر أن والدي قال لي مرة: «لا تقربي هذا الرف»، أو «أن هذا الكتاب ممنوع». فالكتاب عنده توأم الحرية.
    كنت أدرك أن بيتنا لم يكن من البيوت الثرية ذات الأثاث الفاخر، وكنت أسخر ممن يعتقدون بأهمية المظاهر. كنت أحبّ في بيتنا الكتب موزعة في كل ركن، وليس في غرفة والدي وحدها حيث كانت هناك سبع خزائن على طراز واحد، كان لكل منا له مكتبته الخاصة، حتى أختي الصغرى جنان كانت لها رفوفها العامرة بكتب الأطفال. وكان والدي مغرماً أيضاً باللوحات الفنية، ولا أدري من أين ابتاع لوحة زيتية للقائد خالد بن الوليد، فعلقتها أمي في صدر البيت. ولا أنسى ثلاثة أشياء أحببتها جداً في بيتنا: تلك اللوحة، وتلك المكتبة، وذلك الهدوء النفساني على الرغم من الاضطرابات في الخارج، فداخل البيت كان هناك الأمان. وكان هناك حلمي بأن أكبر وأدرس الحقوق كما درس والدي!
    أذكر يوماً ليس ببعيد سألني فيه أحدهم من غير مقدمات، وكأني به كان يعرف الجواب: «بالتأكيد كان بيتكم في القدس ملكاً لكم. أليس كذلك»؟ وأجبت ببساطة: «لا. كان بالإيجار». وهنا علت الدهشة المصطنعة وجهه: «اذا، اسمحي لي بأن أقول لك بأنه من المستحيل على امرئ لم يكن صاحب ملك أن يشعر بما أشعر به أنا مثلا. أنا بيتي وبساتين الزيتون التي كنا نمتلكها أغلى عندي من الدنيا كلها. قولي لي بصراحة يا أختاه: أنت هل تملكين غير الذكريات»؟
    ليس يعنيني الآن كيف أوقفت الحوار مع إنسان كهذا، بل جل ما يعنيني هو السؤال الذي يقض مضجع شعب بأسره، ألا وهو السؤال عن العودة. هناك من يعتقد بأن العودة ما هي إلا مجرد العودة إلى البيت أو البيارة أو البستان المتوارث أبا عن جد، فكيف ستكون هذه العودة «إذا» وقد غيرت إسرائيل من معالم فلسطين كلها؟ دمرت قرى بأكملها، ومحت أسماء مدن، وهدمت ما تشاء من شوارع وأبنية، واحتلت داخل البيوت قبل البيوت، فكيف ستكون هذه العودة؟
    أنا أعجب من مجرد السؤال. وأطرح سؤالاً بدوري: نحن متى غادرنا بلادنا حقاً كي نعود إليها؟ ألا تعيش بلادنا في حنايانا ليل نهار؟ أليست هي معنا؟ ومن قال بأن الوطن ليس إلا بيتاً وحجارة وصك ملكية؟ مثل هذا الصك أو السند يسمى ـ بالمناسبة ـ في فلسطين بـ«الكوشان».

    أما الواقع فهو أن هناك كثيرين ما زاروا فلسطين مرة، غير أنهم يحبونها ألف مرة أكثر من محدّثي ذاك.
    سألت أخي يوماً بأنه لو استطاع الوصول إلى بيتنا في القدس، ولو كان البيت ما زال كما كان، ولو كان له الحق بأن يأتي معه بشيء واحد، فبماذا يأتي؟ كان جوابه حاضراً: «ألبومات الصور». وسألت والدي يوماً السؤال نفسه، فأجاب بحسرة: «أعود بمراسلاتي مع أصدقائي». وسألته: «وإن لم تتمكن من حملها كلها»؟ أجابني: «أبدأ برسائل الأمير شكيب أرسلان».
    أما لو طرحت السؤال على نفسي، فأقول بأنني أعود ومعي لوحة خالد بن الوليد، وأعترف بأن ليس لي من أمنية سوى أن أزور بيتي مرة، ولو في ظل الاحتلال. أعرف أن حديقتنا تغيرت، ماتت فيها أشجار المشمش والرمان والبيلسان، وابتلعت الأرض زهرات كأس القاضي وأوراقها الخضراء التي كانت تعربش على الجدران وتمتد على كل ذرة من تراب الحديقة. وقد شاهدت أخيراً كيف اقتُطع جزء من الحديقة كي يتحول إلى موقف للسيارات على الشارع، كذلك شاهدت من خلال الصور والفيديو الذي صوره لي صديق دبلوماسي ألماني، سنة 1996، أن بيتي أصبح له رقم، وهو الرقم 19 في «رحوف هاركيفيت»، أي «شارع القطار».
    ربما ذاك كله مجرد حنين. غير أن الحنين ليس من المحرمات. وزيارة الإنسان لبيته ليست من المحرمات.. ويبقى السؤال:
    ما هو البيت؟ وما يعنيه؟
    البيت هو الوطن. وعندما تكون فلسطين هي الوطن، لا تغدو وطناً لأهلها فقط، بل لجميع أحبائها وجميع المؤمنين بتاريخها وحضارتها وتراثها وأقصاها وقيامتها.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:48

    «قانون العودة» الإسرائيلي
    تبديد لحق العودة الفلسطيني


    حلمي موسى

    أعمى الغضب الدولي على المجزرة البحرية ضد أسطول الحرية أبصار الإسرائيليين الذين حاولوا تفجير حقدهم في المواطنين العرب من الفلسطينيين الباقين على أرضهم في مناطق 48. وصرخت عضو الكنيست الليكودية ميري ريغف ضد عضو الكنيست العربية حنين الزعبي التي كانت على متن أسطول الحرية وقت المجزرة: «إذهبي إلى غزة يا خائنة!». كما أن متظاهرين يهوداً مؤيدين للعملية العسكرية ضد نشطاء السلام حاولوا الاعتداء على مراسل عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية لإحدى الفضائيات العربية وصرخوا ضده بأن عد إلى «صحراء العرب».
    ومثل هذه الهتافات العنصرية معهودة وقديمة ولكنها باتت أكثر حدة. ففي الكنيست يرد أعضاء الكنيست العرب على هذه الهتافات بأنهم «أبناء البلد» وعلى المهاجرين من روسيا وسواها العودة إليها. وقرب ميناء أسدود, البلدة العربية, التي غدت غيتو روسياً بامتياز رد المراسل العربي على جمهرة الغاضبين: عائلتي هنا منذ 600 عام, منذ متى عائلاتكم هنا؟
    والواقع أن المجتمع الإسرائيلي يقفز عن كل المعطيات ويحاول أن يتعاطى مع الأقلية العربية الباقية على أرضها بوصفها عنصراً شاذاً وغريباً. وكثيراً ما أوحى للعرب بأن بقاءهم على أرضهم ليس حقاً بل منة من الدولة اليهودية التي سمحت لهم بالبقاء ولم تطردهم كإخوانهم الذين باتوا لاجئين في الضفة والقطاع أو في الشتات الفلسطيني.
    وعلى الدوام لعب «قانون العودة» الإسرائيلي دوراً مركزياً في تهيئة الأرضية الفكرية والقانونية للتضييق على الفلسطينيين الباقين على أرضهم في الدولة العبرية وإبقائهم كمواطنين درجة ثانية. ويشكل قانون العودة الآلية النقيضة لحق العودة الفلسطيني الذي كفلته القوانين والقرارات الدولية.
    فقانون العودة الذي سنته الكنيست العام 1950 لينظم الهجرة الفردية والجماعية رسمياً بعد أن كان الأمر حكراً على الحركات الصهيونية ينطلق من فكرة أساسية وهي أن إسرائيل «دولة الشعب اليهودي» في كل أرجاء العالم. وبالتالي فإن بوسع كل يهودي نيل الجنسية الإسرائيلية فور وصوله لإسرائيل إذا كان قد رتب هذا الوصول وفق قانون العودة. وأعطى القانون لوزير الداخلية صلاحية الحرمان من هذا الحق لمن يمكن أن يضر بأمن إسرائيل وسلامة سكانها.
    ومنذ البداية دار الخلاف حول ماهية اليهودي المخول بممارسة هذا الحق, في ضوء الاختلافات القائمة بين التيارات الدينية اليهودية وكذلك الاختلاف بين حاجات الصهيونية والتعريف الديني. وقد حلّ بن غوريون في حينه هذا الخلاف بالصيغة التي عرفت بـ«الأمر الواقع» وهي التي تحدد العلاقة بين الدين والدولة. ومن الجائز أن أحد أبرز من حاولوا الدفاع عن تلك الصيغة كان شمعون بيريز في الكنيست 1985 حينما أكد أثناء نقاش لتعديل قانون العودة على أن هذا القانون «صهيوني بطبيعته أكثر منه قانوناً دينياً». ورفض بذلك محاولة تعريف اليهودي وفق «الهالخاه» (الشريعة اليهودية) التي تحصر اليهودية بمن ولد لأم يهودية أو تهود وفق المذهب الأرثوذكسي.
    ومن الطبيعي أن الإصرار على سن «قانون العودة» عنى تأكيداً على عدة عناصر في الوقت ذاته: الإقرار من دون نقاش أن فلسطين وطن قومي ليهود العالم يعودون إليه ليس فقط بفعل وعد إلهي وإنما بموجب حق قانوني. كما أن هذا القانون وفّر الأساس الحقوقي للتمييز ضد الفلسطينيين الباقين على أرضهم، لأنه أصرّ على أن هذه دولـــة اليهود في العالم بمن فيهم من لا يريدون الهجرة لإسرائيل. وعكس هذا القانون نفسه في كل أسس القوانين التي تميّز ضد العرب حيـــث تشير تلك القوانين صراحة إلى حقوق من عـــادوا بفـــعل «قانون العودة» حيناً أو سبق لهم أن أدّوا «الخدمة العسكرية» حيناً آخر.
    ويمكن القول إن «قانون العودة» والقانون الذي ينظم علاقة «الكيرن كييمت» بـ«دائرة أراضي إسرائيل» وهما الجهتان المتحكمتان بالأراضي العامة في الدولة العبرية يوفران أغلب أسس التمييز ضد الفلسطينيين الباقين على أرضهم. وقد منحت الدولة الصهيونية لـ«كيرن كييمت» نوعاً من احتكار أغلب الأراضي العامة. وهي التي كانت ملكا للفلسطينيين لإعفاء الحكومة من الاضطرار لتوفير أراض للعرب. فالـ«كيرن كييمت» خاصة باليهود وأراضيها تخدم اليهود. وبالنتيجة فإن مدينة تاريخية مثل الناصرة تأوي حوالى 80 ألفاً من العمر لا تملك من الأراضي سوى 17 ألف دونم فيما أن «الناصرة العليا» التي أقيمت لليهود على أراضي الناصرة التاريخية وتأوي حوالى عشرة آلاف نسمة تملك أرضاً تزيد مساحتها عن 70 ألف دونم.
    والواقع أن «قانون العودة» الإسرائيلي هو أبرز تجسيد لمعادلة التكريس/التبديد التي تحكم العلاقة العربية الإسرائيلية. فكل تكريس لزعم يهودي في أرض فلسطين أو عليها هو بالتأكيد تبديد لحق فلسطيني والعكس صحيح. وهذا يفسر ذلك الرفض الإسرائيلي المطلق والجامع لحق العودة الفلسطيني. وقد سبق لأرييل شارون أن برر قراره بالانفصال عن غزة وتفكيك المستوطنات فيها بالفشل في توطين عشرات إن لم يكن مئات الألوف من المستوطنين فيها. كما أن مشروع منع قيام دولة فلسطينية دفع شارون, وهو وزير للدفاع, لدعوة المستوطنين لاحتلال كل رابية وتلة في الضفة الغربية والاستيطان فيها. فالحضور اليهودي في مكان يعني واقعياً الغياب العربي أو الفلسطيني عن هذا المكان.
    والتجربة التي عاشها الفلسطينيون في مناطق 48 أكبر دليل على ذلك. فهم, ورغم امتلاكهم الجنسية الإسرائيلية, يعانون من اعتبارهم رسمياً «قنبلة ديمغرافية» وفعلياً من اتهامهم بأنهم «طابور خامس». ولهذا تجري بشكل منظم عليهم عملية اضطهاد منظم تجد تعابير لها في العديد من الأوجه، أبرزها الإهمال والتهميش من ناحية والاستهداف من ناحية أخرى. ورغم أن الفلسطينيين الباقين على أرضهم يمثلون حوالى 20 في المئة من سكان الدولة العبرية إلا أنهم على سبيل المثال لا يحتلون سوى 2 في المئة فقط من الوظائف الرسمية. وإذا كانت الممارسات القمعية ملحوظة بشكل وافر في إخضاعهم الدائم للرقابة الأمنية واحتلال جهاز الأمن العام «الشاباك» مكانة مركزية في التوظيف حتى في الجهاز التعليمي أو في سدنة المساجد فإن أوامر من وزير الداخلية, وبغطاء قانوني, باتت تمنع فلسطينيي 48 من الزواج من فلسطينيين من الضفة والقطاع.
    الحاضر الغائب
    ولكن كل معادلة العلاقة بين العرب واليهود في الدولة العبرية تجد تجلياتها في ما اشتهر على تسميته بـ«قانون الحاضر الغائب», و«القرى غير المعترف بها». فقانون الحاضر الغائب يتعلق بحوالى مئتي ألف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية و«حاضرون» فعلياً فإنهم غائبون رسمياً. ولا يمكن فهم هذه المفارقة إلا إذا عرفنا أن إسرائيل سنت قانوناً يعرف بـ«قانون أملاك الغائبين» ينظم عبر «وصي على أملاك الغائبين» علاقة الدولة العبرية مع أملاك الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم وباتوا لاجئين خارج حدود هذه الدولة. ولكن إلى جانب من صاروا «غائبين» في الضفة والقطاع والدول العربية ودول الشتات بقي «لاجئون» في وطنهم، وإن لم يكن بالضبط على أرضهم. واعتبر القانون هؤلاء الناس «غائبين» حتى لا يتمكنوا «قانوناً» من ممارسة حقهم في امتلاك أرضهم وإدارتها. إذ لا يمكن سلب هؤلاء حقهم في أرضهم وأملاكهم من دون اعتبارهم «غائبين». وهكذا باتوا غائبين لا يحق لهم التمتع بحقوقهم على أرضهم وإن كانوا يتمتعون بحقوق مدنية أخرى كالمشاركة في الانتخابات. ويحظر القانون على «الغائب الحاضر» محاولة استرداد ملكيته مهما حمل من أوراق واثباتات. وكثير من أراضي «الحاضرين الغائبين» تقع على مقربة من أماكن سكناهم، لكنها باتت ضمن مخططات هيكلية أو أراض زراعية لكيبوتسات أو موشافات زراعية يهودية.
    وفضلا عن ذلك هناك القرى غير المعترف بها وهي قرى قائمة غير أن عدم الاعتراف بها كان يعني عدم شق طرق إليها وعدم وضعها على الخارطة والأهم عدم تقديم الخدمات البلدية أو الاجتماعية لها. فانعدمت في هذه القرى المدارس وخطوط الكهرباء والمياه وخطوط المواصلات العامة. وفي الماضي تشكلت لجنة للدفاع عن حقوق أربعين قرية كهذه غير معترف بها. ومع الوقت تمّ الاعتراف ببعض هذه القرى إلا أن المشكلة تعمقت أساساً في القرى البدوية في النقب. وبديهي أن الغرض الأسـاس من عدم الاعتراف بالقرى هذه هو الطمع من جهة بأراضيها وعدم إفساح المجال لأهلها لتطوير أنفسهم على أرضهم والاضطرار للرحيل للسكن في قرى أخرى توجد فيها الخدمات الصحية والبلدية والتعليمية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:52

    المخيـم والأحـلام الـغـائـرة والـهـويـة الـنـاقـصـة

    صقر أبو فخر

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 47_p9_ns
    كان إعلان قيام إسرائيل في 14 أيار 1948 إعلاناً عن الشروع في عملية سياسية وثقافية معقدة غايتها القصوى اندثار المكان الفلسطيني الذي ظهرت فوق سهوله البهية وجباله المتعالية وسواحله الهادرة وقفاره البديعة حضارات شتى تعاقبت منذ آلاف السنين، وتنافست على كتابة أروع صفحات التاريخ في هذه المنطقة. والمكان لدى الفلسطيني حالة فريدة ولا مثيل لها ومضنية، وهي تحمل في ثناياها توقاً معذِّباً إلى العودة إلى المكان الأصلي. فإذا كانت جميع الشعوب والجماعات والأقوام تعيش في أمكنة لها، فإن الفلسطينيين وحدهم على الأرجح من بين الشعوب والأمم هم الذين يسكن المكان في أفئدتهم أينما ارتحلوا؛ إنهم يعيشون في أمكنة كثيرة متباعدة ومتقاربة، لكنهم لا يعيشون في مكانهم المخصوص على الإطلاق.
    فلسطين هي المكان الأصلي، لكنها صارت المكان المتخيل والفردوس المفقود الذي ما برح يعيش تحت أجفان الفلسطينيين كحلم. أما المكان الواقعي فهو المخيم. وبين الحلم والواقع يتردد أنين الفقد والمنفى في كل يوم. فلسطين هي المكان الذي دون الوصول إليه عذاب وارتحال وموت... هو المكان الأبهى المنسوج بخيوط الذاكرة وعذابات الهجر، وهو لا يزال، بحسب أحلام اللاجئين، ينتظر عودة من غادره. غير أن المخيم تحول، بتراكم السنين، إلى فلسطين البديلة والمستنسخة. ففي المخيم تعلّم اللاجئ كيف يحافظ على روابطه العائلية، وعلى لهجة آبائه، وعلى ميراثه البشري وحتى على انقساماته القروية التقليدية. ومن هذه العناصر كلها كان يصوغ هويته في المنفى، أي الرحيل في كل يوم إلى أرجاء فلسطين المتخيلة، والعيش في كل يوم في المخيم، أي في فلسطين المصغرة. لكن هوية اللاجئ في المخيم ظلت ناقصة، فوطنه المتنائي ما انفك يتنائى. و«وطنه» الواقعي يلفظه ويرفضه ويعزله. وتضاءل المنفى حتى صار مجرد «مسطبة» عليها مجموعة من أصص الحبق، أو مجرد شرفة عليها بضع تنكات من الورد، أو «سطيحة» نبتت عليها عريشة لا جدوى منها إلا بعض الظلال في النهارات القائظة.
    لعل من مفارقات هذه التراجيديا الإنسانية أن الإسرائيليين يعيشون اليوم في المكان الفلسطيني نفسه الذي لا يكف الفلسطينيون عن استكشاف أي طريق للعودة إليه. ها هم الإسرائيليون يرتوون من مياه الآبار التي حفرها أجداد اللاجئين، وينامون في منازلهم التي غادروها بالقوة قبل اثنتين وستين سنة، وكان أجدادهم بنوها بدأب النملة ومثابرة النحلة.
    أخفى المخيم خلف جدرانه الرطبة إرثاً متراكماً من حكايا الليالي المسهدة، وأغاني القرى، ونحيب التذكر. لكن أثمن ما كان يحتويه الصور المعلقة وألبومات العائلة وأوراق الطابو ومفاتيح البيوت المهجورة. وهذا الإرث يكاد أن يضيع في لجج العنف التي لم تتوقف البتة؛ فكم دُفنت تحت ركام المخيمات ثروة من هذه المطمورات الثقافية والإنسانية التي لا يمكن استعادتها قط.

    *****
    كان المخيم هو المكان الأثير لإعادة صوغ الوطنية الفلسطينية، والفضاء الرحب للتمرد، ولاختبار عوالم جديدة من الحرية. كان ذلك في زمن الأحلام الكبرى ومناطحة السماوات لاستعادة الأرض. أما اليوم فيبدو المخيم كأن لا شأن له في هذه الأشواق كلها. صار مكاناً للسأم وللجلوس على نواصي الطرق أو في مقاهي الأزقة، واجترار الكلام على الخيبة، وعلى إمكانات الرحيل وذم الزمان وصنع النقمة، والانجراف نحو التعصب والتدين المشيخي.
    يدور الكلام في أفواه الكبار عن الذين رحلوا، وعن الأبناء الذين هاجروا. أما أحاديث الشبان فتدور، في معظمها، على الأصدقاء الذين غيّرت المهاجر حياتهم، وعن جواز السفر الأوروبي الذي يتيح للفلسطيني اللاجئ إمكان التنقل بحرية، والعيش بكرامة، وفوق ذلك احتمال زيارة فلسطين، وقبل ذلك كله الخلاص من بؤس المكان.
    يقع المخيم، في الغالب، عند أطراف المدينة. والعلاقة بين المدينة والمخيم علاقة تنافرية تماماً. المدينة تقمع اللاجئ وتمنعه من الانخراط في نسيجها وتبعده عن اشتيار أعسالها أو جني طيباتها. وهو، بطبيعة الحال، غير قادر على هذا الأمر لضيق ذات اليد أو لأنه غريب في الأساس. إنه يعمل فيها ويكرهها ويحبها في الوقت نفسه. المدينة لهؤلاء مثل المخدر: يشتاق إليها إذا ابتعد عنها، ويرغب بشدة في تركها والرحيل عنها.
    ما أصعب ليالي الصيف على أبناء اللاجئين في المخيمات اللبنانية. كل ما في هذه المدن مشتهى ومثير ومرغوب بقوة. لكن بينهم وبين هذه الشهوات دنيا من الصد والمنع والكف واللفظ والرفض. ولا يبقى لهم إلا إظهار ذكوريتهم فوق أرصفة الروشة أو الحمراء أو المنارة، ليعودوا بعدها بالخيبة عند الأماسي، وينطووا على هوياتهم المجروحة. وفي الليالي، بعد أن تقفر الأزقة وتوصد الأبواب، لا شيء يستحوذ على أخيلة هؤلاء الشبان إلا أشرطة أفلام الجبابرة والأجساد المثيرة... إنها البهجة الوحيدة المتاحة التي تجعل الحدقات تتسع حتى النهايات.

    *****
    كان المخيم وطناً مؤقتاً، واستراحة على طريق العودة. أما اليوم، حيث لا أحلام كبيرة ولا مقاومة أو كفاح، ولا وعد بالكفاح والمقاومة، فقد صار منفى. والأقسى أنه صار محطة على دروب الرحيل نحو عوالم مترامية ومتباعدة. الآن حقاً يفقد هذا المكان فرادته، ويختفي فيه ذلك الميراث الإنساني الذي شكل شعلة النار المقدسة والهادية طوال نحو خمس وثلاثين سنة. إنه، بهذا المعنى، يكاد يندثر في هذه الأيام.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:54

    صورة مقرّبة لمخيم تضيق فيه الحياة: عـين الحلـوة

    جهاد بزي
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 49_28_ns
    لا مفرّ. مهما تكررت زياراتك إلى أي من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ستظل تنتبه إلى المفارقة: هنا، يمكن لجدران البيوت المتلاصقة حد التداخل أن تضيق على الأزقة، حتى يكاد الواحد يعجز عن فتح ذراعيه على اتساعهما.
    في هذا الفضاء الذي يبخل عليه أكثر عناصر الطبيعة كرماً، الضوء والهواء، تستمر حياة الفلسطينيين، من دون إحصاء واضح لأعداد الباقين منهم، إن في الإثني عشر مخيماً رسمياً، او في التجمعات، أو في المناطق اللبنانية، وإن كانت أرقام الاونروا تشير إلى أكثر من 400 الف لاجئ مسجلين لديها. الخارجون من ارضهم قبل اثنتين وستين سنة إلى لبنان، كانوا نحو مئة الف، معظمهم من منطقة الجليل وشمال فلسطين، من اقضية مثل عكا وبيسان والناصرة وصفد وطبريا وحيفا وغيرها.
    حيث نصبوا خيامهم، بنوا طوال أعوام اللجوء منازلهم الموقتة. حيث الخيمة، ارتفع ما يمكن تسميته مجازاً «البيت» وفوقه البيت وفوقه البيت. نسميه التمدد العمودي في أراض سميت مخيمات وحددت بالسنتيمتر، فصار تمددهم يختصر بوصفه «عمودياً». لكنهم تمددوا بطرق أخرى أيضاً، قسرية بدورها. أخرجوا وشردوا من مخيم تل الزعتر ونزحوا مرغمين من مخيم النبطية اللذين لم يبق لهما اثر، كما شردوا من مخيم نهر البارد، بعدما كاد «الاشتباك المنظم» يسقطه على رؤوسهم. المخيم الذي يعاد بناء بعضه الآن قطرة قطرة. هؤلاء باتوا لاجئين مضاعفين إلى مخيمات أخرى، اتسعت قلوبها بفعل العناد، عناد الفلسطينيين الأبدي، من إصرارهم على اللهجة، يتوارثونها حفيداً عن جد، إلى حفاظهم على مفاتيح بيوت اندثرت وما راحت الارض التي كانت تحملها.
    يعجز اللاجئ عن فتح ذراعيه في أزقته. وهذا قد يبدو تفصيلاً بسيطاً إزاء لائحة تطول من العوائق الاخرى في دربه. لنعد، فنحن بحاجة إلى اصابع كثيرة، لأن أصابع اليدين لا تكفي.. من المستشفى الذي يضيق بالطفل الذي يولد فيه، إلى صف المدرسة الذي يزاحم كي يجد مقعده.. إلى الغد الموقت، إلى أكثر من سبعين مهنة ممنوع عليه ممارستها، حتى إذا تفوق في الشهادات المطلوبة منه لممارستها. إلى البيت الممنوع عليه أن يتملكه. إلى «المتر وخمسة وسبعين سنتمتراً» التي حكى عنها محمود درويش إذا ما قرر الرحيل، يبحث عنها الراحل في مقابر المخيمات، فلا يجد إلا اكتظاظاً على اكتظاظ.
    هل استحى الشهيد ناجي العلي من أن يزاحم موتى مخيمه عين الحلوة في مثواهم، ففرض عليه أن يُدفن بعيداً عن والديه، وعن فلسطينه الثانية؟ من يدري.
    حنظلة الذي يعطي العالم ظهره، خرج من مخيم.. من عين الحلوة، بالتحديد، أكبر المخيمات وأكثرها كثافة سكانية. مخيم «نموذجي» لزاوية رؤية المخيم الفلسطيني في لبنان، كبؤرة أمنية، تعج بالسلاح والبؤس والأطفال والمقاتلين السابقين والاساتذة والطلاب والعمال بلا عمل، وباللحى وبالخارجين عن القانون. المخيم «الجذاب» للعدسة التي تبحث عما تريده بالتحديد من الفلسطيني، جالساً خلف متراس أو متوارياً من وجه العدالة.
    ولأنه كذلك، سنمشي في أزقة عين الحلوة، دليلنا حنظلة، الحافي القدمين، لا نرى له وجهاً، يضم كفيه خلف ظهره، لأنه يعلم أنه لا يستطيع فتح ذراعيه على اتساعهما، لكنه يعلم أن لا شيء يمنعه من أن يحلم بأنه يطير.
    الحياة اليومية
    أصوات الباعة. صيحاتهم المتكررة تتنافس في الإعلان عن الأسعار الأرخص. رائحة الخضار والفواكه وألوانها. الأسماك المفروشة على مصاطب الثلج. أفخاذ البقر المتدلية في واجهة الملحمة. الفراريج. الثياب. الاحذية. ألعاب الاطفال. الحلاقون. الحلوى. محال السمانة. عشرات النسوة يتجولن بين المحلات على طرفي الشارع، وبين العربات المرصوفة في وسطه. أطفال يلهون ومراهق يزن سلال الفريز سلة بعد سلة، ويرتبها على عربته، صائحاً: ألف وخمسة يا فريز. صراخ أربعيني لجاره الحلاق، معلناً رأياً حاداً في الأنظمة العربية، ممجداً تركيا، ثم، مجيباً بالصوت نفسه، على سيدة محجبة تسأله عن سعر كيلو اللحم. الضوضاء التامة للسوق الشعبي كما نعرفه أو كما نتخيله. ضوضاء حياة أخرى، يعلم الواحد ما إن يغرق فيها، إنها هي الصورة الأصلية للتجمع الفلسطيني الأكبر في لبنان. الصورة المعتم عليها لأكثر من أربعين ألف لاجئ، بحسب احصاءات الاونروا، وصولاً إلى ثمانين ألفاً، في إحصاءات غير رسمية لمؤسسات اهلية. الصورة التي تكاد تكون غائبة عن «عين الحلوة»، مخيم الكيلومتر المربع الواحد إلا قليلاً في صيدا، المختزل، رسمياً وإعلامياً، بمفردات ثقيلة: عبوات. اغتيال. تبادل إطلاق نار. فلتان أمني. مطلوبون.
    الصورة المختلفة عن تلك التي إذا أغمضنا اعيننا لا نرى سواها: رجال مرقطون، ولحى طويلة، وبنادق مرفوعة عالياً. صورة الفلسطينيين الذين يمكن وصفهم بالعاديين، هؤلاء الذين اجترحوا اعمارهم بين جدران لجوئهم العالية، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
    عاديون.. ومطلوبون
    «العاديون» بالمقياس الفلسطيني، نلتقيهم كيفما مشينا في سوق عين الحلوة. محمد طيّار واحد منهم. يجلس في صيدلية صغيرة تبدو نافرة في قلب سوق يكتسحها الخضار. الاربعيني لم يغادر مخيم عين الحلوة إلا بمنحة دراسية في التسعينيات لمتابعة تحصيله العلمي في الجامعة الاميركية في بيروت. تخصص في دراسات الشرق الادنى، وعاد إلى المخيم. الصيدلية، وراتب زوجته المدرّسة، والمساعدة من شقيقه المهندس في اليونان، تؤمن له دخل اسرته، الذي يقتطع منه جزءاً كبيراً لاقساط ولديه التلميذين في مدرسة خاصة يصر الوالد على إرسالهما إليها للسبب المعروف: اكتظاظ مدارس الاونروا الثماني غير المعقول، ونظام الدوامين.
    «شبه مدينة»، يقول محمد في وصف مخيمه. المحال التجارية تظل مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل، وحركة الناس لا تهدأ.
    هو أكثر من «بؤرة أمنية». قواه السياسية على اختلافها توصلت إلى نقاط التقاء اساسية أهمها الإصرار على تجنيبه كأس الكارثة التي ابتلي بها شقيقه الشمالي، مخيم نهر البارد. لفتح قوتها في المخيم، وللتنظيمات الاسلامية وجودها الذي لا يستهان به بالطبع. غير أن عين الحلوة هادئ. إلى حين؟ لا أحد من أبنائه يعلم. هذه معضلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والمستمرة منذ زمن بعيد: غياب المرجعية السياسية الضابطة. على العكس من مخيم شاتيلا مثلاً، المسلحون هنا أكثر ظهوراً، من عناصر فتح الجالسين إلى نقاط الحراسة، إلى مراهقَيْن بثياب عسكرية يمضيان على دراجة نارية شاهرين بندقية في الهواء، إلى ملتح بثياب مدنية يرفع طرف قميصه فوق مسدس عملاق على خصره. استسهال في ابراز السلاح ليس هناك ما يشبهه في مخيمات أخرى. أكثر هؤلاء المسلحين متفرغون لقاء بدل شهري ضئيل. هي بطالة مقنعة.
    أبو محمود، المسؤول في إحدى المنظمات في المخيم، يشير إلى أن هذا السلاح بحاجة إلى ضبط، حتى ولو كانت القوى السياسية قادرة على إنهاء أي إشكال في أقل من نصف ساعة. فإطلاق النار قد يقع أحياناً لخلاف بين شابين من مربي طيور الحمام. وما يفاقم الأمر سوءاً، كثرة المطلوبين للدولة اللبنانية. هؤلاء يجدون أنفسهم مسجونين في هذا الكيلو متر المربع، بلا عمل، فتصير المنظمات ملاذهم الاول والأخير. مع أن بعضهم يكون اذا ما استدعي للمثول أمام القضاء، مجرد شاهد فحسب، ولكنه لا يجرؤ على المثول لخوفه من أن يسجن فيستنكف ويصبح مطلوباً.
    غير أن الأقلية هي المطلوبة او مثيرة المشاكل. الاغلبية هي تلك التي تسعى إلى رزقها، ولو كيفما اتفق. ولو بالهروب من بطالة ظالمة يفرضها منع الطبيب والمهندس والصديلي وغيرهم من مزاولة مهنهم، فتنجدهم سيارات الاجرة والمصالح التجارية الصغيرة التي تتشابه معروضاتها بالعشرات في الشارع نفسه.
    هؤلاء يصيرون مضرب مثلٍ الهاربين من التعليم المهني، أو من التعليم برمته، ما دام الحافز ليس موجوداً. ما دام كل شيء، بمعنى حرفي، صعباً.

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 49_29_ns
    يعتاش أبو محمود، الاربعيني، من دكان سمانة، وليس من راتب التنظيم القليل الامكانات الذي ينتمي إليه. واقع الناس الاجتماعي اولوية لديه، يتحمس لشرحه اكثر مما يتحمس للحكي عن السلاح. يشير إلى البنى التحتية التي لم تواكب يوماً هذه الحياة الموقتة الممتدة منذ اثنين وستين عاماً، تضاعف في خلالها عدد ابناء المخيمات أربع مرات تقريباً. يشير إلى مياه الشفة الملوثة. إلى خدمات الاونروا التي تتقلص يوماً بعد يوم. إلى ما يعيد عين الحلوة إلى صورته الاولى والاخيرة: مخيم لا يحيد قيد انملة، في همومه الاساسية، عن أي مخيم وتجمع آخر، على الخريطة اللبنانية. يخرج عين الحلوة بذلك من مشهده «المرعب» أمنياً، إلى المشهد المألوف: مخيم آخر، مشاكله تستعصي على الحل. كل مجده أنه يحمي أبناءه. يحمي اسماء قراهم من النسيان. يطلقها على الأحياء والأزقة. يحمي لهجتهم من الذوبان. يحمي روابطهم الأسرية التي تلتصق بعضها ببعض، التصاق بيت الأب ببيوت الأبناء. يحمي هويتهم، وهي نفسها قضيتهم.
    في المقهى
    القضية، في يوم الناشطين في البحر الأبيض المتوسط، تعود، في مقهى من عمر المخيم، إلى البداية. إلى تلك الرحلة التي لا يمل راويها من استعادتها، لتصل في دفقها إلى اللحظة الأخيرة. الزيب، قرية ابي يوسف شحادة، تبعد ثلاث كيلومترات عن الناقورة. ثلاث اصابع عمرها أكثر من ثمانين عاماً، ترسم الرقم الصغير بتحدٍ. الآن هو مستعد للمشي إلى الزيب. الآن. لكن دون عودته «يونيفل» وجيش احتلال. يمازحه صديقاه، أبو سميح الصياح وأبو جمال أبو شقرا حول رحلته الغريبة هذه. هل سيستطيع أن يمشي أصلاً إذا زالت الجيوش من دربه. يقسم بأنه مستعد لأن يمشي.. ويتحدى، هو العارف بأنه على حافة عمره، بانه سيعود. تلتمع عيناه للإصرار الذي من الصعب على غير الفلسطيني فهمه. يثير إعجابه الشديد الموقف التركي، بخاصة حين يقارنه بموقف النظام المصري. يكيل سخرية شديدة للأخير تدفع صديقيه إلى الغرق في الضحك. وحين يعود إلى جديته، يكون ممتناً لدولتين ستنهيان إسرائيل، إيران وتركيا. أما مفتاح النصر فرجل اسمه حسن نصر الله. «هذا مفتاح النصر». مرة بعد مرة يعيد عبارته. يعلق أبو سميح: وماذا يقولون لنا؟ يقولون إن ايران تريد تشييع المنطقة.
    عندها ينفعل ثالثهما، ابو جمال شاتماً: أي شيعة وأي سنة؟ هذا الرجل حمل قضيتنا، نقول له أنت شيعي؟ يا عيب الشوم. هذا قائد صادق.. يدافع عنا. يختلط كلامه بكلام أبي يوسف: نصر الله مفتاح النصر. حين يهدآن، ينتبهان إلى أننا لم نشرب الشاي بعد. الشاي الذي يعرض مباشرة بعد إلقاء التحية هنا، يُعد رفضه إهانة. نشرب الشاي ونغادر المكان العتيق. على طرف الشارع اولاد يلهون بطاولة بلياردو صغيرة. يكلفهم الشوط مئتين وخمسين ليرة. صاحبها ثلاثيني يجلس أمام محله لبيع زينة الدراجات النارية. مساء، حين يقفل جاره الميكانيكي محله، ينصب الرجل طاولة بلياردو أخرى، اكبر حجماً في الفسحة أمام المحل المغلق. هذه يلعب بها المراهقون.
    ثمن الطاولتين نحو مئتي دولار. هما «مشروع» صغير يستثمره الرجل لمدخول إضافي لعائلته. «شعب الجبابرة إحنا.. شو مفكّر؟» يقول ويضحك.
    في الأزقة
    ضجة الشوارع الثلاثة الرئيسية في عين الحلوة، «الفوقاني» و«التحتاني» والسوق التي تصلهما، تختفي من الأزقة. هنا، بين اطفال يلعبون، وبين دكاكين سمانة اشتقت من غرف البيوت، لا يعود اسم المخيم مهماً، لأن أزقة عين الحلوة للغريب عنها تحيل إلى أي أزقة أخرى نظنها تتشابه، في برج البراجنة وشاتيلا والبقية الباقية من المخيمات. هي ليست الأزقة نفسها، لمن عاشها. نمشي فيها تائهين بالطبع، على العكس من ابناء البيوت على طرفيها، يحفظونها أكثر مما يحفظون الخطوط على أيديهم. أول أي زقاق، يطل على ما يبدو جداراً لا منفذ فيه. لكن لا زقاق يصل إلى طريق مقطوع. دائماً هناك منفذ. خريطة معقدة وفوضوية، تكاد تكون متاهة. يعرفونها مع ذلك. هي كخريطة حياتهم جيلا بعد جيل، لا يحفرها إلا هم، ولا يفهمها إلا هم.
    وهم وحدهم من يلتصق يومه بأمسه إلى هذه الدرجة. الشجرة التي لا يعلم إلا الله كيف تشق طريقها إلى السماء بين هذه البيوت، عمرها ستون عاماً. السيدة الماضية إلى الثمانين بوجه ابيض وابتسامة واسعة، تقول إن أعلى الشجرة انكسر في الشتاء فألقت بجذعها على سقف البيت. الشجرة المنهكة هذه لن تُقطع بأمر من هذه السيدة التي كبرت وتزوجت وأنجبت وصارت جدة هنا.. في هذه الأمتار القليلة. رأت الخيمة تصير حجراً وصفيح السقف يصير حجراً. رأت البيوت تعلو وتضيق مع ذلك بقاطنيها. ورأت الشجرة التي زرعها والدها امام الخيمة تكبر بدورها. كالخيمة التي صارت بيتاً هي هذه الشجرة، كالحياة القاسية في اللجوء.. تظل خضراء.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime03.07.10 23:58

    خريطة المخيـمات فـي ديـار اللجـوء

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 51_p14-2_ns
    تناثـر الفلسـطينيـون غـداة النكـبة في الدول العربـية المحيطـة بفلـسطين التي تلقـت الموجـات الأولى من اللـجوء، وظـهرت فيـها المخيمـات الأولى. وفي سنـة 1967، غـداة هزيـمة الخـامس من حزيـران، تعـرض اللاجئـون في الضـفة الغربـية مـرة ثانيـة للتـهجير نحو الأردن، فـصاروا لاجئـين ونازحيـن معاً. ومع تكـاثر المصـائب عليـهم، هنا وـهناك، بدأ الشـتات الفلسطـيني يتوسع، بالـتدريج، ولا سيمـا مع اندلاع الـحرب الأهليـة في لبـنان سنة 1975، وـما أعقـبها من كـوارث مثل حرب 1982 وحرب المخـيمات... إلخ. واليوم تغطي الجـوالي الفلسـطينية القـارات الخمس كلها، بينما تنتـصب منـازل سبعة وسـبعين مخـيماً في البلاد العـربيـة كشواهد يومـية قاطـعة على عدم حـل قـضية اللاجئـين. وفي مـا يلي مـسرد لهذه المخـيمات التي كـانت وطنـاً فصـارت منفى.


    الـضـفـة الغربـيـة (22 مخيماً)
    عقبة جبر
    عين السلطان
    شعفاط
    الأمعري
    دير عمار
    الجلزون
    قلنديا
    بلاطة
    عسكر
    عين بيت الماء
    الفارعة
    طولكرم
    نور شمس
    سلواد
    قدورة
    السقايف (في بيرزيت)
    جنين
    الفوار
    العرّوب
    الدهيشة
    عايدة
    بيت جبرين (أو مخيم العزة)

    قـطــاع غــزة (8مخيمات)
    جباليا
    الشاطئ
    النصيرات
    البريج
    دير البلح
    المغازي
    خان يونس
    رفح

    لـبـــنـان (12مخيماً)
    أ ـ المخيمات الرسمية
    الرشيدية
    البرج الشمالي
    البص
    عين الحلوة
    المية ومية
    برج البراجنة
    شاتيلا
    مار الياس
    ضبية(1)
    البداوي
    نهر البارد(2)
    الجليل
    ب ـ المخيمات غير الرسمية في لبنان
    المعشوق
    شبريحا
    القاسمية
    أبو الأسود
    عدلون
    ج ـ التجمعات
    وادي الزينة
    شحيم ـ سبلين
    جل البحر (صور)
    البرغلية
    الواسطة
    العيتانية
    الغازية
    صيدا
    الناعمة
    بر الياس ـ تعلبايا
    بستان اليهودي (صيدا)
    د ـ المخيمات المدمرة (4 مخيمات)
    النبطية(3)
    تل الزعتر (4)
    جسر الباشا
    الدكوانة
    الداعوق(5)

    ســـوريــــا (12 مخيماً)
    خان دنون
    سبينه
    قبر الست (الست زينب)
    جرمانا
    درعا (الطوارئ)
    حمص (مخيم العائدين)
    حماه
    النيرب
    فلسطين
    اليرموك
    الرمل ـ اللاذقية
    خان الشيح

    الــعــــراق (8 تجمعات)
    أ ـ بغداد
    حي البلديات
    بغداد الجديدة
    حي الأمين (مجمع الخليج العربي)
    الزعفرانية
    حي الحرية
    حي السلام
    حي الصحة (منطقة الدورة)
    تل محمد
    ب ـ نينوى
    حي الكرامة
    ج ـ البصرة
    الموفقية
    د ـ الموصل
    تجمع في المدينة

    الأردن (11 مخيماً)
    الوحدات
    البقعة
    جبل الحسين
    إربد
    سوف
    الزرقاء
    ماركا (أو حطين)
    الطالبية
    جرش
    الحصن
    مادبا
    (1) دمرته جزئياً ميليشيات «الجبهة اللبنانية» في سنة 1976. (2) كان مخيم نهر البارد أكثر المخيمات حيوية ونشاطاً في لبنان لأنه يقع على خط التجارة مع سوريا، وعلى الساحل اللبناني في الوقت نفسه، علاوة على كونه مكاناً لورش فنية متعددة الاختصاصات. لكن، في سنة 2007 تسللت إليه مجموعات من حركة «فتح الإسلام» واتخذته رهينة، واشتبكت مع الجيش اللبناني. وقد طالت الاشتباكات كثيراً، الأمر الذي أدى إلى تدميره بالكامل. ومنذ ذلك لم يُعَد بناؤه، على الرغم من رصد الأموال الدولية لذلك. وما زال أبناء المخيم مشردين هنا وهناك بانتظار عودتهم. (3) دمره الطيران الإسرائيلي كلياً في سنة 1974. (4) ارتكبت ميليشيات «الجبهة اللبنانية» فيه مجزرة مروعة في سنة 1976، وجرفته وجرفت معه منازل الفلسطينيين في جسر الباشا والدكوانة. (5) دُمر كلياً في الحرب على المخيمات سنة 1985، وهو، في الأساس، تجمع ملاصق لحي صبرا اللبناني، وقريب من مخيم شاتيلا.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:02

    عـرس فـلسـطيـني فـي نيـوجيـرسـي

    رندة سرحان

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 52_P15_ns
    إنه مساء الأحد وها هي الشمس تغرب ببطء. تجمع عدد من الرجال في أعلى التلة أمام أحد البيوت ينشدون ويغنون ويرفعون علماً فلسطينياً. وبينهم كان عدد من النساء المتقدمات في السن، اللواتي يرتدين الأثواب الفلسطينية المطرزة، يقاطعن الأناشيد بالزغاريد والتمنيات.
    عندما وقفتُ مع النساء، شعرت كأنني في الضفة الغربية، أو خيّل إليّ أن ذلك يشبه الضفة الغربية على الأقل. وكان استغراقي في الحدث ينقطع بين الحين والآخر عندما تمر سيارة تصدح منها موسيقى الريغي، أو يأتي جار بلباس الرياضة ليشاهد ما يجري بدهشة، فيذكرني ذلك بأننا في نيوجيرسي، وبأنني ربما الوحيدة في هذا العرس التي ليست مواطنة أميركية. فأنا لاجئة فلسطينية ولدت في لبنان ونشأت في الكويت الأمر الذي يجعلني غريبة عن هذه الجالية. وكان الشبان والشابات من حولي ولدوا في معظمهم في نيوجيرسي أو نيويورك، ودرسوا في مدارس عامة أو كاثوليكية محلية، وهم آباء وأمهات الجيل الثالث من المهاجرين الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة أو سيكونون كذلك.
    تثير وضعية هؤلاء كمهاجرين كثيراً من الأسئلة عن العرس. هل يحاولون التمسك بعاداتهم قبل الهجرة؟ هل يفهم الجيل الثاني من هذه العادات أم أنه يسترضي الأهل؟ هل هذا تمثيل؟
    إن الماضي المحدد الذي تحاول هذه الجالية الارتباط به والمحافظة عليه هو ماضي الفلاحين. وغالباً ما يشير أبناء الجالية إلى أنفسهم أو إلى بعضهم البعض أنهم «فلاحون». ويشيع استخدام هذه الكلمة على سبيل الاحتقار لدى البعض، لكنها تردد في هذه الجالية للاعتزاز في الغالب. ومن المفارقات غياب الزراعة وتربية المواشي عن أسلوب الحياة الذي يقوم على نمط إنتاجي محدد. وهذا الغياب إغفال مقصود يبرره أن جميعهم غير مزارعين! وهكذا يستعاد ماض انتقائي يفتقر إلى حنين العودة إلى أسلوب معيشة ونمط حياة أكثر بساطة.
    قد تبدو أعراس هذه الجالية الفلسطينية شبيهة بالتحف الفولكلورية. لكنها على عكس ذلك تثير أسئلة عميقة عن التنظيم الاجتماعي وسياسة المنفى.
    توضح العودة إلى طقوس الأعراس بجلاء مقدار تمحور الحياة الجماعية للفلسطينيين الأميركيين حول وطنية ما بعد الاستعمار، وقوة تأثير شبكات الأمان الفلسطينية في حياة أعضائها.
    هم فلاحون في الأثواب التي يطرزونها والأغاني والأناشيد المنتقاة في الأعراس. ويمكن معرفة أهمية الموسيقى من المكانة البارزة الممنوحة للفرقة الموسيقية التي تحيي العرس، إذ توجد على منصة مرتفعة تشرف على حفلة الرقص (كما في حفلة موسيقية). وهي بارزة بقدر بروز العروسين إن لم يكن أكثر.
    يبدأ مغني العرس بمزيج من أغاني الأعراس الفلسطينية التقليدية، وأناشيد المقاومة الفلسطينية، والأغاني العربية الشهيرة الحديثة. ويغني المغني بالعربية بلهجة فلاحية مميزة أحياناً. وترتبط الصور في أغاني الأعراس الفلسطينية بالحقول أو بساتين البرتقال أو أشجار التين أو الزيتون، أو الأودية أو أعالي التلال أو الحنين إلى الأرض.
    في أغان أخرى، يندمج الشوق إلى الأرض/ فلسطين والعروس معاً، إذ يطلب العريس من أمه أن تجد له فتاة فلسطينية يتزوجها، ثم يعبر عن رغبته في العودة لشرب الماء من نبعها (من الواضح أنها فلسطين). ينهار الزمان والمكان والفضاء في هذه الأغاني ولا يلتفت أحد إلى أن العريس استعد في منزله، وأن الأشجار الوحيدة التي تحيط به هي تلك المزروعة في الأصص أو في مروج العشب الصغيرة في باحة منزل عائلته الخلفية أو في مدخله.
    أخيراً، هناك أغان سياسية بشكل صريح. وهي تغني عندما يدبك الرجال. ومن أشهر أغاني الدبكة أغنية باسم «نحنا مش إرهابية». وكلمات هذه الأغنية مملوءة بالمعاني وتتحدث عن التاريخ السياسي كما يمكننا أن نتبين أدناه:
    نحنا مش إرهابية
    نحن شعب الحرية
    إسلام ومسيحية، أمتنا عربية
    ضربونا بالصواريخ
    ضربناهم بالحجارة
    سرقوا الأقصى والتاريخ
    وسمونا إرهابية
    شغلوا العالم بالحروب
    فرقونا شعوب وشعوب
    راح تبقى أرض فلسطين عربية الهوية
    بدنا نحرر فلسطين
    فلسطين عربية
    واشتهرت أغنية أخرى بعد صيف شهد تصاعد العنف في الضفة الغربية وغزة ولبنان. اسم هذه الأغنية «نصر الله صقر لبنان»، وهي تتحدث أيضاً عن المقاومة والنضال:
    ثار الدم العربي ثار
    والهمة عربية
    مهما تضرب صواريخ شعب العزة ما بينيخ
    راح يكتب لك التاريخ مرضي رب البرية
    يرددن بصوت عال:
    شعب تعوّد عالموت ما بدنا مال وياقوت بدنا
    نعيش بحرية
    الدم بيجيب الدم ما إلكم غير الهم
    في أحد الأعراس أنشدت هذه الأغنية ست مرات، وفي عرس آخر حضرته، أنشدت مرتين لكن بصيغتها المطولة. وبينما كنت أراقب الرجال وهم يدبكون بنشاط على أنغام الأغنية، لاحظت أن كثيرين من المدعوين يرددون كلماتها. إذ ثمة رابط ملحوظ بين السياسة في الضفة الغربية والمناطق المجاورة وبين أغاني الأعراس، فكلما اشتد العنف هناك، ازداد ترداد الأغاني الوطنية وأغاني المقاومة هنا.
    لا شك في أن إضفاء الكمال على الماضي الرعوي ليس من اختراع هذه الجالية، إذ إنه مكوّن أساسي من مكوّنات نموذج الوطنية منذ نشوئه. فالفلاح يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأرض لأنه يزرعها. ويمثل بعض النباتات والفاكهة تلك الأرض، وهو بالنسبة إلى الفلسطينيين شجرة الزيتون والتين والبرتقال والزعتر. بل إن المزج بين المرأة والأرض ينبع من الخطاب الوطني، إذ يشار إلى الوطن أنه الوطن الأم أو أرض الوطن.
    يكتمل نموذج الوطنية عندما تؤخذ مظاهر العرس الأخرى في الحسبان: العلم الفلسطيني، والشال الفلسطيني والألوان التي يتضمنها (الأسود والأبيض والأحمر والأخضر). فهذه المصنوعات اليدوية دائمة الحضور في الأعراس. ويستخدم الرجال والنساء في أثناء الرقص العلم والشالات والعصي المغطاة بالكوفية والسيوف الكرتونية والسبحات الحمر والبيض والسود والخضر. ويتم الاستخدام الأكثر منهجية في الدبكة، عندما يعطي كل رجل شالاً يرتديه حول رقبته ويحمل العمل عند رأس صف الدابكين.
    ومع ذلك فإن الأعراس مكان غير متوقع للتعبير الوطني. لقد استُخدم النموذج ما بعد الاستعماري وجرى تكييفه لبناء الأمم، والاحتفال بها، وغرس الوطنية في الشعب على نطاق واسع. لكن تاريخ الفلسطينيين عامة، وهذه الجالية خاصة، يعلل هذا الاختيار الضيق للمكان. فالفلسطينيون لم يحصلوا على وطن مستقل، كما أن تاريخهم الحديث يجسد الاضطهاد والتشتت. بل إن العرس أصبح ميداناً للكفاح وممثلاً للكفاح الفلسطيني. وقد برز الشعر الفلسطيني بعد سنة 1948 من إسرائيل إلى حد كبير. ورداً على ذلك، حوّل الشعراء الزواج بين الرجال والنساء إلى زواج بين الرجال والأرض/ فلسطين. ولعل أكثر القصائد تعبيراً عن هذا الفن الأدبي قصيدة محمود درويش «طوبى لشيء لم يصل»! ففي المقطع الأول يكتب الشاعر:
    هذا هو العرس الذي لا ينتهي
    في ساحة لا تنتهي
    في ليلة لا تنتهي
    هذا هو العرس الفلسطيني
    لا يصل الحبيب إلى الحبيب
    إلا شهيداً أو شريدا


    رندة سرحان

    (*) مدرّسة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية ـ بيروت.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: الـصـحـافـة الـعـبـريـة وقـضـيـة الـلاجـئـيـن    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:06

    الـصـحـافـة الـعـبـريـة وقـضـيـة الـلاجـئـيـن



    جوني منصور
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 53_p17_ns
    بدأت تظهر مواد وأخبار في الصحيفتين أعلاه عن موضوع اللاجئين في نهاية عام 1947، ولكن في البداية عن لاجئين يهود. قصدت الصحيفتان إبراز قضية إنسانية (وفق وجهة نظرها) تخص المجتمع اليهودي في يافا وحيفا بأنه يتعرض إلى مضايقات ويواجه صعوبات جمّة جرّاء اعتداءات الفلسطينيين عليه. ونشرت مقالات وتقارير كثيرة حول هذا الموضوع في الصحيفتين وعلى مدار أسابيع كثيرة. أما قضية اللاجئين الفلسطينيين فتم التطرق إليها بصورة جانبية وكأنها غير قائمة بالمرة، وبقي هذا التوجه من التغاضي المقصود فترة طويلة. فبعد صدور قرار التقسيم في نهاية شهر تشرين الثاني من عام 1947 نشرت كل صحيفة أخبارًا عن ترحيل عائلات يهودية من الأحياء المشتركة في حيفا ويافا أو من مناطق التماس بين المجتمعين العربي واليهودي (في حقيقة الأمر أن أحدًا من الفلسطينيين لم يقم بتهجير وترحيل يهود). ولا توجد أي إشارة إلى ما أصاب المواطنين العرب الفلسطينيين من ضرر وتدمير على يد المنظمات العسكرية الصهيونية، وبالتالي ترحيل مخطط له مسبقًا. ولم يظهر مصطلح «لاجئين» في الصحف العبرية بقصد الإشارة إلى الفلسطينيين إلا في مرحلة متقدمة من مسلسل الأحداث، وخصوصًا عندما اشتدت المعارك في كل من يافا وحيفا، وعندها فقط، أي في شهر نيسان، بدأت كل صحيفة تستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم. وعلينا الإشارة إلى أن ما حدث في دير ياسين من مجزرة رهيبة في مطلع شهر نيسان من عام 1948، واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني في الشهر ذاته، ترك أثرًا بالغًا على نفسية الفلسطينيين، وخاصة في مدن الساحل التي بدأ سكانها يشعرون بأن مجازر أكبر ستقع عليهم، أضف إلى ذلك أن المنظمات العسكرية الصهيونية لجأت إلى نشر الرعب والفزع والهلع في قلوب الفلسطينيين بأن مصيرهم سيكون شبيهًا بما تم تنفيذه من مجزرة في دير ياسين. معنى ذلك أنه منذ أن بدأت المنظمات العسكرية الصهيونية بتنفيذ عملياتها وفقًا لخطط عسكرية موضوعة مسبقًا، فإن الصحافة العبرية لم تشر إلى هذه العمليات، وفي مقدمتها عمليات الإخلاء والترحيل. وهذا ما يؤكد تبني هذه الصحافة لقاعدة الصمت المطبق لما كان ينفذ من عمليات إبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني وعلى مرأى من المراسلين في عدد من الحالات.
    في المرحلة الأولى من تكون قضية اللاجئين الفلسطينيين قلّلت الصحافة العبرية حتى الحد الأدنى من التطرق إليها، وكأنها مسألة لا تعني المجتمع اليهودي أو الرأي العام في هذا المجتمع. ولما بدأت الصحافة ذاتها التطرق إلى القضية، كان ذلك متأخرًا من الناحية الزمنية، أي بعد حدوث المصائب والكوارث لسكان فلسطين الذين حُوّلوا من ملاكين وأصحاب أرض ووطن إلى لاجئين. إشارات أولية لقضية اللاجئين ظهرت في جريدة هآرتس التي تمتعت بمساحة من الحرية أكثر من غيرها لكونها مستقلة، حيث أسندت السبب في وقوع القضية إلى أغراض يستعملها العدو (العرب). وجاء في مقالة لهذه الصحيفة: «إن تجميع اللاجئين في طولكرم ونابلس ودعوة مراسلي الصحف العربية من بيروت والقاهرة لتصويرهم هو لإظهار عنف اليهود ووحشيتهم، مما سيساهم في تنشيط عملية جباية أموال لدعم التصدي لليهود».
    وأشارت الصحف إلى وجود عصابات عربية عملت ضد الفلسطينيين وأعضاؤها كانوا السبب الرئيس في وقوع الكارثة في عدد كبير من القرى والمدن. أي أن الصحافة العبرية شريكة في التخلص من عبء المسؤولية عما كانت المنظمات العسكرية الصهيونية تقترفه ضد الفلسطينيين، وألقت بالمسؤولية على عاتق العصابات. وأشارت الصحافة إلى أن دوريات الهاغاناه العادية (الروتينية) في عدد من المناطق قد أزعجت السكان العرب. ولم تذكر الصحيفة ماذا كانت النتيجة. إذ أن عمليات الهاغاناه كانت تهدف إلى ترحيل السكان بعد التعرض لهم وقتل عدد منهم لنشر حالات من الرعب والهلع. وحاولت الصحافة العبرية إظهار موضوع اللاجئين بأنه لصالح العرب وقياداتهم لاستعماله ضد اليهود كهدف استراتيجي. ومن جهة أخرى فإن توافد اللاجئين الفلسطينيين إلى المناطق المجاورة أو حتى المناطق البعيدة عن التجمعات التي عاشوا فيها أو تلك التي تم إخلاؤهم منها، سيجعل هؤلاء يتحدثون عن سوء الحالة في مدنهم وقراهم نتيجة سيطرة العصابات عليها. وهذا سيكون أفضل سلاح نفسي يساعد اليهود في تنفيذ عملياتهم، وبالتالي ظهورهم مسالمين وغير عنيفين.(هآرتس، 25 نيسان 1948).
    «العرب هربوا وأخلوا مناطقهم»
    اعتمدت الصحف العبرية مصطلحات متفق عليها في القاموس الصهيوني بخصوص التعامل مع مسألة نشر الرواية الصهيونية لما كان يحدث في فلسطين عام 1948. فلا ذكر بالمرة لسبب «هرب الفلسطينيين» (كما تشير الصحيفتان)، إنما الإشارة إلى أن مراسلي الصحيفتين «شاهدوا حركة بشرية نشطة جدًّا من العرب الهاربين من أحياء عربية في حيفا حاملين معهم بعضًا من أثاثهم» (هآرتس، 8 كانون الأول 1947). وأضاف مراسلو الصحيفة ذاتها أنهم رأوا مجموعة كبيرة من عائلات حيفا الثرية تهرب بالباصات وسيارات الأجرة إلى لبنان.
    وأشارت الصحيفتان إلى أن عشائر بدوية في مناطق قريبة من مدينة طولكرم قد أخلت مواقعها متجهة إلى قرى ومدن أكثر أمنًا.
    ولكن في شهر آذار 1948 بدأت الصحف بنشر أخبار عن «خروج» و«ترك» (هكذا في العبرية) لعشرات العائلات العربية تحت حماية وتغطية الجيش البريطاني (هآرتس، 28 آذار 1948).
    وقامت الصحف بتقليص ظاهرة «الهرب» من خلال نشر أخبار مفادها «أن العرب في قرى محيطة بمدينة نتانيا الساحلية أشادوا بالصداقة القائمة بينهم وبين جيرانهم اليهود، إلا أنهم (أي العرب) فضلوا مغادرة بيوتهم حتى يزول الغضب». وفي موقع آخر نشر أن «عرب الحوارث قد زاروا جيرانهم اليهود في مستعمرة معبروت، وودعوهم باكين وتركوا بأيدي أهالي المستعمرة مفاتيح بيوتهم، وأن اليهود أكدوا لهم أنهم سيحتفظون بها إلى ساعة عودتهم سالمين». وبأسلوب ساخر فيه تخل عن المسؤولية سألت صحيفة هآرتس في اليوم ذاته: «إن اليهود وعدوا بالحفاظ على المفاتيح، ولكن من أجبر العرب على ترك قريتهم؟».
    وشددت الصحف العبرية على الجيرة الحسنة بين اليهود والعرب كجزء من الدعاية التي تظهر اليهود مجتمعًا إنسانيًا، وأن المسؤولية الكبرى لما حصل للفلسطينيين تقع على مسؤوليتهم لأنهم رضخوا للعصابات. هنا علينا توضيح هذا المصطلح «العصابات» الذي تبنته الرواية الصهيونية. انتشرت مجموعات كبيرة من المقاومين الفلسطينيين وانضم إليهم عدد كبير من العرب لاحقًا للدفاع عن فلسطين، واستعملوا كل الأساليب والطرق لحماية بيوتهم وأراضيهم في وجه آلة حربية عاتية امتلكت أنواعًا كثيرة من السلاح المتقدم. هؤلاء المقاومون تنعتهم الرواية الصهيونية بـ«العصابات». بهذا النعت تنقل صورة سلبية عمّا كان يجري داخل المجتمع الفلسطيني الضعيف، ولا تعترف بالمقاومة الفلسطينية وحركات الجهاد ضد المشروع الصهيوني، وتُلقي بتبعة المسؤولية على العصابات وعلى قيادات المجتمع الفلسطيني. أما مسألة تفريغ القرى والمدن الفلسطينية على يد المنظمات الصهيونية فلا توجد لها إشارة واحدة واضحة سوى ما له علاقة بباب الدفاع عن النفس وحماية المجتمع اليهودي.
    وتصدّت جريدة دافار في هذا السياق لجريدة «كول هعام» (صوت الشعب) الناطقة باسم الحزب الشيوعي التي تجرأ مراسلوها ونشروا أن قيادات الهاغاناه قد أجبروا سكان قرى على ترك أراضيهم بأوامر أصدرتها قيادات الهاغاناه. وتمسكت دافار بفكرة أن العرب هم جيران طيبون والعلاقات جيدة بينهم وبين اليهود، ولا يقوم اليهود بأي عمل مؤذ لجيرانهم. وإزاء هذا الجدل داخل المجتمع اليهودي بخصوص ما كان يجري ضد المــجتمع الفلســـطيني، بـــدأت وبشكل ملحوظ تحدث تغييرات في عملية اختيار كلمات وتعابير لنقل صورة ما يجري، فهذه جريدة هآرتس تذكر عن «إخراج» عرب من حي روميما في القدس بأوامر من الهاغاناه، بادّعاء أن الهاغاناه لا تستطيع أن توفر لهم حماية أمام الغوغاء.
    كانت الأحداث تمرُّ سريعًا وبصورة مكثفة يومًا بعد يوم، وفي حالات كهذه في أي منطقة في العالم تكون التغطية الإعلامية (الصحافية في ذلك الوقت) مكثفة هي الأخرى للتوازن أو لتتساوى مع حجم الحدث أو مجموع الأحداث، إلا أن الصحف العبرية ارتأت تصغير حجم ما كان يحدث، وتكبيره وفقاً لرياح التطورات السياسية والعسكرية التي كانت تجري على أرض الواقع وفي ميدان المعارك. والسخرية في الأمر لمن يتابع عملية النشر عن أحداث النكبة في عام 1948 في الصحافة العبرية أن تهجير آلاف من العرب من حيفا(على سبيل المثال ليس الحصر) قد نشر عنه سطر واحد في أحد أعداد جريدة دافار على النحو التالي: «تم نقل خمسة آلاف عربي من حيفا إلى لبنان خوفًا من الهجمات اليهودية» (دافار، 5 نيسان 1948)، مع العلم أن قصفًا مكثفًا تعرّضت له الأحياء العربية في حيفا ولمدة طويلة كان أحد الأسباب المركزية في وقوع الكارثة في المدينة، إضافة إلى قيام عناصر من الهاغاناه بتمشيط دقيق للبيوت العربية وإخلائها من سكانها والاستيلاء عليها مباشرة تمهيدًا لتوطين عائلات يهودية مهاجرة وفدت إلى فلسطين من مختلف أرجاء العالم. وفي اليوم ذاته الذي ســـقطت فيـــه حيفا واحتــــلتها الهاغاناه وفي مقال مُحرر دافار جاء فيه: «عرب حيفا باتوا يعرفون الآن إلى أين أوصلهم زعماؤهم والعصابات الغريبة التي استولت عليهم. الشهور الأربعة الأخيرة أدت إلى نزف دم وخراب ودمار. لقد فرّغوا حيفا وقراها من سكانها العرب...»(دافار، 23 نيسان 1948). لا توجد في هذا المقال أي إشارة إلى العمليـــة العسكرية المخـــطط لها والتي استعملتها الهاغاناه في احــتلال حيفا وطرد سكانها الفلسطينيين منها. إنها خطة رهيبة باسمــها ومركباتها. «خطة المقص» التي كانت تقضي بتنفيذ هجوم كاســح على الأحياء العربية على هيئة مقص والإطباق على هـــذه الأحياء ودفع سكانها باتجاه ميناء حيفا حيث كانت تنتظر الحيفاويين سفن نقل الركاب وبواخر تجارية وبوارج حربية. نفذت خطة المقص كجزء من الخــطة «د» (داليت) التي وضعتها قيادة الهاغاناه بإشراف دافـــيد بن غوريون لتطهير فلسطين من سكانها الأصليـــين واستبدالهم بســـكان آخرين وثقافة أخرى، وتحويل الشعب العربي الفلسطيني إلى شعب لاجئ خارج وطنه، بحيث لا يسمح له بالعودة مطلقًا، وفرض حلول التوطين على الحكومات العربية.
    عقوبات ومحاسبة
    ضمن الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث النكبة عام 1948 لا توجد أي إشارة إلى دوافع الخطة الصهيونية في تنفيذ تطهير عرقي في فلسطين، إنما هناك مئات من الإشارات إلى أن العمليات العسكرية التي كانت تنفذها الهاغاناه والايتسل وغيرها كانت لمعاقبة الفلسطينيين لأنهم اعتدوا على حي يهودي ما في مدينة معينة، أو أنهم اعترضوا طريق قافلة يهودية، أو قتلوا يهودًا، وغيرها من الأسباب. ولم تُشر الصحف بالمرة إلى أسباب قيام الفلسطينيين بهذه العمليات ردّاً على العنف والأعمال الإجرامية التي نفذتها المنظمات اليهودية نفسها.
    وبالرغم من أن الانتداب البريطاني لم يغادر فلسطين إلا في منتصف شهر أيار من عام 1948، إلا أن المنظمات الصهيونية باشرت بتنفيذ عمليات قتل وإرهاب وتدمير وترحيل تحت مرأى عيون هذا الانتداب. ومن الواضح أن تنسيقًا عسكريًا وميدانيًا كان قائمًا بين الطرفين البريطاني والصهيوني. ووجهت الصحف العبرية مقالاتها في الأساس إلى الجمهور الصهيوني، لإظهار عنف الفلسطينيين وإجراميتهم، مع التركيز على أن المنظمات الصهيونية بإمكانها أن توفر حماية لليهود في وجه المجرمين العرب. وأن المنظمات الصهيونية تضرب بيد من حديد لكل من يعتدي على اليهود وأملاكهم. ومرة ثانية من دون الإشارة البتة إلى مبادرات هذه المنظمات في الهجوم على قرى ومدن عربية وترحيل سكانها.
    (*) مؤرخ من حيفا.


    عدل سابقا من قبل نور المصباح في 04.07.10 0:17 عدل 1 مرات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:09

    ضياع حكومة «عموم فلسطين»

    بعد اعلان قيام دولة إسرائيل، وفي خضم المعارك التي اعقبت دخول الجيوش العربية الى فلسطين، طلبت الهيئة العليا من السلطات المصرية السماح لها بالإشراف على قطاع غزة لتحتفظ، ولو رمزياً، بحقها في فلسطين كلها. وفي 22/9/1948 اعلنت الهيئة العربية العليا، وكانت في منزلة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، قيام حكومة عموم فلسطين في غزة. لكن السلطات المصرية لم تسمح لهذه الحكومة بممارسة مهماتها من غزة، بل طلبت منها الانتقال الى القاهرة، وافتتاح مكاتبها هناك. أما ادارة شؤون قطاع غزة (الذي نجا مع الضفة الغربية من الاحتلال الصهيوني) فستكون من صلاحيات السلطة المصرية.
    وبناء على دعوة سابقة من الهيئة العربية العليا لفلسطين، أقرّ عقد مؤتمر وطني فلسطيني في مدينة غزة في 1/10/1948. وبناء عليه توجه الحاج امين الحسيني الى غزة، حيث خفت جموع الشعب الفلسطيني الى استقباله والترحيب به، وكان في مقدمة الحضور من أهل القطاع نائبه في غزة الحاج موسى الصوراني، وعدد من انصاره ومؤيديه من رؤساء البلديات والشخصيات مثل عبد الرحمن الفرا رئيس بلدية خان يونس، والسيد ابو شرخ رئيس بلدية المجدل والشيخ محمد عواد رئيس بلدية الفالوجا، والشيخ عبد الله ابو ستة رئيس اللجنة التنفيذية للاجئين الفلسطينيين، والدكتور مطر ابو كميل. وفي الموعد المحدد افتتح المؤتمر برئاسة المربي الأستاذ خليل السكاكيني وقد حضر المؤتمر 85 عضواً تم اختيارهم ليمثلوا الشعب الفلسطيني، علماً بأن الدعوة كانت قد وجهت الى 150 شخصاً يمثلون البلديات والمجالس المحلية والغرف التجارية واللجان القومية ومختلف الهيئات. وقد حالت ظروف كثيرين دون تلبية الدعوة ولكن معظمهم ارسل برقيات تأييد الى هذا المؤتمر وما سيتوصل إليه من قرارات. وانتهى المؤتمر باعلان استقلال فلسطين على النحو التالي:
    «بناء على الحق الطبيعي والتاريخي للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال، هذا الحق المقدس الذي بذل في سبيله زكي الدماء، وقدّم من اجله الشهداء، وكافح دونه قوى الاستعمار والصهيونية التي تألبت عليه وحالت بينه وبين التمتع به، فإننا نحن اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة هاشم نعلن هذا اليوم الواقع في الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة 1367هـ وفق أول تشرين الأول سنة 1948 استقلال فلسطين كلها التي يحدها شمالا سورية ولبنان، وشرقا سورية وشرق الاردن، وغربا البحر الأبيض المتوسط، وجنوبا مصر، استقلالا تاما، واقامة دول حرة ديموقراطية ذات سيادة يتمتع فيها المواطنون بحرياتهم وحقوقهم، وتسير هي وشقيقاتها الدول العربية متآخية في بناء المجد العربي وخدمة الحضارة الإنسانية، مستلهمين في ذلك روح الأمة وتاريخها المجيد مصممين على صيانة استقلالنا والذود عنه. والله تعالى على ما نقول شهيد».
    وتألفت حكومة عموم فلسطين على النحو التالي:
    أحمد حلمي باشا عبد الباقي رئيساً للوزارة
    جمال الحسيني وزيرا للخارجية
    ميشال ابكاريوس وزيرا للمالية
    عوني عبد الهادي وزيرا للشؤون الاجتماعية (قبل الوزارة ثم استقال)
    رجائي الحسيني وزيرا للدفاع
    الدكتور حسين فخري الخالدي وزيرا للصحة
    سليمان عبد الرزاق طوقان وزيرا للمواصلات (رفض الوزارة)
    الدكتور فوتي فريج وزيرا للاقتصاد
    علي حسنا وزيرا للعدل
    يوسف صهيون وزيرا للدعاية
    أمين عقل وزيرا للزراعة
    وانتدب أنور نسيبه سكرتيرا عاما لمجلس الوزراء.
    وفي اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر الوطني الفلسطيني بمدينة غزة أي في 1/10/1948 عقد في عمان مؤتمر فلسطيني برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، واختير الشيخ سعد الدين العلمي نائبا للرئيس، وعجاج نويهض سكرتيرا، وهاشم الجاعوني والدكتور نور الدين الغصين كاتبين للمؤتمر. وانتهى المؤتمر بإصدار قرارات كان من أهم ما جاء فيها:
    «نظراً للصلات الوطنية والروابط القومية بين فلسطين والمملكة الاردنية الهاشمية فإن المؤتمر يعلق على صاحب الجلالة الملك عبد الله المعظم أكبر الآمال في حفظ حقوق عرب فلسطين وصيانة عروبتها ومقدساتها. والمؤتمر واثق كل الثقة من ان جلالته لن يقبل ان تفرض على عرب فلسطين حلول من قبل تلك الفئة من متزعمي فلسطين سابقا الذين ضج الشعب الفلسطيني خلال الثلاثين عاما الماضية من سوء تصرفاتهم وأنانيتهم. والمؤتمر يفوض جلالته تفويضاً تاماً مطلقاً في أن يتحدث باسم عرب فلسطين، ويفاوض عنهم، ويعالج مشكلتهم بالشكل الذي يراه. وهو الوكيل عنا في جميع شؤون مستقبل فلسطين، كما ان المؤتمر يؤيد جلالته في كل خطوة يخطوها في سبيل حل قضية فلسطين ويعتبره المرجع الوحيد لعرب فلسطين الذين منحوه كل ثقتهم واخلاصهم واكيد ولائهم ووفائهم».
    وقرر المؤتمر إرسال برقية الى الهيئة العربية العليا لفلسطين يقول فيها بأنه «نزع منها ثقة عرب فلسطين فهي لا تمثلهم ولا يحق لها أن تنطق باسمهم او تعبر عن رأيهم، لأن الحكومات العربية قد احتضنت قضية فلسطين، وهي اصبحت وديعة بين ايدي ملوك العرب الذين يطمئن الشعب الفلسطيني الى مساعيهم في سبيل صيانة عروبتها وتحقيق حريتها».
    ظل الحاج امين الحسيني ورجاله في غزة بعد انتهاء المؤتمر الوطني الفلسطيني على امل ان تباشر حكومة عموم فلسطين اعمالها في قطاع غزة على اعتبار ان هذا القطاع أرض فلسطينية، وان من الطبيعي ان تكون هذه الحكومة فيه، لتتولى تدبير الشؤون الفلسطينية، ولكن حكومة محمود فهمي النقراشي عارضت ذلك بشدة، وطلبت من اللواء حسين سري عامر المدير العام لسلاح الحدود الملكي المصري ان يتوجه الى غزة ويحضر معه الحاج امين الحسيني. وفي 10/10/1948 اضطر الحاج امين إلى ان يترك مدينة غزة في سيارة اللواء حسين سري. وحسب التعليمات غادرت السيارة غزة ليلاً حتى لا يشعر الناس بهذا الإجراء وتحدث امور غير مستحبة ولا ترضى عنها السلطات المصرية.
    ولم تستطع حكومة عموم فلسطين ان تباشر أي نوع من صلاحياتها تجاه وطنها وشعبها وضيقت عليها جامعة الدول العربية الخناق مالياً حتى توقفت عن دعمها ومساندتها، وبدأ الوزراء والمسؤولون بتقديم استقالاتهم واحداً بعد الآخر، وانتهى الامر بهذه الحكومة في شقة متواضعة للغاية في ميدان مصطفى كامل بالقاهرة، ثم تلاشت واختفت وكأنها لم تكن، ولم يبق من آثارها بين الناس غير جوازات سفر خضراء انيقة تحمل اسمها ولكنها لا تسهل لحاملها مهمة السفر بل تعقده، ما اضطر الناس الى التخلص منها والحصول على اية جنسية عربية او وثيقة سفر صادرة عن بلد عربي آخر. أما الضفة الغربية فقد صارت في عهدة الملك عبد الله، ولم يبق من فلسطين إلا اسم «القضية».
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:19

    الـفـلـسطـينـيون فـي كـنـدا



    عصام اليماني

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 55_P18_ns
    تعود بدايات الهجرة الفلسطينية إلى المنتصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، وبالتحديد إلى ما بعد حرب حزيران 1967، حيث وصل العشرات من فلسطينيي 48 إلى كندا، غالبيتهم من مسيحيي مدينة الناصرة وقضائها. حيث كانت «إسرائيل» بحسب شهادة بعض المهاجرين تشجع الحكومة الكندية على استقبالهم كجزء من خطة إفراغ المدن الفلسطينية العربية من سكانها الأصليين. إضافة إلى فلسطينيي 48،
    شهدت كندا هجرة عدد من الطلبة الذين أنهوا دراساتهم في بعض الدول الأوروبية ولم يتمكنوا من العودة إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة، إضافة إلى بعض الأكاديميين الفلسطينيين كالدكتور بهاء أبو لبن والدكتور إسماعيل زايد والدكتور فضل النقيب والدكتور إبراهيم السلطي والدكتور يوسف عمر. وشهدت السبعينيات هجرة عائلات بكاملها من مناطق 48 لأسباب سياسية واقتصادية. وحتى بداية الثمانينيات لم يتجاوز عدد الفلسطينيين في كندا خمسة آلاف مهاجر. أما في الثمانينيات فقد بدأت تتسع موجة الهجرة الفلسطينية من لبنان إلى كندا خاصة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا، وراحت أعداد من فلسطينيي لبنان تصل إلى كندا. الموجة الأكبر من حيث الكم جاءت بعد الاجتياح العراقي للكويت حيث تم طرد وتهجير عشرات الألوف من فلسطينيي الكويت والخليج. وساهم في ذلك تعديل قوانين الإقامة في الدول الخليجية التي تفرض خروج الأبناء الذكور ممن تجاوزوا الثامنة عشرة والمقيمين مع ذويهم. فقد شهدت تلك الفترة هجرة ما يقارب العشرة آلاف فلسطيني من مختلف دول الخليج. ونظراً لحجم المدخرات المالية لفلسطينيي الخليج، ومؤهلاتهم العلمية (مهندسون، محاسبون، أطباء، إلخ) فقد كانت الموافقة على طلباتهم تتم بشكل سريع. وبعد اتفاق أوسلو، خاصة بعد الانتفاضة الثانية، وتدهور الوضع الاقتصادي وفقدان الأمل بعملية السلام شهدت كندا موجة لجوء عدد كبير من شبان الضفة الغربية، ووصل عددهم إلى ما بين أربعين ألفاً وخمسين ألف مهاجر.
    النشاط السياسي
    نظراً لقلة عدد المهاجرين العرب والفلسطينيين في كندا، باشرت بعض الشخصيات ذات التوجه القومي (الدكتور جورج حجار، الدكتور إبراهيم السلطي، الدكتور بهاء أبو لبن، الدكتور عاطف قبرصي وغيرهم) بتأسيس الاتحاد العربي الكندي، ليشكل القوة السياسية المنظمة لتمثيل الجالية العربية، والتحدث باسمها في الشؤون التي تهم الجالية العربية والفلسطينية خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي، وليشكل بداية قوة ضغط عربية في مواجهة اللوبي الصهيوني في كندا. وعلى الرغم من حداثة تأسيسه فقد تمكن الاتحاد العربي من أن يترك بصماته في أروقة البرلمان الكندي، الذي شكل بعض أعضائه تجمعاً برلمانياً مؤيداً للقضايا العربية خاصة قضية فلسطين، وكان أبرزهم النائب والسناتور الحالي مارسيل برودوم، إضافة إلى إقامته شبكة علاقات مع النقابات والكنائس وبعض الدوائر الأكاديمية، التي أنشأت بدورها مؤسسة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وكان أبرز قيادتها الأستاذ الجامعي جيمس غراف. ونتيجة لازدياد عدد المهاجرين العرب والفلسطينيين وبروز دور منظمة التحرير الفلسطينية، بات من الطبيعي أن تتألف جمعيات عربية على أساس الانتماء القطري فانتشرت في المدن الكندية المختلفة (تورونتو، مونتريال، لندن أونتاريو، هاليفكس، فانكوفر) الجمعيات الفلسطينية لتمثل الكيانية الفلسطينية في المهجر الكندي. وتحول الاتحاد العربي الكندي من منظمة تضم الأفراد العرب إلى منظمة تضم الجمعيات العربية المختلفة في اتجاهاتها وميولها السياسية، ما أضعف موقف الاتحاد بشكل عام. مع توقيع اتفاق أوسلو «إعلان المبادئ»، تراجع العمل السياسي الفلسطيني في كندا، واتخذت بعض الجمعيات الفلسطينية موقفاً مؤيداً للاتفاقية معتبرة أن الانفتاح على القوى اليهودية والصهيونية في كندا سيعزز السلام في المنطقة. ونال هذا التوجه دعماً سياسياً حكومياً، من خلال تشجيع مؤتمرات الحوار المشترك. وتراجع دور المنظمات الأخرى بعد إضافتها إلى لائحة المنظمات «الإرهابية» والتي تم حظر نشاطها في كندا. ومع عودة القيادة الفلسطينية إلى غزة والضفة عاد العشرات من الفلسطينيين الكنديين من أصحاب الخبرات الإدارية والأكاديمية والمهنية المختلفة، وأصحاب رؤوس الأموال للمساهمة في بناء المؤسسات الوطنية والاستثمار في الاقتصاد «السنغافوري» الموعود. إلا أن غالبية أولئك لم يلبثوا أن رجعوا إلى كندا لعدم قدرتهم على التأقلم مع الأوضاع الجديدة في الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد الانتفاضة الثانية.
    في السنوات الست الأخيرة، استوعب الجيل الكندي ـ الفلسطيني حركة المجتمع الكندي ومفاهيمه وطرق مخاطبته ومخاطبة وسائل إعلامه. وتوج هذا النشاط النوعي بتشكيل «تحالف مكافحة إسرائيل» (CAIA) و«طلبة من أجل الحقوق الفلسطينية» (SPHR) ومنظمة حق العودة. في دراسة صدرت مؤخراً عن واحدة من مؤسسات البحث الصهيونية، تم اعتبار مدينة تورونتو واحدة من أهم المدن التي تحوي نشاطاً معادياً لإسرائيل، الأمر الذي أدى بالحكومة الإسرائيلية إلى رصد مبلغ مليون دولار للقنصلية الصهيونية في تورنتو للقيام بحملة تسويق إسرائيل باعتبارها دولة تربطها بكندا قيم الديموقراطية والإبداع واحترام حقوق الإنسان. ونظراً لموقف الحكومة الكندية بقيادة حزب المحافظين المؤيد بدون شروط لإسرائيل فقد مارست ضغوطاً كبيرة من خلال المنظمات الصهيونية على الجامعات الكندية لعدم التصريح بأي نشاط لمكافحة العنصرية الصهيونية الذي امتد إلى أكثر من خمسين جامعة في العالم. ومن أبرز إنجازات العمل الفلسطيني في كندا، اتخاذ نقابة عمال البريد، ونقابة موظفي الحكومة في محافظة أونتاريو قراراً بمقاطعة إسرائيل ومؤسساتها والدعوة إلى سحب الاستثمارات منها، ومقاطعة بضائعها في السوق الكندية. وعدم استقبال ممثلي نقاباتها ومقاطعتهم في حال وجودهم في كندا. وهنالك إنجاز نوعي آخر يتمثل بإقامة مهرجان تورونتو للفيلم الفلسطيني الذي يقام لمدة أسبوع تعرض خلاله أفلام فلسطينية وأفلام أجنبية تتناول القضية الفلسطينية، ويلقى هذا المهرجان إقبالاً كبيراً من الجمهور الكندي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:23

    مـنـع الـتـسـلل الـى الـوطـن!!

    انيس فوزي قاسم

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 57_p19_ns
    ليس هذا عنوانا للإثارة الصحافية، بل هو «تشريع» من تشريعات سلطة الاحتلال الإسرائيلية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد اصدر قائد قوات الاحتلال في «يهودا والسامرة» في 13/10/2009 الامر العسكري رقم 1650 بعنوان «أمر خاص بمنع التسلل ـ التعديل الثاني» على ان يدخل حيز التنفيذ بعد ستة اشهر، أي في 13/4/2010.
    وحتى تتضح معالم هذا التعديل الثاني، فلا بد من العودة الى الامر العسكري الاصلي الصادر برقم 329 تاريخ 29/6/1969، وكان ايضا بعنوان «أمر خاص بمنع التسلل». وقد عرّف الامر العسكري الاصلي «المتسلل» بأنه الشخص الذي دخل «المنطقة» على «نحو غير مشروع بعد ان كان موجودا في الضفة الشرقية من الاردن او سوريا او مصر او لبنان بعد تاريخ نفاذ هذا الامر».
    جاء التعديل الثاني وعدل هذا التعريف و«افترض ان الشخص يعتبر متسللا اذا وجد في «المنطقة» ولا يحمل وثيقة او اذنا يبين فيه ان وجوده في «المنطقة» كان «مشروعا». وربما كان هذا التعبير في تعريف «المتسلل» هو اخطر ما ورد في الأمر العسكري رقم 1650. وقبل تناول آثار هذا التعبير لا بد من توجيه الاهتمام الى ان قائد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ما زال هو السلطة التشريعية العليا، وهذا يدحض ادعاءات مهندسي اتفاق اوسلو من ان هناك «سلطة وطنية فلسطينية» وانها تمارس سلطات حكومية في الاراضي الفلسطينية، اذ لا زال الحاكم العسكري هو مصدر أي سلطة تدعيها القيادة الفلسطينية، وهكذا قبلت قيادة النضال الوطني الفلسطيني ان تتحول من قيادة ثورة ملأت الدنيا الى مقاول من الباطن لسلطة الحاكم العسكري الإسرائيلي.
    اللافت ان الامر العسكري الاصلي والتعديل الثاني رقم 1650، استخدما تعبير «المنطقة»، وهذا التعبير يعني «يهودا والسامرة» وليس «الضفة الغربية». ان استخدام المصطلحات والتعريفات في التشريعات الإسرائيلية ذو مغزى ودلالة قانونية. ققد درجت التشريعات الصادرة عن الحاكم العسكري الإسرائيلي على استخدام تعابير توراتية وتطبيقها على الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل «يهودا والسامرة» وبغية طمس حقيقة الاحتلال او تضليل الرأي العام بان وجود قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة ما هو إلا وجود مشروع في مناطق تعتبرها إسرائيل من «التراث اليهودي». وقد توقفت هذه الممارسات الإسرائيلية في اتفاقات اوسلو حيث لم يتم استخدام تعابير «يهودا والسامرة» بل استخدم تعبير «الضفة الغربية». ولكن إسرائيل عادت الان الى استخدام التعابير القديمة ما يدلل على ان اتفاقات اوسلو اصبحت لا تعني شيئا الا للقيادة الفلسطينية، بينما اعتبرها الجانب الإسرائيلي كأنها استنفدت اغراضها.
    ونعود الى فحوى التعديل الثاني والتغيير الذي طرأ على تعريف «المتسلل». ان هذا التعديل يدشن على نحو فاضح، لا مواربة فيه، مرحلة «الترانسفير»، حيث اعتبر الفلسطيني المقيم في أرضه ووطنه «متسللا» الى ان يثبت العكس، ويقع عبء الاثبات على عاتق المواطن. وهكذا يصبح المواطن الفلسطيني حالة استثنائية في وطنه، بينما يتمتع اليهودي المقيم في بروكلين او بولندا ليس بحق الاقامة في فلسطين فحسب بل بحق «العودة» الى فلسطين ايضا، وهو يمارسه متى شاء. ان هذا الوضع المقلوب يؤشر الى ان إسرائيل ـ مستغله حالة التشظي الفلسطيني الداخلي وحالة الانفصام العربي الرسمي ـ سوف تبدأ حملة ترانسفير «قانونية».
    لقد باشرت إسرائيل فعلا تطبيق هذه السياسة فقامت بترحيل بعض الفلسطينيين من مواطني غزة المقيمين في الضفة الغربية الى قطاع غزة. وهذا الترحيل هو تمرين «بالذخيرة الحية» على عملية ترانسفير متعددة المراحل والأطوار. ان ترحيل مواطن من غزة مقيم في الضفة الغربية الى غزة يعني ـ من وجهة نظر الحاكم العسكري الإسرائيلي ـ ان قطاع غزة والضفة الغربية ليسا «أراض فلسطينية محتلة» ولا يخضعان لنظام الاحتلال نفسه وتمشيا مع هذا المنطق، يجب ألا نفاجأ اذا تم ترحيل ابن نابلس المقيم في رام الله الى «وطنه الأم» في نابلس، او ابن الخليل المقيم في قلقيلية الى الخليل وهكذا. إلا ان هذا ليس نهاية المأساة. فالشق الآخر من هذه الممارسة العجيبة يتمثل في حالة الزواج. فلو كان الزوج من غزة والزوجة من جنين، فسوف يتم ترحيل الزوج الى غزة والابقاء على الزوجة في الضفة الغربية. وهذه أداة «إسرائيلي» مبتكرة لتفتيت العائلة الفلسطينية. اما الشق الاخير من المأساة فهو مصير الاطفال: هل سيلحقون بالأب ام بالأم؟! ومن الجدير بالذكر ان الفقرة (3) من اجراءات معالجة طلبات الإقامة التي وضعها الحاكم العسكري تنص على ان «الروابط الاسرية بحد ذاتها لا ترتقي الى كونها من الاسباب الإنسانية التي تبرر الاقامة في قطاع غزة (او في الضفة الغربية)». وهذا يفصح بشكل لا يقبل التفسير او التأويل عن ان وحدة العائلة ليست هي المعيار الاهم في اعتبار الحاكم العسكري، وهذا ـ بمفهوم المخالفة ـ يفضح القصد من وراء الامر العسكري رقم 1650. أي ان الترانسفير سوف لا يتم على الطريقة القديمة أي بحمل السكان على الرحيل بالقوة العسكرية، بل بخلق اوضاع معيشية تفتت العائلة ما يحملها قسراً على الرحيل.


    تجدر الإشارة الى ان إسرائيل اتخذت إجراءات مماثلة ضد سكان القدس الفلسطينيين حيث تم تشتيت العائلات المقدسية بمقولات «مركز الحياة» التي اخترعتها محكمة العدل العليا الإسرائيلية، بحيث اذا لم يثبت المقدسي ان «مركز حياته» في القدس، فإنه يفقد حقه في الإقامة فيها، واذا فقد هذا الحق،فإن على عائلته ان تعاني جراء ذلك. فقد تكون الزوجة تعمل في القدس ولا تجد عملا خارجها، وقد يكون الاطفال في مدارس يصعب نقلهم الى مدارس اخرى في مدن اخرى. وهكذا يتم تفتيت العائلات وحملها على الرحيل من دون استخدام الوسائل العسكرية الفظة كما جرى في عمليات التطهير العرقي في عامي 1947/ 1948 كما وثقها المؤرخ الإسرائيلي البارز ايلان بابيه في كتابه القيّم «التطهير العرقي».
    إن السياسات الإسرائيلية هذه تتصادم، على نحو فاضح، مع معايير القانون الدولي الإنساني. فاتفاقية لاهاي للعام 1907 نصت في المادة 46 على وجوب احترام شرف الأسرة وحقوقها وحياة الأشخاص والأملاك الخاصة. ونصت اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 في المادة 49 ان الترحيل القسري للسكان الواقعين تحت الاحتلال محرّم تحريما مطلقا، وقد اكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الخاص بقضية الجدار الصادر في العام 2004 على انطباق هاتين الوثيقتين على الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية. وجاء ميثاق روما للعام 1998 ليؤكد في المادة 7 (د) ان الابعاد او النقل القسري للسكان يعتبر «جريمة ضد الإنسانية»، وان المادة 8/2/7 اعتبرت «الابعاد او النقل غير المشروعين» للسكان المدنيين «جريمة حرب. ومع هذا المسلسل من الخروقات الصريحة لمبادئ القوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال، هل من يخجل ويسحب ما يسمى زورا «المبادرة العربية» وهي ـ رسميا وواقعيا ـ مبادرة الصحافي الاميركي توماس فريدمان؟!.



    (*) محام وكاتب مقيم في عمان.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:26

    فلسطين والسينما.. علاقة جعلت الصورة مرآة الواقع



    نديم جرجورة

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 58_31bis_ns
    يستحيل اختصار التاريخ العريق للإنتاج السينمائي في فلسطين، قبل إنشاء الكيان الصهيوني على أرضها الجغرافية، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لها ولذاكرتها. فالمسار التاريخي الخاصّ بهذا الإنتاج، وإن لم يبلغ الإنتاج المذكور مرتبة الاشتغال السينمائي بمفهومه الآنيّ، أفرز أعمالاً متفرّقة، أنجزها فلسطينيون وعرب وأجانب على حدّ سواء، خصوصاً أن الأفلام المنجزة تلك استطاعت «أن تختزن ذاكرة غنية لا يُمكن إغفال أهمية وضرورة الرجوع إليها، ما دامت تنتمي بحقّ إلى تاريخ الناس»، كما كتب الناقد والمخرج العراقي قيس الزبيدي في مقدّمة كتابه التوثيقي المهم «فلسطين في السينما» («مؤسّسة الدراسات الفلسطينية»، الطبعة الأولى، بيروت، 2006).
    وبما أن العلاقة بين الصورة السينمائية وفلسطين قديمة جداً، باتت السينما جزءاً «لا يتجزّأ من الذاكرة الفلسطينية»، كما علّق الناقد الفرنسي سيرج لوبيرون، الذي رأى أن هذه الذاكرة «انفجرت في الزمان والمكان شظايا صغيرة، قطعاً من أفلام وصُور وأصوات (...)، ونتفاً من حكايات التقطتها أشرطة»، طالب لوبيرون بضرورة «إعادة تجميعها وتصنيفها وحفظها، لأنها برهان على وجود له ماض وعلامة هوية وتاريخ بحدّ ذاته».
    بالإضافة إلى المسار التاريخي المليء بالعناوين السينمائية المختلفة، المائلة إلى النوع الوثائقي/ التسجيلي الذي أرشف لحظات تاريخية مهمّة منذ مطلع القرن العشرين، وخصوصاً مع إبراهيم لاما تحديداً، فإن مخرجين عرباً وأجانب غاصوا في الحيّز الفلسطيني، والتقطوا نبض الشارع والتحوّلات، وعاشوا التفاصيل الإنسانية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها فلسطين على مدى سنين طويلة. من العراق ومصر ولبنان، إلى دول أوروبية وأميركية عدّة، جاء السينمائيون إلى فلسطين، أو جلبوها إلى نتاجاتهم الوثائقية والروائية، التي حوّلت المشهد الفلسطيني إلى حالة إبداعية صافية. وإذا بدت تلك الأعمال أقرب إلى الشهادات البصرية المتعلّقة بمسائل سياسية ونضالية واجتماعية، منذ الهجرات الصهيونية الأولى إلى ما بعد إنشاء الكيان الصهيوني؛ فإن التجربة الأساسية التي جعلت السينما في فلسطين تعيش مرحلة جديدة، تمثّلت بـ«عرس الجليل» (1987) لميشال خليفي، الفيلم الروائي الطويل الذي اعتبره كثيرون بمثابة إطلاق نمط آخر في التعاطي مع الشأن الفلسطيني. هذا الفيلم أسّس مرحلة متكاملة من الاختبار اليومي للعيش الفلسطيني تحت وزر الاحتلال ومصاعبه وعنفه، من دون تناسي الهمّ الفلسطيني الذاتيّ. وفي المرحلة نفسها، ظهر مخرجون فلسطينيون متنوّعو الأمزجة والأساليب، غرفوا من الهمّ الفلسطيني مواد درامية جعلتهم ينقلون الوجع والأمل والحياة إلى أصقاع الدنيا، أمثال رشيد مشهراوي وهاني أبو أسعد وعبد السلام شحادة وعزّة الحسن ونزار الحسن ورائد أنضوني وآخرين، وأبرزهم إيليا سليمان.
    شهد النتاج السينمائي الفلسطيني في الأعوام القليلة الفائتة (النصف الثاني من العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين تحديداً) ظهور ثلاث مخرجات سينمائيات التقين عند إقامتهنّ خارج فلسطين المحتلّة، واستفادتهنّ من إنتاج غير فلسطيني غالباً (مع وجود إنتاج فلسطيني متنوّع، بمستويات مختلفة)، وقراءتهنّ العلاقة القائمة بين المنفى والاغتراب الذاتي والهوية أساساً، بالإضافة إلى التمعّن الفني في شؤون الفرد الفلسطيني، وارتباطه بمحيطه الثقافي والاجتماعي والمناخ الإنساني والوضع السياسي الناتج من الاحتلال الإسرائيلي. هؤلاء المخرجات الثلاث هنّ آن ـ ماري جاسر (ملح هذا البحر) ونجوى النجّار (المرّ والرمان) وشيرين دعيبس (أمريكا). ولئن آثرت جاسر سرد حكاية الداخل الفلسطيني المرتبط بالذاكرة الفردية والجماعية، من خلال العودة إلى فلسطين لاستعادة حقّ ضائع؛ فإن دعيبس ذهبت في الاتجاه المعاكس، عندما رافقت رحلة أم وولدها الوحيد إلى الولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن لحظة صفاء داخلي في «أرض الأحلام»، الطالعة من صدمة الاعتداء الوحشي على برجي «المركز العالمي للتجارة» ومبنى «بنتاغون» في الحادي عشر من أيلول 2001. في حين توغّلت النجّار في بنية المجتمع الفلسطيني، من خلال قصّة حبّ بين زوجة مقاوم أسير ومدرّب رقص، وسط استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين. وإذا بدا «ملح هذا البحر» أقرب إلى رحلة داخلية في فلسطين المحتلّة، وهي رحلة أشبه بمرآة سينمائية عكست تفاصيل شتّى من الحياة اليومية هناك؛ فإن «أمريكا» استخدم مفهوم الرحلة أيضاً، لكن خارج فلسطين المحتلّة، في مسعى جدّي إلى فهم المعاني الإنسانية والثقافية والاجتماعية للهوية والانتماء، داخل الدولة الأشدّ عداءً للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والأكثر دعماً لدولة الكيان الصهيوني. أما «المرّ والرمان»، فأثار ردود فعل سلبية، فلسطينية أولاً وأساساً، لتشريحه القاسي وقائع العيش اليومي في بيئة فلسطينية اجتماعية تقليدية، ولدفاعه الجلي عن حقّ الفرد في اختبار انفعالاته وعيشها.


    «ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر:

    رحلة في الداخل الفلسطيني
    تنتمي آن ماري جاسر إلى جيل من الفنانين الفلسطينيين الناشئين في بلاد الشتات. أنجزت باكورتها الروائية الطويلة هذه (لها أفلام وثائقية وقصيرة عدّة، أبرزها «اثنا عشر مستحيلاً»، الذي أنجزته عام 2002) مستوحاة من تفاصيل عامّة، مضافة إلى شيء ذاتي بحت. أرادت، في «ملح هذا البحر»، أن توزان حبكته الدرامية بين بُعدين اثنين أساسيين: استعادة الذاكرة لتأكيد حضورها في الوعيين الفردي والجماعي، و«السفر» داخل فلسطين المحتلّة، في رحلة قد يُقال إنها سياحية، وقد توصف بكونها محاولة سينمائية متواضعة للتأكيد على الحقّ الفلسطيني الشرعي والتاريخي بأرضه المحتلّة.
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 58_jacer1_ns
    الحكاية، في ظاهرها، تكاد تكون عادية: ثريا (سهير حمّاد) تقرّر العودة إلى بلدها، هي المقيمة في الولايات المتحدّة الأميركية (حيث تقيم جاسر حالياً) مع والديها اللاجئين من حيفا، بعد اكتشافها أن المدخّرات المصرفية لجدّها لا تزال موجودة في أحد مصارف يافا، منذ عام 1948، وهي تريد استعادتها مهما كان الثمن. أثناء ذلك، تلتقي عماد (صالح بكري)، الحالم بالهجرة إلى كندا. بين «حلم» العودة إلى فلسطين (ثريا) واستعادة الحقوق المسلوبة، و«حلم» الهجرة إلى الخارج (عماد)، بحثاً عن خلاص نفسي وروحي وجسدي من وطأة العيش في بؤس الحياة اليومية في فلسطين المحتلّة، بدت آن ماري جاسر كأنها مكتفية بطرح سؤال العلاقة (هل أقول الملتبسة؟) بين الفرد وبلده، في ظلّ أسئلة الاحتلال والمقاومة والتمسّك بالحقوق (حقّ العودة، حقّ الإقامة في البلد الأم، حقّ التاريخ والجغرافيا، إلخ.).
    لا تستطيع ثريا الحصول على حقّ جدّها وأبنائه وأحفاده باستعادة ممتلكاته. كأنها بهذا تكشف عجزاً ما عن استعادة حقوق أخرى لها ولأبناء بلدها. لكن هذا الحقّ، الذي تمسّكت به ابنة مهاجرين، يتناقض ورغبة المقيم في بلده المحتلّ، في البحث عن منفذ لعيش مختلف. ونهاية الفيلم، إذ تقع على الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة، تجعل الأسئلة معلّقة، والأجوبة أصعب، إذ تبقى المهمّة الأولى للسينما طرح الأسئلة والتحريض على البحث الدائم عن أجوبة. والرحلة، المُقامة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948، إثبات (متواضع سينمائياً) للحقّين التاريخي والجغرافي للفلسطينيين في أرضهم وذاكرتهم وفضائهم الإنساني والثقافي والاجتماعي. لكن الفيلم مائلٌ، في مقتطفات عدّة من نصّه، إلى شيء من الخطابية، في حين أن بعض حواراته ضعيفٌ.


    «أمريكا» لشيرين دعيبس:
    حلم الهجرة وتداعيات الحادي عشر من أيلول
    في التعريف الصحافي الرسمي بها، جاء أن شيرين دعيبس اختيرت، عام 2009، من بين «أفضل عشر مخرجي منوّعات»، وأنها «مخرجة مستقلّة»، وأن «أمريكا» أول فيلم روائي تكتبه وتخرجه. دعيبس مقيمة هي أيضاً في الولايات المتحدّة الأميركية. أي إنها «ابنة» ثقافة غربية أضيفت إلى ثقافة بيئتها وتراثها وتاريخها. الإقامة في تلك البلاد مفيدة، لأنها تساهم في تطوير الوعي المعرفي، وتفتح آفاقاً جديدة للراغبين في العمل السينمائي. «أمريكا» صورة مختصرة عن حكايات فلسطينيين (وعرب ومهاجرين من أصقاع الدنيا كلّها أيضاً) يسعون إلى الهجرة بحثاً عن فرص عيش وعمل مختلفة. غير أن ميزته كامنةٌ في خصوصيته الفلسطينية. أي إن هجرة الأم منى (نسرين فاعور) وولدها فادي (ملكار معلم) إلى تلك البلاد الشاسعة، وتحديداً إلى منطقة ريفية في ولاية إلينوي، تتميّز بميزتين اثنتين: هجرة الفلسطيني من أرضه المحتلّة، وهجرته إلى بلد يعاني «فوبيا» خطرة من العرب والمسلمين. هناك، تحاول منى، المقيمة وابنها عند شقيقتها رغدة (هيام عباس) وزوجها الطبيب نبيل (يوسف أبو وردة)، بدء حياة جديدة. لكن المعاناة بدت، في اللحظات الأولى، شبيهة بمعاناة البلد الأم: قسوة الحياة اليومية جرّاء رفض المجتمع الجديد كل وافد عربي/ مسلم إليه، وهذا ينسحب على العمل (هناك صعوبة ما في الحصول على وظيفة) والحياة المدرسية (بعض الطلاب يتملّكه الغضب العنصري من كل عربي/ مسلم). شيرين دعيبس أرادت، في «أمريكا»، أن تلتقط تفاصيل تلك المعاناة، من خلال المسار الصعب لمنى وفادي أولاً، ولرغدة وعائلتها ثانياً. وإذا انبنى المسار هذا على البؤس والقهر والألم والتحوّلات القاسية، فإن الخاتمة أفضل، لميلها إلى لحظة متفائلة ما. ولا يُفارق النصّ والحوار بعض الخطابية المباشرة، المتعلّقة بالوطن والتراب والحكاية التقليدية.
    «المرّ والرمّان» لنجوى النجّار:
    حقّ المرأة في التعبير عن انفعالاتها
    في جهة مغايرة تماماً للعلاقة القائمة بين الوطن والمهجر/ المنفى، التي شكّلت عموداً فقرياً لفيلمي «ملح هذا البحر» و«أمريكا»، غاص «المرّ والرمان» لنجوى النجّار في أعماق المجتمع الفلسطيني، وبيئته الاجتماعية والثقافية والتربوية التقليدية. عندما سئلت عن فيلمها هذا، قالت النجّار إنه «قصّة إنسانية فلسطينية، موجودة في المجتمع الفلسطيني»، مضيفة أنه «قصّة سياسية بامتياز أيضاً»، مؤكّدة، في الوقت نفسه، أن السياسيّ لا يكمن في «اللغة والصورة السياسية التي تُقدّم بها عادة المأساة الفلسطينية على شاشات التلفزيون»، بل في طيات النصّ والحبكة والعلاقات القائمة بين الشخصيات المصنوعة من لحم ودم. أكّدت النجّار، وفيلمها هذا واضحٌ في طرحه الإنساني أولاً وأساساً، على أن «المرّ والرمان» يتطرّق إلى قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية، والمرأة الفلسطينية ومعاناتها، ومصادرة الأراضي والجدار العنصري والاستيطان. هذه عناوين تبدو، لوهلة أولى، كثيرة جداً على فيلم سينمائي متواضع المعالجة الدرامية، وبسيط الإمكانيات الإنتاجية. لكنها شكّلت معاً مفردات التعمّق في تفاصيل البيئة الفلسطينية هذه، من خلال قصّة الحبّ العفوية التي نشأت بين زوجة أسير ومدرّب رقص. ولعلّ هذا ما أثار سخط فلسطينيين كثيرين، قالوا إنه ينتقد صمود الأسرى ويطعن ظهر الفلسطيني: «أثار الفيلم حديثاً طويلاً. كمخرجة، لا يُمكنني إلاّ أن أكون سعيدة جداً بذلك»، كما قالت، طارحةً في الوقت نفسه تساؤلات جوهرية أرى أنها، بمعالجتها الدرامية في الفيلم، سبّبت ذاك السخط الفلسطيني. والتساؤلات تلك تُختصر بسؤالين: هل لزوجة السجين حقّ في الحياة؟ أليست إنساناً ذا رغبات واحتياجات إنسانية، كأي إنسان آخر؟
    في المقابل، ألم تُقدّم نجوى النجّار صورة مؤثّرة عن معنى الصمود الفلسطيني الفردي في وجه المحتلّ؟ ألم تدعم تمسّكه بحقّه في الوجود والعيش في بلده، وإن كان بلده محتلاّ؟ ألم تصوّر شيئاً من واقع العيش اليومي على تخوم الألم والقهر والغضب والقلق، ومقارعة الظلم أيضاً؟ ألم تلتقط نبض الحياة الفلسطينية بتنويعاتها ومستوياتها ومفارقاتها وفضاءاتها المختلفة، بهدف جعلها شهادة بصرية صادقة؟ لا شكّ في أن قراءة نقدية سوية للفيلم تكشف خللاً هنا وهناك، خصوصاً على مستوى الكتابة السينمائية والحوارات وبعض التقنيات. لكن هذا لا يمنع القول إن «المرّ والرمّان» جريءٌ في تأكيده حقّ المرأة في أن تكون إنساناً، وفي أن تُعبّر عن نفسها بحرية، وفي أن تعلن مشاعرها من دون خوف أو وجل. العناوين التي أرادتها النجّار ركيزة درامية لفيلمها هذا كثيرة، إلى درجة أن كل واحد منها محتاجٌ إلى فيلم أو أكثر. وهذا، ربما، أحد أسباب الخلل الطفيف الذي أصاب الفيلم. لكن نصّه الإنساني مهمّ للغاية، لأنه تحرّر من سطوة التقليد في مقاربة المواضيع الأساسية، وذهب إلى أقصى درجة ممكنة من التعبير المباشر والحيّ عن مشاكل بيئة ومجتمع، أنتج الاحتلال الإسرائيلي جزءاً أساسياً منها، لكن سلوك المجتمع الفلسطيني مسؤول عن جزء لا بأس به منها، على المستوى الاجتماعي على الأقلّ.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:29

    يـــافـــا الــجــمــيــلـــة



    محمد مهدي الجواهري

    في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين سافر محمد مهدي الجواهري إلى فلسطين لإلقاء بعض قصائده في الإذاعة الفلسطينية. ومن الطائرة تراءت له يافا وقد ظللتها السحب، فكتب هذه القصيدة، واختار لها هذا العنوان. وللعلم فإن كلمة يافا أو «يافو» الآرامية تعني «الجميلة».

    بيافا يومَ حُطَّ الرٍكابُ
    تمطَّر عارضٌ ودجا سحابُ
    ولفَّ الغادة الحسناءَ ليل
    مريبُ الخطوِ ليس به شهابُ
    وأوسعها الرذاذ السحُّ لثماً
    ففيها من تحرُّشِهِ اضطرابُ
    ويافا والغيوم تطوف فيها
    كحالمة يجللها اكتئابُ
    وعاريةُ المحاسن مغريات
    بكفِّ الغيمِ خِيطَ لها ثيابُ
    كأن الجوّ بين الشمس تزهى
    وبين الشمسِ غطّاها نقابُ
    وموجُ البحرِ يغسل أخمصيها
    وبالأنواءِ تغتسل القبابُ
    فقلت وقد أُخذتُ بسحر يافا
    وأتراب ليافا تُستطابُ
    فلسطين ونعمَ الأمُّ هذي
    بناتُك كلها خَوْدٌ كعابُ
    أقلتني من الزوراء ريح
    إلى يافا وحلّق بي عقاب
    أرانا كيف يهفو النجم حباً
    وكيف يغازل الشمسَ الضبابُ
    فما هي غيرُ خاطرة وأخرى
    وإلا وثبة ثم انصبابُ
    ولاح اللد منبسطاً عليه
    من الزهرات يانعة خِضابُ
    نظرتُ بمقلة غطى عليها
    من الدمع الضليل بها حجابُ
    أحقاً بيننا اختلفت حدود
    وما اختلف الطريق ولا الترابُ
    ولا افترقت وجوهٌ عن وجوه
    ولا الضاد الفصيح ولا الكتابُ
    فيا داري إذا ضاقت ديار
    ويا صحبي إذا قلّ الصحابُ
    وما ضاق القريضُ به ستمحو
    عواثره صدوركم الرحابُ
    لئن حمَّ الوداعُ فضقتُ ذرعاً
    به واشتفَّ مهجتي الذهابُ
    فمن أهلي إلى أهلي رجوع
    وعن وطني إلى وطني إيابُ

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية   فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية Icon_minitime04.07.10 0:34

    الـثـقـافـة الـفـلـسـطـينيـة: إنـي أتـهـم

    مريد البرغوثي


    ماذا حدث للثقافة الفلسطينية في مملكة منطمة التحرير والسلطة؟ ماذا فعلت بها هذه السلطة ودولارات الدول المانحة والمنظمات غير الحكومية؟ من عمل على تجريفها وتصحيرها عاماً بعد آخر حتى وصلنا إلى هذا الوضع التعس لأول مرة منذ تبلورت الهوية الكفاحية للشعب الفلسطيني؟ هل يعقل أننا لا نملك الآن صحيفة واحدة مستقلة أو معارضة أو نصف معارضة أو أي مطبوعة تكفل حرية الخبر قبل حرية الرأي؟ كيف حدث أننا نحن الذين أصدرنا في الشتات والمنافي أبرز الصحف والمجلات الأدبية والفكرية نكتفي الآن بيوميتين شبه رسميتين ومحطة تلفزيون بائسة الشكل والمضمون، مهنياً وسياسياً وفكرياً؟ كيف ماتت بضربة واحدة مجلات الكرمل وشؤون فلسطينية واليوم السابع والكاتب الفلسطيني؟ وكيف ضاقت السبل بمجلات ذات ضفاف أوسع من حدود أحزابها كالهدف والحرية وإلى الأمام؟ كيف خرجت المؤسسة من دورها في الإنتاج السينمائي والمسرحي؟ كيف أصبح الشعراء والروائيون موظفين سعداء بسيارات وسائقين وحراس؟ وكيف تفاقمت لدينا ظاهرة المثقف السعيد الذي هو آخر ما يحتاجه الوطن؟
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 60_cartoon_ns
    نعم، آخر ما يحتاج إليه الوطن، أي وطن، هو المثقف السعيد، المروّج للرضى، الواثق داخل مرآته المتفهم دائما لسيده السياسي، المفسّر لتأتأة الحكومات الشارح لحجج العدو والمفتون بمفردة «الاستقرار». وفي أوجاع الدكتاتوريات المحلية وشرور الاحتلال الأجنبي يصبح المثقف السعيد، عبئاً على التاريخ. إنه إذ يتخصص في اختراع المساحيق المناسبة لوجه السلطة ينسى أنه يلطخ يديه وثوبه ويساهم مع الهراوة في تمرير الخديعة. وهو إذ يسارع، عند وقوع الكوارث التي لا بد من وقوعها، إلى لوم الظرف الموضوعي يتعمد إعفاء الذات الشخصية والذات الرسمية من النقد: «الخطأ ليس «هنا»، الخطأ دائما «هناك»! «الحق ليس معهم الحق دائماً «معنا»! يبتسم لرأيه ورأيه يبتسم له، لنفسه، لقائده، لحزبه، لفصيله، لمذهبه، لأيدولوجيته وأحيانا لأعدائه، ثم يتهيأ لاستقبال المكافأة مكرماتٍ وفُرَصاً تدفعه إلى مزيد من السعادة.
    نقيض المثقف السعيد هو المثقف الانتقادي الذي يفكر ويختار ويجهر ويمارس عناده المكلّف ويدفع الثمن بدلا من أن يقبضه. والدور النقدي للمثقف هو مؤشر على وجود المواطن النقدي الذي يصعب أن تنطلي عليه الحجج والذرائع والتبريرات. فوجود مثل هذا المواطن هو رسالة الأمل التي يحملها للمقهورين بريد التاريخ. وممارسة النقد ليست حصراً على اللغة بل تتعداها إلى قائمة طويلة مما يقبله المرء أو يرفضه، وقائمة أطول من أشكال الفعل الخلاقة بالقلب واللسان واليدين. نشطاء الحرية على سفن الحرية من رجال ونساء هم حالة ساطعة من حالات ممارسة النقد والاستعداد لدفع الثمن.



    تدليل الأفاعي وزخرفة الحطام

    المشروع الوطني مصاب بالتأتأة والارتباك والتقلّب الفاضح وهذا أسوأ من غيابه
    في المشهد الفلسطيني الممتد لا يمكننا أن ننكر تجاور المثقف «السعيد» والمثقف «الانتقادي» جنباً إلى جنب في مختلف مراحل الصراع، لكن مثقفينا السعداء كانوا دائماً قلّة. فالروح النقدية كانت، في الغالب الأعم، هي روح الثقافة الفلسطينية، شواهدها كتاب وشعراء ومفكرون يسائلون ويتساءلون، يمارسون القلق العفيّ والارتياب الشريف لا بشأن ما يقال لهم فقط، بل أيضاً بشأن ما يقولون ويكتبون، يحاولون خلخلة المستقر، يدعون إلى التجديد، ويحدقّون بإخفاقات الذات الشخصية والجمعية، لا يحاولون تدليل الأفاعي خلسة ولا يعملون على زخرفة الحطام وتعطير الكوارث.
    الجديد المؤسف الذي ألمّ بالثقافة الفلسطينية منذ سنوات هو تآكل الدور النقدي والغياب شبه الكامل للمثقف صاحب الرأي المستقل المجاهر باختلافه عن اي إجماع ملفق والمدافع عن الحقائق المهجورة والمغدورة. وهذا يتم تحقيقه في البداية بوأد المنابر وإعدامها حتى لا يجد الكاتب الحر شرفة يطل منها على قرائه وبعد ذلك لا يبقى لمن يريد الخوض في المسائل الجوهرية إلا تبنّي رواية المؤسسة ورؤيتها، أو تجنب الخوض في الجوهري أصلا والانشغال في عز المحنة بالحديث عن نقّار الخشب!
    يرجع الكثيرون غياب المشروع الثقافي الفلسطيني إلى غياب المشروع الوطني الفلسطيني، ويصعب الاتفاق معهم على هذا الرأي فالمشروع الوطني مصاب بالتأتأة والارتباك والتقلّب الفاضح وهذا أسوأ من غيابه. والثقافة التي «تتبع» بدلا من أن «تسبق وتتقدم» لا بد لها من أن تحمل العدوى كلها والأوصاف كلها. وهكذا ارتبكت «الجملة الفلسطينية» التي كانت عنوانا نبيلا من عناوين الثقافة العربية على امتداد الخريطة.
    إن جيلا كاملا من المبدعات والمبدعين الفلسطينيين يتكون الآن في مخيمات المدن الفلسطينية وفي القرى والبلدات وعلى امتداد قطاع غزة ونابلس وطولكرم وجنين والخليل وسواها وينتج قصصاً وقصائد ومقالات جميلة تنبئ بمواهب حقيقية وتفكير نقديّ مستقل عن المؤسسة، تضيق بإنتاجهم منابرها القليلة ذات اللون الواحد والمتركزة في مدينة واحدة هي رام الله. أضف إلى ذلك عمليات التضييق في غزة على حرية الفنون والإبداع المرئي أو المسموع أو المكتوب وإعادة تعريف ذلك كله تعريفاً يرجعنا قروناً إلى الوراء.


    المثقف إذ يتوسل السلطة

    أصبحنا نرى تدافع الكتّاب والشعراء والنقاد واتحاداتهم إلى الجلوس في حضن الحاكم
    قد يأخذنا الاستعجال إلى محطة أوسلو كبداية لهذا الانهيار الثقافي في فلسطين لولا أننا نلاحظ الانهيار ذاته في البلدان العربية الأخرى، فبعد أن كانت سمة الثقافي هي النضال لانتزاع استقلاله عن السياسي والحفاظ على المسافة الضرورية بينه وبين القصر أصبحنا نرى تدافع الكتّاب والشعراء والنقاد واتحاداتهم إلى الجلوس في حضن الحاكم: فمعارض الرسم ومهرجانات الشعر وحلقات النقد الأدبي وتدشين المؤلفات تتم غالباً تحت رعاية الوزير أو الأمير أو بتمويل حكومي مشروط دائماً، والكارثة أن المثقف هو الذي يتوسل للرسمي أن يرعى معرضه أو أمسيته الشعرية أومهرجانه الأدبي بل ويغضب إن لم ينفق عليه. وهذا كله أهون من التزام الصمت عندما تلتبس الأمور. انتشرت قصيدة الهذيان وبات «المبدع» يفزع أن يدل عمله الإبداعي على موقف أو يحمل أي معنى. وفي عالم النقد الأدبي والصحافي انتشرت الكتابات النقدية التي تسمّع محفوظاتها من الترجمات الرديئة لنقّاد الغرب. هكذا اجتمعت لدينا في وقت واحد ركاكة النص وركاكة الموقف، وخلا الميدان للسياسي يصول ويجول بلا منتقد. ففي تاريخنا القريب تغيرت مواثيق وانقلبت مفاهيم وتناقضت سرديات وماتت أحزاب من دون أن تثير أي زلزال ثقافي بل من دون قرع جرس صغير.
    هل بدأ الانهيار باتفاقات بكامب ديفيد وإسقاط ما أسماه السادات «الحاجز النفسي» مع العدو حتى إذا انكشفت مخاطرها هرعت اتفاقات أوسلو لإسقاط الحواجز الإضافية عند أصحاب المأساة المباشرين هذه المرّة؟ هل أدى ذلك إلى طمس ملامح المشروع الوطني بحيث أنه أصبح «غيره»؟ هل أدى ذلك إلى اليأس من النصر وإلى الإيمان بالهزيمة؟ ربما. لكن كثيرا من كتاب لبنان والكتّاب العرب رفضوا الاعتراف بانكسار خطط عدوهم الإسرائيلي في تموز 2006 إلى حد أن جنرالاته ومفكريه وصحافته تعترف بتعثره بينما كتّابنا هم الذين لا يعترفون!
    لكن انزلاقات كامب ديفيد وأوسلو وحدها لا يمكن أن تبرر انزلاق المثقفين إلى اعتناق «معنى» عكسيّ للقضية برمتها وإلى غيبوبة واعية تبدد الجوهريّ وتموت فيها مفاهيم بأكملها. كيف يفسر لنا مثقفونا السعداء سكوتهم عن موت المعنى الفلسطيني وإسقاطه من عقولهم وكتاباتهم؟ هل يغتفر لمثقف أن يقبل إعادة تعريف نقطة البداية في صراعنا التاريخي الطويل فلا يبدأ تحليله السياسي إلا من نقطة الرابع من حزيران أو الخلاف بين فتح وحماس، أو حصار غزة، فيشتري من السياسي العابث مفردات مثل «هم بدأوا لا نحن» «لا بد أن ينصاعوا وإلاّ» ثم ينقسم المثقفون على مقياس انقسام سياسييهم وبنفس درجة العمى عن مسارات تاريخية بأكملها، لأن الثقافة الراضية السعيدة كانت تمارس نعاسها الأبدي وتحصر الصراع في ربع ساعته الأخيرة؟ هل يعقل أن تصبح «المصالحة» التي يهندسها أمنيون في دول الجوار هي القضية الفلسطينية! وهل يغتفر للمثقف السعيد أن يقبل إعادة تعريف الشعب الفلسطيني بصفته سكان مناطق السلطة الفلسطينية فقط، فلا يقترب من قضايا شعبنا الباقي في أرضه منذ انفجار الصراع على الساحل الأول أو قضايا أبناء الشتات واللجوء والنزوح والمخيمات والمنابذ والمنافي؟ وهل يعقل أن يشتري المثقف تلويث المصطلح ويتبناه فيصدق أن عملية السلام سلام وأن البرلمان برلمان وأن الانتخابات انتخابات وأن الشرعية شرعية وأن المعارضة معارضة وأن الواقعية واقعية بينما الواقع يقول لنا إن الأسماء زاغت عن مسمياتها ونأى عن اسمه كل مسمّى؟


    حرق المعنى

    هكذا اجتمعت لدينا في وقت واحد ركاكة النص وركاكة الموقف، وخلا الميدان للسياسي يصول ويجول بلا منتقد
    لا ينحصر اللوم هنا على مدح المثقف أو هجائه لتفاصيل سياسة متغيرة وعابرة ولا على موقفه من هذا القائد أو ذاك ولا على قبوله فرصة أو منصباً أو رشوة معنوية تقع في باب الضعف البشري، فلا أحد يتوقع أن يكون الناس (والمثقفون منهم) جيشاً من القدّيسين، لكنّ الخطر يكمن في مكان آخر هو عندما يساهم أبناء الثقافة وبناتها في «حرق المعنى»: يعرض السياسي بضاعته المعطوبة للبيع فيزورّ عنها الناس ويرفضون شراءها فيلجأ إلى حلَّين متزامنين، العصا والثقافة. السياسة تقمع أو تهدد بالقمع، والثقافة تقفز فوراً لتسويق البضاعة بمهارتها التي لا يتقنها غيرها. وأكثر البضائع رواجاً هي بالطبع خلق عصابات ثقافية موازية للعصابات السياسية، تتبادل توجيه الاتهام بلغة «مثقفة». هكذا يتم تلويث المعاني وأولها معنى النقد ذاته.


    لا تأييد بلا نقد
    نتذكر إدوارد سعيد وصيحته المجلجلة التي أصبحت إنجيل مثقفي العالم الأحرار وأبلغ تلخيص لضرورة الجهر بالحقيقة أمام صاحب السلطة أن «لا تأييد بلا نقد» فنرى في فلسطين تأييداً ولا نرى نقداً، نتذكر ناجي العلي الذي لم يمسك ريشته مرة واحدة إلا ليفضح بخطوطها من تليق بهم الفضيحة، ونبحث عن نموذجه بيننا فلا نجد، ولأن المشهد ضم كثيرين غيرهما من المبدعين فلن نواصل التعداد، كما أننا لن نبدأ في تسمية الكتاب والشعراء والباحثين «السعداء» ذوي المراتب والرواتب ممن يعبدون مراياهم لأننا لو بدأنا فلن ننتهي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات عامة ومنوعة :: فضاءات فلسطين والعرب-
    انتقل الى: