| فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 03.07.10 23:31 | |
| فلســـطـين لـنـا السفير طلال سلمان في البدء كان التشتيت. كان لا بد من طمس الهوية الجامعة وتمزيق أواصر القربى والامتداد الطبيعي للتاريخ وارتباط الناس بأرضهم. تم تشطير المشرق العربي الخارج من ركام الخلافة التي انتهت إمبراطورية عثمانية إلى كيانات سياسية مناقضة للجغرافيا الإنسانية تفتقر إلى علة الوجود، فضلاً عن مقوماته. تم إعداد المسرح مع انفجار الحرب العالمية الأولى لاستنبات «دول» على أرض لم يعرف أهلها «الدولة» بمعناها الحقيقي منذ قرون: كانت مِزقاً من «سلطنة» عظمى يمتنع عليها السقوط إلا بالتوقيت الاستعماري الدقيق (معاهدة سايكس ـ بيكو بين الوارثين البريطاني والفرنسي) تمهيداً للقرار الحاسم والمؤسس للدولة الغربية الوحيدة في هذه الأرض المضيعة هويتها: دولة الحركة الصهيونية باسم إسرائيل. تم تمزيق الروابط بين من كانوا يعتبرون أنفسهم، بداهة، أبناء شعب واحد لتصير كل جهة «دولة»: لـ«الثورة العربية» التي يسرت ـ بوهج النسب الشريف ـ تنفيذ المشروع، «مملكة» في الشرق العراقي بنفطه ومائه، وفي الجنوب الشرقي «إمارة» صغيرة في بادية فسيحة تتسع لعرش مملكة ستستولد قيصرياً بعد حين لاستيعاب الفائض الفلسطيني عن «دولة إسرائيل»... وفي الغرب «متصرفية الطوائف» التي يمكن ان توفر التبرير بالسابقة... أما في ما تبقى من سوريا الطبيعية فأربع «دول» متوهمة سيكون على شعبها ان يقاتل لتوحيدها متجرعاً حسرة العجز عن حماية الحلم بشرعية الحق التاريخي. غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار «الحلفاء» دقت الساعة للشروع في الاحتفال الدموي الفخم باستقدام «الدولة» التي تتجاوز الزمان عائدة من بطن الأسطورة بالطائرات الحربية والدبابات والوحدات العسكرية المدربة إلى أرض لم يحفظ أهلها هويتهم بها ولم يحموا وحدة أرضهم بثباتهم متحدين فيها جميعاً. كان الأشقاء في الخارج يصطرعون على «الحدود» فيتنافرون ويتباعدون ويغرقون في متاهات «السيادة» إلى حد التصادم منشغلين بتفاهاتهم عن مقدمات العاصفة التي ستخرجهم من التاريخ والجغرافيا معاً: أقيمت إسرائيل أمام عيونهم المفتوحة بالدهشة والخوف، بقوة السلاح. وتوزع الشعب الذي كان واحداً فشطروه خلف حدود رسمت على عجل، متفقداً أسباب قوته فلم يجد منها إلا بقايا أحلامه التي صارت أوهاماً تتضخم بعد كل هزيمة حتى كادت تغدو حقيقته الوحيدة. اختارت الأنظمة حماية كياناتها. وكان على كل نظام ان يقدم من فلسطين ما يحفظ وجوده. وغالباً ما صارت إسرائيل ضمانة الكيان والنظام معاً. ضربت رياح الكيانية أهل الأرض الواحدة فشتتت جمعهم. وضربت فلسطين ذاتها فنشأت مقاومتها وفيها مقاتل الكيانيات العربية جميعاً. ها هم «العرب» وقد ضربهم التشتيت فوزعهم رهائن لأنظمة عاجزة وملتحقة بالأقوى... وها هي إسرائيل الأقوى فأين المفر؟! لا كياناتهم دول ولا شعوبهم المحقرة والمبعدة عن القرار تملك من الحرية ما تحفظ به هويتها. وبين الكيانيات العربية عداوة تطغى، غالباً، على العداء لإسرائيل، بل هي تتلاقى معها في ظلال الراية الأميركية ذات النجوم الخمسين. مع التشتت العربي صارت إسرائيل دولة عظمى ومن حولها تجمعات مستضعفة لقبائل وطوائف ومذاهب وعشائر مقتتلة خارج الزمان، بينما تتقدم إسرائيل لوراثة الإمبراطوريات جميعاً، وفي المكان والزمان معاً. فلسطين في الشتات. تلك هي النتيجة. أما التشتت العربي فهو السبب الذي لن يكف عن استيلاد المزيد من الهزائم. وبين التشتت والشتات تضيع الأوطان وإن بقيت للدول التي استنبتت كبديل منها الأسماء المذهبة. وفلسطين قد تغدو نموذجاً للمستقبل العربي إذا لم يحفظه أهله من التفتت أشتاتاً. في هذا العدد من «فلسطين ـ السفير العربي» عرض لجانبي المأساة العربية. | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 03.07.10 23:36 | |
| | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 03.07.10 23:48 | |
| «قانون العودة» الإسرائيلي تبديد لحق العودة الفلسطيني حلمي موسى أعمى الغضب الدولي على المجزرة البحرية ضد أسطول الحرية أبصار الإسرائيليين الذين حاولوا تفجير حقدهم في المواطنين العرب من الفلسطينيين الباقين على أرضهم في مناطق 48. وصرخت عضو الكنيست الليكودية ميري ريغف ضد عضو الكنيست العربية حنين الزعبي التي كانت على متن أسطول الحرية وقت المجزرة: «إذهبي إلى غزة يا خائنة!». كما أن متظاهرين يهوداً مؤيدين للعملية العسكرية ضد نشطاء السلام حاولوا الاعتداء على مراسل عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية لإحدى الفضائيات العربية وصرخوا ضده بأن عد إلى «صحراء العرب». ومثل هذه الهتافات العنصرية معهودة وقديمة ولكنها باتت أكثر حدة. ففي الكنيست يرد أعضاء الكنيست العرب على هذه الهتافات بأنهم «أبناء البلد» وعلى المهاجرين من روسيا وسواها العودة إليها. وقرب ميناء أسدود, البلدة العربية, التي غدت غيتو روسياً بامتياز رد المراسل العربي على جمهرة الغاضبين: عائلتي هنا منذ 600 عام, منذ متى عائلاتكم هنا؟ والواقع أن المجتمع الإسرائيلي يقفز عن كل المعطيات ويحاول أن يتعاطى مع الأقلية العربية الباقية على أرضها بوصفها عنصراً شاذاً وغريباً. وكثيراً ما أوحى للعرب بأن بقاءهم على أرضهم ليس حقاً بل منة من الدولة اليهودية التي سمحت لهم بالبقاء ولم تطردهم كإخوانهم الذين باتوا لاجئين في الضفة والقطاع أو في الشتات الفلسطيني. وعلى الدوام لعب «قانون العودة» الإسرائيلي دوراً مركزياً في تهيئة الأرضية الفكرية والقانونية للتضييق على الفلسطينيين الباقين على أرضهم في الدولة العبرية وإبقائهم كمواطنين درجة ثانية. ويشكل قانون العودة الآلية النقيضة لحق العودة الفلسطيني الذي كفلته القوانين والقرارات الدولية. فقانون العودة الذي سنته الكنيست العام 1950 لينظم الهجرة الفردية والجماعية رسمياً بعد أن كان الأمر حكراً على الحركات الصهيونية ينطلق من فكرة أساسية وهي أن إسرائيل «دولة الشعب اليهودي» في كل أرجاء العالم. وبالتالي فإن بوسع كل يهودي نيل الجنسية الإسرائيلية فور وصوله لإسرائيل إذا كان قد رتب هذا الوصول وفق قانون العودة. وأعطى القانون لوزير الداخلية صلاحية الحرمان من هذا الحق لمن يمكن أن يضر بأمن إسرائيل وسلامة سكانها. ومنذ البداية دار الخلاف حول ماهية اليهودي المخول بممارسة هذا الحق, في ضوء الاختلافات القائمة بين التيارات الدينية اليهودية وكذلك الاختلاف بين حاجات الصهيونية والتعريف الديني. وقد حلّ بن غوريون في حينه هذا الخلاف بالصيغة التي عرفت بـ«الأمر الواقع» وهي التي تحدد العلاقة بين الدين والدولة. ومن الجائز أن أحد أبرز من حاولوا الدفاع عن تلك الصيغة كان شمعون بيريز في الكنيست 1985 حينما أكد أثناء نقاش لتعديل قانون العودة على أن هذا القانون «صهيوني بطبيعته أكثر منه قانوناً دينياً». ورفض بذلك محاولة تعريف اليهودي وفق «الهالخاه» (الشريعة اليهودية) التي تحصر اليهودية بمن ولد لأم يهودية أو تهود وفق المذهب الأرثوذكسي. ومن الطبيعي أن الإصرار على سن «قانون العودة» عنى تأكيداً على عدة عناصر في الوقت ذاته: الإقرار من دون نقاش أن فلسطين وطن قومي ليهود العالم يعودون إليه ليس فقط بفعل وعد إلهي وإنما بموجب حق قانوني. كما أن هذا القانون وفّر الأساس الحقوقي للتمييز ضد الفلسطينيين الباقين على أرضهم، لأنه أصرّ على أن هذه دولـــة اليهود في العالم بمن فيهم من لا يريدون الهجرة لإسرائيل. وعكس هذا القانون نفسه في كل أسس القوانين التي تميّز ضد العرب حيـــث تشير تلك القوانين صراحة إلى حقوق من عـــادوا بفـــعل «قانون العودة» حيناً أو سبق لهم أن أدّوا «الخدمة العسكرية» حيناً آخر. ويمكن القول إن «قانون العودة» والقانون الذي ينظم علاقة «الكيرن كييمت» بـ«دائرة أراضي إسرائيل» وهما الجهتان المتحكمتان بالأراضي العامة في الدولة العبرية يوفران أغلب أسس التمييز ضد الفلسطينيين الباقين على أرضهم. وقد منحت الدولة الصهيونية لـ«كيرن كييمت» نوعاً من احتكار أغلب الأراضي العامة. وهي التي كانت ملكا للفلسطينيين لإعفاء الحكومة من الاضطرار لتوفير أراض للعرب. فالـ«كيرن كييمت» خاصة باليهود وأراضيها تخدم اليهود. وبالنتيجة فإن مدينة تاريخية مثل الناصرة تأوي حوالى 80 ألفاً من العمر لا تملك من الأراضي سوى 17 ألف دونم فيما أن «الناصرة العليا» التي أقيمت لليهود على أراضي الناصرة التاريخية وتأوي حوالى عشرة آلاف نسمة تملك أرضاً تزيد مساحتها عن 70 ألف دونم. والواقع أن «قانون العودة» الإسرائيلي هو أبرز تجسيد لمعادلة التكريس/التبديد التي تحكم العلاقة العربية الإسرائيلية. فكل تكريس لزعم يهودي في أرض فلسطين أو عليها هو بالتأكيد تبديد لحق فلسطيني والعكس صحيح. وهذا يفسر ذلك الرفض الإسرائيلي المطلق والجامع لحق العودة الفلسطيني. وقد سبق لأرييل شارون أن برر قراره بالانفصال عن غزة وتفكيك المستوطنات فيها بالفشل في توطين عشرات إن لم يكن مئات الألوف من المستوطنين فيها. كما أن مشروع منع قيام دولة فلسطينية دفع شارون, وهو وزير للدفاع, لدعوة المستوطنين لاحتلال كل رابية وتلة في الضفة الغربية والاستيطان فيها. فالحضور اليهودي في مكان يعني واقعياً الغياب العربي أو الفلسطيني عن هذا المكان. والتجربة التي عاشها الفلسطينيون في مناطق 48 أكبر دليل على ذلك. فهم, ورغم امتلاكهم الجنسية الإسرائيلية, يعانون من اعتبارهم رسمياً «قنبلة ديمغرافية» وفعلياً من اتهامهم بأنهم «طابور خامس». ولهذا تجري بشكل منظم عليهم عملية اضطهاد منظم تجد تعابير لها في العديد من الأوجه، أبرزها الإهمال والتهميش من ناحية والاستهداف من ناحية أخرى. ورغم أن الفلسطينيين الباقين على أرضهم يمثلون حوالى 20 في المئة من سكان الدولة العبرية إلا أنهم على سبيل المثال لا يحتلون سوى 2 في المئة فقط من الوظائف الرسمية. وإذا كانت الممارسات القمعية ملحوظة بشكل وافر في إخضاعهم الدائم للرقابة الأمنية واحتلال جهاز الأمن العام «الشاباك» مكانة مركزية في التوظيف حتى في الجهاز التعليمي أو في سدنة المساجد فإن أوامر من وزير الداخلية, وبغطاء قانوني, باتت تمنع فلسطينيي 48 من الزواج من فلسطينيين من الضفة والقطاع. الحاضر الغائب ولكن كل معادلة العلاقة بين العرب واليهود في الدولة العبرية تجد تجلياتها في ما اشتهر على تسميته بـ«قانون الحاضر الغائب», و«القرى غير المعترف بها». فقانون الحاضر الغائب يتعلق بحوالى مئتي ألف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية و«حاضرون» فعلياً فإنهم غائبون رسمياً. ولا يمكن فهم هذه المفارقة إلا إذا عرفنا أن إسرائيل سنت قانوناً يعرف بـ«قانون أملاك الغائبين» ينظم عبر «وصي على أملاك الغائبين» علاقة الدولة العبرية مع أملاك الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم وباتوا لاجئين خارج حدود هذه الدولة. ولكن إلى جانب من صاروا «غائبين» في الضفة والقطاع والدول العربية ودول الشتات بقي «لاجئون» في وطنهم، وإن لم يكن بالضبط على أرضهم. واعتبر القانون هؤلاء الناس «غائبين» حتى لا يتمكنوا «قانوناً» من ممارسة حقهم في امتلاك أرضهم وإدارتها. إذ لا يمكن سلب هؤلاء حقهم في أرضهم وأملاكهم من دون اعتبارهم «غائبين». وهكذا باتوا غائبين لا يحق لهم التمتع بحقوقهم على أرضهم وإن كانوا يتمتعون بحقوق مدنية أخرى كالمشاركة في الانتخابات. ويحظر القانون على «الغائب الحاضر» محاولة استرداد ملكيته مهما حمل من أوراق واثباتات. وكثير من أراضي «الحاضرين الغائبين» تقع على مقربة من أماكن سكناهم، لكنها باتت ضمن مخططات هيكلية أو أراض زراعية لكيبوتسات أو موشافات زراعية يهودية. وفضلا عن ذلك هناك القرى غير المعترف بها وهي قرى قائمة غير أن عدم الاعتراف بها كان يعني عدم شق طرق إليها وعدم وضعها على الخارطة والأهم عدم تقديم الخدمات البلدية أو الاجتماعية لها. فانعدمت في هذه القرى المدارس وخطوط الكهرباء والمياه وخطوط المواصلات العامة. وفي الماضي تشكلت لجنة للدفاع عن حقوق أربعين قرية كهذه غير معترف بها. ومع الوقت تمّ الاعتراف ببعض هذه القرى إلا أن المشكلة تعمقت أساساً في القرى البدوية في النقب. وبديهي أن الغرض الأسـاس من عدم الاعتراف بالقرى هذه هو الطمع من جهة بأراضيها وعدم إفساح المجال لأهلها لتطوير أنفسهم على أرضهم والاضطرار للرحيل للسكن في قرى أخرى توجد فيها الخدمات الصحية والبلدية والتعليمية. | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 03.07.10 23:52 | |
| المخيـم والأحـلام الـغـائـرة والـهـويـة الـنـاقـصـة صقر أبو فخركان إعلان قيام إسرائيل في 14 أيار 1948 إعلاناً عن الشروع في عملية سياسية وثقافية معقدة غايتها القصوى اندثار المكان الفلسطيني الذي ظهرت فوق سهوله البهية وجباله المتعالية وسواحله الهادرة وقفاره البديعة حضارات شتى تعاقبت منذ آلاف السنين، وتنافست على كتابة أروع صفحات التاريخ في هذه المنطقة. والمكان لدى الفلسطيني حالة فريدة ولا مثيل لها ومضنية، وهي تحمل في ثناياها توقاً معذِّباً إلى العودة إلى المكان الأصلي. فإذا كانت جميع الشعوب والجماعات والأقوام تعيش في أمكنة لها، فإن الفلسطينيين وحدهم على الأرجح من بين الشعوب والأمم هم الذين يسكن المكان في أفئدتهم أينما ارتحلوا؛ إنهم يعيشون في أمكنة كثيرة متباعدة ومتقاربة، لكنهم لا يعيشون في مكانهم المخصوص على الإطلاق. فلسطين هي المكان الأصلي، لكنها صارت المكان المتخيل والفردوس المفقود الذي ما برح يعيش تحت أجفان الفلسطينيين كحلم. أما المكان الواقعي فهو المخيم. وبين الحلم والواقع يتردد أنين الفقد والمنفى في كل يوم. فلسطين هي المكان الذي دون الوصول إليه عذاب وارتحال وموت... هو المكان الأبهى المنسوج بخيوط الذاكرة وعذابات الهجر، وهو لا يزال، بحسب أحلام اللاجئين، ينتظر عودة من غادره. غير أن المخيم تحول، بتراكم السنين، إلى فلسطين البديلة والمستنسخة. ففي المخيم تعلّم اللاجئ كيف يحافظ على روابطه العائلية، وعلى لهجة آبائه، وعلى ميراثه البشري وحتى على انقساماته القروية التقليدية. ومن هذه العناصر كلها كان يصوغ هويته في المنفى، أي الرحيل في كل يوم إلى أرجاء فلسطين المتخيلة، والعيش في كل يوم في المخيم، أي في فلسطين المصغرة. لكن هوية اللاجئ في المخيم ظلت ناقصة، فوطنه المتنائي ما انفك يتنائى. و«وطنه» الواقعي يلفظه ويرفضه ويعزله. وتضاءل المنفى حتى صار مجرد «مسطبة» عليها مجموعة من أصص الحبق، أو مجرد شرفة عليها بضع تنكات من الورد، أو «سطيحة» نبتت عليها عريشة لا جدوى منها إلا بعض الظلال في النهارات القائظة. لعل من مفارقات هذه التراجيديا الإنسانية أن الإسرائيليين يعيشون اليوم في المكان الفلسطيني نفسه الذي لا يكف الفلسطينيون عن استكشاف أي طريق للعودة إليه. ها هم الإسرائيليون يرتوون من مياه الآبار التي حفرها أجداد اللاجئين، وينامون في منازلهم التي غادروها بالقوة قبل اثنتين وستين سنة، وكان أجدادهم بنوها بدأب النملة ومثابرة النحلة. أخفى المخيم خلف جدرانه الرطبة إرثاً متراكماً من حكايا الليالي المسهدة، وأغاني القرى، ونحيب التذكر. لكن أثمن ما كان يحتويه الصور المعلقة وألبومات العائلة وأوراق الطابو ومفاتيح البيوت المهجورة. وهذا الإرث يكاد أن يضيع في لجج العنف التي لم تتوقف البتة؛ فكم دُفنت تحت ركام المخيمات ثروة من هذه المطمورات الثقافية والإنسانية التي لا يمكن استعادتها قط.
*****
كان المخيم هو المكان الأثير لإعادة صوغ الوطنية الفلسطينية، والفضاء الرحب للتمرد، ولاختبار عوالم جديدة من الحرية. كان ذلك في زمن الأحلام الكبرى ومناطحة السماوات لاستعادة الأرض. أما اليوم فيبدو المخيم كأن لا شأن له في هذه الأشواق كلها. صار مكاناً للسأم وللجلوس على نواصي الطرق أو في مقاهي الأزقة، واجترار الكلام على الخيبة، وعلى إمكانات الرحيل وذم الزمان وصنع النقمة، والانجراف نحو التعصب والتدين المشيخي. يدور الكلام في أفواه الكبار عن الذين رحلوا، وعن الأبناء الذين هاجروا. أما أحاديث الشبان فتدور، في معظمها، على الأصدقاء الذين غيّرت المهاجر حياتهم، وعن جواز السفر الأوروبي الذي يتيح للفلسطيني اللاجئ إمكان التنقل بحرية، والعيش بكرامة، وفوق ذلك احتمال زيارة فلسطين، وقبل ذلك كله الخلاص من بؤس المكان.
يقع المخيم، في الغالب، عند أطراف المدينة. والعلاقة بين المدينة والمخيم علاقة تنافرية تماماً. المدينة تقمع اللاجئ وتمنعه من الانخراط في نسيجها وتبعده عن اشتيار أعسالها أو جني طيباتها. وهو، بطبيعة الحال، غير قادر على هذا الأمر لضيق ذات اليد أو لأنه غريب في الأساس. إنه يعمل فيها ويكرهها ويحبها في الوقت نفسه. المدينة لهؤلاء مثل المخدر: يشتاق إليها إذا ابتعد عنها، ويرغب بشدة في تركها والرحيل عنها. ما أصعب ليالي الصيف على أبناء اللاجئين في المخيمات اللبنانية. كل ما في هذه المدن مشتهى ومثير ومرغوب بقوة. لكن بينهم وبين هذه الشهوات دنيا من الصد والمنع والكف واللفظ والرفض. ولا يبقى لهم إلا إظهار ذكوريتهم فوق أرصفة الروشة أو الحمراء أو المنارة، ليعودوا بعدها بالخيبة عند الأماسي، وينطووا على هوياتهم المجروحة. وفي الليالي، بعد أن تقفر الأزقة وتوصد الأبواب، لا شيء يستحوذ على أخيلة هؤلاء الشبان إلا أشرطة أفلام الجبابرة والأجساد المثيرة... إنها البهجة الوحيدة المتاحة التي تجعل الحدقات تتسع حتى النهايات.
*****
كان المخيم وطناً مؤقتاً، واستراحة على طريق العودة. أما اليوم، حيث لا أحلام كبيرة ولا مقاومة أو كفاح، ولا وعد بالكفاح والمقاومة، فقد صار منفى. والأقسى أنه صار محطة على دروب الرحيل نحو عوالم مترامية ومتباعدة. الآن حقاً يفقد هذا المكان فرادته، ويختفي فيه ذلك الميراث الإنساني الذي شكل شعلة النار المقدسة والهادية طوال نحو خمس وثلاثين سنة. إنه، بهذا المعنى، يكاد يندثر في هذه الأيام. | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: الـصـحـافـة الـعـبـريـة وقـضـيـة الـلاجـئـيـن 04.07.10 0:06 | |
| الـصـحـافـة الـعـبـريـة وقـضـيـة الـلاجـئـيـن
جوني منصوربدأت تظهر مواد وأخبار في الصحيفتين أعلاه عن موضوع اللاجئين في نهاية عام 1947، ولكن في البداية عن لاجئين يهود. قصدت الصحيفتان إبراز قضية إنسانية (وفق وجهة نظرها) تخص المجتمع اليهودي في يافا وحيفا بأنه يتعرض إلى مضايقات ويواجه صعوبات جمّة جرّاء اعتداءات الفلسطينيين عليه. ونشرت مقالات وتقارير كثيرة حول هذا الموضوع في الصحيفتين وعلى مدار أسابيع كثيرة. أما قضية اللاجئين الفلسطينيين فتم التطرق إليها بصورة جانبية وكأنها غير قائمة بالمرة، وبقي هذا التوجه من التغاضي المقصود فترة طويلة. فبعد صدور قرار التقسيم في نهاية شهر تشرين الثاني من عام 1947 نشرت كل صحيفة أخبارًا عن ترحيل عائلات يهودية من الأحياء المشتركة في حيفا ويافا أو من مناطق التماس بين المجتمعين العربي واليهودي (في حقيقة الأمر أن أحدًا من الفلسطينيين لم يقم بتهجير وترحيل يهود). ولا توجد أي إشارة إلى ما أصاب المواطنين العرب الفلسطينيين من ضرر وتدمير على يد المنظمات العسكرية الصهيونية، وبالتالي ترحيل مخطط له مسبقًا. ولم يظهر مصطلح «لاجئين» في الصحف العبرية بقصد الإشارة إلى الفلسطينيين إلا في مرحلة متقدمة من مسلسل الأحداث، وخصوصًا عندما اشتدت المعارك في كل من يافا وحيفا، وعندها فقط، أي في شهر نيسان، بدأت كل صحيفة تستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الفلسطينيين الذين تم ترحيلهم. وعلينا الإشارة إلى أن ما حدث في دير ياسين من مجزرة رهيبة في مطلع شهر نيسان من عام 1948، واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني في الشهر ذاته، ترك أثرًا بالغًا على نفسية الفلسطينيين، وخاصة في مدن الساحل التي بدأ سكانها يشعرون بأن مجازر أكبر ستقع عليهم، أضف إلى ذلك أن المنظمات العسكرية الصهيونية لجأت إلى نشر الرعب والفزع والهلع في قلوب الفلسطينيين بأن مصيرهم سيكون شبيهًا بما تم تنفيذه من مجزرة في دير ياسين. معنى ذلك أنه منذ أن بدأت المنظمات العسكرية الصهيونية بتنفيذ عملياتها وفقًا لخطط عسكرية موضوعة مسبقًا، فإن الصحافة العبرية لم تشر إلى هذه العمليات، وفي مقدمتها عمليات الإخلاء والترحيل. وهذا ما يؤكد تبني هذه الصحافة لقاعدة الصمت المطبق لما كان ينفذ من عمليات إبادة ضد الشعب العربي الفلسطيني وعلى مرأى من المراسلين في عدد من الحالات. في المرحلة الأولى من تكون قضية اللاجئين الفلسطينيين قلّلت الصحافة العبرية حتى الحد الأدنى من التطرق إليها، وكأنها مسألة لا تعني المجتمع اليهودي أو الرأي العام في هذا المجتمع. ولما بدأت الصحافة ذاتها التطرق إلى القضية، كان ذلك متأخرًا من الناحية الزمنية، أي بعد حدوث المصائب والكوارث لسكان فلسطين الذين حُوّلوا من ملاكين وأصحاب أرض ووطن إلى لاجئين. إشارات أولية لقضية اللاجئين ظهرت في جريدة هآرتس التي تمتعت بمساحة من الحرية أكثر من غيرها لكونها مستقلة، حيث أسندت السبب في وقوع القضية إلى أغراض يستعملها العدو (العرب). وجاء في مقالة لهذه الصحيفة: «إن تجميع اللاجئين في طولكرم ونابلس ودعوة مراسلي الصحف العربية من بيروت والقاهرة لتصويرهم هو لإظهار عنف اليهود ووحشيتهم، مما سيساهم في تنشيط عملية جباية أموال لدعم التصدي لليهود». وأشارت الصحف إلى وجود عصابات عربية عملت ضد الفلسطينيين وأعضاؤها كانوا السبب الرئيس في وقوع الكارثة في عدد كبير من القرى والمدن. أي أن الصحافة العبرية شريكة في التخلص من عبء المسؤولية عما كانت المنظمات العسكرية الصهيونية تقترفه ضد الفلسطينيين، وألقت بالمسؤولية على عاتق العصابات. وأشارت الصحافة إلى أن دوريات الهاغاناه العادية (الروتينية) في عدد من المناطق قد أزعجت السكان العرب. ولم تذكر الصحيفة ماذا كانت النتيجة. إذ أن عمليات الهاغاناه كانت تهدف إلى ترحيل السكان بعد التعرض لهم وقتل عدد منهم لنشر حالات من الرعب والهلع. وحاولت الصحافة العبرية إظهار موضوع اللاجئين بأنه لصالح العرب وقياداتهم لاستعماله ضد اليهود كهدف استراتيجي. ومن جهة أخرى فإن توافد اللاجئين الفلسطينيين إلى المناطق المجاورة أو حتى المناطق البعيدة عن التجمعات التي عاشوا فيها أو تلك التي تم إخلاؤهم منها، سيجعل هؤلاء يتحدثون عن سوء الحالة في مدنهم وقراهم نتيجة سيطرة العصابات عليها. وهذا سيكون أفضل سلاح نفسي يساعد اليهود في تنفيذ عملياتهم، وبالتالي ظهورهم مسالمين وغير عنيفين.(هآرتس، 25 نيسان 1948). «العرب هربوا وأخلوا مناطقهم» اعتمدت الصحف العبرية مصطلحات متفق عليها في القاموس الصهيوني بخصوص التعامل مع مسألة نشر الرواية الصهيونية لما كان يحدث في فلسطين عام 1948. فلا ذكر بالمرة لسبب «هرب الفلسطينيين» (كما تشير الصحيفتان)، إنما الإشارة إلى أن مراسلي الصحيفتين «شاهدوا حركة بشرية نشطة جدًّا من العرب الهاربين من أحياء عربية في حيفا حاملين معهم بعضًا من أثاثهم» (هآرتس، 8 كانون الأول 1947). وأضاف مراسلو الصحيفة ذاتها أنهم رأوا مجموعة كبيرة من عائلات حيفا الثرية تهرب بالباصات وسيارات الأجرة إلى لبنان. وأشارت الصحيفتان إلى أن عشائر بدوية في مناطق قريبة من مدينة طولكرم قد أخلت مواقعها متجهة إلى قرى ومدن أكثر أمنًا. ولكن في شهر آذار 1948 بدأت الصحف بنشر أخبار عن «خروج» و«ترك» (هكذا في العبرية) لعشرات العائلات العربية تحت حماية وتغطية الجيش البريطاني (هآرتس، 28 آذار 1948).
وقامت الصحف بتقليص ظاهرة «الهرب» من خلال نشر أخبار مفادها «أن العرب في قرى محيطة بمدينة نتانيا الساحلية أشادوا بالصداقة القائمة بينهم وبين جيرانهم اليهود، إلا أنهم (أي العرب) فضلوا مغادرة بيوتهم حتى يزول الغضب». وفي موقع آخر نشر أن «عرب الحوارث قد زاروا جيرانهم اليهود في مستعمرة معبروت، وودعوهم باكين وتركوا بأيدي أهالي المستعمرة مفاتيح بيوتهم، وأن اليهود أكدوا لهم أنهم سيحتفظون بها إلى ساعة عودتهم سالمين». وبأسلوب ساخر فيه تخل عن المسؤولية سألت صحيفة هآرتس في اليوم ذاته: «إن اليهود وعدوا بالحفاظ على المفاتيح، ولكن من أجبر العرب على ترك قريتهم؟». وشددت الصحف العبرية على الجيرة الحسنة بين اليهود والعرب كجزء من الدعاية التي تظهر اليهود مجتمعًا إنسانيًا، وأن المسؤولية الكبرى لما حصل للفلسطينيين تقع على مسؤوليتهم لأنهم رضخوا للعصابات. هنا علينا توضيح هذا المصطلح «العصابات» الذي تبنته الرواية الصهيونية. انتشرت مجموعات كبيرة من المقاومين الفلسطينيين وانضم إليهم عدد كبير من العرب لاحقًا للدفاع عن فلسطين، واستعملوا كل الأساليب والطرق لحماية بيوتهم وأراضيهم في وجه آلة حربية عاتية امتلكت أنواعًا كثيرة من السلاح المتقدم. هؤلاء المقاومون تنعتهم الرواية الصهيونية بـ«العصابات». بهذا النعت تنقل صورة سلبية عمّا كان يجري داخل المجتمع الفلسطيني الضعيف، ولا تعترف بالمقاومة الفلسطينية وحركات الجهاد ضد المشروع الصهيوني، وتُلقي بتبعة المسؤولية على العصابات وعلى قيادات المجتمع الفلسطيني. أما مسألة تفريغ القرى والمدن الفلسطينية على يد المنظمات الصهيونية فلا توجد لها إشارة واحدة واضحة سوى ما له علاقة بباب الدفاع عن النفس وحماية المجتمع اليهودي. وتصدّت جريدة دافار في هذا السياق لجريدة «كول هعام» (صوت الشعب) الناطقة باسم الحزب الشيوعي التي تجرأ مراسلوها ونشروا أن قيادات الهاغاناه قد أجبروا سكان قرى على ترك أراضيهم بأوامر أصدرتها قيادات الهاغاناه. وتمسكت دافار بفكرة أن العرب هم جيران طيبون والعلاقات جيدة بينهم وبين اليهود، ولا يقوم اليهود بأي عمل مؤذ لجيرانهم. وإزاء هذا الجدل داخل المجتمع اليهودي بخصوص ما كان يجري ضد المــجتمع الفلســـطيني، بـــدأت وبشكل ملحوظ تحدث تغييرات في عملية اختيار كلمات وتعابير لنقل صورة ما يجري، فهذه جريدة هآرتس تذكر عن «إخراج» عرب من حي روميما في القدس بأوامر من الهاغاناه، بادّعاء أن الهاغاناه لا تستطيع أن توفر لهم حماية أمام الغوغاء. كانت الأحداث تمرُّ سريعًا وبصورة مكثفة يومًا بعد يوم، وفي حالات كهذه في أي منطقة في العالم تكون التغطية الإعلامية (الصحافية في ذلك الوقت) مكثفة هي الأخرى للتوازن أو لتتساوى مع حجم الحدث أو مجموع الأحداث، إلا أن الصحف العبرية ارتأت تصغير حجم ما كان يحدث، وتكبيره وفقاً لرياح التطورات السياسية والعسكرية التي كانت تجري على أرض الواقع وفي ميدان المعارك. والسخرية في الأمر لمن يتابع عملية النشر عن أحداث النكبة في عام 1948 في الصحافة العبرية أن تهجير آلاف من العرب من حيفا(على سبيل المثال ليس الحصر) قد نشر عنه سطر واحد في أحد أعداد جريدة دافار على النحو التالي: «تم نقل خمسة آلاف عربي من حيفا إلى لبنان خوفًا من الهجمات اليهودية» (دافار، 5 نيسان 1948)، مع العلم أن قصفًا مكثفًا تعرّضت له الأحياء العربية في حيفا ولمدة طويلة كان أحد الأسباب المركزية في وقوع الكارثة في المدينة، إضافة إلى قيام عناصر من الهاغاناه بتمشيط دقيق للبيوت العربية وإخلائها من سكانها والاستيلاء عليها مباشرة تمهيدًا لتوطين عائلات يهودية مهاجرة وفدت إلى فلسطين من مختلف أرجاء العالم. وفي اليوم ذاته الذي ســـقطت فيـــه حيفا واحتــــلتها الهاغاناه وفي مقال مُحرر دافار جاء فيه: «عرب حيفا باتوا يعرفون الآن إلى أين أوصلهم زعماؤهم والعصابات الغريبة التي استولت عليهم. الشهور الأربعة الأخيرة أدت إلى نزف دم وخراب ودمار. لقد فرّغوا حيفا وقراها من سكانها العرب...»(دافار، 23 نيسان 1948). لا توجد في هذا المقال أي إشارة إلى العمليـــة العسكرية المخـــطط لها والتي استعملتها الهاغاناه في احــتلال حيفا وطرد سكانها الفلسطينيين منها. إنها خطة رهيبة باسمــها ومركباتها. «خطة المقص» التي كانت تقضي بتنفيذ هجوم كاســح على الأحياء العربية على هيئة مقص والإطباق على هـــذه الأحياء ودفع سكانها باتجاه ميناء حيفا حيث كانت تنتظر الحيفاويين سفن نقل الركاب وبواخر تجارية وبوارج حربية. نفذت خطة المقص كجزء من الخــطة «د» (داليت) التي وضعتها قيادة الهاغاناه بإشراف دافـــيد بن غوريون لتطهير فلسطين من سكانها الأصليـــين واستبدالهم بســـكان آخرين وثقافة أخرى، وتحويل الشعب العربي الفلسطيني إلى شعب لاجئ خارج وطنه، بحيث لا يسمح له بالعودة مطلقًا، وفرض حلول التوطين على الحكومات العربية. عقوبات ومحاسبة ضمن الرواية الإسرائيلية الرسمية لأحداث النكبة عام 1948 لا توجد أي إشارة إلى دوافع الخطة الصهيونية في تنفيذ تطهير عرقي في فلسطين، إنما هناك مئات من الإشارات إلى أن العمليات العسكرية التي كانت تنفذها الهاغاناه والايتسل وغيرها كانت لمعاقبة الفلسطينيين لأنهم اعتدوا على حي يهودي ما في مدينة معينة، أو أنهم اعترضوا طريق قافلة يهودية، أو قتلوا يهودًا، وغيرها من الأسباب. ولم تُشر الصحف بالمرة إلى أسباب قيام الفلسطينيين بهذه العمليات ردّاً على العنف والأعمال الإجرامية التي نفذتها المنظمات اليهودية نفسها. وبالرغم من أن الانتداب البريطاني لم يغادر فلسطين إلا في منتصف شهر أيار من عام 1948، إلا أن المنظمات الصهيونية باشرت بتنفيذ عمليات قتل وإرهاب وتدمير وترحيل تحت مرأى عيون هذا الانتداب. ومن الواضح أن تنسيقًا عسكريًا وميدانيًا كان قائمًا بين الطرفين البريطاني والصهيوني. ووجهت الصحف العبرية مقالاتها في الأساس إلى الجمهور الصهيوني، لإظهار عنف الفلسطينيين وإجراميتهم، مع التركيز على أن المنظمات الصهيونية بإمكانها أن توفر حماية لليهود في وجه المجرمين العرب. وأن المنظمات الصهيونية تضرب بيد من حديد لكل من يعتدي على اليهود وأملاكهم. ومرة ثانية من دون الإشارة البتة إلى مبادرات هذه المنظمات في الهجوم على قرى ومدن عربية وترحيل سكانها.
(*) مؤرخ من حيفا.
عدل سابقا من قبل نور المصباح في 04.07.10 0:17 عدل 1 مرات | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 04.07.10 0:09 | |
| ضياع حكومة «عموم فلسطين»
بعد اعلان قيام دولة إسرائيل، وفي خضم المعارك التي اعقبت دخول الجيوش العربية الى فلسطين، طلبت الهيئة العليا من السلطات المصرية السماح لها بالإشراف على قطاع غزة لتحتفظ، ولو رمزياً، بحقها في فلسطين كلها. وفي 22/9/1948 اعلنت الهيئة العربية العليا، وكانت في منزلة الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، قيام حكومة عموم فلسطين في غزة. لكن السلطات المصرية لم تسمح لهذه الحكومة بممارسة مهماتها من غزة، بل طلبت منها الانتقال الى القاهرة، وافتتاح مكاتبها هناك. أما ادارة شؤون قطاع غزة (الذي نجا مع الضفة الغربية من الاحتلال الصهيوني) فستكون من صلاحيات السلطة المصرية. وبناء على دعوة سابقة من الهيئة العربية العليا لفلسطين، أقرّ عقد مؤتمر وطني فلسطيني في مدينة غزة في 1/10/1948. وبناء عليه توجه الحاج امين الحسيني الى غزة، حيث خفت جموع الشعب الفلسطيني الى استقباله والترحيب به، وكان في مقدمة الحضور من أهل القطاع نائبه في غزة الحاج موسى الصوراني، وعدد من انصاره ومؤيديه من رؤساء البلديات والشخصيات مثل عبد الرحمن الفرا رئيس بلدية خان يونس، والسيد ابو شرخ رئيس بلدية المجدل والشيخ محمد عواد رئيس بلدية الفالوجا، والشيخ عبد الله ابو ستة رئيس اللجنة التنفيذية للاجئين الفلسطينيين، والدكتور مطر ابو كميل. وفي الموعد المحدد افتتح المؤتمر برئاسة المربي الأستاذ خليل السكاكيني وقد حضر المؤتمر 85 عضواً تم اختيارهم ليمثلوا الشعب الفلسطيني، علماً بأن الدعوة كانت قد وجهت الى 150 شخصاً يمثلون البلديات والمجالس المحلية والغرف التجارية واللجان القومية ومختلف الهيئات. وقد حالت ظروف كثيرين دون تلبية الدعوة ولكن معظمهم ارسل برقيات تأييد الى هذا المؤتمر وما سيتوصل إليه من قرارات. وانتهى المؤتمر باعلان استقلال فلسطين على النحو التالي: «بناء على الحق الطبيعي والتاريخي للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال، هذا الحق المقدس الذي بذل في سبيله زكي الدماء، وقدّم من اجله الشهداء، وكافح دونه قوى الاستعمار والصهيونية التي تألبت عليه وحالت بينه وبين التمتع به، فإننا نحن اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في غزة هاشم نعلن هذا اليوم الواقع في الثامن والعشرين من ذي القعدة سنة 1367هـ وفق أول تشرين الأول سنة 1948 استقلال فلسطين كلها التي يحدها شمالا سورية ولبنان، وشرقا سورية وشرق الاردن، وغربا البحر الأبيض المتوسط، وجنوبا مصر، استقلالا تاما، واقامة دول حرة ديموقراطية ذات سيادة يتمتع فيها المواطنون بحرياتهم وحقوقهم، وتسير هي وشقيقاتها الدول العربية متآخية في بناء المجد العربي وخدمة الحضارة الإنسانية، مستلهمين في ذلك روح الأمة وتاريخها المجيد مصممين على صيانة استقلالنا والذود عنه. والله تعالى على ما نقول شهيد». وتألفت حكومة عموم فلسطين على النحو التالي: أحمد حلمي باشا عبد الباقي رئيساً للوزارة جمال الحسيني وزيرا للخارجية ميشال ابكاريوس وزيرا للمالية عوني عبد الهادي وزيرا للشؤون الاجتماعية (قبل الوزارة ثم استقال) رجائي الحسيني وزيرا للدفاع الدكتور حسين فخري الخالدي وزيرا للصحة سليمان عبد الرزاق طوقان وزيرا للمواصلات (رفض الوزارة) الدكتور فوتي فريج وزيرا للاقتصاد علي حسنا وزيرا للعدل يوسف صهيون وزيرا للدعاية أمين عقل وزيرا للزراعة وانتدب أنور نسيبه سكرتيرا عاما لمجلس الوزراء. وفي اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر الوطني الفلسطيني بمدينة غزة أي في 1/10/1948 عقد في عمان مؤتمر فلسطيني برئاسة الشيخ سليمان التاجي الفاروقي، واختير الشيخ سعد الدين العلمي نائبا للرئيس، وعجاج نويهض سكرتيرا، وهاشم الجاعوني والدكتور نور الدين الغصين كاتبين للمؤتمر. وانتهى المؤتمر بإصدار قرارات كان من أهم ما جاء فيها: «نظراً للصلات الوطنية والروابط القومية بين فلسطين والمملكة الاردنية الهاشمية فإن المؤتمر يعلق على صاحب الجلالة الملك عبد الله المعظم أكبر الآمال في حفظ حقوق عرب فلسطين وصيانة عروبتها ومقدساتها. والمؤتمر واثق كل الثقة من ان جلالته لن يقبل ان تفرض على عرب فلسطين حلول من قبل تلك الفئة من متزعمي فلسطين سابقا الذين ضج الشعب الفلسطيني خلال الثلاثين عاما الماضية من سوء تصرفاتهم وأنانيتهم. والمؤتمر يفوض جلالته تفويضاً تاماً مطلقاً في أن يتحدث باسم عرب فلسطين، ويفاوض عنهم، ويعالج مشكلتهم بالشكل الذي يراه. وهو الوكيل عنا في جميع شؤون مستقبل فلسطين، كما ان المؤتمر يؤيد جلالته في كل خطوة يخطوها في سبيل حل قضية فلسطين ويعتبره المرجع الوحيد لعرب فلسطين الذين منحوه كل ثقتهم واخلاصهم واكيد ولائهم ووفائهم». وقرر المؤتمر إرسال برقية الى الهيئة العربية العليا لفلسطين يقول فيها بأنه «نزع منها ثقة عرب فلسطين فهي لا تمثلهم ولا يحق لها أن تنطق باسمهم او تعبر عن رأيهم، لأن الحكومات العربية قد احتضنت قضية فلسطين، وهي اصبحت وديعة بين ايدي ملوك العرب الذين يطمئن الشعب الفلسطيني الى مساعيهم في سبيل صيانة عروبتها وتحقيق حريتها». ظل الحاج امين الحسيني ورجاله في غزة بعد انتهاء المؤتمر الوطني الفلسطيني على امل ان تباشر حكومة عموم فلسطين اعمالها في قطاع غزة على اعتبار ان هذا القطاع أرض فلسطينية، وان من الطبيعي ان تكون هذه الحكومة فيه، لتتولى تدبير الشؤون الفلسطينية، ولكن حكومة محمود فهمي النقراشي عارضت ذلك بشدة، وطلبت من اللواء حسين سري عامر المدير العام لسلاح الحدود الملكي المصري ان يتوجه الى غزة ويحضر معه الحاج امين الحسيني. وفي 10/10/1948 اضطر الحاج امين إلى ان يترك مدينة غزة في سيارة اللواء حسين سري. وحسب التعليمات غادرت السيارة غزة ليلاً حتى لا يشعر الناس بهذا الإجراء وتحدث امور غير مستحبة ولا ترضى عنها السلطات المصرية. ولم تستطع حكومة عموم فلسطين ان تباشر أي نوع من صلاحياتها تجاه وطنها وشعبها وضيقت عليها جامعة الدول العربية الخناق مالياً حتى توقفت عن دعمها ومساندتها، وبدأ الوزراء والمسؤولون بتقديم استقالاتهم واحداً بعد الآخر، وانتهى الامر بهذه الحكومة في شقة متواضعة للغاية في ميدان مصطفى كامل بالقاهرة، ثم تلاشت واختفت وكأنها لم تكن، ولم يبق من آثارها بين الناس غير جوازات سفر خضراء انيقة تحمل اسمها ولكنها لا تسهل لحاملها مهمة السفر بل تعقده، ما اضطر الناس الى التخلص منها والحصول على اية جنسية عربية او وثيقة سفر صادرة عن بلد عربي آخر. أما الضفة الغربية فقد صارت في عهدة الملك عبد الله، ولم يبق من فلسطين إلا اسم «القضية». | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 04.07.10 0:19 | |
| الـفـلـسطـينـيون فـي كـنـدا
عصام اليمانيتعود بدايات الهجرة الفلسطينية إلى المنتصف الثاني من ستينيات القرن العشرين، وبالتحديد إلى ما بعد حرب حزيران 1967، حيث وصل العشرات من فلسطينيي 48 إلى كندا، غالبيتهم من مسيحيي مدينة الناصرة وقضائها. حيث كانت «إسرائيل» بحسب شهادة بعض المهاجرين تشجع الحكومة الكندية على استقبالهم كجزء من خطة إفراغ المدن الفلسطينية العربية من سكانها الأصليين. إضافة إلى فلسطينيي 48، شهدت كندا هجرة عدد من الطلبة الذين أنهوا دراساتهم في بعض الدول الأوروبية ولم يتمكنوا من العودة إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة، إضافة إلى بعض الأكاديميين الفلسطينيين كالدكتور بهاء أبو لبن والدكتور إسماعيل زايد والدكتور فضل النقيب والدكتور إبراهيم السلطي والدكتور يوسف عمر. وشهدت السبعينيات هجرة عائلات بكاملها من مناطق 48 لأسباب سياسية واقتصادية. وحتى بداية الثمانينيات لم يتجاوز عدد الفلسطينيين في كندا خمسة آلاف مهاجر. أما في الثمانينيات فقد بدأت تتسع موجة الهجرة الفلسطينية من لبنان إلى كندا خاصة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان ومجزرة صبرا وشاتيلا، وراحت أعداد من فلسطينيي لبنان تصل إلى كندا. الموجة الأكبر من حيث الكم جاءت بعد الاجتياح العراقي للكويت حيث تم طرد وتهجير عشرات الألوف من فلسطينيي الكويت والخليج. وساهم في ذلك تعديل قوانين الإقامة في الدول الخليجية التي تفرض خروج الأبناء الذكور ممن تجاوزوا الثامنة عشرة والمقيمين مع ذويهم. فقد شهدت تلك الفترة هجرة ما يقارب العشرة آلاف فلسطيني من مختلف دول الخليج. ونظراً لحجم المدخرات المالية لفلسطينيي الخليج، ومؤهلاتهم العلمية (مهندسون، محاسبون، أطباء، إلخ) فقد كانت الموافقة على طلباتهم تتم بشكل سريع. وبعد اتفاق أوسلو، خاصة بعد الانتفاضة الثانية، وتدهور الوضع الاقتصادي وفقدان الأمل بعملية السلام شهدت كندا موجة لجوء عدد كبير من شبان الضفة الغربية، ووصل عددهم إلى ما بين أربعين ألفاً وخمسين ألف مهاجر. النشاط السياسي نظراً لقلة عدد المهاجرين العرب والفلسطينيين في كندا، باشرت بعض الشخصيات ذات التوجه القومي (الدكتور جورج حجار، الدكتور إبراهيم السلطي، الدكتور بهاء أبو لبن، الدكتور عاطف قبرصي وغيرهم) بتأسيس الاتحاد العربي الكندي، ليشكل القوة السياسية المنظمة لتمثيل الجالية العربية، والتحدث باسمها في الشؤون التي تهم الجالية العربية والفلسطينية خاصة فيما يتعلق بالشأن السياسي، وليشكل بداية قوة ضغط عربية في مواجهة اللوبي الصهيوني في كندا. وعلى الرغم من حداثة تأسيسه فقد تمكن الاتحاد العربي من أن يترك بصماته في أروقة البرلمان الكندي، الذي شكل بعض أعضائه تجمعاً برلمانياً مؤيداً للقضايا العربية خاصة قضية فلسطين، وكان أبرزهم النائب والسناتور الحالي مارسيل برودوم، إضافة إلى إقامته شبكة علاقات مع النقابات والكنائس وبعض الدوائر الأكاديمية، التي أنشأت بدورها مؤسسة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وكان أبرز قيادتها الأستاذ الجامعي جيمس غراف. ونتيجة لازدياد عدد المهاجرين العرب والفلسطينيين وبروز دور منظمة التحرير الفلسطينية، بات من الطبيعي أن تتألف جمعيات عربية على أساس الانتماء القطري فانتشرت في المدن الكندية المختلفة (تورونتو، مونتريال، لندن أونتاريو، هاليفكس، فانكوفر) الجمعيات الفلسطينية لتمثل الكيانية الفلسطينية في المهجر الكندي. وتحول الاتحاد العربي الكندي من منظمة تضم الأفراد العرب إلى منظمة تضم الجمعيات العربية المختلفة في اتجاهاتها وميولها السياسية، ما أضعف موقف الاتحاد بشكل عام. مع توقيع اتفاق أوسلو «إعلان المبادئ»، تراجع العمل السياسي الفلسطيني في كندا، واتخذت بعض الجمعيات الفلسطينية موقفاً مؤيداً للاتفاقية معتبرة أن الانفتاح على القوى اليهودية والصهيونية في كندا سيعزز السلام في المنطقة. ونال هذا التوجه دعماً سياسياً حكومياً، من خلال تشجيع مؤتمرات الحوار المشترك. وتراجع دور المنظمات الأخرى بعد إضافتها إلى لائحة المنظمات «الإرهابية» والتي تم حظر نشاطها في كندا. ومع عودة القيادة الفلسطينية إلى غزة والضفة عاد العشرات من الفلسطينيين الكنديين من أصحاب الخبرات الإدارية والأكاديمية والمهنية المختلفة، وأصحاب رؤوس الأموال للمساهمة في بناء المؤسسات الوطنية والاستثمار في الاقتصاد «السنغافوري» الموعود. إلا أن غالبية أولئك لم يلبثوا أن رجعوا إلى كندا لعدم قدرتهم على التأقلم مع الأوضاع الجديدة في الأراضي الفلسطينية، خاصة بعد الانتفاضة الثانية. في السنوات الست الأخيرة، استوعب الجيل الكندي ـ الفلسطيني حركة المجتمع الكندي ومفاهيمه وطرق مخاطبته ومخاطبة وسائل إعلامه. وتوج هذا النشاط النوعي بتشكيل «تحالف مكافحة إسرائيل» (CAIA) و«طلبة من أجل الحقوق الفلسطينية» (SPHR) ومنظمة حق العودة. في دراسة صدرت مؤخراً عن واحدة من مؤسسات البحث الصهيونية، تم اعتبار مدينة تورونتو واحدة من أهم المدن التي تحوي نشاطاً معادياً لإسرائيل، الأمر الذي أدى بالحكومة الإسرائيلية إلى رصد مبلغ مليون دولار للقنصلية الصهيونية في تورنتو للقيام بحملة تسويق إسرائيل باعتبارها دولة تربطها بكندا قيم الديموقراطية والإبداع واحترام حقوق الإنسان. ونظراً لموقف الحكومة الكندية بقيادة حزب المحافظين المؤيد بدون شروط لإسرائيل فقد مارست ضغوطاً كبيرة من خلال المنظمات الصهيونية على الجامعات الكندية لعدم التصريح بأي نشاط لمكافحة العنصرية الصهيونية الذي امتد إلى أكثر من خمسين جامعة في العالم. ومن أبرز إنجازات العمل الفلسطيني في كندا، اتخاذ نقابة عمال البريد، ونقابة موظفي الحكومة في محافظة أونتاريو قراراً بمقاطعة إسرائيل ومؤسساتها والدعوة إلى سحب الاستثمارات منها، ومقاطعة بضائعها في السوق الكندية. وعدم استقبال ممثلي نقاباتها ومقاطعتهم في حال وجودهم في كندا. وهنالك إنجاز نوعي آخر يتمثل بإقامة مهرجان تورونتو للفيلم الفلسطيني الذي يقام لمدة أسبوع تعرض خلاله أفلام فلسطينية وأفلام أجنبية تتناول القضية الفلسطينية، ويلقى هذا المهرجان إقبالاً كبيراً من الجمهور الكندي. | |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| |
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 04.07.10 0:26 | |
| فلسطين والسينما.. علاقة جعلت الصورة مرآة الواقع
نديم جرجورةيستحيل اختصار التاريخ العريق للإنتاج السينمائي في فلسطين، قبل إنشاء الكيان الصهيوني على أرضها الجغرافية، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لها ولذاكرتها. فالمسار التاريخي الخاصّ بهذا الإنتاج، وإن لم يبلغ الإنتاج المذكور مرتبة الاشتغال السينمائي بمفهومه الآنيّ، أفرز أعمالاً متفرّقة، أنجزها فلسطينيون وعرب وأجانب على حدّ سواء، خصوصاً أن الأفلام المنجزة تلك استطاعت «أن تختزن ذاكرة غنية لا يُمكن إغفال أهمية وضرورة الرجوع إليها، ما دامت تنتمي بحقّ إلى تاريخ الناس»، كما كتب الناقد والمخرج العراقي قيس الزبيدي في مقدّمة كتابه التوثيقي المهم «فلسطين في السينما» («مؤسّسة الدراسات الفلسطينية»، الطبعة الأولى، بيروت، 2006). وبما أن العلاقة بين الصورة السينمائية وفلسطين قديمة جداً، باتت السينما جزءاً «لا يتجزّأ من الذاكرة الفلسطينية»، كما علّق الناقد الفرنسي سيرج لوبيرون، الذي رأى أن هذه الذاكرة «انفجرت في الزمان والمكان شظايا صغيرة، قطعاً من أفلام وصُور وأصوات (...)، ونتفاً من حكايات التقطتها أشرطة»، طالب لوبيرون بضرورة «إعادة تجميعها وتصنيفها وحفظها، لأنها برهان على وجود له ماض وعلامة هوية وتاريخ بحدّ ذاته». بالإضافة إلى المسار التاريخي المليء بالعناوين السينمائية المختلفة، المائلة إلى النوع الوثائقي/ التسجيلي الذي أرشف لحظات تاريخية مهمّة منذ مطلع القرن العشرين، وخصوصاً مع إبراهيم لاما تحديداً، فإن مخرجين عرباً وأجانب غاصوا في الحيّز الفلسطيني، والتقطوا نبض الشارع والتحوّلات، وعاشوا التفاصيل الإنسانية والسياسية والاجتماعية التي عرفتها فلسطين على مدى سنين طويلة. من العراق ومصر ولبنان، إلى دول أوروبية وأميركية عدّة، جاء السينمائيون إلى فلسطين، أو جلبوها إلى نتاجاتهم الوثائقية والروائية، التي حوّلت المشهد الفلسطيني إلى حالة إبداعية صافية. وإذا بدت تلك الأعمال أقرب إلى الشهادات البصرية المتعلّقة بمسائل سياسية ونضالية واجتماعية، منذ الهجرات الصهيونية الأولى إلى ما بعد إنشاء الكيان الصهيوني؛ فإن التجربة الأساسية التي جعلت السينما في فلسطين تعيش مرحلة جديدة، تمثّلت بـ«عرس الجليل» (1987) لميشال خليفي، الفيلم الروائي الطويل الذي اعتبره كثيرون بمثابة إطلاق نمط آخر في التعاطي مع الشأن الفلسطيني. هذا الفيلم أسّس مرحلة متكاملة من الاختبار اليومي للعيش الفلسطيني تحت وزر الاحتلال ومصاعبه وعنفه، من دون تناسي الهمّ الفلسطيني الذاتيّ. وفي المرحلة نفسها، ظهر مخرجون فلسطينيون متنوّعو الأمزجة والأساليب، غرفوا من الهمّ الفلسطيني مواد درامية جعلتهم ينقلون الوجع والأمل والحياة إلى أصقاع الدنيا، أمثال رشيد مشهراوي وهاني أبو أسعد وعبد السلام شحادة وعزّة الحسن ونزار الحسن ورائد أنضوني وآخرين، وأبرزهم إيليا سليمان. شهد النتاج السينمائي الفلسطيني في الأعوام القليلة الفائتة (النصف الثاني من العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين تحديداً) ظهور ثلاث مخرجات سينمائيات التقين عند إقامتهنّ خارج فلسطين المحتلّة، واستفادتهنّ من إنتاج غير فلسطيني غالباً (مع وجود إنتاج فلسطيني متنوّع، بمستويات مختلفة)، وقراءتهنّ العلاقة القائمة بين المنفى والاغتراب الذاتي والهوية أساساً، بالإضافة إلى التمعّن الفني في شؤون الفرد الفلسطيني، وارتباطه بمحيطه الثقافي والاجتماعي والمناخ الإنساني والوضع السياسي الناتج من الاحتلال الإسرائيلي. هؤلاء المخرجات الثلاث هنّ آن ـ ماري جاسر (ملح هذا البحر) ونجوى النجّار (المرّ والرمان) وشيرين دعيبس (أمريكا). ولئن آثرت جاسر سرد حكاية الداخل الفلسطيني المرتبط بالذاكرة الفردية والجماعية، من خلال العودة إلى فلسطين لاستعادة حقّ ضائع؛ فإن دعيبس ذهبت في الاتجاه المعاكس، عندما رافقت رحلة أم وولدها الوحيد إلى الولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن لحظة صفاء داخلي في «أرض الأحلام»، الطالعة من صدمة الاعتداء الوحشي على برجي «المركز العالمي للتجارة» ومبنى «بنتاغون» في الحادي عشر من أيلول 2001. في حين توغّلت النجّار في بنية المجتمع الفلسطيني، من خلال قصّة حبّ بين زوجة مقاوم أسير ومدرّب رقص، وسط استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين. وإذا بدا «ملح هذا البحر» أقرب إلى رحلة داخلية في فلسطين المحتلّة، وهي رحلة أشبه بمرآة سينمائية عكست تفاصيل شتّى من الحياة اليومية هناك؛ فإن «أمريكا» استخدم مفهوم الرحلة أيضاً، لكن خارج فلسطين المحتلّة، في مسعى جدّي إلى فهم المعاني الإنسانية والثقافية والاجتماعية للهوية والانتماء، داخل الدولة الأشدّ عداءً للفلسطينيين والعرب والمسلمين، والأكثر دعماً لدولة الكيان الصهيوني. أما «المرّ والرمان»، فأثار ردود فعل سلبية، فلسطينية أولاً وأساساً، لتشريحه القاسي وقائع العيش اليومي في بيئة فلسطينية اجتماعية تقليدية، ولدفاعه الجلي عن حقّ الفرد في اختبار انفعالاته وعيشها.
«ملح هذا البحر» لآن ماري جاسر: رحلة في الداخل الفلسطيني
تنتمي آن ماري جاسر إلى جيل من الفنانين الفلسطينيين الناشئين في بلاد الشتات. أنجزت باكورتها الروائية الطويلة هذه (لها أفلام وثائقية وقصيرة عدّة، أبرزها «اثنا عشر مستحيلاً»، الذي أنجزته عام 2002) مستوحاة من تفاصيل عامّة، مضافة إلى شيء ذاتي بحت. أرادت، في «ملح هذا البحر»، أن توزان حبكته الدرامية بين بُعدين اثنين أساسيين: استعادة الذاكرة لتأكيد حضورها في الوعيين الفردي والجماعي، و«السفر» داخل فلسطين المحتلّة، في رحلة قد يُقال إنها سياحية، وقد توصف بكونها محاولة سينمائية متواضعة للتأكيد على الحقّ الفلسطيني الشرعي والتاريخي بأرضه المحتلّة. الحكاية، في ظاهرها، تكاد تكون عادية: ثريا (سهير حمّاد) تقرّر العودة إلى بلدها، هي المقيمة في الولايات المتحدّة الأميركية (حيث تقيم جاسر حالياً) مع والديها اللاجئين من حيفا، بعد اكتشافها أن المدخّرات المصرفية لجدّها لا تزال موجودة في أحد مصارف يافا، منذ عام 1948، وهي تريد استعادتها مهما كان الثمن. أثناء ذلك، تلتقي عماد (صالح بكري)، الحالم بالهجرة إلى كندا. بين «حلم» العودة إلى فلسطين (ثريا) واستعادة الحقوق المسلوبة، و«حلم» الهجرة إلى الخارج (عماد)، بحثاً عن خلاص نفسي وروحي وجسدي من وطأة العيش في بؤس الحياة اليومية في فلسطين المحتلّة، بدت آن ماري جاسر كأنها مكتفية بطرح سؤال العلاقة (هل أقول الملتبسة؟) بين الفرد وبلده، في ظلّ أسئلة الاحتلال والمقاومة والتمسّك بالحقوق (حقّ العودة، حقّ الإقامة في البلد الأم، حقّ التاريخ والجغرافيا، إلخ.). لا تستطيع ثريا الحصول على حقّ جدّها وأبنائه وأحفاده باستعادة ممتلكاته. كأنها بهذا تكشف عجزاً ما عن استعادة حقوق أخرى لها ولأبناء بلدها. لكن هذا الحقّ، الذي تمسّكت به ابنة مهاجرين، يتناقض ورغبة المقيم في بلده المحتلّ، في البحث عن منفذ لعيش مختلف. ونهاية الفيلم، إذ تقع على الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة، تجعل الأسئلة معلّقة، والأجوبة أصعب، إذ تبقى المهمّة الأولى للسينما طرح الأسئلة والتحريض على البحث الدائم عن أجوبة. والرحلة، المُقامة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1948، إثبات (متواضع سينمائياً) للحقّين التاريخي والجغرافي للفلسطينيين في أرضهم وذاكرتهم وفضائهم الإنساني والثقافي والاجتماعي. لكن الفيلم مائلٌ، في مقتطفات عدّة من نصّه، إلى شيء من الخطابية، في حين أن بعض حواراته ضعيفٌ.
«أمريكا» لشيرين دعيبس: حلم الهجرة وتداعيات الحادي عشر من أيلول
في التعريف الصحافي الرسمي بها، جاء أن شيرين دعيبس اختيرت، عام 2009، من بين «أفضل عشر مخرجي منوّعات»، وأنها «مخرجة مستقلّة»، وأن «أمريكا» أول فيلم روائي تكتبه وتخرجه. دعيبس مقيمة هي أيضاً في الولايات المتحدّة الأميركية. أي إنها «ابنة» ثقافة غربية أضيفت إلى ثقافة بيئتها وتراثها وتاريخها. الإقامة في تلك البلاد مفيدة، لأنها تساهم في تطوير الوعي المعرفي، وتفتح آفاقاً جديدة للراغبين في العمل السينمائي. «أمريكا» صورة مختصرة عن حكايات فلسطينيين (وعرب ومهاجرين من أصقاع الدنيا كلّها أيضاً) يسعون إلى الهجرة بحثاً عن فرص عيش وعمل مختلفة. غير أن ميزته كامنةٌ في خصوصيته الفلسطينية. أي إن هجرة الأم منى (نسرين فاعور) وولدها فادي (ملكار معلم) إلى تلك البلاد الشاسعة، وتحديداً إلى منطقة ريفية في ولاية إلينوي، تتميّز بميزتين اثنتين: هجرة الفلسطيني من أرضه المحتلّة، وهجرته إلى بلد يعاني «فوبيا» خطرة من العرب والمسلمين. هناك، تحاول منى، المقيمة وابنها عند شقيقتها رغدة (هيام عباس) وزوجها الطبيب نبيل (يوسف أبو وردة)، بدء حياة جديدة. لكن المعاناة بدت، في اللحظات الأولى، شبيهة بمعاناة البلد الأم: قسوة الحياة اليومية جرّاء رفض المجتمع الجديد كل وافد عربي/ مسلم إليه، وهذا ينسحب على العمل (هناك صعوبة ما في الحصول على وظيفة) والحياة المدرسية (بعض الطلاب يتملّكه الغضب العنصري من كل عربي/ مسلم). شيرين دعيبس أرادت، في «أمريكا»، أن تلتقط تفاصيل تلك المعاناة، من خلال المسار الصعب لمنى وفادي أولاً، ولرغدة وعائلتها ثانياً. وإذا انبنى المسار هذا على البؤس والقهر والألم والتحوّلات القاسية، فإن الخاتمة أفضل، لميلها إلى لحظة متفائلة ما. ولا يُفارق النصّ والحوار بعض الخطابية المباشرة، المتعلّقة بالوطن والتراب والحكاية التقليدية.
«المرّ والرمّان» لنجوى النجّار: حقّ المرأة في التعبير عن انفعالاتها
في جهة مغايرة تماماً للعلاقة القائمة بين الوطن والمهجر/ المنفى، التي شكّلت عموداً فقرياً لفيلمي «ملح هذا البحر» و«أمريكا»، غاص «المرّ والرمان» لنجوى النجّار في أعماق المجتمع الفلسطيني، وبيئته الاجتماعية والثقافية والتربوية التقليدية. عندما سئلت عن فيلمها هذا، قالت النجّار إنه «قصّة إنسانية فلسطينية، موجودة في المجتمع الفلسطيني»، مضيفة أنه «قصّة سياسية بامتياز أيضاً»، مؤكّدة، في الوقت نفسه، أن السياسيّ لا يكمن في «اللغة والصورة السياسية التي تُقدّم بها عادة المأساة الفلسطينية على شاشات التلفزيون»، بل في طيات النصّ والحبكة والعلاقات القائمة بين الشخصيات المصنوعة من لحم ودم. أكّدت النجّار، وفيلمها هذا واضحٌ في طرحه الإنساني أولاً وأساساً، على أن «المرّ والرمان» يتطرّق إلى قضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية، والمرأة الفلسطينية ومعاناتها، ومصادرة الأراضي والجدار العنصري والاستيطان. هذه عناوين تبدو، لوهلة أولى، كثيرة جداً على فيلم سينمائي متواضع المعالجة الدرامية، وبسيط الإمكانيات الإنتاجية. لكنها شكّلت معاً مفردات التعمّق في تفاصيل البيئة الفلسطينية هذه، من خلال قصّة الحبّ العفوية التي نشأت بين زوجة أسير ومدرّب رقص. ولعلّ هذا ما أثار سخط فلسطينيين كثيرين، قالوا إنه ينتقد صمود الأسرى ويطعن ظهر الفلسطيني: «أثار الفيلم حديثاً طويلاً. كمخرجة، لا يُمكنني إلاّ أن أكون سعيدة جداً بذلك»، كما قالت، طارحةً في الوقت نفسه تساؤلات جوهرية أرى أنها، بمعالجتها الدرامية في الفيلم، سبّبت ذاك السخط الفلسطيني. والتساؤلات تلك تُختصر بسؤالين: هل لزوجة السجين حقّ في الحياة؟ أليست إنساناً ذا رغبات واحتياجات إنسانية، كأي إنسان آخر؟ في المقابل، ألم تُقدّم نجوى النجّار صورة مؤثّرة عن معنى الصمود الفلسطيني الفردي في وجه المحتلّ؟ ألم تدعم تمسّكه بحقّه في الوجود والعيش في بلده، وإن كان بلده محتلاّ؟ ألم تصوّر شيئاً من واقع العيش اليومي على تخوم الألم والقهر والغضب والقلق، ومقارعة الظلم أيضاً؟ ألم تلتقط نبض الحياة الفلسطينية بتنويعاتها ومستوياتها ومفارقاتها وفضاءاتها المختلفة، بهدف جعلها شهادة بصرية صادقة؟ لا شكّ في أن قراءة نقدية سوية للفيلم تكشف خللاً هنا وهناك، خصوصاً على مستوى الكتابة السينمائية والحوارات وبعض التقنيات. لكن هذا لا يمنع القول إن «المرّ والرمّان» جريءٌ في تأكيده حقّ المرأة في أن تكون إنساناً، وفي أن تُعبّر عن نفسها بحرية، وفي أن تعلن مشاعرها من دون خوف أو وجل. العناوين التي أرادتها النجّار ركيزة درامية لفيلمها هذا كثيرة، إلى درجة أن كل واحد منها محتاجٌ إلى فيلم أو أكثر. وهذا، ربما، أحد أسباب الخلل الطفيف الذي أصاب الفيلم. لكن نصّه الإنساني مهمّ للغاية، لأنه تحرّر من سطوة التقليد في مقاربة المواضيع الأساسية، وذهب إلى أقصى درجة ممكنة من التعبير المباشر والحيّ عن مشاكل بيئة ومجتمع، أنتج الاحتلال الإسرائيلي جزءاً أساسياً منها، لكن سلوك المجتمع الفلسطيني مسؤول عن جزء لا بأس به منها، على المستوى الاجتماعي على الأقلّ.
| |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 04.07.10 0:29 | |
| يـــافـــا الــجــمــيــلـــة
محمد مهدي الجواهري
في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين سافر محمد مهدي الجواهري إلى فلسطين لإلقاء بعض قصائده في الإذاعة الفلسطينية. ومن الطائرة تراءت له يافا وقد ظللتها السحب، فكتب هذه القصيدة، واختار لها هذا العنوان. وللعلم فإن كلمة يافا أو «يافو» الآرامية تعني «الجميلة».
بيافا يومَ حُطَّ الرٍكابُ تمطَّر عارضٌ ودجا سحابُ ولفَّ الغادة الحسناءَ ليل مريبُ الخطوِ ليس به شهابُ وأوسعها الرذاذ السحُّ لثماً ففيها من تحرُّشِهِ اضطرابُ ويافا والغيوم تطوف فيها كحالمة يجللها اكتئابُ وعاريةُ المحاسن مغريات بكفِّ الغيمِ خِيطَ لها ثيابُ كأن الجوّ بين الشمس تزهى وبين الشمسِ غطّاها نقابُ وموجُ البحرِ يغسل أخمصيها وبالأنواءِ تغتسل القبابُ فقلت وقد أُخذتُ بسحر يافا وأتراب ليافا تُستطابُ فلسطين ونعمَ الأمُّ هذي بناتُك كلها خَوْدٌ كعابُ أقلتني من الزوراء ريح إلى يافا وحلّق بي عقاب أرانا كيف يهفو النجم حباً وكيف يغازل الشمسَ الضبابُ فما هي غيرُ خاطرة وأخرى وإلا وثبة ثم انصبابُ ولاح اللد منبسطاً عليه من الزهرات يانعة خِضابُ نظرتُ بمقلة غطى عليها من الدمع الضليل بها حجابُ أحقاً بيننا اختلفت حدود وما اختلف الطريق ولا الترابُ ولا افترقت وجوهٌ عن وجوه ولا الضاد الفصيح ولا الكتابُ فيا داري إذا ضاقت ديار ويا صحبي إذا قلّ الصحابُ وما ضاق القريضُ به ستمحو عواثره صدوركم الرحابُ لئن حمَّ الوداعُ فضقتُ ذرعاً به واشتفَّ مهجتي الذهابُ فمن أهلي إلى أهلي رجوع وعن وطني إلى وطني إيابُ
| |
|
| |
للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: رد: فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية 04.07.10 0:34 | |
| الـثـقـافـة الـفـلـسـطـينيـة: إنـي أتـهـم
مريد البرغوثي ماذا حدث للثقافة الفلسطينية في مملكة منطمة التحرير والسلطة؟ ماذا فعلت بها هذه السلطة ودولارات الدول المانحة والمنظمات غير الحكومية؟ من عمل على تجريفها وتصحيرها عاماً بعد آخر حتى وصلنا إلى هذا الوضع التعس لأول مرة منذ تبلورت الهوية الكفاحية للشعب الفلسطيني؟ هل يعقل أننا لا نملك الآن صحيفة واحدة مستقلة أو معارضة أو نصف معارضة أو أي مطبوعة تكفل حرية الخبر قبل حرية الرأي؟ كيف حدث أننا نحن الذين أصدرنا في الشتات والمنافي أبرز الصحف والمجلات الأدبية والفكرية نكتفي الآن بيوميتين شبه رسميتين ومحطة تلفزيون بائسة الشكل والمضمون، مهنياً وسياسياً وفكرياً؟ كيف ماتت بضربة واحدة مجلات الكرمل وشؤون فلسطينية واليوم السابع والكاتب الفلسطيني؟ وكيف ضاقت السبل بمجلات ذات ضفاف أوسع من حدود أحزابها كالهدف والحرية وإلى الأمام؟ كيف خرجت المؤسسة من دورها في الإنتاج السينمائي والمسرحي؟ كيف أصبح الشعراء والروائيون موظفين سعداء بسيارات وسائقين وحراس؟ وكيف تفاقمت لدينا ظاهرة المثقف السعيد الذي هو آخر ما يحتاجه الوطن؟
نعم، آخر ما يحتاج إليه الوطن، أي وطن، هو المثقف السعيد، المروّج للرضى، الواثق داخل مرآته المتفهم دائما لسيده السياسي، المفسّر لتأتأة الحكومات الشارح لحجج العدو والمفتون بمفردة «الاستقرار». وفي أوجاع الدكتاتوريات المحلية وشرور الاحتلال الأجنبي يصبح المثقف السعيد، عبئاً على التاريخ. إنه إذ يتخصص في اختراع المساحيق المناسبة لوجه السلطة ينسى أنه يلطخ يديه وثوبه ويساهم مع الهراوة في تمرير الخديعة. وهو إذ يسارع، عند وقوع الكوارث التي لا بد من وقوعها، إلى لوم الظرف الموضوعي يتعمد إعفاء الذات الشخصية والذات الرسمية من النقد: «الخطأ ليس «هنا»، الخطأ دائما «هناك»! «الحق ليس معهم الحق دائماً «معنا»! يبتسم لرأيه ورأيه يبتسم له، لنفسه، لقائده، لحزبه، لفصيله، لمذهبه، لأيدولوجيته وأحيانا لأعدائه، ثم يتهيأ لاستقبال المكافأة مكرماتٍ وفُرَصاً تدفعه إلى مزيد من السعادة. نقيض المثقف السعيد هو المثقف الانتقادي الذي يفكر ويختار ويجهر ويمارس عناده المكلّف ويدفع الثمن بدلا من أن يقبضه. والدور النقدي للمثقف هو مؤشر على وجود المواطن النقدي الذي يصعب أن تنطلي عليه الحجج والذرائع والتبريرات. فوجود مثل هذا المواطن هو رسالة الأمل التي يحملها للمقهورين بريد التاريخ. وممارسة النقد ليست حصراً على اللغة بل تتعداها إلى قائمة طويلة مما يقبله المرء أو يرفضه، وقائمة أطول من أشكال الفعل الخلاقة بالقلب واللسان واليدين. نشطاء الحرية على سفن الحرية من رجال ونساء هم حالة ساطعة من حالات ممارسة النقد والاستعداد لدفع الثمن.
تدليل الأفاعي وزخرفة الحطام
المشروع الوطني مصاب بالتأتأة والارتباك والتقلّب الفاضح وهذا أسوأ من غيابه في المشهد الفلسطيني الممتد لا يمكننا أن ننكر تجاور المثقف «السعيد» والمثقف «الانتقادي» جنباً إلى جنب في مختلف مراحل الصراع، لكن مثقفينا السعداء كانوا دائماً قلّة. فالروح النقدية كانت، في الغالب الأعم، هي روح الثقافة الفلسطينية، شواهدها كتاب وشعراء ومفكرون يسائلون ويتساءلون، يمارسون القلق العفيّ والارتياب الشريف لا بشأن ما يقال لهم فقط، بل أيضاً بشأن ما يقولون ويكتبون، يحاولون خلخلة المستقر، يدعون إلى التجديد، ويحدقّون بإخفاقات الذات الشخصية والجمعية، لا يحاولون تدليل الأفاعي خلسة ولا يعملون على زخرفة الحطام وتعطير الكوارث. الجديد المؤسف الذي ألمّ بالثقافة الفلسطينية منذ سنوات هو تآكل الدور النقدي والغياب شبه الكامل للمثقف صاحب الرأي المستقل المجاهر باختلافه عن اي إجماع ملفق والمدافع عن الحقائق المهجورة والمغدورة. وهذا يتم تحقيقه في البداية بوأد المنابر وإعدامها حتى لا يجد الكاتب الحر شرفة يطل منها على قرائه وبعد ذلك لا يبقى لمن يريد الخوض في المسائل الجوهرية إلا تبنّي رواية المؤسسة ورؤيتها، أو تجنب الخوض في الجوهري أصلا والانشغال في عز المحنة بالحديث عن نقّار الخشب! يرجع الكثيرون غياب المشروع الثقافي الفلسطيني إلى غياب المشروع الوطني الفلسطيني، ويصعب الاتفاق معهم على هذا الرأي فالمشروع الوطني مصاب بالتأتأة والارتباك والتقلّب الفاضح وهذا أسوأ من غيابه. والثقافة التي «تتبع» بدلا من أن «تسبق وتتقدم» لا بد لها من أن تحمل العدوى كلها والأوصاف كلها. وهكذا ارتبكت «الجملة الفلسطينية» التي كانت عنوانا نبيلا من عناوين الثقافة العربية على امتداد الخريطة. إن جيلا كاملا من المبدعات والمبدعين الفلسطينيين يتكون الآن في مخيمات المدن الفلسطينية وفي القرى والبلدات وعلى امتداد قطاع غزة ونابلس وطولكرم وجنين والخليل وسواها وينتج قصصاً وقصائد ومقالات جميلة تنبئ بمواهب حقيقية وتفكير نقديّ مستقل عن المؤسسة، تضيق بإنتاجهم منابرها القليلة ذات اللون الواحد والمتركزة في مدينة واحدة هي رام الله. أضف إلى ذلك عمليات التضييق في غزة على حرية الفنون والإبداع المرئي أو المسموع أو المكتوب وإعادة تعريف ذلك كله تعريفاً يرجعنا قروناً إلى الوراء.
المثقف إذ يتوسل السلطة
أصبحنا نرى تدافع الكتّاب والشعراء والنقاد واتحاداتهم إلى الجلوس في حضن الحاكم قد يأخذنا الاستعجال إلى محطة أوسلو كبداية لهذا الانهيار الثقافي في فلسطين لولا أننا نلاحظ الانهيار ذاته في البلدان العربية الأخرى، فبعد أن كانت سمة الثقافي هي النضال لانتزاع استقلاله عن السياسي والحفاظ على المسافة الضرورية بينه وبين القصر أصبحنا نرى تدافع الكتّاب والشعراء والنقاد واتحاداتهم إلى الجلوس في حضن الحاكم: فمعارض الرسم ومهرجانات الشعر وحلقات النقد الأدبي وتدشين المؤلفات تتم غالباً تحت رعاية الوزير أو الأمير أو بتمويل حكومي مشروط دائماً، والكارثة أن المثقف هو الذي يتوسل للرسمي أن يرعى معرضه أو أمسيته الشعرية أومهرجانه الأدبي بل ويغضب إن لم ينفق عليه. وهذا كله أهون من التزام الصمت عندما تلتبس الأمور. انتشرت قصيدة الهذيان وبات «المبدع» يفزع أن يدل عمله الإبداعي على موقف أو يحمل أي معنى. وفي عالم النقد الأدبي والصحافي انتشرت الكتابات النقدية التي تسمّع محفوظاتها من الترجمات الرديئة لنقّاد الغرب. هكذا اجتمعت لدينا في وقت واحد ركاكة النص وركاكة الموقف، وخلا الميدان للسياسي يصول ويجول بلا منتقد. ففي تاريخنا القريب تغيرت مواثيق وانقلبت مفاهيم وتناقضت سرديات وماتت أحزاب من دون أن تثير أي زلزال ثقافي بل من دون قرع جرس صغير. هل بدأ الانهيار باتفاقات بكامب ديفيد وإسقاط ما أسماه السادات «الحاجز النفسي» مع العدو حتى إذا انكشفت مخاطرها هرعت اتفاقات أوسلو لإسقاط الحواجز الإضافية عند أصحاب المأساة المباشرين هذه المرّة؟ هل أدى ذلك إلى طمس ملامح المشروع الوطني بحيث أنه أصبح «غيره»؟ هل أدى ذلك إلى اليأس من النصر وإلى الإيمان بالهزيمة؟ ربما. لكن كثيرا من كتاب لبنان والكتّاب العرب رفضوا الاعتراف بانكسار خطط عدوهم الإسرائيلي في تموز 2006 إلى حد أن جنرالاته ومفكريه وصحافته تعترف بتعثره بينما كتّابنا هم الذين لا يعترفون! لكن انزلاقات كامب ديفيد وأوسلو وحدها لا يمكن أن تبرر انزلاق المثقفين إلى اعتناق «معنى» عكسيّ للقضية برمتها وإلى غيبوبة واعية تبدد الجوهريّ وتموت فيها مفاهيم بأكملها. كيف يفسر لنا مثقفونا السعداء سكوتهم عن موت المعنى الفلسطيني وإسقاطه من عقولهم وكتاباتهم؟ هل يغتفر لمثقف أن يقبل إعادة تعريف نقطة البداية في صراعنا التاريخي الطويل فلا يبدأ تحليله السياسي إلا من نقطة الرابع من حزيران أو الخلاف بين فتح وحماس، أو حصار غزة، فيشتري من السياسي العابث مفردات مثل «هم بدأوا لا نحن» «لا بد أن ينصاعوا وإلاّ» ثم ينقسم المثقفون على مقياس انقسام سياسييهم وبنفس درجة العمى عن مسارات تاريخية بأكملها، لأن الثقافة الراضية السعيدة كانت تمارس نعاسها الأبدي وتحصر الصراع في ربع ساعته الأخيرة؟ هل يعقل أن تصبح «المصالحة» التي يهندسها أمنيون في دول الجوار هي القضية الفلسطينية! وهل يغتفر للمثقف السعيد أن يقبل إعادة تعريف الشعب الفلسطيني بصفته سكان مناطق السلطة الفلسطينية فقط، فلا يقترب من قضايا شعبنا الباقي في أرضه منذ انفجار الصراع على الساحل الأول أو قضايا أبناء الشتات واللجوء والنزوح والمخيمات والمنابذ والمنافي؟ وهل يعقل أن يشتري المثقف تلويث المصطلح ويتبناه فيصدق أن عملية السلام سلام وأن البرلمان برلمان وأن الانتخابات انتخابات وأن الشرعية شرعية وأن المعارضة معارضة وأن الواقعية واقعية بينما الواقع يقول لنا إن الأسماء زاغت عن مسمياتها ونأى عن اسمه كل مسمّى؟
حرق المعنى
هكذا اجتمعت لدينا في وقت واحد ركاكة النص وركاكة الموقف، وخلا الميدان للسياسي يصول ويجول بلا منتقد لا ينحصر اللوم هنا على مدح المثقف أو هجائه لتفاصيل سياسة متغيرة وعابرة ولا على موقفه من هذا القائد أو ذاك ولا على قبوله فرصة أو منصباً أو رشوة معنوية تقع في باب الضعف البشري، فلا أحد يتوقع أن يكون الناس (والمثقفون منهم) جيشاً من القدّيسين، لكنّ الخطر يكمن في مكان آخر هو عندما يساهم أبناء الثقافة وبناتها في «حرق المعنى»: يعرض السياسي بضاعته المعطوبة للبيع فيزورّ عنها الناس ويرفضون شراءها فيلجأ إلى حلَّين متزامنين، العصا والثقافة. السياسة تقمع أو تهدد بالقمع، والثقافة تقفز فوراً لتسويق البضاعة بمهارتها التي لا يتقنها غيرها. وأكثر البضائع رواجاً هي بالطبع خلق عصابات ثقافية موازية للعصابات السياسية، تتبادل توجيه الاتهام بلغة «مثقفة». هكذا يتم تلويث المعاني وأولها معنى النقد ذاته.
لا تأييد بلا نقد
نتذكر إدوارد سعيد وصيحته المجلجلة التي أصبحت إنجيل مثقفي العالم الأحرار وأبلغ تلخيص لضرورة الجهر بالحقيقة أمام صاحب السلطة أن «لا تأييد بلا نقد» فنرى في فلسطين تأييداً ولا نرى نقداً، نتذكر ناجي العلي الذي لم يمسك ريشته مرة واحدة إلا ليفضح بخطوطها من تليق بهم الفضيحة، ونبحث عن نموذجه بيننا فلا نجد، ولأن المشهد ضم كثيرين غيرهما من المبدعين فلن نواصل التعداد، كما أننا لن نبدأ في تسمية الكتاب والشعراء والباحثين «السعداء» ذوي المراتب والرواتب ممن يعبدون مراياهم لأننا لو بدأنا فلن ننتهي. | |
| |
|
| |
| فلســـطـين لـنـا / السفير اللبنانية | |
|