بقلم : ياسر الظاهر
إن معظم الذين تناولوا شعر نزار بالدراسة والتحليل تطرّفوا كثيراً في أحكامهم النقدية على شعر الشاعر ولاسيما فيما يتعلق بقضية شعره الذي يصف فيه بعض أعضاء المرأة الجسدية ومنهم الناقد المصري الكبير الراحل د. غالي شكري حيث وصف نزار بالسطحية تجاه المرأة : (إن نزاراً الذي غنى للمرأة مئات القصائد لم يتجاوز قط السطح الخارجي لمشكلاتها ، لم يتجاوز الحلمة والفستان والعيون ، والقميص .. الخ )
شعرنا الحديث إلى أين ص 158 ط2
وإلى أبعد من ذلك راح الناقد السعودي د. عبد الله الغذامى إذ نراه يتهم الشاعر اتهامات كبيرة فمنذ سنوات وعلى صفحات بعض الصحف كتب عدة مقالات محللاً فيها بعض قصائد نزار الأنثوية متهمه بتهييج الجمهور جنسياً كما وصف قصائد نزار ب ( المرعبة ) ويتساءل بعد ذلك « هل هذا فعل ، ومسلك صحيح ، وهل نقبله دون حياء ، أو خجل ؟ ولماذا نقبل ثقافياً وذوقياً ، واجتماعياً ، ودينياً تقليص الانثى إلى هذه الصورة المحددة ونغفر للشاعر خطاياه ونشتري دواوينه ..
إلى ذكرى رحيل نزار قباني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلما قرأت مقالة ، أو دراسة نقدية في صحيفة ، أو كتاب ما لناقد أكاديمي ، أو كاتب هاو للنقد الأدبي حول شعر نزار الأنثوي ، أتساءل : لم كل هذه الضجة ، والمغالاة ، والغيرة غير المبررة على جسد المرأة المصور ، والموصوف في شعر الشاعر ؟ ولم يتهم في النهاية بسطحية نظرته إلى المرأة ؟
مما يقودني إلى تساؤل آخر : هل كان نزار خلاعياً في صوره الشعرية الأنثوية فعلا ؟ وهل غدا نزار عند النقاد شاعر المرأة ( فقط ) ؟ وأين ذهبت بقية أشعاره السياسية والوطنية والقومية والاجتماعية بل حتى التي يدافع فيها عن المرأة ويدعو فيها إلى تحررها عن أعين ، وأقلام النقاد ؟ أين هي قصائده التي تغنى بها بمجد أمته من خلال تغزله بمدنها التي استوت فيها عنده دمشق مع قرطبة وغرناطة في نشدانه عودة الماضي لهذه الأمة والشواهد على ذلك كثيرة في دواوينه ، وفي الكتب المدرسية والجامعية التي درسناها ، ولا تزال تدرس .
إن معظم الذين تناولوا شعر نزار بالدراسة والتحليل تطرّفوا كثيراً في أحكامهم النقدية على شعر الشاعر ولاسيما فيما يتعلق بقضية شعره الذي يصف فيه بعض أعضاء المرأة الجسدية ومنهم الناقد المصري الكبير الراحل د. غالي شكري حيث وصف نزار بالسطحية تجاه المرأة : (إن نزاراً الذي غنى للمرأة مئات القصائد لم يتجاوز قط السطح الخارجي لمشكلاتها ، لم يتجاوز الحلمة والفستان والعيون ، والقميص .. الخ )
شعرنا الحديث إلى أين ص 158 ط2
وإلى أبعد من ذلك راح الناقد السعودي د. عبد الله الغذامى إذ نراه يتهم الشاعر اتهامات كبيرة فمنذ سنوات وعلى صفحات بعض الصحف كتب عدة مقالات محللاً فيها بعض قصائد نزار الأنثوية متهمه بتهييج الجمهور جنسياً كما وصف قصائد نزار ب ( المرعبة ) ويتساءل بعد ذلك « هل هذا فعل ، ومسلك صحيح ، وهل نقبله دون حياء ، أو خجل ؟ ولماذا نقبل ثقافياً وذوقياً ، واجتماعياً ، ودينياً تقليص الأنثى إلى هذه الصورة المحددة ونغفر للشاعر خطاياه ونشتري دواوينه ..
القارئ لأحكام الناقدين شكري والغدامى يرى أنهما قد وصلا بأحكامهما غاية في الغلو والتطرف وذلك من خلال اقتطاعهما أجزاء من قصائد الشاعر ، أو حتى قصائد من دواوينه والحكم عليها دون أخذ القضية ( شعر المرأة ) بكليتها ، وكأن نزار قباني لم يطور شعره ، ولم تتسع نظرته إلى المرأة ، بل حكما عليه من خلال ( البعض ) مهملين ( الكل ) مسقطين من دراستيهما التطور الفني والفكري الذي طرأ على شعر الشاعر في هذه القضية هذا أولا، ومتناسين ثانياً أن ليس كل شاعر جاء على ذكر جسد المرأة أو جزءاً منه في شعره هو شاعر خلاعي يسعى إلى إهانة الأنثى أو تحقيرها من خلال ذكر عضو من أعضائها إذا كان ذلك صواباً فأين ذهبت فنية الشعر ، وأدبيته ؟ وبم أصبح يتميز الشعر عن غيره من الكلام العادي
في رأيي : إن الناقدين قد صدّرا أحكامهما النقدية بدوافع مختلفة ،وأن ماذكراه من أحكام هو نتيجة لأفكار مسبقة يحملانها قبل كتابة نزار لقصائده الأنثوية حيث حاكماه نقدياً استناداً الى تلك الأفكار ، فالأول: د. غالي شكري اتخذ الماركسية منهجاً في التحليل ،والثاني : د. الغذامي فقد صدر أحكامه من ذهنية تحمل الفكر الديني (وتعيش في بقعة جغرافية نفطية لايروق لها نزار المهاجم لدول النفط) .
وقد ظلما الرجل ،ولم ينصفاه ،ولو أرادا ذلك لحكما على شعره الأنثوي برمته كما قلنا .
ولو ذهبنا معهما بمغالاتهما برأييهما لأنكرنا شعراً عربياً كثيراً ، من ذلك الشعر الجاهلي الذي قيل في الغزل الحسي للمرأة كشعر امرئ القيس وبعض أشعار النابغة وطرفة ،وكذلك بعض الشعر الأموي والعباسي وغيره ،والذي قيل في وصف المرأة وجسدها ...
فهل نحرق كل القصائد التي وصفت المرأة وصفاً حسياً ؟ منذ العصر الجاهلي و،حتى يومنا هذا ؟ ثم ألا يمكن أن ننظر إلى تلك القصائد على أنها غرض من أغراض الشعر الفنية الأدبية الجميلة ،وعندما نريد أن نحاكمها أو نقيمها أو ننتقدها ننظر اليها من زاويتها الفنية ؟ هل مزق القراء قصائد ودواوين الشاعر النسوية ؟ وهل أدار له الجمهور العربي ظهره وضربه بالبندورة عندما كان يلقي أشعاره في الأمسيات الشعرية ،وهل صم الناس ومنهم النساء آذانهم لشعر نزار هذا ، على العكس تماماً فقد كانت القاعات تغض بالجماهير الذين تضيق بهم الشوارع ،ومامن أمسية شعرية لنزار قباني حتى ترى ازدحام الناس في شوارع مدينة دمشق ،وكأنه يوم العيد بل لانغالي كثيراً إذا قلنا : إن أكثر الدواوين الشعرية التي تباع في العالم هي دواوين نزار ،كما كان من أكثر الشعراء الذين شغلوا النقاد بدراسة شعره .
لقد كان نزار قباني ولا يزال حتى بعد رحيله في نيسان 1998 م يشكل ظاهرة شعرية جديرة بالدراسة الموضوعية (ولاسيما شعر المرأة ).
- ولابد من الوقوف عند المراحل التي انتقل فيها الشاعر من الوصف الحسي لجسد المرأة (وهو أمر لانستطيع إنكاره ) إلى تصوير مشاعرها التي كان يعبر عنها متقمصاً شخصيتها كقصيدتي (أيظن) و(كلمات) وغيرهما ومن ثم تعميق النظرة إلى المرحلة الأخيرة من شعره الأنثوي تلك المرحلة التي دعا فيها إلى حرية المرأة التي اعتبرها جزءاً من حرية الرجل ،والمجتمع ككل .
هذا ماأردنا أن نبينه لبعض الذين ظنوا بنزار الظنون واتهموه ظلماً بالدعوة إلى الإباحية والخلاعة دعوة هو منها بريء كل البراءة ،وكيف لا ... وهو القائل للمرأة :
إياك أن تتصوري
أني أفكر فيك تفكير القبيلة بالثريد
وأريد أن أمحو حدودك في حدودي
أنا هارب من كل إرهاب يمارسه
جدودك وجدودي.
وأخيرا نود أن نذكر بمسألة هامة وهي أن نزار قباني أصبح مدرسة شعرية و شيخ طريقة في الشعر له الكثير من المريدين و المريدات في فن الدفاع عن حرية المرأة حيث تأثر بهذه المدرسة الكثير من الشعراء و الشاعرات نذكر منهن الشاعرة الكويتية د. سعاد الصباح مما يؤكد و يقطع كل الشك أن الشاعر كان و لا يزال حتى بعد رحيله حاملاً لواء قضية المرأة .
المصدر
http://nawafz.own0.com/montada-f18/topic-t87.htm