الكاتبة غادة الكاتب
ـــــــــــــــــــــ
تعدو الذئاب على من لا كلاب له... وتتقي صولة المستنفر الحامي
(أبو الأسود الدؤلي)
لم يكن نجم "ستار أكاديمي" العرب أردنيا ولا عراقيا كما توقع البعض، بل تم انتخاب الشاب السوري ناصيف، ليكون نجم هذه الدورة، بعد أن أيدته ملايين الأصوات الداعمة عبر التصويتات التي أرهقت اصابع المتابعين العرب، في شتى بقاع الأرض، وأفرغت ما في جيوبهم لصالح شركات الاتصال!...
وناصيف هذا شاب في نفس عمر داعية السلام الأمريكية رتشيل كوري، تلك الفتاة ذات الـ 23 ربيعاً، التي دفعت حياتها عام 2003 ثمنا لقضية فلسطين، بعد أن آمنت بعدالتها، واعتبرتها قضيتها..
وناصيف، هو أكبر قليلا من ناشط السلام البريطاني وطالب التصوير الفوتوغرافي توماس هيرندال (19 عاما)، الذي فقد حياته بمدينة رفح الفلسطينية، تلك التي وصل إليها عام 2003، قبل أسبوع من مقتله برصاصة في الرأس، أطلقها عليه أحد القناصة الإسرائيليين.
هيرندال لم يكن مقاوماً، كان شاباً أعزل، حاول حماية طفلين فلسطينيين من نيران قوات الاحتلال الإسرائيلي، فتلقى رصاصة في رأسه، أطلقت من برج عال، ورغم ذلك أرجعت التحقيقات الإسرائيلية أسباب مقتله إلى "ضلوعه في المقاومة"، و"تواجده مع رجال مسلحين".
وكوري أيضاً لم تكن تحمل أي سلاح، حين وقفت في وجه سائق بلدوزر جبان، متعطش للدم، كان ينوي هدم بيت فلسطيني على من فيه.
وقفت كوري عزلاء أمام الجرافة، ظناً منها أنها بذلك ستمنع القتلة الإسرائيليين من ارتكاب الجريمة، لكنها للأسف قضت دهساً تحت عجلات البلدوزر ذاته، وعلى مرآى من أصدقائها الناشطين، ليعلن قتلتها فيما بعد، أن تحقيقاتهم أدرجت ما جرى لكوري تحت بند حادث غير متعمد.
وهاهي قضية الناشطين الشباب وتحديهم للتعنت الإسرائيلي تعود إلى الواجهة، بعد أن أقدمت آلة الحرب الصهيونية على مهاجمة اسطول الحرية وفي مقدمته سفينة مرمرة التركية، التي استولت عليها بعنف وتجبر مفرطين، فقتلت 19 ناشطاً، من بينهم شاب تركي عمره 19 سنة، اسمه فرقان دوغان، يحمل الجنسية الأمريكية، قتله جندي صهيوني، وقف على بعد 45 سنتيمتراً من وجه دوغان، وأطلق عليه عدة رصاصات، استقرت ثلاثة منها، في الوجه وخلف الرأس، ورصاصتين أخرتين في الساق، ثم الأخيرة في الظهر، ليترك جثة هامدة على أرض السفينة.
الكيان الصهيوني وعد بإجراء تحقيقات للوقوف على حقيقة ما حدث على السفينة، ولن نفاجأ كثيرا إذا ما خلصت تلك التحقيقات إلى تجريم الناشطين، مثلما فعلت تحقيقات سابقة في قضيتي كوري وهيرندال وغيرهما، إلا أن ما يدعو للعجب حقا، هو موقف الأمة العربية من هؤلاء الناشطين، ومن أي نشطاء مماثلين، اغتيلوا في سبيل في قضية لا جمل ولا ناقة لهم فيها. إذ تعودنا أن لا يستحوذ ما حدث لأمثال هؤلاء، على اهتمام وسائل إعلامنا العتيدة إلا لمدة يوم أو يومين، ومن ثم يطوى الخبر، كصفحة في سجل ليس على أحد التدقيق فيه أو قراءته، وكأن لدى هذه الوسائل أخبارا ومتابعات أكثر أهمية!! وكأن البحث عن نجم "ستار أكاديمي" العرب، وآخر صرعات الموضة، وآخر ما جرى تسجيله من أغنيات، وتصويره من فيديو كليبات، وآخر ما توصل إليه الفن عامة في عالم هز البطون، وتلوي الشباب والفتيات كثعابين حاو مهووس، هو أكثر أهمية من تبني قضايا الناشطين المؤيدين، وإشباعها بحثا ونقاشا وتحقيقا.
ربما عجزت وسائل إعلامنا العربي عن فهم هكذا تضحية، من أناس جاؤوا من قارات وثقافات أخرى، ليقدموا أنفسهم قربانا لترابنا المقدس، بهذه الجرأة وعلى هذا النحو المشرف!! في الوقت الذي يتنافس فيه الكثيرون من شباننا وفتياتنا على التشبه بأبناء العم سام لغة وهيئة وانحلالا.
لقد سبق لكل من هيرندال وكوري وغيرهم من الناشطين الشباب أن فهموا وأيقنوا بعدالة قضية فلسطين، وأرادوا أن يكون لهم علامة فارقة فيها، لاعتقادهم أن ثمة من سيدرك قيمة ما فعلوه، ويثمنه، ولا يتركه يذهب هباء منثورا.. لكنهم أخطأوا حين ظنّوا أن أمة نامت على نكبتها أكثر من خمسين عاما، ولم تحرك ساكنا أمام نكبة جديدة، يمكن أن تفيق الآن، أو تفعل شيئا ولو على استحياء.
وقف كل من دوغان، وهيرندال، وكوري وغيرهم من الناشطين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية بلا سلاح سوى سلاح الإيمان بعدالة الذي يفعلونه وإنسانيته، في حين انشغلت أمة العرب بمتابعة من سيكون نجم " ستارأكاديمي " العرب من بين شباب وشابات، هم في مثل عمر: دوغان، وكوري، وهيرندال، لكنهم على الإطلاق ليسوا بمثل وعيهم، أو إخلاصهم، أو حتى جرأتهم.
ـــــــــــــــ
غادة الكاتب / دنيا الرأي