للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلمعالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 191 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 191 زائر

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    مي مبارك
    مدير التحرير
    مي مبارك


    المشاركات : 218
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة Empty
    مُساهمةموضوع: معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة   معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة Icon_minitime25.05.10 2:24

    معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة *


    مقدمة:

    الحمد لله الذي يُجيب دعوةَ الداعي إذا دعاه، والصّلاة والسلام على أقرب العباد إلى الله، وأعلمهم بحقوقه وتقواه، وأحرصهم على محبّته ورضاه. اللهم صلِّ وسلِّمْ على أشرفِ خلقِ اللهِ وصفوتِهِ ومُجْتَباه، وعلى آله وصحبِهِ ومَنْ نَهَجَ نَهْجَهُ واتبع هُداه.

    وبعد، فإنّ الحال التي تمرّ على المسلمين اليومَ لم يمرَّ عليهم حالٌ مثلُها من قبلُ؛ ذلك أنهم كانوا فيما مضى إذا جفَّ عندهم الضرعُ والزرع؛ رفعوا أكفَّهم إلى السماء يستسقون؛ فينهالُ عليهم الماء! وكانوا إذا نزلتْ بهم الكروبُ، وحلّت بساحتهم الخطوبُ؛ لهجوا إلى ربّهم بالدعاء، وهُرِعُوا إلى القنوت خاشعين، وأنابوا إلى ربّهم متضرِّعين؛ فينفِّس اللهُ كربَهم، ويُيسِّر أمرَهم، ويجعل لهم من كلّ همٍّ فرجاً، ومن كلّ ضيقٍ مخرجاً! وأمّا في هذا الزمان، فقد هُجِر القنوت في النوازل إلا من رحم الله، وكثرت الشكوى إلى من لا يضرُّ ولا ينفع! وقلَّ في المسلمين مَنْ يقول: (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله)!(1)

    وقد قرَّر أهلُ العلم أنَّ عنوان سعادةِ العبدِ أنّه "إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتُلِيَ صبر، وإذا أذنب استغفر!"(2) وجماع هذه الأمور كلها في دعاء الله تعالى.

    المبحث الأول: فقه الأذكار النبويّة:

    (1) عظمة الأذكار النبويّة:

    وقد حثّ الله عزّ وجلّ عبادَه على كثرة دعائه والتضرُّع إليه، فقال جلّ جلاله: (ادْعُوني أستجبْ لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين). وقال تبارك وتعالى: (قلْ ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم).(3)

    وحفلت السُّنّة النّبويّة بذكر فضائل الدعاء والذِّكر، كما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عزّ وجلّ: (أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرتُه في ملأٍ هم خيرٌ منهم، وإن تقرّب منّي شبراً تقرّبتُ منهم ذراعاً، وإن تقرّب إليَّ ذراعاً تقرّبتُ منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً).(4) وروى أبو هريرة كذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبق المفرّدون. قال: وما المفرّدون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون اللهَ كثيراً والذاكرات).(5)

    (2) أهمية الاقتداء بالسنة في الأذكار:

    وقد ابتُلي بعضُ الناس بالولوع بتعظيم بعض الأدعية غير المأثورة وابتداع كثيرٍ من الأذكار؛ فكان ذلك سبباً في حرمانهم من الشعور بنور الأذكار النبويّة؛ فأهملوا المأثور؛ فحُرموا من البرَكة والخير ما لا يعلمه إلا الله! ذلك أنّ الجهلَ بالآثار يُبعِد أهله عمّا في الأذكار المأثورة من الأنوار!

    وما أحسنّ ما قاله القاضي عياض في هذا الشأن: "أذِنَ الله في دعائه، وعلَّم الدعاءَ في كتابِهِ لخليقتِهِ، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته. واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة والنصيحة للأمة؛ فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتال الشيطانُ للناسِ من هذا المقام؛ فقيَّضَ لهم قومَ سوءٍ يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، واشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين فيقولون: دُعاء نوحٍ، دُعاء يونس، دُعاء أبي بكر؛ فاتقوا اللهَ في أنفسِكم لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح".(6)

    ولله درُّ ابن القيِّم حيث قال: "سبحان الله! ما حُرِمَ المُعرِضون عن نصوصِ الوحي، واقتباس العلم من مشكاتِه من كنوزِ الذخائر؟! وماذا فاتهم من حياةِ القلوب واستنارةِ البصائر؟ قنعوا بأقوالٍ استنبطتْها معاولُ الآراء فِكَراً، وتقطعوا أمرَهم بينَهم لأجلِها زُبُراً، وأوحى بعضُهم إلى بعضٍ زخرفَ القولِ غروراً؛ فاتخذوا لأجلِ ذلك القرآنَ مهجوراً! درستْ معالمُ القرآنِ في قلوبِهم فليسوا يعرفونها، ودثرَتْ معاهدُهُ عندهم فليسوا يعمرونها، ووقعتْ ألويتُهُ وأعلامُهُ من أيديهم فليسوا يرفعونها، وأفَلَتْ كواكبُهُ النيِّرة من آفاقِ أنفسِهم؛ فلذلك لا يحبُّونها، وكُسِفَتْ شمسُهُ عند اجتماعِ ظُلَمِ آرائهم وعُقَدِها فليسوا يُبصِرونها!"(7)

    (3) فضل الدُّعاء بأسماء الله الحسنى :

    فالدعاء يشتمل على تعظيم الله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله والشهادة له بالأسماء الحسنى والصفات العُلى: كما روى البخاري في الدعوات (باب الدعاء إذا انتبه من الليل) عن أبي عباس قال: بت عند ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته, فغسل وجهه ويديه ثم نام, ثم قام فأتى القربة فأطلق شناقها؛ ثم توضأ وضوءًا بين وضوء لم يكثر وقد أبلغ ... وكان يقول في دعائه: (اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد أنت قيّوم السموات والأرض ومن فيهن, ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق وقولك حق ولقاؤك حق, والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق. اللهم لك أسلمتُ وعليك توكلتُ وبك آمنت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت, وما أسررتُ وما أعلنت, أنت المقدم والمؤخر لا إله ألا أنت أو لا إله غيرك) وفي رواية أخرى لابن عباس في الباب نفسه إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (اللهم اجعل في قلبي نورا, وفي بصري نورا, وفي سمعي نورا, وعن يميني نورا, وعن يساري نورا, وفوقي نورا, وتحتي نورا, وأمامي نورا, وخلفي نورا, واجعل لي نورا).(8)

    ولو تأملنا في الحديث الذي علَّم فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم التكبير والتسبيح والتحميد لفاطمة وعليٍّ رضي الله عنهما؛ لأدركنا عظمة التكبير والتسبيح والتحميد عند النوم؛ فإنّ فيه ذكراً لله الخالق الكبير المتعال, وإنّ فيه تعظيماً لربِّ السموات والأرض وما فيهنّ, وإنّ فيه حمداً وشكراً لله عز وجل على نعمه الكثيرة ورحمته الغزيرة التي وسعت كل شيء. فقد روى البخاري في (باب التكبير والتسبيح عند المنام) عن عليٍّ (أنّ فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى في يدها من الرَّحى؛ فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً, فلم تجده, فذكرت ذلك لعائشة, فلما جاء أخبرته, قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا, فذهبتُ أقوم, فقال: مكانكِ, فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري, فقال: ألا أدلّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادمٍ؟ إذا أويتما إلى فراشِكما أو أخذْتُما مضجعَكما فكبِّرا أربعاً وثلاثين, وسبِّحا ثلاثاً وثلاثين, واحمدا ثلاثاً وثلاثين؛ فهذا خيرٌ لكما من خادم).(9)

    فتأمَّلْ ـ يا رعاك الله ـ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم (ألا أدلّكما على ما هو خيرٌ لكما من خادم؟) قال القرطبي: "إنما أحالهما على الذِّكْرِ؛ ليكون عِوَضًا عن الدُّعاءِ عند الحاجة, أو لكونِهِ أحبَّ لابنتِهِ ما أحبّ لنفسه من إيثار الفقر وتحمّل شدّته على الصبر عليه تعظيماً لأجرها".(10) وقال ابن حجر: "فيه ما كان عليه السلفُ الصالحُ من شظفِ العيشِ وقلةِ الشيء وشدّة الحال, وأنّ الله حماهم من الدنيا مع إمكان ذلك؛ صِيانةً لهم من تبعاتِها، وتلك سُنةُ أكثرِ الأنبياء والأولياء".(11)

    المبحث الثاني: المعالم العقدية في الأذكار النبوية:

    ولو تدبّرنا القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لألفينا طائفةً من المعالم العقديّة وجملةً من الأسس التربويّة تتضمّنها الأذكار النبويّة. منها:

    أ ولا: توحيد الله تعالى :

    فقد "اتفقت الفطر السليمة والعقول القويمة والشرائع المنزلة على وحدة صرف جميع أنواع العبادة لله تعالى، ومنها: التوجه إلى الله تعالى بالقلب واللسان واللجوء إليه، والعبد في حالٍ بين الخوف والرجاء، في حال الشدة والرخاء، والرغب والرهب، والخوف والطمع: بالدعاء والمسألة والطلب والاستغاثة والاستعانة والاستعاذة والاستجارة والاستسقاء والاستنجاد والاستغفار وطلب النصرة، وتحقيق المرغوب ودفع المرهوب، وغفران الذنوب وهداية القلوب، وسدِّ الفاقات وسؤال قضاء الحاجات، ونيل المسرّات وتفريج الكربات وكشف الملمّات وإغاثة اللهفات، وإزالة الغُمة وشفاء المريض، وأمن الطريق، والتثبيت عند سؤال مُِنكرٍ ونكير، والأمن يوم الوعيد والنجاة من العذاب الشديد... إلى غير ذلك من أنواع الدعاء والمسألة؛ مما لا يقدر على إجابتِهِ إلا الله تعالى؛ جلباً لنفعٍ أو دفعاً لضرٍّ، وأن هذا من خالصِ حقِّ الله سبحانه وتعالى على العبد، وتوحيد من العبد لربِّهِ في الدعاء كسائر أنواع العبادة".(12)

    فالدعاءُ يشتمل على توحيدِ الله عزّ وجلّ وتعظيمه والثناء عليه بما هو أهله، والإيمان بأسمائه الحسنى والشهادة له بالصفات العُلى، كما روى البخاري في (الدعوات) (باب الدعاء إذا انتبه من الليل) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: (بتُّ عند ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ...وكان يقول في دعائه: (اللهمّ لك الحمدُ أنتَ نورُ السموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمدُ أنت قيّومُ السموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت الحقُّ ووعدُك حقٌّ، وقولُك حقٌّ ولقاؤك حقٌّ، والجنّة حقٌّ والنارُ حقٌّ، والنبيّون حقٌّ ومحمّد حقٌّ. اللهمّ لك أسلمتُ، وعليك توكّلتُ، وبك آمنتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، ولك حاكمتُ؛ فاغفرْ لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك).(13)

    ثانياً: عبادة الله عزَّ وجلَّ على عِلْمٍ:

    إذ إنّ الدعاء من أعظم العبادات، وأجلّ القربات، كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وقال ربُّكم ادْعُوني أستجبْ لكم)(14) قال: (الدُّعاء هو العبادة)، وقرأ: (وقال ربُّكم ادعوني أستجبْ لكم) إلى قوله (داخرين).(15)

    وإنما كان الإقبالُ على العبادة من ثمراتِ الذِّكرِ الذي يتقرَّبُ به العبدُ؛ لأنَّ "مشاهدةَ المنّة توجب له المحبة والحمد والشكر لوليِّ النعم والإحسان، ومطالعة عيبِ النفسِ والعمل توجِب له الذلَّ والانكسارَ والافتقارَ والتوبةَ في كل وقتٍ؛ وأن لا يرى نفسَه إلا مُفلِساً، وأقربُ بابٍ دخلَ منه العبدُ على الله تعالى هو الإفلاس؛ فلا يرى لنفسِهِ حالاً ولا مقاماً ولا سبباً يتعلّق به ولا وسيلةً منه يمنّ بها! بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصِّرف والإفلاس المحض دخولَ من قد كَسَر الفقرُ والمسكنةُ قلبَه؛ حتى وصلتْ تلك الكسرةُ إلى سُوَيْدائه؛ فانصدعَ وشَمَلَتْهُ الكسرةُ من كلِّ كلِّ جهاتِهِ، وشهد ضرورتَه إلى ربِّهِ عز وجل، وكمالَ فاقتِهِ وفقرِهِ إليه، وأنَّ في كلِّ ذَرَّةٍ من ذرّاتِهِ الظاهرة والباطنة فاقةً تامّةً، وضرورةً كاملةً إلى ربِّهِ تبارك وتعالى، وأنه إن تخلَّى عنه طرفةَ عينٍ هلك وخسر خسارةً لا تُجبَرُ؛ إلا أن يعود الله تعالى عليه ويتداركه برحمتِهِ؛ ولا طريقَ إلى الله تعالى أقربَ من العبوديّة، ولا حجابَ أغلظَ من الدعوى!".(16)

    ولله ما أحسنَ ما استنبطَهُ العلماءُ من أفضليّة الصلاة على سائرِ العبادات؛ لما تتضمّنه من تربية رُوح العبوديّة في النفس ما لا يوجّد في غيرها، كما قال ابنُ القيم: "لما كانت الصلاةُ مشتملةً على القراءةِ والذِّكر والدعاء، وهي جامعةٌ لأجزاء العبوديّة على أتم الوجوه؛ كانت أفضلَ من القراءةِ والذِّكر والدعاءِ بمفردِهِ؛ لجمعِها ذلك كلَّه مع عبوديّة سائر الأعضاء؛ فهذا أصلٌ نافعٌ جدّاً يفتح للعبد بابَ معرفةِ مراتبِ الأعمال وتنزيلِها منازلَها".(17)

    ثالثاً: الشهادة لله تعالى بالرُّبُوبِيّة:

    (1) ذلك أنّ دعاء العباد ربَّهم تبارك وتعالى، وتوجُّهَهم إليه خاشعين خاضعين متضرِّعين؛ شهادةٌ له جلّ جلالُه بأنه أحدٌ فردٌ صمدٌ ؛ وأنّه عزّ وجلّ هو الخالق الباريء المصوّر، الذي بيده الخير، وإليه يُرَدُّ الأمر، وعنده النفع والضرّ ، وهو على كل شيء قدير. ورحم الله العلامة ابنَ القيّم، حيث قرّر هذا المعنى واستنبطه في تفسير (اهدنا الصراط المستقيم) حيث قال: "لما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجلّ المطالب, ونيلُه أشرف المواهب؛ علّم الله عبادَه كيفيةَ سؤالِه, وأمرهم أن يقدّموا بين يديه حمدَه والثناء عليه وتمجيدَه, ثم ذكر عُبُودِيَّهم وتوحيدَهم؛ فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم: توسُّلٌ إليه بأسمائه وصفاته, وتوسُّلٌ إليه بعبوديته. وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردُّ معهما دعاء, ويؤيِّدهما الوسيلتان المذكورتان في الاسم الأعظم ... وهذه ترجمةُ عقيدةِ أهل السنة، والتوسل بالإيمان بذلك والشهادة: هو الاسم الأعظم"!(18)

    (2) وقد بيّن القرآنُ الكريم الأسسَ العقديّة التي ينبغي للمسلم أن يستحضرها في دعائه؛ مقرِّراً أنَّ اللهَ عز وجل هو الذي يُقصَد في الحوائج دون سواه. فأيدي العباد لا تُرفَع إلا إليه، ودموعهم لا تجري إلا بين يديه، وحاجاتُهم لا تُطلَب إلا منه، وهمومُهم لا تُشْكَى إلا إليه (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله).(19)

    وهذا المعنى ظاهرٌ في قولِ الله تعالى: (قُلِ اللّهمَّ مالكَ الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممّن تشاء وتُعزّ من تشاء وتُذلّ من تشاء بيدك الخيرُ إنّك على كلّ شيءٍ قدير).(20)

    (3) ومن أجل ذلك يجيء ذمُّ الذين يقصدون المخلوقين ولا يستعينون بربّ العالمين، كما قال الله عزّ وجل: (يدعو من دون الله ما لا يضرّه وما لا ينفعه ذلك هو الضلالُ البعيد يدعو لمن ضرُّه أقربُ من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير)،(21) ذلك أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى هو الذي يُجِيبُ العبادَ ويُعْطِيهم مِن خزائنه الواسعة كما قال جلّ جلاله: (وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريبٌ أُجِيبُ دعوةَ الداعِ إذا دعان فلْيسْتجِيبُوا لي ولْيؤمِنُوا بي لعلّهم يرشدون).(22)

    (4) فالله تبارك وتعالى هو القويُّ والبشر ضعفاء، وهو الكريمُ والخَلْقُ بُخَلاءُ، وهو الحيُّ القادرُ والناسُ أهلُ عجزٍ وفناء، كما قال سبحانه: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيُّ الحميد)،(23) وقال عزّ وجلّ: (ومَن أضلّ ممّن يدعو مِن دون الله مَن لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حُشر الناسُ كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين).(24) وقال تبارك وتعالى: (له دعوةُ الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيءٍ إلا كباسط كفَّيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).(25) وقال سبحانه: (قل ادعوا الذين زعمتم مِن دون الله لا يملكون مثقالَ ذرّةٍ في السموات ولا في الأرض وما لهم فيهما مِن شرك وما له منهم مِن ظهير).(26)وقال جلّ جلاله: (يا أيها الناس ضُرِب مثلٌ فاستمِعوا له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذبابُ شيئاً لا يستنقذوه منه ضَعُفَ الطالبُ والمطلوبُ ما قدروا اللهَ حقَّ قدرِه إنّ الله لقويٌّ عزيز).(27)

    رابعاً: العبوديّة لله عزّ وجلّ:

    فالأذكار بريدُ الأبرارِ، وصلةُ المذنبين بربّهم الغفار: الذي خلقهم ورزقهم وهداهم واجتباهم للإيمان، وغفرَ لهم الزلات، وأقال لهم العثرات؛ فالعبدُ الصالحُ يتضرّع إلى ربِّه:

    أنتَ الذي صوّرتَني وخلقتَني وهديتَـني لشـرائع الإيمانِ!

    أنتَ الذي علّمتَني ورحمتَني وجعلتَ صدري واعيَ القرآنِ!

    أنتَ الذي أطعمتني وسقيتني من غير كسب يدٍ ولا دكّانِ!

    فلك المحامدُ والمدائـحُ كلُّها بخواطري وجوارحي ولساني!

    وقد عبّر الطيّبي عن هذا المعنى أحسنَ تعبيرٍ، فقال رحمه اللهُ في قول الله تعالى: (ادْعوني استجب لكم): "الدعاءُ هو إظهارُ غايةِ التذلُّلِ والافتقارِ إلى الله والاستكانةِ إليه؛ وما شُرِعتْ العباداتُ إلا للخضوعِ للباري وإظهارِ الافتقارِ إليه؛ ولهذا خَتَمَ الآيةَ بقوله تعالى: (إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي) حيث عبّر عن عدمَِ الخضوعِ والتذلُّلِ بالاستكبارِ, ووَضَعَ (عِبادتي) موضع (دُعائي), وجعل جزاءَ ذلك الاستكبارَ والصَّغارَ والهَوان".(28)

    خامساً: التوبة والإنابة إلى الله تعالى:

    (1) ولو تدبّرْنا الأذكارَ الصحيحةَ الواردة في الاستغفار؛ لوجدناها طافحةً بمعاني التوبة إلى الله تعالى، وإظهار الافتقار إليه، وتلك ـ لعمري ـ صفةُ المتقين أنهم (يذكُرُون الله)؛ فيكون ذِكْرُهم داعِياً إلى التوبةِ وباعِثاً على الاستغفارِ، كما قال الله عزّ وجلّ: (الذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللهَ فاستغفروا لذنوبهم ومَنْ يغفر الذنوبَ إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون).(29)

    (2) وللاستغفار معانٍ عقديّةٌ جليلةٌ: مثل إنابة العبدِ إلى ربِّهِ، واعترافه بذنبه وإقراره بـ(أن له ربّاً يغفر الذنوب)، وتربية الخشوع والخضوع في نفس المسلم، وتلذُّذِه بالتذلُّل بين يدي ربِّه كما قال نبي الله صالح عليه السلام: (فاستغفروه ثم توبوا إليه إنّ ربّي قريبٌ مُجيب)،(30)

    وشهادته برحمةِ ربِّهِ وتوبته على عباده؛ واستحضاره قربَه وإجابتَه من دعاه،ورحمتَه ومحبّتَه عبادَه، كما قالَ نبيُّ الله شعيبٌ عليه السلام: (واستغفروا ربَّكم ثم توبوا إليه إنّ ربّي رحيمٌ ودود).(31) "ففي القلب شَعَثٌ لا يلُمّه إلا الإقبالُ على الله، وفيه وِحشةٌ لا يزيلها إلا الأنسُ به في خلوته، وفيه حزنٌ لا يُذهبه إلا السرورُ بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلقٌ لا يسكّنه إلا الاجتماعُ عليه والفرارُ منه إليه، وفيه نيرانُ حسراتٍ لا يطفئها إلا الرضى بأمره ونهيه وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه، وفيه طلبٌ شديدٌ لا يقف دون أن يكون هو وحدَه مطلوبَه، وفيه فاقةٌ لا يسدّها إلا محبّته والإنابة إليه ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له؛ ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تُسدَّ تلك الفاقةُ منه أبدا"!(32)

    (3) ولعلّ المتأمّل في حديث سيّد الاستغفار يُدرك هذه الصلة الوثيقة بين ما بين الأدعية والأذكار وبين الأصول العقديّة والمعاني الإيمانيّة؛ وهذا سرُّ الوعد بالجنّة لكلماتٍ يقولها العبد يسيرةٍ في حروفِها ومبانيها كبيرةٍ في رُوحها ومعانيها، فقد روى البخاري في (الدعوات) باب (أفضل الاستغفار) حديث شدّاد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سيّد الاستغفار أن تقول: اللهمّ أنت ربّي لا إله إلا أنت، خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ؛ أعوذ بك من شرّ ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتِك عليَّ، وأبوء بذنبي؛ فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت. قال: ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسي؛ فهو من أهل الجنّة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها فمات قبل أن يُصبح؛ فهو من أهل الجنّة).(33)

    (4) وأما حديث أبي هريرة الذي ختم البخاريُّ به صحيحَه الجامع، وهو آخرُ حديثٍ في كتاب (التوحيد)، فهو ناطقٌ بهذا المعنى حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللّسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اللهِ وبحمده، سبحان الله العظيم). وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنّ من فوائد الحديث "الحثّ على إدامة هذا الذكر، وقد تقدّم في فضل التسبيح من وجهٍ آخر عن أبي هريرة حديثٌ آخر لفظه: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرّةٍ؛ حُطَّتْ عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، وإذا ثبت هذا في قول (سبحان الله وبحمده) وحدها؛ فإذا انضمّت إليها الكلمة الأخرى فالذي يظهر أنها تفيد تحصيل الثواب الجزيل المناسب لها، كما أنّ من قال الكلمة الأولى وليست له خطايا مثلاً فإنه يحصل له من الثواب ما يوازن ذلك".(34)

    (5) ورحم الله الإمامَ البخاريَّ؛ فقد ترجم في (الدعوات) ترجمةً نفيسةً وافيةً بهذا الغرض: ((باب أفضل الاستغفار، وقوله تعالى: (واستغفروا ربَّكم إنه كان غفّارا يُرسِل السماء عليكم مِدْراراً ويُمددْكم بأموالٍ وبنينَ ويجعلْ لكم جنّاتٍ ويجعلْ لكم أنهارا)، (والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسَهم ذكروا اللهَ فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون)).

    قال ابن القيِّم: "إذا أراد الله بعبده خيراً فتح له من أبوابِ التوبة والندمِ والانكسارِ والذُّلِّ والافتقار والاستعانة وبه وصدقِ اللجوء إليه، ودوامِ التضرع والدعاء والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات؛ ما تكون تلك السيئة به سبب رحمتِهِ؛ حتى يقول عدوُّ الله: ليتني تركتُهُ ولم أُوقِعْهُ! وهذا معنى قولِ بعضِ السلفِ: إنَّ العبدَ ليعمل الذنبَ يدخل به الجنّة! ويعمل الحسنة يدخل بها النار! قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب؛ فلا يزال نصبَ عينيهِ خائفاً منه مُشفِقاً وَجِلاً باكياً نادماً مُستَحِياً من ربِّهِ تعالى ناكسَ الرأسِ بين يديه منكسِرَ القلب له؛ فيكون ذلك الذنبُ أنفعَ له من طاعاتٍ كثيرةٍ بما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادةُ العبد وفلاحُهُ؛ حتى يكون ذلك الذنبُ سببَ دخولِهِ الجنة! ويفعل الحسنةَ؛ فلا يزالُ يمُنُّ بها على ربِّهِ ويتكبَّرُ بها، ويرى نفسَهُ ويُعجَبُ بها ويستطيل بها، ويقول: فعلتُ وفعلتُ؛ فيُورِثُهُ من العُجْبِ والكِبْرِ والفخر والاستطالة؛ ما يكون سببَ هلاكِهِ؛ فإذا أراد اللهُ تعالى بهذا المسكين خيراً ابتلاه بأمرٍ يكسرُهُ بهِ ويُذِلُّ به عُنُقَهُ ويُصغِّرُ به نفسَه عنده! وإذا أراد به غيرَ ذلك؛ خلاه وعُجبَهُ وكِبْرَهُ؛ وهذا هو الخذلانُ المُوجِبُ لهلاكِهِ!"(35)

    سادساً: إظهار الرّجاء وحسن الظنّ بالله:

    (1) وهذه المعاني ظاهرةٌ في أذكار الاستغفار، كما روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله تعالى: يا ابنَ آدم إنك ما دعوتني ورجوتني؛ غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابنَ آدم لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابنَ آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرةً).

    (2) وقد أحسن التعبير عن هذا المعنى يحيى بن معاذ حين قال: "يكاد لك رجائي مع الذنوب يغلب رجائي لك مع الأعمال؛ لأنّي أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص وكيف أصفّيها وأحزرها وأنا بالآفات معروف؟! وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف".(36)

    (3) ولله درُّ صاحب الظلال حيث قال في تفسير:(إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)(يوسف 86): "في هذه الكلمات يتجلّى الشعور بالألوهيّة في هذا القلب الموصول؛ كما تتجلّى هذه الحقيقة ذاتها بجلالها الغامر ولألائها الباهر... وهذه قيمة الإيمان بالله ومعرفته سبحانه هذا اللون من المعرفة: معرفة التجلّي والشهود، وملابسة قدرته وقَدَره، وملامسة رحمته ورعايته، وإدراك شأن الألوهيّة مع العبيد الصالحين؛ إنّ هذه الكلمات (وأعلم من الله ما لا تعلمون) تجلو هذه الحقيقة بما لا تملك كلماتنا نحن أن تجلوها وتعرض مذاقاً يعرفه من ذاق مثله؛ فيدرك ماذا تعني هذه الكلمات في نفس العبد الصالح يعقوب"!(37)

    سابعاً: خشية الله تعالى:

    فدعاء الله تعالى أعظمُ تعبيرٍ عن الخوف من الله عزّ وجلّ؛ ولا ريب أنه يوضّح ذلك ضمّ الأحاديث الواردة في الاستغفار مثل حديث أبي هريرة: (سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إنّي لأستغفر اللهَ وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّةً)(38) إلى أحاديث الورع والخوف والخشية مثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبلٍ يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبَه كذبابٍ مرّ على أنفه فقال به هكذا).(39) قال ابن أبي جمرة: "السبب في ذلك أنّ قلبَ المؤمن منوَّرٌ؛ فإذا رأى من نفسه ما يخالِف ما يُنوَّر به قلبُه عظم الأمرُ عليه؛ والحكمة في التمثيل بالجبل أنّ غيره من المهلكات قد يحصل التسبُّّّّّب إلى النجاة منه عادةً، بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادةً. وحاصله أنّ المؤمن يغلب عليه الخوف؛ لقوّة ما عنده من الإيمان؛ فلا يأمن العقوبة بسببها. وهذا شأنُ المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيّء".(40)

    فالمسلمون الذين امتلأت حياتهم بالمعاصي أحوج ما يكونون إلى الاستغفار في اليوم مرات ومرات, وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والله إني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).(41) وقد صدق النووي حيث قال: "نحن إلى الاستغفار والتوبة أحوج".(42)

    ثامناً: الإيمان بالغيب:

    وهذا ظاهرٌ في حديث الملائكة السيّاحين في الأرض، (يقولون: تركناهم يحمدونك ويمجّدونك ويذكرونك، قال: فيقول: فهل رأوني؟ فيقولون: لا. قال: فيقول: فكيف لو رأوني؟ قال:فيقولون: لو رَأوْك لكانوا أشدَّ تحميدًا وأشدَّ تمجيدًا وأشدَّ لك ذِكْرَا قال: فيقولُ: وأيُّ شيءٍ يطلبون؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنَّة، قال: فيقول: وهل رَأوْها؟ قال: فيقولون: لا، فيقولُ: فكيف لو رَأوْها؟ قال: فيقولون: لو رَأوْها لكانوا أشدَّ لها طلبا، وأشدَّ عليها حِرْصا. قال: فيقولُ: من أيِّ شيءٍ يتعوذون؟ قالوا: يتعوَّذون من النَّار. قال: فيقول: وهل رَأوْها؟ فيقولون: لا. فيقولُ: فكيف لو رَأوْها؟ فيقولون: لو رَأوْها لكانوا منها أشدَّ هَرَبا، وأشدَّ منها تعوُّذا. قال: فيقولُ: أشهدُكُم أنيِّ قد غَفرتُ لهم).

    ولله در ابن جمرة حيث قال شارحاً حديث البخاري عن ابن مسعود (إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه, وإنّ الفاجر يرى ذنويه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا):"السبب في ذلك أنّ قلب المؤمن منوّر؛ فإذا رأى من نفسه ما يخالف ما ينوّر به قلبُه عظم الأمر عليه؛ والحكمة في التمثيل بالجبل أنّ غيره من المهلكات قد يحصل التسُّبب إلى النجاة منه, بخلاف الجبل إذا سقط على الشخص لا ينجو منه عادة, وحاصله أنّ المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ماعنده من الإيمان؛ فلايأن العقوبة بسببها, وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيء".(43)

    وقال المحب الطبري: "إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته؛ لأنه على يقين من الذنب, وليس على يقينٍ من المغفرة, والفاجر قليل المعرفة بالله؛ فلذلك قَل خوفه واستهان بالمعصية"(44)

    والدعاء علامة على اليقين في رحمة الله وحسن الظن به عز وجل ورجاء ما عنده كما روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله يقول: أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني).(45) ولعل مما يزيد هذا الأمر وضوحاً ما رواه مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. فقالت يانبي الله أكراهية الموت فكلُّنا نكره الموت؟ فقال: ليس كذلك, ولكن المؤمن إذا بُشِّر يرحمة الله ورضوانه وجنته أحبّ لقاء الله فأحبالله لقاءه,وإنّ الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسخطه كره لفاء الله وكره الله لقاءه).(46)

    وما أحسن ما استنبطه الحافظ ابن حجر من حديث انس وابن مسعود (لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلا وبه مهلكه, ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه, فوضع رأسه فنام نومةً فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى اشتد عليه الحرّ والعطش أو ما شاء الله. فقال: أرجع إلى مكاني فرجع فنام نومةً ثم رفع رأسه فإذا راحلتُه عنده): "فيه بركة الاستسلام لأمر الله؛ لأنّ المذكور لما أيس من وجدان راحلته استسلم للموت؛ فمنّ الله عليه بردِّ ضالته".(47)

    ولو تدبرنا دعاء النوم لألفينا فيه معاني الإخبات لله تعالى والاستسلام ظاهرةً جلية, كما روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن, ثم قل: (الله إني أسلمت وجهي إليك, وفوضت أمري إليك, وألجأت ظهري إليك, رغبةً ورهبةً إليك, لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيّك الذي أرسلت, واجعلهم من آخر كلامك فإن متّ من ليلتك متّ وأنت على الفطرة. قال النووي رحمه الله: "(اللهم إني أسلمت وجهي إليك): أي استسلمتُ وجعلتُ نفسي منقادةً لك منقادة لحكمك... ومعنى (ألجأت ظهري إليك) أي توكّلتُ عليك. واعتمدتك في أمري كله كما يعتمد الإنسان بظهره على ما يسنده, وقوله (رغبة ورهبة) أي: طمعاً في ثوابك وخوفاً من عذابك".(48)

    وقال ابن حجر: "قال الطيبي: من نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان, فأشار بقوله (أسلمت نفسي) إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه, (وجهت وجهي) إلى أنّ ذاته مخلصة له بريئة من النفاق, وبقوله: (فوضت أمري) إلى إنّ الأمور الخارجة والداخلة مفوّضة إليه لا مدبّر لها غيره, وبقوله: (ألجأت ظهري) إلى أنه بعد التفويض يلتجيؤ إليه مما يغره ويؤذيه في الأسباب كلها".(49)

    وقد شرح ابن حجر هذا الحديث بقوله: "(أسلمت) أي استسلمت وانقدت, والمعنى جعلتُ نفسي مُنقادةً لك تابعة لحكمك؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها, ولا دفع ما يضرها عنها, وقوله (وفوضت أمري إليك) أني توكلت عليك في أمري كله, وقوله (ألجأت) أني اعتمدت في أموري عليك لتُعينني على ما ينفعني؛ لأنّ من استند إلى شيء تقوى به واستعان به".(50)

    (9) الإيمان والتصديق بعالم الغيب والإيمان بالرسل والكتب والموت والجنة والنار

    وهذه المعاني ظاهرة في ما رواه البخاري في الدعوات (باب إذا بات طاهراً) و(باب ما يقول إذا نام) عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أردت مضجعك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك, وفوّضت أمري إليك, ووجهت وجهي إليك, وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك, لا ملجأ منك إلى إليك. آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت؛ فإن متَّ متَّ على الفطرة).(51)

    وقد استنبط ابن حجر من فوائد الحديث: "أن يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت؛ فيكون على هيئة كاملة, ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب؛ لأنه أولى من طهارة البدن".(52)

    ويوضح ذلك كذلك حديث حذيفة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا, وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).(53)

    (10) التوكل والانكسار والتذلل والافتقار:

    وهذا من أعظم أحوال العبد, كما قال ابن القيم في (المدارج) في الأسباب الجالِبة للمحبة: "السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى, وليس في التعبير عن هذا المعنى غير الأسماء والعبارات"؛(54) ولذلك عُرفت المحبة بأنها "أن يكون كلك بالمحبوب مشغولاً, وذُلُّك له مبذولاً".(55)

    ولا يصح التوكل إلا على الله, ولا الالتجاء إلا إليه, ولا الخوف إلا منه, ولا الرجاء إلا له, ولا الطمع إلا في رحمته, كما قال أعرف الخلق به صلى الله عليه وسلم: (أعوذ برضاك من سخطك, وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك, وأعوذ بك منك) وقال: (لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك).(56)

    إنّ التفكّر في صفات الله تعالى الواردة في أسمائه الحسنى يكسو الأذكار جلالةً ومهابةًَ ومعرفةً. وقد روى البخاري في كتاب التوحيد باب (ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن؛ وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبره أنّ الله يحبه) قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته لهذه السورة؛ ويحتمل أن يكون لما دلّ عليه كلامه؛ لأنّ محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده".(57)

    وقد ترجم البخاري في كتاب (التوحيد) ترجمة نفيسة تبين علاقة الدعاء بالتوحيد (باب سؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم فراشه فلْينفْضه بصِنفة (طرف) ثوبه ثلاث مرات, ولْيقلْ: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه, إن أمسكت نفسي فاغفر لها, وإن أرسلتها فاحفظْها بما تحفظ به عبادك الصالحين). وحديث حذيفة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: اللهم باسمك أحيا وأموت, وإذا أصبح قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).(58)

    ورحم الله ابن القيِّم حيث قال: "إنَّ العارفين كلَّهم مُجمِعون على أنَّ التوفيقَ: أن لا يَكِلَكَ الله تعالى إلى نفسِك، والخذلان: أن يَكِلَك الله تعالى إلى نفسِك؛ فمن أراد اللهُ به خيراً فتح له بابَ الذُلِّ والانكسار ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه، ورؤية عيوبِ نفسِهِ وجهلِها وعُدوانِها، ومشاهدة فضلِ ربِّهِ وإحسانِهِ ورحمتِهِ وجُودِهِ وبرِّهِ وغِناه وحمدِهِ".(59)

    ----------

    (1)يوسف 86.

    (2)الوابل الصيِّب من الكَلِم الطيِّب لابن القيِّم ص 12. دار الكتب العصريّة بيروت. ط1. 1424 هـ.

    (3)سورة الفرقان 77.

    (4)افتتح به الإمام مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (شرح النووي على مسلم 17/2-3).

    (5)شرح النووي على مسلم 17/4.

    (6)شرح ابن علان للأذكار 1/17. نقلاً عن تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد ص 6.

    (7)مدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1/5.

    (8)فتح الباري 11/116.

    (9)المرجع السابق 11/119.

    (10)المرجع السابق 11 /14.

    (11)12/124.

    (12)تصحيح الدعاء للعلامة بكر أبو زيد ص 237. دار العاصمة الرياض. ط1. 1419 هـ.

    (13)فتح الباري 11/116.

    (14)غافر 60.

    (15)جامع الترمذي 5/80 تحقيق د.بشار عوّاد. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط2. 1418 هـ.

    (16)الوابل الصيِّب ص 14-15.

    (17)الوابل الصيِّب ص 110.

    (18)مدارج السالكين دار الفكر ط 1408هـ. وقد أعرضتُ عن ذكر الحديث الثاني ـ وهو في الترمذي ـ لضعفه.

    (19)يوسف 86.

    (20)آل عمران 26.

    (21)الحج 12-13.

    (22)البقرة 186.

    (23)فاطر 15.

    (24)الأحقاف 5-6.

    (25)الرعد 14.

    (26)سبأ 22.

    (27)الحج 73-74.

    (28)نقله الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/95 مؤسسة مناهل العرفان.

    (29)آل عمران 135.

    (30)هود 61.

    (31)هود 90.

    (32)مدارج السالكين لابن القيّم 3/164.

    (33)فتح الباري 11/97-98.

    (34)فتح الباري 13/548.

    (35)الوابل الصيِّب لابن القيم ص 13.

    (36)مدارج السالكين لابن القيّم 2/36-37. دار الفكر 1412هـ.

    (37)في ظلال القرآن لسيّد قطب 13/2016.

    (38)فتح الباري 11/101.

    (39)المرجع السابق 11/105.

    (40)المرجع السابق.

    (41)فتح الباري 11/101

    (42)شرح النووي 17/25

    (43)نقله ابن حجر في فتح الباري 11/105.

    (44)المرجع السابق.

    (45)شرح النووي 17/11

    (46)شرح النووي 17/9.

    (47)الفتح 11/108.

    (48)شرح النووي 17/33.

    (49)فتح الباري 11/111.

    (50)الفتح 11/110 - 111

    (51)الفتح 11/113

    (52)الفتح 11/110.

    (53)المرجع السابق 11/113

    (54)مدارج السالكين 3/17.

    (55)المدارج 3/16.

    (56)مدارج السالكين 33/500.

    (57)فتح الباري 13/357.

    (58)فتح الباري 13/378.

    (59)الوابل الصيِّب لابن القيم ص 14.



    * باحث إسلامي

    المصدر: شبكة المشكاة الإسلامية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    معالم عقدية في الأذكار النبوية - د. محمد عمر دولة
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات عامة ومنوعة :: حياتنا .. دين ودنيا-
    انتقل الى: