المسئولية الطبية بين الشرع والقانون



تقول المستفتية:
أصاب والدي مرض فأدخلناه المستشفى العام، ففحصه طبيب وأمر بإجراء عملية الدودة الزائدة.
وبعدها بأيام اتضح بأن مرضه لم يلمس من قريب ولا من بعيد، فأرجع المستشفى وفحصه طبيب أخر وتبين بأن المشكل يكمن في التواء الأمعاء، واعتذر الطبيب عن إجراء العملية له لكون المسألة تأخرت جدا والأمعاء أصبحوا في حالة سيئة للغاية، نقل على إثرها لإحدى المصحات فاعتذرت بدورها. ومات والد الفتاة بسبب الخطا الطبي.
فهل الخطأ الطبي بمثابة المجتهد أم لا بد له من تحمل تبعات عمله؟


أقول وبالله التوفيق:

1- أقوال الفقهاء في المسألة:
قال القرافي : " يد المستأجر يد أمانة على المعروف من المذهب لأجل الإذن في المباشرة, كالوكيل والمودع. وقاله الأئمة. وقيل ضامن كالقابض في البيع الفاسد, أما يد الأجير على سلعة يؤثر فيها كالخياط ونحوه فيده يد ضمان عمل في بيته أو حانوته بأجر أو بغير أجر يلقب بصنعته أولا إن انتصب للصنعة وإلا فيده يد أمانة ".1
قال ابن رشد : " أما الذين اختلفوا في ضمانهم من غير تَعَدٍّ إلا من جهة المصلحة فهم الصناع,.. أما تضمين الصناع ما ادعوا هلاكه من المصنوعات المدفوعة إليهم, فإنهم اختلفوا في ذلك, فقال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف : يضمنون ما هلك عندهم, وقال أبو حنيفة : لا يضمن من عمل بغير أجر ولا الخاص, ويضمن المشترك, ومن عمل بأجر. وللشافعي قولان في المشترك والخاص عندهم هو الذي يعمل في منزل المستأجر, وقيل هو الذي لم ينتصب للناس, وهو مذهب مالك في الخاص, وهو عنده غير ضامن, وتحصيل مذهب مالك على هذا أن الصانع المشترك يضمن, و سواء عمل بأجر أو بغير أجر. وبتضمين الصناع قال علي وعمر ... وعمدة من لم ير الضمان عليهم أنه شبه الصانع بالمودع عنده والشريك والوكيل وأجير الغنم ومن ضمنه فلا دليل له إلا المصلحة وسد الذريعة.
وأما من فرق بين أن يعملوا بأجر أو بغير أجر فلأن العامل بغير أجر إنما قبض المعمول لمنفعة صاحبه فقط فأشبه المودع, وإذا قبضها بأجر المنفعة لكليهما, فغلبت منفعة القابض, أصله القرض والعارية عند الشافعي وكذلك أيضا من لم ينصب نفسه لم يكن في تضمينه سد ذريعة، والأجير عند مالك لا يضمن إلا أنه استحسن تضمين حامل القوت وما يجري مجراه وكذلك الطحان وما عدا غيرهم فلا يضمن إلا بالتَّعَدِّي"
.2

2 - توجيهات السنن الإلهية :
قال عز من قائل :
ٍ{
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
}[ فصلت : 46]
{
مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
}[ القصص : 84]

يتضح من خلال هذه العهود أنه من أفسد شيئا أو أضاعه فهو ضامن لا غرو؛ لكونه أساء عملا, والطبيب تعطى له المرضى من أجل السهرعلى تحسين صحتهم لا لإتلافها وضياعها، ويقييم التعويض بمقدار ما أضاع :
{
فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
}[ القصص : 84]

ولئن اختلف الفقهاء في تضمين الصانع فالسنن الإلهية توضح {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}[ فصلت : 46]

وعليه فالقول بتضمين الطبيب والصانع قول سديد ورأي رشيد وموفق, تؤيده السنن الإلهية على عكس من عارض أو شاكس.


إثبات المسؤولية الطبية

من جوريسبيديا, الموسوعة الحره
اذهب إلى: تصفح, بحث
الاردن >المسؤوليه الطبيه (jo)

وفقا للقواعد العامة للمسؤولية، فان عبء الاثبات يقع على المدعي وعلية اثبات عناصر المسؤولية واركانها، من خطأ، وضرر وعلاقة سببية، وبناء على ذلك فان المريض المضرور هو المكلف باثبات الضرر والخطأ والعلاقة السببية. اذا كان اثبات الضرر لا يثير كثيرا من الصعوبات، الا ان الامر يختلف فيما يتعلق باثبات خطأ الطبيب، ولكي نتمكن من بحث اثبات المسؤولية الطبية، لا بد لنا من بحث مسؤولية الطبيب واثبات رابطة السببية وسيكون ذلك في المطلبين الاتيين:

المطلب الاول اثبات خطأ الطبيب يجمع الفقة الحديث على ان عبء اثبات خطأ الطبيب لا يجب ان يتبع طبيعة المسؤولية او يدور معها، فيما اذا كانت المسؤولية عقدية او تقصيرية، وانما يتعلق بذات طبيعة الالتزام الذي اخل بة المدين (الطبيب)، ولا فرق هنا ان يكون مصدر الالتزام علاقة عقدية او فعل تقصيري . وعلية فان اثبات خطأ الطبيب يتوقف بحسب ما اذا كان التزام الطبيب بتحقيق او ببذل عناية: 1- عبء الاثبات في الالتزام بتحقيق نتيجة وهو الالتزام الذي يعد فية المدين دائنة بشيء معين سواء كان ذلك الشيء عملا، او امتناع عن عمل، او نقل حق . ان عدم تنفيذ الالتزام بتحقيق نتيجة، انما هو خطأ مفترض غير قابل لاثبات العكس، ويتحمل المدين عبء الاثبات في هذا الالتزام، وتفرض مسؤولية في هذه الحالة، الا اذا قام الدليل على انه قام بتنفيذ التزامة، او ان عدم تنفيذه لهذا الالتزام يرجع إلى سبب اجنبي حال بينة وبين تنفيذه. وعلية يكفي لاقامة المسؤولية على الطبيب -اذا كان ملزم بتحقيق نتيجة- اثبات ان النتيجة لم تتحقق، وكان يجب على الطبيب ان يقوم بها ونتج عن ذلك ضرر للمريض.

وقد اثير امام القضاء تساؤل حول اعتبار الطبيب متبوع ام يعتبر الطبيب حارس للشيء الذي احدث الضرر. وخلص إلى نتيجة مفادها ان الضرر اذا كان ناتج عن احد التابعين للطبيب، مما يعملون ضمن فريقة الطبي فانه يسأل مسؤولية المتبوع عن اعمال التابع، واذا نتج الضرر عن احدى الآلآت التي يستخدمها الطبيب فانه يعتبر حارس، وتقوم مسؤوليتة على هذا الاساس، ولتوفير الحماية للمريض لجاء القضاء في كل من فرنسا ومصر إلى الالتزام بضمان السلامة، اي سلامة المريض من الضرر الذي يمكن ان يحدث اثناء العلاج، وخاصة بالنسبة للعمليات الطبية التي لا يكون فيها احتمال للنجاح اوالفشل، ويكون فيها التزام الطبيب بتحقيق نتيجة.

وقد أخذ القضاء بضمان السلامة فيما يتعلق بالاضرار الناجمة للمريض بسبب التغذية او المشروبات او النظافة او ما يصاب بة من عدوى في المستشفى، ولا يستطيع الطبيب ان يدرأ عن نفسة المسؤولية الا باثبات السبب الاجنبي، اي اثبات ان الضرر الذي لحق بالمريض يرجع إلى قوة قاهرة او خطأ المريض او خطأ الغير، ويمكن للطبيب ايضا اثبات حالة الضرورة، التي تنفي عن فعلة وصف الاهمال.
ويلاحظ ان القضاء يتشدد في العمليات الجراحية وما ينتج عنها من اخطاء، خاصة اذا كانت هذه العمليات لا تدعو اليها ضرورة علاجية كعمليات التجميل، وقد ذهبت محكمة النقض المصرية "بان عملية التجميل وان كان التزام الطبيب هو بذل عناية الا انه يكفي من المريض اثبات واقعة ترجح اهمال الطبيب". ان الحكم السابق يقيم قرينة قضائية لمصلحة المضرور، على اساس ان الطبيب قد اخل بالتزامة ببذل عناية.
وكذلك بالنسبة للعمليات العادية فانها لا تتمثل بها صعوبة بالنسبة للطبيب الجراح، ولا تتضمن عنصر الاحتمال اذا كانت هذه العمليات عمليات بسيطة، كعمليات الختان والزائدة الدودية والتي اصبحت عمليات سهلة جدا ولا يعقل حدوث الفشل فيها.

2- عبء الاثبات في الالتزام ببذل عناية لا يكتفي من الدائن في هذه الحالة ان يدعي ان المدين لم يقم بتنفيذ التزامة على الوجة المعين في الاتفاق بل علية ان يثبت ان العناية التي قام بها المدين لم تتفق مع ما كان يجب علية بذلة ، بمعنى يجب علية ان يثبت ان هناك خطأ وقع من المدين وان هناك ضررا لحق بة من جراء ذلك، وان العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ثابتة، وعلية يجب على المريض ان يثبت ان الطبيب لم يقم ببذل العناية المطلوبة منه، المتمثلة في اهمال الطبيب،او انحرافة في الاصول المستقرة في المهنة، ويمكن اثبات ذلك من خلال مقارنة سلوك الطبيب المدعى علية بسلوك طبيب مماثل له من نفس المستوى المهني مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الخارجية المحيطة بالطبيب وقت العلاج.



خلاصة الأمر:

تضمين الصانع والطبيب أقرته الشريعة والطبيب الذي تسبب في وفاة والدك بالقيام له بعملية الدودة الزائدة عوض فحصه فحص خبير يتحرى معرفة الداء وتقديم الدواء، فهذا تقصير من تعميق البحث والتلاعب بالحياة البشرية، وما عليك:

1-عليك الاستعانة بخبير طبي من أجل إثبات التقصير الفحص الأولي والذي بموجبه أجرى الطبيب العملية للدودة الزائدة؛

2- بعد تأكيد القانون لتحمله مسئولية تقصير فحصه عليك بالالتجاء للمحاكم قصد توبيخ هذا المتلاعب بالحياة البشرية ليكون لغيره عبرة.

الهوامش:
1- الذخيرة للقرافي , ج . 5/ 502 ؛
2 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد , ج .2/ 175.