ترجمة / هل يستطيع الشعر أن يغيرنا... ويغير العالم؟ (1)
| بقلم مارغريت راندال ترجمة وتعليق حمد العيسى |
تقديم المترجم: أعتز كثيرا بترجمة هذا المقال المهم والمؤثر «بالنسبة لي طبعا»، والذي أعتبره من أهم ترجماتي إن لم يكن أهمها على الإطلاق منذ بدأت عملي في الترجمة عام 2002 طبعا إذا وفقني الله سبحانه وتعالى في نقل رسالة المقال التي حاولت الشاعرة راندال توصيلها للقراء عن رسالة الشعر في الحياة.
وأعترف وأعتذر سلفا لفشلي في ترجمة رسالة هذا المقال المهم، وذلك لسبب شخصي بسيط وهو لأنني عندما انتهيت من قراءة ترجمتي باللغة العربية «لم» أشعر بتلك النرفانا والنشوة والهزة العاطفية المؤثرة التي- بصراحة- جعلتني أبكي مرتين «أثناء» و«بعد» قراءة النص الأصلي لأول مرة باللغة الإنكليزية!
الشاعرة مارغريت راندال جادلت ونجحت بمهارة في توضيح أهمية رسالة الشعر للمثقفين خاصة وللناس عامة أي للجنس البشري وأثبتت بمهارة أن «الشعر هو كافيار الأدب» من دون جدال مع الاحترام لبقية الأنواع Genres الأدبية مثل النثر والرواية والقصة، والمسرح، والسيرة الذاتية، والنثر، والمقالة، الخ بحسب تصنيفات الأدب المختلف عليها كما هو معروف.
وهو مقال نخبوي دسم ومركز خاص للشعراء وقراء الشعر المحترفين، ويهم كذلك جميع المثقفين الجادين. وتحاول الكاتبة فيه الإجابة عن السؤال الذي كان ولا يزال يراودنا نحن محبي الشعر وهو: «هل لايزال الشعر مهما ومؤثرا؟» وتقصد راندال تحديدا: «العملية، والمنتج، والنوع الأدبي Genre؟ وإذا كان الجواب: نعم، فكيف؟».
ويقدم المقال إضاءات عديدة وعميقة عن أهمية ومستقبل الشعر كنوع أدبي Genre وكمنتج إبداعي وتأثيره على اللغة وعلى القراء وحتى على المستمعين الأميين. وتشرح راندال ببراعة تأثير العولمة على تطور اللغة والشعر من خلال ظهور وانتشار وسائل الاتصال الجديدة.
وتعترف الشاعرة الحداثية راندال في هذا المقال بشجاعة وصراحة ووضوح ومن دون مواربة بسر مهم وحقيقة لا يحب كبار المبدعين الحداثيين في العالم العربي خاصة والعالم عامة البوح، والاعتراف بها وهي أهمية وتأثير ما اسمته راندال بـ «التقاليد الشفوية» Oral Traditions على اللغة عامة والشعر خاصة وهو المصطلح الذي تفسره «الموسوعة العربية» على النت بأنه «الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي». وهو اعتراف مهم جدا ويعيد الاعتبار للشعراء الشعبيين أو النبطيين «أو الزجليين» ومحبي هذه الأنواع الأدبية. وقمنا كالعادة بعمل بحث موسع ثم كتابة تعريف مسهب عن الشاعرة راندال تقرأونه قبل المقال. وكالعادة الكلمات التوضيحية التي بين (قوسين) داخل النص هي للمترجم. وأعتذر بشدة لجميع القراء إذا لم تكن ترجمتي دقيقة ولا مؤثرة وحسبي أنني اجتهدت ويكفيني أجر واحد.
تعريف بالشاعرة مارغريت راندال: مواطنة أميركية من مواليد عام 1936 في نيويورك. عاشت وتنقلت لأسباب عائلية وسياسية لفترات مختلفة في إسبانيا، المكسيك، كوبا، نيكاراغوا، فيتنام الشمالية، وبيرو. أسست راندال مجلة أدبية طليعية راديكالية في الستينات بعنوان «إيل كورونو إمبلومادو». وهذا هو اسم المجلة بالإسبانية ويعني بالعربية «القرن المريش»، والمقصود هنا «قرن» آلة موسيقى الجاز التي طورها زنوج اميركا في بداية القرن العشرين وأصبحت تلك الموسيقى تعبر عن تطلعات الزنوج للحرية والعدالة والمساواة، أما «المريش» فيعود إلى قبائل المكسيك الأصلية القديمة، والاسم ككل يرمز لاستلهام تلك المجلة لأهمية تلك الحضارتين. انتمت راندال للحركة «التعبيرية التجريدية» Abstract expressionism التي انبثقت من نيويورك في خمسينات وستينات القرن العشرين وكان لها تأثير كبير في العالم. وتحمل راندال عدة ألقاب مهمة فهي: شاعرة، ومؤرخة، ومناضلة نسوية، وكاتبة، ومصورة فوتوغرافية، وناشطة اجتماعية أميركية بارزة.
قرأت راندال المقال التالي أثناء «مهرجان ستير» السنوي للشعر في مدينة ألبوكركي في ولاية نيو مكسيكو الاميركية في سبتمبر 2009. وكان ذلك المهرجان قد نظمته الشاعرة ليزا جيل من ألبوكركي وذلك تكريما واحتفاء لذكرى مقالة مهمة كتبها الشاعر الاميركي دانا جويا عام 1991 تحمل نفس عنوان مقال راندال.
وخلال الحقبة الريغانية المحافظة في الثمانينات، وبعد عودتها في عام 1984 من رحلة تمرد طويلة في نيكاراغوا، منعت راندال من دخول الولايات المتحدة لصدور قرار غريب من «إدارة الهجرة والجنسية» الاميركية قضى بمنعها من دخول وطنها الولايات المتحدة، وسحب جنسيتها الاميركية، وترحيلها إلى الخارج نظرا لأن بعض آرائها السياسية الراديكالية الواردة في كتبها اعتبرت مناهضة لمصلحة الولايات المتحدة وكان ذلك القرار الغريب يستند على ويستدعي قانونا متشددا للجنسية الاميركية صدر عام 1952 خلال الحقبة «المكارثية» المرعبة في الولايات المتحدة باسم قانون «ماكاران-والتر» للهجرة والجنسية.
وبحسب بحثنا في بعض المراجع الموثوقة، تسببت قوانين الهجرة والإقامة التي تبنتها «إدارة الهجرة والجنسية» الاميركية تحت مظلة الحقبة «المكارثية» السوداء في الولايات المتحدة التي بدأت في أواخر الأربعينات واستمرت حتى نهاية الخمسينات من القرن المنصرم في صدور «قائمة سوداء» طويلة وضخمة بأسماء الأشخاص الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، ونتج عن تلك القائمة السوداء منع أكثر من 40.000 (أربعون ألف) شخص معظمهم كتاب وكاتبات من جميع أنحاء العالم من دخول الولايات المتحدة بسبب معارضتهم العلنية لسياسات الولايات المتحدة في كتاباتهم، وضمت تلك القائمة الشاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، والروائي الإنكليزي العظيم غراهام غرين، والروائي الكولومبي المذهل غابرييل غارسيا ماركيز الفائز بجائزة نوبل للأدب لاحقا، وغيرهم كثير. وبعد صدور قرار سحب جنسيتها وترحيلها من وطنها، وجدت راندال مناصرة ممتازة من «مركز الحقوق الدستورية الاميركي» (وهو منظمة حقوقية غير حكومية/غير ربحية من منظمات المجتمع المدني الأميركية)، وخاضا معا معارك قضائية شرسة لمدة خمس سنوات ضد «إدارة الهجرة والجنسية» الأميركية تخللتها تحقيقات واستجوابات مرعبة من محققة «إدارة الهجرة والجنسية» مبنية على أكاذيب وإشاعات مرعبة مختلقة لتخويف راندال وهز ثقتها في نفسها وجعلها تعتزل العمل الأدبي/ السياسي. كما تطرقت الأسئلة إلى أخص خصوصيات راندال وعاداتها الشخصية والحميمة داخل منزلها وسُئلت أسئلة مفصلة واستفزازية عن كل شيء في حياتها وكيف تعرفت على زوجها ومتى عاشرها لأول مرة، وشملت الأسئلة أسماء المقاهي التي ترتادها والجرائد التي تفضل قراءتها خارج اميركا مثلا!! وغيرها من الأسئلة التي لا علاقة مباشرة لها بكتاباتها. وأخيرا في عام 1989، صدر حكم قضائي نهائي وملزم بإلغاء قرار «إدارة الهجرة والجنسية» الاميركية لأنه «غير دستوري»، واستعادت راندال جنسيتها، وألغي قرار طردها من الولايات المتحدة. ثم حصلت راندال عام 1990 على جائزة ومنحة مالية من مؤسسة «ليليان هلمان وداشيل هامت» الحقوقية الاميركية للكُتاب المضطهدين سياسيا وفي 2004 حصلت على جائزة منظمة «بن» PEN الدولية للكتابة.
أنتج عنها اخيراً فيلم وثائقي مهم مدته ساعة في اميركا بعنوان «الحياة غير الاعتذارية (الشجاعة) لمارغريت راندال».
مارست راندال التدريس الأكاديمي في مجال الأدب والكتابة الإبداعية للشعر لعقد من الزمن في عدد من الجامعات الاميركية حتى تقاعدت نهائيا وتفرغت للكتابة عام 1994. لديها أربعة أطفال وعشرة أحفاد.
وأصدرت حتى الآن أكثر من ثمانين كتابا أهمها: «الصخور تشهد»، «لنغير العالم: حياتي في كوبا» و«وظهورهم إلى البحر». وهذا المقال الذي تقرأونه سينشر قريبا في كتاب «الضحكة الأولى» الذي سيصدر قريبا من مطبعة «جامعة نبراسكا»، وهناك ديوان شعري مقبل بعنوان «بلدي» سوف يصدر من دار «وينغس برس» في عام 2010. ونشر هذا المقال في مجلة «الأدب العالمي اليوم»World Literature Today في العدد الأخير (مارس/أبريل 2010). ونلفت نظر القراء أن راندال تحدثت في المقال بتكرار عن أهمية وتأثير ما اسمته بـ «التقاليد الشفوية» Oral Traditions على اللغة عامة والشعر خاصة وهو المصطلح الذي تفسره «الموسوعة العربية» على النت بأنه «الفولكلور أو التراث والأدب الشعبي».
هل يستطيع الشعر أن يغيرنا ويغير العالم؟
* كاتب ومترجم سعودي من مدينة الخبر
* الكلمات التي بين (قوسين) للمترجم
hamad.alissa@gmail.com