الفَنَّ الإسْلاميّ وَبِناء الشّخصيَّة الإنْسَانيَّة
بقلم : معصوم محمد خلف
الفن مؤسسة اجتماعية تربوية ، يلازم الإنسان والمجتمع من دين وأخلاق واقتصاد ، وهو فرع من فروع الثقافة كونها تملك ساحة تأثير أوسع من تأثير مُكتشفٍ لعالم أو كتاب ، لأن الفن يخاطب مشاعر الأفراد كما يخاطب عقولهم ، كذلك فهو الوسيلة المباشرة للاحتفاء بمشاعرنا الدينية بوجدٍ وروحانيةٍ عظيمة .
فالإنسان هو ذلك المخلوق الذي قُدِّر له أن يدرك الجمال عندما يقف أمام شواهد جميلة ، فيشعر بتحرك المشاعر واختلاج الروح ويقف معجباً مشدوهاً وقفة العارف لها منذ أمد بعيد ، فتـثور في أعماقه الآمال والخواطر المختبئة وتنجلي لتشكل رافداً هاماً في تطوير الذائقة الجمالية .
فالفن لغة من اللغات ، كونها أبجدية البطولات الضاربة في أعماق الماضي ، ولغة الأعراف والعادات والمعتقدات والأحاسيس والأفكار المشتركة ، وكل من ينتسب إلى ثقافة معينة ودين معين يقف متأثراً بآثاره الفنية .
وقد ظهر الفن مع الإنسان منذ النشأة الأولى ، ولا يزال يشكل جزءاً لا يتجزأ من تاريخه وثقافته وتراثه وعلومه ويتفاعل مع اختلاف المكان وتباين الزمان ، ويتغير بتغيير الفكر وتنوعه واختلاف المشاعر والوجدان .
والفن بالنسبة للإنسان هو المقياس الحقيقي لرؤيته الشخصية والنفسية والحسية والنفعية والحضارية. وقد أعطت الحضارة الإسلاميّة التي تمتاز بسمات مميزة عن باقي الحضارات الأخرى ، حيث كانت ولا تزال وستظل دائماً فياضاً بكل ما يفيد ويبهج الحياة ويفتح الآفاق أمام الإنسان والمجتمع ، وهي الشاهدة على عصور النهضة الإسلاميّة والتقدم الذي واكب تلك النهضة في كل المجالات وعلى مر السنين والعهود .
حيث اصطبغت بروح الإسلام واستلهمت تعاليمه العظيمة وقدمت نفسها في أروع صوره وأبهى تكويناته ، تلك التي أبدعها فنانون دخلوا التاريخ من أوسع الأبواب .
وكثيراً ما يُتهم الإسلام بأنه الدين الذي يحرم فيه البسمة على كل فم ، والبهجة على كل قلب ، والزينة في أي موقع ، والإحساس بالجمال في أي صورة ، وهذا افتراء عظيم في حق الإسلام ، لأن هذا الكلام لا أساس له في دين الله ، وإذا كان روح الفن هو الشعور بالجمال ، والتعبير عنه ، فالإسلام أعظم دين ، حيث غرس حب الجمال والشعور به في أعماق كل مسلم .
وقارئ القرآن الكريم يلمس هذه الحقيقة بوضوح وجلاء وتوكيد ، فهو يريد من المؤمن أن ينظر إلى الجمال مبثوثاً في الكون كله ، في لوحات ربّانية رائعة الحُسن ، أبدعتها يد الخالق المصوّر ، الذي أحسن خلق كل شيء ، وأتقن تصوير كل شيء : "الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " السجدة 7 " .
َما تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ الملك 3 ، " َ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ "النمل : 88"
ثم نرى القرآن الكريم يلفت الأنظار ، وينبه العقول والقلوب ، إلى الجمال الخاص لأجزاء الكون ومفرداته ، إن القرآن بهذا كله ، وبغيره ، يريد أن يوقظ الحس الإنساني ، حتى يشعر بالجمال الذي أودعه الله فينا وفي الطبيعة من فوقنا ، ومن تحتنا ، ومن حولنا . وأن نملأ عيوننا وقلوبنا من هذه البهجة ، وهذا الحسن المبثوث في الكون كله .
إن الإسلام يحيي الشعور بالجمال ، ويؤيد الفن الجميل ، ولكن بشروط معينة ، بحيث يصلح ولا يفسد ، ويبني ولا يهدم .
وقد أحيا الإسلام ألواناً من الفنون ، ازدهرت في حضارته وتميزت بها عن الحضارات الأخرى مثل فن الخط والزخرفة والنقوش : في المساجد ، والمنازل ، والسيوف ، والأواني النحاسية والخشبية والزخرفية وغيرها .
فقضية الفن بكافة مفرداتها ووسائلها وأدواتها المتنوعة قضية من أخطر القضايا التي يواجهها العقل العربي والمسلم في عالمنا المعاصر ، فالجدل حول هذه القضية مازال يدور بين الحِلِّ والحرمة وبين المكروه والمباح وبين الجائز وغير الجائز من دون أن يكون هناك رأي قاطع يركن إليه المسلم ويسترشد به ليرضي ربه وضميره .
ولا مراء في أن موضوع " الفن " موضوع في غاية الخطر والأهمية ، لأنه يتصل بوجدان الشعوب ومشاعرها ، ويعمل على تكوين ميولها وأذواقها ، واتجاهاتها النفسية ، بأدواته المتنوعة والمؤثرة ، مما يُسمع أو يُقرأ ، أو يُرى أو يتأمل .
فالفن كالعلم ، يستخدم في الخير والبناء ، أو في الشر والهدم ، وهنا تكمن خطورة تأثيره .
ولأن الفن وسيلة إلى مقصد ، فحكمه حكم مقصده ، فإن استخدم في حلال فهو حلال ، وإن استخدم في حرام فهو حرام .
كما يمكن القول أن الفن الإسلامي حافل بكل الإمكانات والإبداعات التي تميزه عن غيره ، وتجعل له طابعاً خاصاً له مكانة شامخة في مواجهة الفنون على مر الأمصار والعصور .
فهو الفن الذي يحتل مكاناً مرموقاً بين فنون الحضارات الكبرى ، إذ يتميز بشخصية ذاتية ، تتواءم تواءماً فذاً مع الفكر الإسلامي ، وفي نفس الوقت مع مقتضيات المكان في كل إقليم من الأقاليم التي ازدهرت فيها الفنون الإسلامية . ولا شك أن من أسباب عظمته أنه ثمرة من ثمار القوانين الكبرى الذي حكمت هذا الوجود،وكذلك التعبير عن الفكر الإسلامي والذي لم يتعارض مع تصور المسلمين للعالم الذي يحيط بهم،ومن هنا كانت شخصية هذا الفن متميزة عميقة الجذور ،مرتبطة أشد الارتباط بالإرض التي أنشأتها.
إن منتجات الفن اليوم تنتشر بسرعة هائلة بسبب ثورة الاتصالات المتسارعة التي بلغ حجم الاستثمار الدولي فيها إنتاجاً وتسويقاً ما يزيد على ( 3 ) تريليون دولار حسب إحصاء 2003 بينما لا يتجاوز الرقم في العالم الإسلامي حاجز ال " 800 " مليون دولار ، وهذا مؤشر على أن المسلمين لا يهمهم هذا الأمر كثيراً ولا يعنيهم الاستثمار فيه مع أنهم يدركون تماماً تأثيره في عالم اليوم ، فهو يصل إلى الجميع برغبتهم ودون رغبتهم عبر وسائل الفن المختلفة .
إن المشكلة القائمة اليوم تكمن في فلسفة الحضارة الغربية التي يتركز الفن فيها حول إشباع الغرائز والشهوات والفصل بين الأخلاق والجمال بعيداً عن أي نظر في العواقب والمآلات ، مع أن الجمال والفن كما يقول " ابن الأثير " هو البهاء والحُسن والزينة التي تقع على الصور والمعاني ، وإن خروج المهارات ، أي الفنون عن المقاصد الرشيدة يجردها من شرف الاتصال بالجمال ، و"ابن سينا " الفيلسوف المسلم كان يرى قبل عشرة قرون أن جمال المقاصد والغايات شرط في وصف المهارات بصفة الجمال .
إن الفن هو التطبيق العملي لمهارة التأمل في كون الله فإنتاجه لا ينفصل عن عملية الوسائل التي يستعملها الإنسان لتوجيه العواطف وبخاصة عاطفة الجمال في فنون كالتصوير والإيقاع والشعر ، وهو بالتالي تعبير خارجي عما يحدث في النفس من بواعث وتأثيرات يستخدم فيها الفنان الخطوط والحركات والأصوات والكلمات .
والفن في النهاية مهارة ، وهي في الأصل نتاج موهبة الخالق ، والفنان ليس مطلق المهارة يهيم بها في كل واد وإنما المهارة المطلوبة هي التي يملكها الذوق الجميل والمواهب الرشيدة .
إن المسلمين اليوم بما يملكون من مخزون فكري وثقافي غاية في الثراء والتنوع ، مطالبون بالاستفادة منه لتشكيل معالم الفن الإسلامي الأصيل القائم على ضوابط وأخلاقيات ديننا الإسلامي الحنيف ، وصياغة عقل إسلامي قادر على التغيير والبناء الإيجابي وإيجاد إنسان مسلم ينظر إلى قضية الفن والجمال نظرة واعية متوازنة وغير متأثرة بالفلسفات الأخرى .
تعريف الفن الإسلامي:
هو ومضة التفاعل في فطرة الإنسان بين الفكر والعاطفة، مع حادثة أو أحداث، تدفعها على أسلوب من أساليب التعبير مع سائر العناصر الفنية الخاصة بهذا الأسلوب أو ذاك فيهب كل منها العطاء الفني قدراً من الجمال ليشارك هذا الفن الأمة في تحقيق الأهداف الإيمانية، وليسهم في عمارة الأرض وبناء حضارة إيمانية طاهرة وحياة إنسانية نظيفة، خاضعاً في ذلك كله لمنهاج الله، المنهاج الحق المتكامل.
والفن الإسلامي هو ذلك الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود.
ونظراً لأن الله تعالى هو المصور الأعظم ، فإن كل تصوير تشبيهي وخصوصاً كل نحت يعد كفراً لأنه غير جائز ، إذ فيه منافسة غير مشروعة للخالق عز وجل .
وكل شيء في الزخرفة الإسلاميّة هو تركيب وتلاق ، إذ يجتمع قصد الفنان مع الإدراك الحسي والمادة في تكامل وثيق ، حيث يتضمن الفن الإسلامي إحساساً راقياً بالوحدة الجمالية .
القرآن الكريم معجزة جمالية :
والقرآن الكريم ، آية الإسلام الكبرى ، ومعجزة الرسول العظمى : يعتبر معجزة جمالية ، إضافة إلى أنه معجزة عقلية ، فقد أعجز العرب بجمال بيانه ، وروعة نظمه وأسلوبه ، وتفرد لحنه وموسيقاه ، حتى سماه بعضهم سحراً ،
وقد بين علماء البلاغة وأدباء العربية وجه الإعجاز البياني أو الجمالي في هذا الكتاب ، منذ عبد القادر إلى الرافعي وبنت الشاطئ وغيرهم في عصرنا .
وقال الرسول صلّى الله عليه وسلم :" زيِّنوا القرآن بأصواتكم " وفي لفظ آخر : " فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً " وقال : " ليس منا مَن لم يتغنّ بالقرآن " ، ولكن التغني المطلوب لا يعني التلاعب أو التحريف .
وقال علي الصلاة والسلام لأبي موسى ) لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة ! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ) ! فقال أبو موسى : لو علمت ذلك لحبّرته لك تحبيراً ، يعني : زدت في تجويده وإتقانه وتحسين الصوت به .
وقال : " ما أذن الله لشيء ، ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنّى بالقرآن ، يجهر به " . ولقد سمعنا شيخنا الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله يحكي عن موقف له في المجلس الأعلى للإذاعة ، وقد كان عضواً فيه : أنهم أرادوا أن يجعلوا وقت قراءة القرآن في الافتتاح والختام وبعض الفترات محسوباً على نصيب الدين فقط . فقال لهم : إن سماع القرآن ليس ديناً فقط . إنه استماع أيضاً بالفن والجمال المودع في القرآن ، والمؤدَّى بأحسن الأصوات .
فالقرآن : دين وعلم وأدب وفن معاً . فهو يغذي الروح ، ويقنع العقل ، ويوقظ الضمير ، ويمتع العاطفة، ويصقل اللسان .
إنسانية الفن الإسلامي :
تظهر إنسانية الفن الإسلامي بمسيرته الطويلة الممتدة مع الإنسان في الأرض ،مسيرة وفيّة غنيّة صادقة ،أمنية ،فريدة في جولاتها وعطائها .
إنها مسيرة تصاحب الإنسان مهما اختلفت أرضه وتبدلت عصره .
كما تتضح إنسانية هذا الفن العظيم حين يمثل هذا الفن نهجاً ممتداً ملتزماً ،وان هذا المنهج الممتد سمة أساسية في الفن الإسلامي حين لا يظهر الفن ثوباً تكثر فيه /الرقاع / وحتى تظهر إطلالته ،فلا يبدو كالمتسول ، الفقير التافه الذي يبحث هنا وهناك عما يثبت وجوده ،إنه فن غني أصيل قد يم رفد حياة الإنسان ومن هذا الالتزام الذي تنطلق منه إنسانية الفن الإسلامي تنطلق كذلك عالميته، إنه فن عظيم وينتسب كذلك إلى أمة عظيمة في تاريخ البشرية أنها أمّة الإسلام، فيمضي هذا الفن مع الإسلام ودعوته في الأرض والزمان ،فلم يعد الفن الإسلامي ينحصر في العرب وحدهم . فقد ظهر عباقرة الفن الإسلامي في جميع البقاع التي بلغها الإسلام وظهرت المواهب الفذة في أرض العرب وفارس وتركيا والهند وأفغانستان وشمال أفريقيا والأندلس وإندونيسيا وماليزيا ، وامتدت امتداداً عالمياً في المكان والزمان ، فإن عالمية هذا الفن مرتبطة بعالمية هذا الدين الممتدة جذوره في تاريخ البشرية ، والممتدة غصونه وثماره وظلاله في حاضر البشرية ومستقبلها ، فالدين كله لله ، إنه الإسلام دين جميع الأنبياء والمرسلين ختموا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، إنه الدين الحق الذي قامت عليه السموات والأرض وعلى الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
والفن الإسلامي يتحدى من خلال وقفته أمام جميع الفنون الزائفة فيظهر الاستمرارية المكانية للإسلام الذي وحّد كيانه الحضاري منذ زمن بعيد ، وإن أسس البناء الإسلامي تسمح للمسلم بأن يقيم علاقة وطيدة ، وفي كثير من الأحيان علاقة نفسية وشخصية للمكان ، حيث يقوم الفن الإسلامي باقتحام جميع موضوعات الحياة ، وأن يعالج مشكلات الإنسان المختلفة ، فهو لا يهرب ولا يتوارى ولا يتقوقع في دائرة ضيقة من الأفكار ، وإنها لأمانة كبرى في عنق الفنان المسلم في أن يجرد قلمه وريشته لكشف الحجب عن الأفكار السليمة والمبادئ الخيّرة ، وأن يعرّي الأفكار المنحرفة والقيم الهجينة الشاذة وأن يضع بين يدي إنسان هذا العصر الممزق الذي أضلته التصورات السقيمة التي تغذيه بها العادات الجاهلية وما يضيء له الطريق ويهديه إلى سواء السبيل .
والفن الإسلامي لن يتحقق له الرحابة التي ينشدها ولن يمضي في آفاق بعيدة عميقة تشبه عمق الإسلام وشموليته ورحابته ، إلا إذا استطاع داعيته المسلم أن يمتلك مجموعة من الأساليب التي يتم بها تمييز الفنون عن بعضها وما يحمله الفن الإسلامي من مفاهيم سليمة نحو بناء الإنسان خُلقياً وعملياً ليجعله نبراساً يضيء معالم الطريق المستقيم لكل الأجيال القادمة .
وقد ساهم الفنان المسلم في إطار فهمه الصحيح لعقيدته وشريعته الخالدة في ترقية الفن العالمي حيث جاء الفن الإسلامي مسايراً للقيم النبيلة وأصبح رافداً مهماً من روافد الثقافة البصرية والأدبية ووسيلة مهمة للتفاهم بين الشعوب المختلفة ، كون الفن لغة عالمية استثمره الفنان المسلم في التعامل الوحداني مع الشعوب والأمم ، فهي منظومة إلهية تؤمّن للإنسان متطلباته الروحية وتضمن له سعادته ورقيه ، وعلى هذا الأساس تسير تلك الفنون باتجاه بناء صرح حضاري متكامل الأبعاد والأهداف ، من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود ، هذا التصور الذي يفتق الأذهان عن حقائق هذا الكون ويوقظ الضمائر بالمثل العليا ، من هنا يجعل الإنسان يعيش بمعنى الإنسانية في عالم الإنسان ، فهو الفن الذي يوجد في عالم واضح صريح ، قائم على إفراد الله تعالى بالوحدانية ، وإنكار قدرة الإنسان على أن يخلق عالماً مماثلاً ، أو عالماً أكثر جمالاً وأشد إشراقاً وجمالاً كما يخيل للنـزعة الوثنية التي تقوم على معارضة الطبيعة أو الخلق بالتقليد .
ويؤكد الباحثون أن الفن الإسلامي هو من أوسع الفنون انتشاراً وأطولها عمراً وأكثرها التصاقاً بهموم الإنسان ، فلقد ولد في القرن الأول الهجري وامتد إلى القرن الثاني عشر ولا تزال آثاره قائمة في مساحة واسعة من المعمورة .
كما تناول القرآن الكريم هذا الفن ، ليبعث في النفس البشرية أسمى آيات الفضيلة والخير والإحسان .
وهو الفن المتحرر من المادية الخالصة ، الفن الذي يجمع بين الروح والفكر ، بعيداً عن مفهوم الأوثان والتماثيل والأحجار .
الفن الإسلامي فنٌ ديناميكي :
كون الفن الإسلامي فن ديناميكي فهو لا يعترف بالسكون ولا ينخدع بالظواهر الثابتة ، إنه بشكل من الأشكال محاولة دائبة لمتابعة متغيرات الكون برؤية فنية ، تلك المتغيرات التي هي تعبير عن إبداع الله تعالى وقدرته اللانهائية ، فإن ما يبدو لنا في الخارج ساكناً قد لا يكون في الحقيقة سوى لحظة توقف للمشاهدة إذا صح التعبير ، ثم تمضي التجليات التي تلف الظواهر والأشياء لكي تبدل وتغير في برنامج خلقٍ إلهي لا يكف عن الحركة حتى قيام الساعة .
وهنا نتذكر تعليق / روم لاند / عن الفن الإسلامي بأنه فن صيرورة لا كينونة ، فن تعبير عن إبداعية الله تعالى التي تصير قبالة الإنسان باستمرار ... صحيح أنه ما من شيء إلا ويجب أن يكون أولاً ، ولكن هذا وحده لا يكفي ، فإنه بالانقسام اللانهائي لتجدد الخلق الإلهي لتجدد الخلق الإلهي تجتاز هذه الكائنات صيروراتها فتتغير وتتحسن ، ويجيء الفن الذي عرفنا ارتباطه الصميمي بالرؤية العقيدية للكون كي يعبر عن هذه الصيرورة .... عن هذه الحركة التي لا تقف عند حد ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) سورة لقمان الآية 28 .
كما إن الفن الإسلامي لم يتخذ شكلاً واحداً في جميع العالم الإسلامي ، وإنما ظهرت اختلافات تفصيلية في أساليبه بتأثير العوامل المحلية ، مما أدى إلى ظهور مدارس متعددة في الفن الإسلامي كالمدرسة العراقية والمدرسة الإيرانية والمغولية والمدرسة الصفوية في إيران التي أثرت بشكل كبير في الفن الإسلامي والتي جعلته فناً عالمياً لا إقليمياً ، حيث لا يزال منهلاً عذباً لكل فناني العالم ، بل إن الفن العالمي عالة على الفن الإسلامي كما شهد بذلك الباحثون من دول الغرب والفضل ما شهدت به الأعداء .
أخلاقية الفن الإسلامي :
وليس في أخلاقية الفن الإسلامي ما يقيد حركة الخطاط والفنان المسلم ولا ما يكبل خياله ذلك أن آفاق الفن الإسلامي هي آفاق النفس البشرية ، والإسلام لم يصادر موهبة الإبداع ، وفي الوقت نفسه لم يترك لها الحبل على الغارب ، لكنه وجهها توجيهاً حسناً لتكون في خدمة العقيدة .
وإن الفن الإسلامي مع الوضوح وضد الغموض ، فالإسلام هو دين عقيدة التوحيد ودين القيم الإنسانية الخالصة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ). ( سورة الروم الآية 30 )
وما دام الفن الإسلامي نسيج وحده ، بانبثاقه عن عقيدة الإسلام وتعاشقه معها ، فلن يكون إلا فناً أصيلاً متميزاً قد يأخذ عن / الغير / ولكنه يعرف كيف يوظف هذا الأخذ ، كيف يعيد تركيبه لكي يساير الرؤية التي تشبّع بها حتى النخاع ، ولكي يخدم صياغته الفنية ويغنيها بما يصبُّ في نهاية الأمر في دائرة الشخصية المتميزة لهذا الفن .
إن الغاية التي يهدف الفن الإسلامي إلى تحقيقها ، هي إيصال الجمال إلى حس المشاهد (المتلقي)، وهي ارتقاء به نحو الأسمى والأعلى والأحسن .. أي نحو الأجمل ، فهي الاتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق والإنتاج ، ورفض للهبوط.
وكما أن للفن هدفا يسعى إليه ، فان له أيضا (باعثا) يدفع إليه ، هذا الباعث يغذيه جذران . جذر يمتد في أعماق النفس ، إذ من فطرة النفس البشرية السعي إلى الجمال .. وجذر آخر يغذيه المنهج الإسلامي الذي يهدف إلى الجمال .. وهكذا يلتقي ما تصبو إليه النفس مع مايطلبه المنهج.. فإذاً الإنسان مدفوع إلى تحقيق الجمال بفنه بباعث من رغبه النفس وباعث من أمر الشرع بإتقان العمل وإحسانه.
- وللفن شخصيته المستقلة ،فليس هو فرعا من الفلسفة ، أو فرع من فروع العلم - وان كان العلم هو بعض ما يحتاجه الفنان - ولذا فليس من مهارات الفن البحث عن (الحقيقة) أو الكشف عنها. وحينما يطلب إليه ذلك فقد حمل ما لا طاقة له قد يحدث أن يكون الفن في بعض الأحيان طريقا لاكتشاف حقيقة ما ، ولكن هذا ليس مهمة دائمة يكلف بها ؟!.
إن الذين جعلوا اكتشاف الحقيقة من أعراض الفن ، دفعهم إلى ذلك تصورهم الخاطئ عن تحديد مكانة الفن ومهمته .
- والفن الإسلامي ينبع من داخل النفس ،فتجيش به العواطف والأحاسيس ،فإذا به ملء السمع والبصر ، وهو بهذا تعبير التزام وليس صدى لإلزام قهري أو أدبي .
- بينما في (الظاهر الجمالي) أن ساحة الجمال هي الوجود كله ، وان الإسلام أوصل الجمال إلى مجالات لم تعرفه من قبل ، ونؤكد هنا أن ساحة الجمال نفسها هي ساحة الفن ، وهي ساحة لا تضيقها الحدود ، ولا تحصرها الحواجز ، ذلك أنها ساحة منهج التصور الإسلامي .
-والفن الإسلامي - بعد ذلك - لقاء كامل بين إبداع الموهبة ونتاج العبقرية وبين دقه الصنعة ومهارة التنفيذ وحسن الإخراج .إنه اجتماع بين الذكاء المتقد وبين الخبرة والإتقان ، وبهذا يصل الفن إلى ذروة الجمال .. إن أحد العنصرين - الموهبة والخبرة - قد يصل بنا إلى إنتاج فني ، ولكنهما معا يصلان بنا إلى جمال فني .
خصائص الفن الإسلامي :
1-الفن الإسلامي فن توجيهي : فالفنان المسلم في المجتمع الإسلامي له دوره الريادي لما لأداته الفنية من أثر هام في التعبير عن أوضاع مجتمعه و الكشف عن مكنونات النفوس و رسم آفاق المستقبل و إزاحة الستر عن مناحي الضعف و الخلل ، فالفنان المسلم له أكثر من وظيفة إذا قسناها بالوظائف الأخرى التي يشغلها غيره من أفراد المجتمع فهو حارس لحمى الإسلام ، وعين يقظة لا يحركها النعاس ولا يأخذها الوسن ، وهو محتسب يبحث في أرجاء المجتمع يكشف عن الأخطاء ، ويذكّر بالعلاج الشافي ، وهو كالطبيب النفساني يستبطن العلل ويخبر عن اختلال الأمزجة ليدل على العلاج ، لهذا وحده كان التوجيه أمراً ضرورياً للفنان المسلم وللفن الإسلامي وذلك بحكم أن الإسلام حركة تطوير مستمرة للحياة ، فهو لا يرضى بالركود في لحظة أو جيل ولا يبرره أو يزينه لمجرد أنه واقع ، فمهمته الرئيسية هي تغيير الواقع وتحسينه والإيحاء الدائم بالحركة الخالقة المنشئة لصور متجددة من الحياة .
1- النظرة الإيجابية : الفن المنبثق عن عقيدة الإسلام ، عن شريعته الواضحة في الكون والحياة ، لا يمكن أن يكون سلبياً بشرط أن يعيش الفنان المسلم تجاربه بحسه الإسلامي ، إذا استوفى هذا الشرط الذي يستغرق تجاربه عفوياً لا تصنعاً ، فإن نتاجه الفني لن تحكمه النظرة السلبية ، حتى في أدق الحالات حرجاً ، فالحياة في الفن الإسلامي مشرقة عذبة ،و الكون فيها جميل حيّ متناسق متعاطف مع الإنسان ، والمخلوقات كلها أصدقاء للإنسان ، والإنسان مكرّم ذو طاقة وإرادة ، والغاية واضحة والحياة ممتدة ، هذا كله يمنح الإنسان قوّة دافعة واستبشاراً بالحياة ، وإقبالاً على العمل والإنتاج .
2- إنه فن العلم : الخصيصة الثالثة هي أنه فن عالم ، لا ينطلق من جهل ولا يسير في ظلمات ، إنه يعرف العلم الذي عليه أن يبدأ به ويمضي معه صحبة عمر ورفقة حياة. إنه فن يعرف أن العلم هو منهاج الله أولاً ( قرآناً وسنة ) إنه منهاج حق وقول فصل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكل علم لا يقوم على هذا العلم قد يمتد إلى فساد ، وينتشر إلى فتنة ، ولكن العلم الذي يبينه من خلال الجهد البشري المؤمن هو بركة ونعمة من الله إذا قام على العلم بمنهاج الله .
3- الشمولية : وهي خصيصة من خصائص الفن الإسلاميّ ، ومطلب إسلامي من الإنسان المسلم ، أي أنها إحدى الخصائص الرئيسية التي تميّز الإنسان المسلم في اعتقاده في نظرته للكون والحياة ، في تفاعله مع شريعة ربه ، فاقتضى ذلك كله أن يأتي العمل المثالي الذي يحل من المجتمع محل القدوة ، شمولياً ، فيه من الكمال الإنساني أوفر حظ والعمل الفني الإسلامي أحد نشاطات الإنسان التي تتجلى فيها هذا الشمول إذ يمثل " أوسع نظرة جمالية متفتحة على الإنسان والآفاق ، لأن نظرة الفنان المسلم في جوهرها نظرة كونية ، ولأن الإنسان المسلم إنسان كوني لا تحده حدود إقليمية أو عنصرية أو حتى الأرضية ، إنه يهفو لأن ينسجم ويتفاعل مع هذا الكون الذي هو بضعة منه ، إنه يتناغم معه في حركة دائبة هدفها النور الدائم المتجه إلى الله العظيم.
4- التركيب والتناسب : تتميز الكتابة العربية لأسباب تاريخية في التحول إلى أشكال حية ، حيث وجدت من الأشكال الموجودة في ذلك الحين المساعد الأكبر لهذا التحول ، إضافة إلى أن غالبية الأحرف من النوع الموصّل مما يساعد في ظهور الأشكال الخاصّة والمتنوعة للتراكيب ، والتركيب في فن الخط إبداع جديد ، وليس عملية جمعية وحسب ، وفكرة التركيب في خط جميل مرادفة لفكرة التشكيل . أما التناسب فهو شكل الكتابة وهو التمايز بين أطول الحروف كاللام والواو والنون ، وعرضها ودقتها ولكل خصوصية تأثير روحي معيّن وهذه الصفة الجمالية لا يبحث عنها في فن الخط ، بل في الفنون الأخرى كالعمارة والزخرفة وبناء المساجد .
5- البساطة والاحتشام : فالبساطة في الفن الإسلامي ، فكرة مهمة في فن الخط ، فما يريده الخطاط تقديمه للمشاهدين هو التلقي الحقيقي للكتابة وهي تعني ظهور الأحرف والكلمات حرة من التكلف والتركيبات وهذه الصفة موجودة بتمامها في لوحات الجبس المكتوبة في خط الجلي الثلث تزامناً مع عصر المعماري الإسلامي سنان ،.
أما الاحتشام ( العظمة ) وهي في الغالب من متطلبات بعض الخطوط كالثلث والجلي ديواني والكوفي والخط الفارسي ، والتي هي متناسبة مع مشاعر الجلال والقدرة والقوّة، فإنها تتجلى في الخطوط الإرادية ، ولقد اعترفت بعض المدارس العائدة لهذه الخطوط كمدرسة المرحوم مصطفى راقم بأن هذه الخطوط إنما وضعت تعبيراً عن هذا الأساس.
الجمال : الإحساس بالجمال ، والميل نحوه مسألة فطرية متجذرة تحيا في أعماق النفس البشرية، فالنفس الإنسانية السويّة تميل إلى الجمال ، وتشتاق إليه ، وتنفر من القبح وتنأى عنه بعيدا . إن الطبيعة الإنسانية تنجذب إلى كل ما هو جميل ؛ وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إنّ الله جميلٌ يحبّ الجمال " . والإحساس بالجمال والوله به ، والاعتناء به ، واقتناء الأشياء الجميلة قد يقوم بها الإنسان تلقائيا بفعل ذاك الميل الفطري المتجذّر في أعماق النفس ...وقد شاء الله سبحانه وتعالى المبدع البديع الخالق أن يجعل من الجمال في شتّى صُوره مَـناطَ رضا وسعادة لدى الإنسان .
إن استساغة الجمال حقٌّ مُشاعٌ لكلّ إنسان ، والأكيد أن تذوّق الجمال والتمتع به يختلف بين فرد وآخر ،ومن أمة إلى أخرى ، ومن عصر إلى آخر ، لكنه اختلاف محدود قد يمسّ جانباً من الجوانب ، أو عنصراً من العناصر التي تشكّل القيمة الجمالية .
جوْهر الجمال ..!
كيف نعرّف الجمال ؟ وكيف نحدّد جوهره وأسسه الموضوعية ؟ فهل الجمال كل ما ترتاح إليه عينا الإنسان ؟ هل هو كل ما يعجبنا ويفرحنا ويشدّنا إليه ، وما يثير إعجابنا ؟ أم ذاك لا يكفي لتعريف الجمال وتحديد جوهره الحقيقي السامي ..ربما يُخفي " الجمال الظاهري" الذي تراه العينان القبح والبشاعة ..
وننطلق من الطبيعة فهي نبْعُ الجمال الفيّاض ... الذي لا يجفّ ، فإذا جفّ هذا النبع لا يندثر الجمال فحسب ، إنما تفنى الحياة وتموت الكائنات كلها ..أي لا حياة إذا ماتت الطبيعة ، فالحياة مرتبطة بالطبيعة ، والجمال مرتبطٌ بالطبيعة . تُشبع الطبيعة حاجة الإنسان للجمال ، وتُنمّي لديه شعوره به الذي يرتبط بالميل نحْو الطبيعة ، لأننا كبشر نشعر في تنوّع موضوعاتها ، وثرائها بما يُـمْتع أبصارنا ويبعث الراحة في جوانحنا بما تُمثّله من شفافية وطُهْرٍ ونقاء ، فنحن نستمتع بتعدّد ألوان أوراق الشجر ، وبدقة نظامها البنائي ، وبالانسجام العجيب والعلاقات بين خطوطها ، والتي تتّصف بالرشاقة والنقاء .. من ذاك نعثر في الطبيعة على معايير التناسق والتوازن ، وعلى تجسيدات الثراء اللوني ، والإحساس بالرحابة المكانية ، وبالصفاء الضوئي ، وبتناغمات الكائنات في هذه الطبيعة .
6- تقوم النظرية الجمالية في الفن الإسلامي على القبول المسبق بلقاء الروحي والمادي ومن المسلّم به أن الفن من حيث المبدأ لا يقوم بالمادة وحدها ، ولكنه يتضمن البعد الآخر الروحي والموقف الجمالي الإسلامي ينهض في أساسه على الموقف الروحي ، ويتصل اتصالاً وثيقاً بمفهوم العقيدة عند المسلم حول الله جلَّ جلاله والكون والحياة ، وإذا كانت الوحدانية بمثابة المركز في هذا المفهوم فإن مفاهيم الحق والخير والجمال ، ليست إلا وجوهاً لجوهر قدسي إلهي متفرد ، ومن هنا منبع النظرية الجمالية فإذا كان الوصول إلى الله وحده ، الذي ليس كمثله شيء ، هو أسمى حالات التجريد الفكري والروحي ، فإن الفن عملية تجريد جمالي على الطريق نفسه .
فمن مصدر الجمال الرباني ومن مشكاة الحسن التي انطبعت صورتها على مرايا المخلوقات، استمد الفنان المسلم عناصر فنه ومفردات إبداعه ، فتعامل مع الطبيعة ونقل موجوداتها إلى لوحته ، لكنه لم يحرص على مطابقة وحداته الزخرفية بصورها الطبيعية ، وإنما حوَّر وجرّد وأضاف وأبدع فأنتج فناَ زخرفياً إنسانياً يخاطب العقل لا العاطفة
وإذا كان الدين الإسلامي الواحد قد وحّد بين الشعوب الإسلاميّة فانعكست على الفنون الإسلامية مظاهر التوحد ، فإن تعدد الشعوب الإسلاميّة التي أنتجت هذا الفن قد أضفت عليه صفة التنوع ، أي أنه فن الوحدة في عناصره الأساسية والتنوع في التفاصيل .
والفن الإسلامي يهدف إلى خدمة الدين وتعميق الشعور بالجمال ، إنه ابتهال للجمال الإلهي المتجلي في المادة وفيما وراء المادة ، ومن ثم ليس له وظيفة دينية فقط ، إن غرض العملية الفنية في الإسلام يتركز على التأمل من أجل الوصول إلى ما وراء الطبيعة والعمل على استكشاف شفافية الواقع الزائل لعبوره إلى ما وراءه .
والفن الإسلامي له عالمه الجمالي المميز الخاص به الذي يحمل في ذاته عناصره الخاصّة ونظريته الجمالية التي هي الجانب المهم في تأسيس وحدته .
أما عنصر العمارة الإسلامية فهي تمثل واجهة للفن الإسلامي ويمثل جميع أنواع الفنون ، فالمسجد مثلاً بأشكاله الثلاثة / ذي الصحن المكشوف – أو الإيوان المربع – أو الشكل المقبب / وكذلك القصر والقلعة وغيرها من المعالم المعمارية الإسلامية بأشكالها البيضوية ونصف الكروية وذات القطاع الكروي والمقرفصة ، كلها صور وأشكال ترمز إلى معنى الاحتواء الإلهي للكون ، أما الدعائم التي تقوم عليها القباب بأعمدة منفردة وأقواس وعقود منحنية ، وجدران مربعة ، فإنها تمثل جميعها الاتجاه البشري نحو الله جل جلاله ، خالق الكون، والفن الإسلامي لا يخلو من عنصر الجمال ، لأنه ينتمي لأُسرة الفن ، فالجمال في الفن عنصر أصيل وشرط أساسي ، إذ النفوس السوية ميّالة للجمال تنساق وراءه مشدوهة بألقه وسحره ، فالجمال هو الحقيقة التي تستقطب حدس الفنان بإلحاح ، لأنه فوق الخير وفوق الحق ، إذ أن ما هو خير وحق هو جميل بالضرورة ولكن ليس كل ما هو جميل خير وحق .
والجمال قبل كل شيء هو عنصر أصيل في نظام الكون ومظاهره ، وفي النفس الإنسانية ، والفن الإسلامي فنٌ تفرزه النفس المسلمة والتي سرت أشعة الجمال بين حناياها .
7- الالتزام : الالتزام في الفن الإسلامي للكون والحياة والإنسان هذا من جهة ، ومن جهة ثانية لأنه محكوم بمبدأ المسؤولية تجاه الفرد والمجتمع ، وعليه فالالتزام الفني في المفهوم الإسلامي هو ألا تخرج خارج دائرة النصوص والضوابط الشرعية التي وضحت العلاقة ما بين الفن والدين بصورة واضحة ، ذلك أن الفنان المسلم يملك تصوراً شاملاً متكاملاً صحيحاً للكون والحياة والإنسان ، وأن يسعى دوماً في زرع بذور الجمال له ولغيره من بني البشر .
مراجع البحث :
- القرآن الكريم .
- الأدب الإسلامي ، إنسانيته وعالميته د/ عدنان علي رضا النحوي ، الرياض ، المملكة العربية السعودية .
- مجلة الفيصل ( الشخصية الجمالية للفن الإسلامي ) د/ حسيني علي محمد العدد / 216 / والعددان 207 / و / 276 / الرياض .
- الحرف التقليدية الإسلاميّة في العمارة المغربية . عرض : جمال الغيطاني مجلة الدوحة سبتمبر 1983م قطر .
- الإسلام والفن ، د/ يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة ط1/ 2000 بيروت
- الفن والعقيدة د/ عماد الدين خليل ط2 بيروت ، مؤسسة الرسالة .
- في النقد الإسلامي المعاصر ، د/ عماد الدين خليل بيروت ، مؤسسة الرسالة .
- الإسلام وقضايا الفن المعاصر . د/ ياسين محمد حسن ، دار الألباب دمشق .
- الإسلام والفنون الجميلة ، د/ محمد عمارة . دار الشروق بيروت .
- الفن الإسلامي ، أرنست كونل ، ترجمة : أحمد موسى ، دار الصياد . بيروت.
معصوم محمد خلف
الجمهورية العربية السورية – الحسكة – ص.ب / 245 /
mahssom@maktoob.com
موسوعة دهشة