الرسالة الثالثة
عزيزي أدونيس، الحبيب
وصلتني رسالتك منذ مدة طويلة، وكان علي أن أجيب قبل الآن، لولا امتحانات نصف السنة- فأنا أعمل الآن محاضراً- لا موظفاً- في المدارس الثانوية لحاجتها الماسة إلى مدرسي اللغة الانجليزية وأنا منهم- وما يتبعها من تصليح للدفاتر.
جميل منك أن تتذكر أخاك الذي يحبك أقصى غاية الحب ويقدرك، شخصاً وشاعراً، أعلى درجات التقدير.
لازلتُ عند رأيي بشأن المجيء إلى لبنان، وسيكون ذلك في الصيف إن شاء الله. فهل تراني أوفق إلى العثور على عمل يكفي لإعاشتي وإعاشة زوجي وطفلي؟ لستُ أدري. على كل حال، أنا مستعد للاشتغال في التدريس، وإن كان ذلك آخر ما أتمناه.
هل تتذكر قصيدتك الرائعة، والبوابة التي صورتها فيها وهي تترصد بك وتطاردك في الدروب؟ لقد تأثرت أنت- حين كتبتها- بقصيدة أبي زيد الهلالي. أما أنا فقد تأثرت بقراءة »ألف ليلة وليلة« خلال هذه الفترة.
ومن هنا جاءت قصيدتي »مدينة السندباد« التي أرسلها لك طي هذه الرسالة، لا لتقرأها فقط، وإنما لتحيلها إلى يوسف »الخال«، فيرى لها مكاناً- ولو صغيراً- في مجلة »شعر«، وإلا هجوته هجاء أمر من هجائنا السابق له.
كان بودي لو أطلت برسالتك، إذ أن عندك الكثير مما يمكن التحدث عنه. أما أنا، فبماذا أحدثك؟ أعن حياتي المنزلية الرتيبة وصياح أطفالي؟
ما لك صامتاً يا أدونيس؟ مالي لا أقرأ لك شيئاً من شعرك الرائع؟ أهي »أرواد« التي ألهتك؟ آمل أن أسمع منك قريباً، راجياً إبلاغ سلامي إلى السيدة زوجتك، وإلى الأخ يوسف »الخال« وإلى السيدة أدفيك جرديني شيبوب، وإلى الاستاذ معلوف والأخ نذير والسيدة زوجته، وصاحب الموسوعة - لقد نسيت اسمه.. لسوء الحظ.
أرجو أن أسمع رأيك في قصيدتي، راجياً تصحيح أغلاطها. هذا ودم لأخيك المحب.. ما هي أخبار نازك الملائكة، وسلمى الجيوسي. وماذا تفعلان؟
»السياب«
بغداد- 12/3/1960
رسالة أخرى من السياب الى أدونيس
أخي العزيز أبا أرواد- أدونيس
أفرحتني رسالتك كثيرا ، لأنها جاءت من أعز صديق علي بعد طول احتجاب، ولأنها حملت لي أخبارا طالما تمنيت حدوثها. حرام يا أدونيس أن تطير الزرازير في سماء الشعر وتبقى النسور مطوية الأجنحة لأسباب هي ليست، في الحق، أسبابا لولا التجني و التزوير
صحتي تتحسن تحسنا بطيئا غاية في البطء. . لكنه تحسن على كل حال. وآمل أن تتحسن إلى حد يسمح لي بالمجيء إلى بيروت في هذا الشتاء
لا أكتب الآن شيئا. أنني أمر في فترة ركود، بعد فترة النشاط المحموم في إنكلترا حيث أنتجن ( منزل الأقنان) الذي نسر -وسأرسل نسختك منه حالما تصلني النسخ المخصصة لي عن قريب- وديوانا لعله سيكون خير ما أنتجت حتى الآن ما زال ينتظر الناشر - 1
وبهذه المناسبة : كم يدفع شريف الأنصاري في هذا الديوان ؟
ما زال الطعم الحلو الحاد الذي تركته قصيدتك (النسر) تحت لساني حتى الآن أكتب قصائد على مستواها: انك ابتدأت- من حيث الشهرة خارج نطاق جماعة (شعر) منذ الآن. وسوف يخلو لك الميدان، فلا منافس، منذ أول قصيدة تنشرها بعد انفكاك من دار (شعر). وهنيئا لشعر بشعرائها الباقين (ماء إلى حصان العائلة) وهلمجرا
هل قرأت الشتائم التي كالها لي شاعر عراقي فاشل على صفحات مجلة الآداب؟ لن يلحقوا بنا مهما شتموا، فليشتموا ما شاء لهم القلم. إننا مؤمنون بقيمة عليا هي الشعر و الحق و الجمال لا برضا فلان أو علان
تحياتي لكافة أصدقائنا المشتركين. تحية أم غيلان وغيلان إلى العائلة الكريمة والى أرواد "خطيبتي التي في لبنان" كما يسميها غيلان
ودم لأخيك الذي يحبك شاعرا عظيما و انسانا أعظم
المخلص السياب