حقيقة .... القدس عاصمة سوريانا
حسـن عثمان*
إنّ هذه الحقيقة تُعتبر إحدى أهم الحقائق المرتبطة
بالمسألة الفلسطينية، في زمن حُرّمت و زوّرت فيه الحقائق. هذه الحقيقة كان أشار
إليها رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ،الدكتور علي حيدر، في الاحتفال السنوي
بذكرى تأسيس الحزب، في نهاية العام المنصرم في فندق الحبتور في بيروت.
أعتقد أنّ ما جاء في هذه الحقيقة (والتي غيّبها الإعلام بقصد
أو غير قصد) هو تأكيد واستمرار لحقيقة كان قد أشار إليها مؤسس الحزب السوري القومي
الاجتماعي، المفكر أنطون سعادة، خلال النصف الأول من القرن الماضي. وذلك عندما
أكّد على أنّ الصراع مع اليهود القادمين إلى فلسطين من أرجاء المعمورة هو صراع ليس
له حدود أو ضوابط طالما اليهود يحتلون.
إنّ هذه الحقيقة (القدس عاصمة سوريانا)، ومن وجهة نظر
تحليلية طبعاً، تأتي استنهاضاً واحياءً للحقيقة التي أطلقها المفكر الاجتماعي
أنطون سعادة، وذلك في ظل مواجهة ثقافة الاستسلام (السلام) والخنوع، وفي مواجهة
مشروع التطبيع المعمول به لإنهاء حالة المقاومة مع العدو اليهودي. كما أنها جاءت
لمواجهة تعدد مفاهيم وتعريف المسألة الفلسطينية، التي تفنّد وتُعرّف من قبل
السياسيين وأتباعهم بما يحلو لهم وبما يتناسب ومصالحهم الشخصية، وطوائفهم
المتنازعة، ومذاهبهم المتناحرة.
إنّ حقيقة الصراع الوجودي مع اليهود (التي عرّفنا بها في
الأعلى) لم تأتي شعاراً مؤقتاً، بغرض مكسب سياسي(حزبي)، أو شخصي ، كما هو حال
الكثير من شعارات السياسيين والأحزاب المختلفة التصنيف في تلك الفترة، والتي تخلت
بمعظمها عن ما طرحته، كما نشاهد اليوم بأم العين. ولكنها حقيقة قائمة على أسس
علمية اتخذت من علم الاجتماع منهجاً، ومن الحقائق اليهودية التاريخية دليلاً
وإثباتاً. حيث أتت هذه الحقيقة وفقاً لمصالح قومية وطنية اجتماعية، تشمل كل مكونات
المجتمع السوري خصوصاً وبقية مجتمعات العالم العربي عموماً. فلقد ابتعدت هذه
الحقيقة كل البعد عن الأسس الدينية، والمذهبية والقومية المغلوطة، والتي تعيش
مجتمعات العالم العربي الآن في كنفها أردئ وأتعس أيامها. لقد اعتُمد على هذه الأسس
المغلوطة من قبل الكثيرين في مواجهة المسألة الفلسطينية ، فكان أن لعبت الدور
الأكبر في احتلال وسرقة فلسطين ومعاناة أهلنا فيها إلى الآن.
القدس عاصمة سوريانا ....
هي حقيقة جاءت كما ذكرنا سابقاً احياءً واستمراراً
لحقيقة الصراع الوجودي مع اليهود، كما أنها جاءت لِتخلّص مسألتنا الفلسطينية من
تعدد وجوهها وتوحّد هذه المسألة، ليكون حلها الوحيد هو في في أيدي أهلها وأخوتهم
في الأمة السورية، من خلال المقاومة والمقاومة.. والمقاومة حتى استرجاع كامل
فلسطين. نعم .. لقد جاءت هذه الحقيقة لتنسف قرار التقسيم الجائر (1947)، ولتدمر حدود (1967)، ولتوحّد شطري القدس، ولتلغي
وتنهي ما أنتجه الاستعمار الأوروبي (سايكس بيكو)، ولتحرر أهلنا في فلسطين من
المزارع الجديدة المصطنعة هنا وهناك (الضفة الغربية وقطاع غزة)، جاءت هذه الحقيقة
لترد المبادرة العربية وكرم مطلقيها إلى أحضانهم.
جاءت هذه الحقيقة (القدس عاصمة سوريانا) لتؤكد على سوريّة
القدس، لتلغي بذلك التناحر والتنازع على قدسيتها وماهيتها وملكيتها ؟!؟!. أي أنها
جاءت لتؤكد على شمولية الواجب تجاه فلسطين والقدس، وعلى اتحاد المذاهب والطوائف،
ولتؤكد على قدسية الوقف الوطني والقومي الذي يضمن قدسية كل ذرة تراب في أرض الوطن،
من قبل كل أبناء الوطن. جاءت هذه الحقيقة لتؤكد بكل فخر وبكل إيمان وبكل صراحة على
سوريّة فلسطين.
دعونا نبتعد عن الشعارات الواهية والكاذبة، دعونا نبتعد
عن الغيبيات، ولنتحدث المنطق، ونستشهد من الواقع ومن التاريخ الحديث، الذي لم ينل
التزوير والتحريف كثيراً منه. دعونا لا نتحدث وفقاً لغيبيات ومزاعم من هنا وهناك،
فنحن نعيش واقع ملموس، فعلينا إذاً أن نحاكي هذه الواقع، ولا شيء سواه. فطالما
نتأثر بما حولنا فعلينا إذاً أن ندرك ونعي محيطنا.
فلسطين ... ماذا حلّ بفلسطين ؟ لقد أصبحت حديث الجميع،
فمن أراد أن يعمل مراجل صوتية نراه يتحدث عن فلسطين (عفواً عن حدود 1967 ؟!؟!)، ويريد أن يتصرف بها ويعمل
فيها وذلك إمّا من باب العروبة التي لا يفقه شيئاً بها، أو من الباب الديني،
وبالرغم من الجهل الواضح وغياب الوعي الديني، أو من باب السلام والاستسلام. لكن
وبنظرة موضوعية واقعية مجرّدة من كل تعصب وتطرف قومي أو ديني نرى أنّ أكثرهم
يكذبون، ولكي لا نقول يكذبون دعونا نقول يدّعون. نوضّح ذلك بالتالي:
إذا كانت أهم قضايا الجامعة العربية منذ تأسيسها هو
تحرير فلسطين، كل فلسطين، والآن على ماذا يدور الحديث في فلك الجامعة العربية،
يدور على أجزاء من فلسطين، يدور على التطبيع مع اليهود، يدور حول نسف المقاومة.
طبعاً من يُشكك هنا في كلامنا عليه أن يُراجع البيانات الختامية لقمم الجامعة
العربية بدوراتها السابقة أو لينتظر البيان الختامي للقمة العربية المقبلة
(الاستعراضية على ما يبدو) في ليبيا. المهم في حديثنا هو كيف يكون ذلك مطروحاً
(تحرير فلسطين ومواجهة الاحتلال اليهودي) أو كيف يكون هناك حق للجامعة العربية أن
تتحدث بالشأن الفلسطيني والفلسطينيين، وغالبية الدول المكونة لهذه الجامعة مرتبطة
مع العدو والاحتلال اليهودي بدرجات متفاوتة من العلاقات. بدءً من المحادثات
والاتصالات السرية انتهاءً بالسفارات وتبادل القبلات، و التهاني بالأعياد الوطنية
؟!؟!. إذا هناك لبث في الموضوع، بل هناد دجل واستهتار بعقولنا وكرامتنا، حيث لا
يمكن بتاتاً بناءً على ما تقدم من جعل فلسطين والفلسطينيين والمسالة برمتها في
عُهدة الجامعة العربية. وأن نسمح بالتنظير والتفلسف علينا لمن هم غارقين في
يهوديتهم وتعاملهم مع العدو. وأعتقد أنّ واقعنا وما نعيشه حاضراً كافي للتدليل على
كلامنا.
إذاً من هنا كان التأكيد على أنّ القدس
عاصمة سوريانا من قبل رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الدكتور علي حيدر، هو
لتحديد هوية فلسطين، وتخليصها من براثن الجامعة العربية، ومن مدّعي العروبة
والقومية العربية.
من جهة أخرى، إنّ فلسطين لم تكن يوماً ملك لطائفة
أو مذهب، ووجود مقدس ديني فيها لا يعني أنها باتت وقفاً إلهياً مرتبط بفئة ما أو
طائفة ما. بعبارة أخرى وجود مقدس ديني بها لا يعني امكانية تدخل دول بها سواء
أكانت من العالم العربي أو الإسلامي أو من الفاتيكان ... لنكون صريحين هل تسمح أي
دولة تملك مقدسات دينية أو حتى لنقل آثار و شواهد تاريخية هل تسمح لأي دولة أخرى
بالتدخل في شوؤنها ؟ وهذا المثال ينطبق على العديد من دول العالمين العربي
والاسلامي والفاتيكان أيضاَ. فآخر ما توصلنا إليه ويثير السخرية (على سبيل المثال
وليس الحصر) هو التفاوض الذي جرى مؤخراً بين العدو اليهودي والفاتيكان حول مقدس
مرتبط بالسيد المسيح (ع) ضمن فلسطين المحتلة. هل يسمح الفاتيكان لأحد بالتدخل
بمقدساته في روما. طبعاً ما تحدثنا عليه بالنسبة لروما ينطبق كذلك على دول
العالمين العربي والإسلامي.
إنّ التحدث عن فلسطين وتحريرها وتبني
مسألتها من وجهة نظر دينية هو أحد أسباب احتلالها واستمرار اغتصابها، ووضعها
المذري والرديء الذي تعانيه وأهلها. يكفي أنه في الحديث عنها من وجهة دينية، تصبح
مشاعاً وملاذاً ومنبراً لمن يحب(الفذلكة) والاستعراض وقراءة الخطابات. وأعتقد أنه
منذ دخول اليهود إليها بعد التمهيد لذلك من قبل الاحتلال العثماني وحتى الآن، لو
كان هناك النية والمصداقية في تحريرها من هذه الوجهة وبعد كل هذه الخطابات
والاجتماعات لتمّ ذلك. إذاً آن الآوان لنكون صادقين مع أنفسنا ونعترف بخطأ هذا
الطريق.
لقد ابتلينا بالاحتلال التركي ما يقارب
الأربعمائة عام فقط لأنّ الكثيرين نظروا إليه من وجهة نظر دينية، متناسين بقية
أبناء وطنهم، ممن ذاقوا الويلات تحت وطأة هذا الاحتلال، متناسين الانتما الوطني
والقومي المرتكز على الأسس الاجتماعية ووحدة الحياة، والمحيط المشترك. في الوقت
الذي قدمنا فيه الاحتلال التركي هدية للاستعمار الأوروبي، وقدم فلسطين على طبق من
فضة لليهود.
والسؤال الآن كيف يمكننا تحرير فلسطين من
وجهة نظر دينية ؟
كيف يمكن أن يكون هذا التحرير من هذه
الوجهة، وبالأصل ليس هناك وحدة دينية، ولاحتى وعي ديني، وإنما طوائف ومذاهب وحركات
متناحرة. نضرب مثالاً للتأكيد : في حرب تموز أثناء العدوان اليهودي على لبنان،
وقفت دولاً عربية وإسلامية بجانب اليهود، فقط إرضاءً لتوجهها الديني، المخالف
للتوجه الديني الذي يتبناه حزب الله. إذاً غلبت في هذه الحالة العصبية المذهبية
على العصبية الدينية التي يدّعونها(الإسلامية) وكذلك على العصبية القومية
العروبية، التي يدّعونها أيضاً.وكذلك الحال لما حدث في العراق، حيث لعبت العصبية
المذهبية دورها في التعاون مع أمريكا لإسقاط النظام العراقي. حيث غلبت هذا العصبية
المذهبية على العصبية الوطنية، والوعي القومي. ولا يبتعد عن ذلك أيضاً التحرك
التركي الذي شوهد في حرب غزة، وغياب هذا التحرك في حرب تموز. وعلى ذكر تركيا
الإسلامية الصديقة ((لدولة اليهود)) والتي يُشجع الكثيرين دورها في منطقتنا،
وبخاصة بخصوص المسالة الفلسطينية، وذلك من باب ديني، نذكّر ونؤكد على أنّ تركيا
تنظر للمسألة الفلسطينية وحلّها كما ينظر لها اليهود والغرب الأوربي والأمريكي.أي
يطالبون بحل الدولتين، وليس هذا فقط، وإنما تشكيل دولة فلسطينية بجانب الدولة
اليهودية. أي حتى بالتصريح هناك أولوية وأحقية اليهود وإرثهم التاريخي، وأنّ
الدولة الفلسطينية المتشكلة (القابلة للحياة) هي من باب الرحمة والشفقة ليس إلّا. نحن علينا أن ننظر الأمور بمنطقية أكثر، وأن
نتحرك وفق أسس منطقية، وليس بعواطف دينية، ومذهبية، وتطرف قومي. وإنّ التحرير من
وجهة نظر دينية إسلامية هو طريق غير صحيح وغير فعّال، وعلى العكس يُسبب انتكاسات
وأضرار للمسألة الفلسطينية كما هو ظاهر الآن.
وكما هو حال الجامعة العربية، كذلك المؤتمر
الإسلامي الذي لا يمكنه ولا بأي شكل من الأشكال، ورغماً من تبنيه للمسألة
الفلسطينية أن يفعل شيئاً. وهذا طبيعي لأنّ أكثر المنتمين للمؤتمر الإسلامي هم على
علاقات مع العدو اليهودي وبدرجات متفاوتة أيضاً. وذلك يأتي من معرفة هذه الدول،
وإيمانها بقرارة نفسها، بابتعادها عن هذه المسألة، ولكن المزاعم الدينية والشعارات
التي تتبناها تفرض عليها عقد المؤتمرات، وضرب التصريحات هنا وهناك. نضيف إلى ذلك
أيضاً ، الشرخ المذهبي الذي يُعاني منه هذا المؤتمر، والذي يُحاول أن يستره
ويُغطيه بشعارات مزيفة، وحوارات دينية كاذبة.
بذلك نصل إلى أنّ حقيقة ما تمّ طرحه من قبل
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، الكتور علي حيدر، أي القدس عاصمة سوريانا،
تأتي لتخليص فلسطين وأهلها أيضاً من براثن الطائفية، والمذهبية وباختصار من براثن
المؤتمر الإسلامي، ومواعظ رجال الدين من هنا وهناك.
القدس عاصمة سوريانا هو تأكيد على ضمان
القدس وقدسية القدس، والتأكيد على أنها وقف وطني قومي مرتبط بكل أطياف المجتمع
السوري في الأمة السورية. تأكيد على أنّ فلسطين ليست ملكاً لدحلان و زعلان، وليست
مزارع أغنام، وإنما هي كيان سوري، يُشكل الجنوب الرائع من الأمة السورية.
القدس عاصمة سوريانا.. تأكيد على استقلالية
المسألة الفلسطينية، عن قضايا الجامعة العربية والإسلامية. وتأكيد عليها كأهم
مسألة من مسائل الأمة السورية. وتأكيد على حقيقة فلسطين كامتداد طبيعي، ومكمّل لكل
كيانات الهلال الخصيب لتشكيل المتحد الأكمل والأتم للأمة السورية.
القدس عاصمة سوريانا ... تأكيد على الارتباط
المباشر لكيانات الأمة السورية، بما لا يدعو للشك بكل ما يجري وسيجري في فلسطين
المحتلة، لما في ذلك من انعكاسات مباشرة على واقع هذه الكيانات، وامتداد الشر
اليهودي إليها عاجلاً أم آجلاً. وتأكيد على ابتعاد آثار العدوان اليهودي (وكما هو
منظور في الواقع، وجلي أمام الجميع) عن بقية مجتمعات العالم العربي.
لذلك نقول أنّ تبني حقيقة الكفاح الشعبي
المسلح حتى استرجاع كافة ما سلب من فلسطين، في النصف الأول من القرن الماضي،
واعتناق حقيقة القدس عاصمة سوريانا في مطلع القرن الحالي، هو اعتناق للمسار الأمثل
والأنسب، والواقعي لتحرير كامل فلسطين، وإخراج اليهود بعيداً عن محيطنا، لأنه
المسار الذي يؤكد على شرعية وواجب ومسؤولية كل أطياف المجتمع السوري بالدرجة
الأولى والأخيرة، ويوحّد قواهم تجاه مصلحتهم الوطنية، والقومية في التحرير
واسترجاع الأرض.
·
كاتب و محرر في موقع أوروك الجديدة
Hasanothman2@yahoo.com
www.orook.com