قصيدة (الـنـادرات الـعـيـنـيــــة) لمولانا القطب عبد الكريم الجيلي
نقلاً عن الموسوعة الشعرية
فُؤادٌ بِهِ شَمسُ المَحَبَّةِ طالِعُ = وَلَيسَ لِنَجمِ العَذلِ فيهِ مَواقِعُ
صَحا الناسُ مِن سُكرِ الغَرامِ وَما صَحا = وَأفرق كُلٌّ وَهوَ في الحانِ جامِعُ
حُمَيّا هَواهُ عَينُ قَهوَةِ غَيرِهِ = مُدامٌ دَواماً تَقتَنيها الأَضالِعُ
هَوى وَصَباباتٌ وَنارُ مَحَبَّةٍ = وَتُربَةُ صَبرٍ قَد سَقَتها المَدامِعُ
وَأَولَعَ قَلبي مِن زَرودٍ بِمائِهِ = وَيا لَهفي كَم ماتَ ثَمَّةَ والِعُ
وَلي طَمَعٌ بَينَ الأَجارِعِ عَهدُه = قَديمٌ وَكَم خابَت هُناكَ المَطامِعُ
أَيا زَمَنَ الرَندِ الَّذي بَينَ لَعلَعٍ = تَقَضّى لَنا هَل أَنتَ يا عَصرُ راجِعُ
لَقَد كانَ لي في ظِلِّ جاهِكَ مَرتَعٌ = هَنيءٌ وَلي بِالرَقمَتَينِ مَرابِعُ
أَجُرُّ ذُيولَ اللَهوِ في ساحَةِ اللِقا = وَأَجني ثِمارَ القُربِ وَهيَ أَيانِعُ
وَأَشرَبُ راحَ الوَصلِ صَرفاً بِراحَةٍ = تُصَفِّقُ بِالراحاتِ مِنها الأَصابِعُ
**
تَصَرَّمَ ذاكَ العُمرُ حَتّى كَأَنَّني = أَعيشُ بِلا عُمرٍ وَلِلعَيشِ مانِعُ
وَمُذ مَرَّ عَنّي العَيسُ وَاِبيَضَّ لِمَّتي = تَسَوَّد صُبحي فَالدُموعُ فَواقِعُ
وَسِربٍ مِنَ الغِزلانِ فيهِنَّ قَينَةٌ = لَنا هُنَّ في سَقطِ العُذيبِ مَراتِعُ
سَفَرنَ بُدوراً مُذ قَلَبنَ عَقارِباً = مِنَ الشِعرِ خِلنا أَنَّهُنَّ بَراقِعُ
رَعى اللَهُ ذاكَ السِربَ لي وَسَقى ال = حمى وَلا ضُيِّعَت سِربٌ فَإِنّي ضائِعُ
صَليتُ بِنارٍ أَضرَمَتها ثَلاثَةٌ = غَرامٌ وَشَوقٌ وَالدِيارُ الشَواسِعُ
يُخَيَّلُ لي أَنَّ العُذَيبَ وَماءهُ = مَنامٌ وَمِن فَرطِ المُحالِ الأَجارِعُ
فَلا نارَ إِلّا ما فُؤادي مَحَلُّهُ = وَلا السُحبَ إِلّا ما الجُفونُ تُدافِعُ
وَلا وَجدَ إِلّا ما أُقاسيهِ في الهَوى = وَلا المَوتَ إِلّا ما إِلَيهِ أُسارِعُ
فَلَو قيسَ ما قاسَيتُهُ بِجَهَنَّم = مِنَ الوَجدِ كانَت بَعضَ ما أَنا قارِعُ
**
جُفوني بِها نوحٌ وَطوفانُها الدِما = وَنَوحِيَ رَعدٌ وَالزَفيرُ اللَوامِعُ
وَجِسمي بِهِ أَيّوبُ قَد حَلَّ لِلبَلا = وَكَم مَسَّني ضُرٌّ وَما أَنا جازِعُ
وَما نارُ إِبراهيمَ إِلّا كَجَمرَةٍ = مِنَ الجمرِ اللاتي خَبَتها الأَضالِعُ
لِسِرّي في بَحرِ الصبابَةِ يونُسُ = تَلَقَّمَهُ حوتُ الهَوى وَهو خاشِعُ
وَكَم في فُؤادِي مِن شُعَيبِ كَآبَة = تَشَعَّبَ مُذ شَطَّت مَزاراً مَرابِعُ
حَكى زَكَرِيّا وَهنَ عَظمي مِنَ الضَنا = أَيَحيى اِصطِباري وَهوَ بِالمَوتِ نافِعُ
أَيا يوسُفَ الدُنيا لِفَقدِكَ في الحَشا = مِنَ الحُزنِ يَعقوبٌ فَهَل أَنتَ راجِعُ
أَتَينا تجارَ الذُلِّ نَحوَ عَزيزِكُم = وَأَرواحُنا المُزجاةُ تِلكَ البَضائِعُ
فَإِن يَكُ عَطفاً أَنتَ أَهل وَأَهلُهُ = وَإِن لَم يَكُن كانَ العَذابُ مواقِعُ
فَكُلُّ الَّذي يَقضيهِ فِيَّ رِضاكُمُ = مرامي وَفَوقَ القَصدِ ما أَنا صانِعُ
**
تَلَذُّ لِيَ الآلامُ إِذ أَنتَ مُسقِمي = وَإِن تَمتَحِنّي فَهيَ عِندي صَنائِعُ
تَحَكَّم بِما تَهواهُ فِيَّ فَإِنَّني = فَقيرٌ لِسُلطانِ المَحَبَّةِ طائِعُ
حَبَبتُكَ لا لي بَل لِأَنَّكَ أَهلُهُ = وَما لِيَ في شَيءٍ سِواكَ مَطامِعُ
فَصِل إِن تَرى أَو دَع وَعَدَّ عَنِ اللِقا = وَإِلّا فَدونَ الوَصلِ ما أَنا قانِعُ
تَمَكَّنَ مِنّي الحُبُّ فَاِمتَحَقَ الحَشا = وَأَتلَفَني الوَجدُ الشَديدُ المُنازِعُ
وَأَشغَلَني شُغلي بِها عَن سوائِها = وَأَذهَلَني عَنّي الهَوى وَالهَوامِعُ
وَقَد فَنِيَت روحي لِقارِعَةِ الهَوى = وَأُفنِيتُ عَن مَحوي بِما أَنا قارِعُ
فَقامَ الهَوى عِندي مَقاما فَكُنتُهُ = وَغُيِّبتُ عَن كَوني فَعِشقِيَ جامِعُ
غَرامي غَرامٌ لا يُقاسُ بِغَيرِهِ = وَدونَ هُيامي لِلمُحِبّينَ مانِعُ
فُؤادِيَ وَالتَبريحُ لِلروحِ لازِمٌ = وَسُقمِيَ وَالآلامُ لِلجِسمِ تابِعُ
**
وُلوعي وَأَشجاني وَشَوقي وَلَوعَتي = لِجَوهَرِ ذاتي في الغَرامِ طَبائِعُ
غَرامِيَ نارٌ وَالهَوى فَهوَ الهَوا = وَتُربِيَ وَالما ذِلَّتي وَالمَدامِعُ
يَلومُ الوَرى نَفسي لِفَرطِ جُنونِها = وَلَيسَ بِأُذني لِلمَلامِ مَسامِعُ
وَمُذ أَوتَرَت أَحشايَ حُبَّكَ إِنَّني = لِسَهم قَسِيِّ النائِباتِ مَواقِعُ
وَما لِيَ إِن حَلَّ البَلاءُ التِفاتَةٌ = وَما لِيَ إِن جاءَ النَعيمُ مَراتِعُ
وَما أَنا مَن يَسلو بِبَعضِ غَرامِهِ = عَنِ البَعضِ بَل بِالكُلِّ ما أَنا قانِعُ
وَشَوقي ما شَوقي وُقيتُ فَإِنَّهُ = جَحيمٌ لَهُ بَينَ الضُلوعِ فَراقِعُ
وَبي كَمَدٌ لَو حُمِّلَتهُ جِبالُها = لَدُكَّت بِرُضواها وَهُدَّت صَوامِعُ
وَلي كَبِدٌ حَرّاءَ مِن ظَمَأٍ بِها = إِلَيكَ وَلَم يَبرُد غَليلاً مُصانِعُ
يُخَيَّلُ لي أَنَّ السَماءَ عَلى الثَرى = طَبَقنَ وَأَنّي بَينَ ذَلِكَ واقِعُ
**
وَنَفسِيَ نَفسٌ أَيُّ نَفسٍ أَبِيَّةٌ = تَرى المَوتَ نَصبَ العَينِ وَهيَ تُسارِعُ
فَهَمّي وَفَهمي ذا عَلَيكَ وَفيكَ ذا = وَجِدّي وَوَجدي زايِدٌ وَمُتابِعُ
وَعَزمي وَزَعمي أَنَّهُ فَوقَ كلِّ ما = يُرادُ وَظَنّي إِنَّما هُوَ واقِعُ
تُسامِرُ عَينايَ السُها بِسُهادِها = وَتَسأَلُ بَل ما سالَ إِلّا المَدامِعُ
وَيَرقُبُ مِنكَ الطَيفَ جَفنِيَ دُجنَةً = وَكَم زارَهُ طَيفٌ وَما هُوَ هاجِعُ
وَيُخبِرُني عَنكَ الصَبا وَهوَ جاهِلٌ = فَتَلتَذُّ مِن أَخبارِكُم لي مَسامِعُ
إِذا غَرَّدَت وَرَقا عَلى غُصنِ بانَةٍ = وَجاوَبَ قُمرِيٌّ عَلى الأَيكِ ساجِعُ
فَأُذنِيَ لَم تَسمَع سِوى نَغمَةِ الهَوى = وَمِنكُم فَإِنّي لا مِنَ الطَيرِ سامِعُ
وَمِن أَيِّ أَينٍ كان إِن هَبَّ ضايِعٌ = فَلي فيهِ مِن عِطرِ الغَرامِ بَضائِعُ
وَإِن زَمجَرَ الرَعدُ الحِجازِيُّ بِالصَفا = وَأَبرَقَ مِن شُعبى جِياد لَوامِعُ
**
يُصَوِّرُ لي الوَهمُ المُخَيّلُ أَنَّ ذا = سَناكَ وَهَذا مِن ثَناياكَ ساطِعُ
فَأَسمَعُ عَنكُم كُلَّ أَخرَسَ ناطِقاً = وَأُبصِرُكُم في كُلِّ شَيءٍ أُطالِعُ
إِذا شاهَدَت عَيني جَمالَ مَلاحَةٍ = فَما نَظَري إِلّا بِعَينِكَ واقِعُ
وَما اِهتَزَّ من قَدِّ قَنا تَحتَ طَلعَةٍ = مِنَ البَدرِ أَبدَت أَم خَبَتها البَراقِعُ
وَلا سَلسَلَت أَعناقَها بِغَرامِها = تَصافيفَ جَعدٍ خَطّهُنَّ وَقائِعُ
وَلا نَقَطَت خالَ الملاحَةِ بَهجَةٌ = عَلى وَجنَةٍ إِلّا وَحَرفُكَ بارِعُ
فَأَنتَ الَّذي فيهِ يَظهَرُ حُسنُهُ = بِهِ لا بِنَفسي ما لَهُ مَن يُنازِعُ
وَإِن حَسَّ جِلدي مِن كَثيفِ خُشونَةٍ = فَلي فيهِ مِن أَلطافِ حُسنِكَ رادِعُ
تَخِذتُكَ وَجهاً وَالأَنامَ بِطانَةً = فَأَنجُمُهُم غابَت وَشَمسُكَ طالِعُ
فَديني وَإِسلامي وَتَقوايَ إِنَّني = بِحُسنِكَ فَانٍ لِأَتمارِكَ طائِعُ
**
إِذا قيلَ قُل لا قُلتُ غَيرَ جمالِها = وَإِن قيلَ إِلّا قُلتُ حُسنُكَ شاسِعُ
أُصَلّي إِذا صَلّى الأَنامُ وَإِنَّما = صَلاتي بِأَنّي لِاِعتِزازِكَ خاضِعُ
أُكَبِّرُ في التَحريمِ ذاتَكَ عَن سِوى = وَاِسمُكَ تَسبيحي إِذا أَنا خاشِعُ
أَقومُ أُصَلّي أَي أُقيمُ عَلى الوَفا = بِأَنَّكَ فَردٌ واحِدُ الحُسنِ جامِعُ
وَأَقرَأُ مِن قُرآنِ حسنِكَ آيَةً = فَذَلِكَ قُرآني إِذا أَنا راكِعُ
وَأَسجُدُ أَي أَفنى وَأَفني عَنِ الفَنا = فَأَسجُدُ أُخرى وَالمُتَيَّمُ والِعُ
وَقَلبِيَ مُذ أَبقاهُ حُسنُكَ عِندَهُ = تَحِيّاتُهُ مِنكُم إِلَيكُم تُسارِعُ
صِيامي هُوَ الإِمساكُ عَن رُؤيَةِ السوى = وَفِطرِيَ أَنّي نَحوَ وَجهِكَ راجِعُ
وَبَذلِيَ نَفسي في هَواكَ صَبابَةً = زَكاةُ جَمالٍ مِنكَ في القَلبِ ساطِعُ
أَرى مَزجَ قَلبي مَع وُجودي جَنابَةً = فَماءُ طَهوري أَنتَ وَالغَيرُ مائِعُ
**
أَيا كَعبَةَ الآمالِ وَجهُكَ حجَّتي = وَعُمرَةُ نُسكي أَنَّني فيكَ والِعُ
وَتَجريدُ نَفسي عَن مَخيطِ صِفاتِها = بِوَصفِكَ إِحرامي عَن الغَيرِ قاطِعُ
وَتَلبِيَتي أَنّي أُذَلِّلُ مُهجَتي = لِما مِنكَ في ذاتي مِنَ الحُسنِ لامِعُ
وَكانَت صِفاتٌ مِنكَ تَدعو إِلى العُلا = لِذاتي فَلَبَّت فَاِستَبانَت شَواسِعُ
وَتَركي لِطيبي وَالنِكاحِ فَإِنَّ ذا = صِفاتي وَذا ذاتي فَهُنَّ مَوانِعُ
وَإِعفاءُ حَلقِ الرَأسِ تَركُ رِياسَةٍ = فَشَرطُ الهَوى أَنَّ المُتَيَّمَ خاضِعُ
إِذا تَرَكَ الحُجّاجُ تَقليمَ ظُفرِهِم = تَرَكتُ مِنَ الأَفعالِ ما أَنا صانِعُ
وَكُنتُ كَآلاتٍ وأَنتَ الَّذي بِها = تُصَرِّفُ بِالتَقديرِ ما هُوَ واقِعُ
وَما أَنا جَبرِيُّ العَقيدَةِ إِنَّني = مُحِبٌّ فَنى فيمَن خَبَتهُ الأَضالِعُ
فَها أَنا في تَطوافِ كَعبَةِ حُسنِهِ = أَدورُ وَمَعنى الدَورِ أَنِّيَ راجِعُ
**