كلما تذكرت صراخه

الإدارة المشاركات : 3446 . :

ريم اللواتي

مشاعرغريبه تنتابني كلما تذكرت صراخه :
ــ " سالم أنت طالب كلية طب لا تنسى ذلك ".. كان صوته هادرا ، ينفخ في طبلة خوفي ويجعلني أرتعد أكثر.
-" أستاذ ولكني لا أريد دراسة التشريح سأستبدله بمادة أخرى ." .. أعلم أني لا أستطيع فعل ذلك ، فهل يكون خوفي من المساس بقداسة الموت حرص واجب ؟
.. هل أترك كل شيء وأرحل إلى عالم أخر غير تلك الثلاجات الباردة والجماجم القاتمة .. إنها تزروني بإصرار كل ليلة تطلب مني أن لا أعبث بها تصرخ بوجهي هي الأخرى .. طنين يعزف لحنه المقيت في هاجسي المرتعد .
- سالم تقديرك ممتاز يا ولدي بيدخلّك الطب مثل ولد عمك ، ما بيرفع راسنا غيره .
- أبوي بس أنا أبي أصير رسام !
- شنو رسام ، خديجة تعالي شوفي ولدك .
سيل من السباب والشتائم ، أمي تبكي ، ولدها الوحيد يخذل آمال السنين المنصرمه ، وهو لازال يصرخ ، يزبد غضباً .. رأسي تكاد تنفجر، غدا أول محاضرات التشريح ، ماذا سأفعل ؟!
كل زملائي اجتازوا المادة وبقيت وحدي أماطل المقرر فأغير جدولي الدراسي حتى يتعارض دوما مع كل مواد التشريح ، عجبي أيلاحقني الموت بكل صوره .. لا أريد الاقتراب منه أخشى أن يضمني إليه في صندوق ينتظر مبضعا يشق برودته ، ويحول أشلاءه إلى ساعة درس ينتهي مخلفاً بقايا إنسان كان هنا ذات يوم ورحل .
غرفتي هذه الليلة باردة ، اشبه بتلك الثلاجة التي لطالما كرهتها ، ورائحة العفن تسري على سريري المتجمد .. تضيق بي الجدران ، تدك أضلعي ، أسمع ضجيجا عالياً وفرجة نور تتلصص على جسدي المنهك .
- هذا درسنا الأول في علم التشريح ، أمامنا جثة كانت لطالب طب مثلكم مات في حادث سير وأوصى والده بأن تكون جثة ابنه في خدمة العلم كما كان هو طيلة حياته !
مبضع صغير يشق جلد الحُلم ، تتعالى الأصوات ، همهمات كثيرة وصرخات فزع ، يزداد وجع رأسي حدة .
ماذا يحدث ؟!