الشيخ علي سليم سليم
يعتبر مفهوم " الترانسفير" أو التهجير في الفكر الصهيوني في تجلياته الأولى والتي صدرت بالعربية تحت عنوان ( أرض أكثر وشعب أقل ) إنها محاولة توثيقية لهذا المفهوم منذ هرتزل ووايزمن وبن غوريون إلى وارثيهم شامير ورابين وباراك وشارون .
وقد وقف معظم قادة الصهاينة إلى جانب هذه الفكرة التي تعني تخليص أرض فلسطين من العرب الذين ظل ينظر إليهم كعابرين لا أساس لهم في أرض أجدادهم .
وتؤكد بعض الدراسات التي أعتمدت على أرشيف الدولة الصهيونية ووثائق دائرة الهجرة اليهودية وغيرها من الدراسات التي أصدرتها الحركة الصهيونية التصحيحية في التاريخ الإسرائيلي صورة عن الجهد الذي بذلته من أجل إيجاد الظروف الملائمة لهجرة الفلسطينيين من إسرائيل أو إجبارهم على الهجرة كما تشير إلى التنوعات الكثيرة التي صدرت في داخل المؤسسة الصهيونية من أجل التخلص من الفلسطينيين الذين ظلوا بعبعاً ديموغرافياً يلاحق الدولة الصهيونية وإقامة دولة متجانسة تصلح لليهود فقط .
كما تثير المخاوف من أن فكرة الطرد أو التهجير الجماعي التي ظلت أساساً في فكر الحركة الصهيونية من ثمانينات القرن التاسع عشر إلى نهايات القرن العشرين ستتواصل بكل الوسائل الدائبة في مصادر الأراضي وسياسة توسيع المستوطنات التي تطالب بها حركات اليمين المتطرف من أمثال حزب الليكود ، والقومي الديني ، وحزب حيروت ، وحركة غوش إيمونيم بشكل حثيث ، وينبغي الإشارة إلى عدم الفرق بين الأحزاب اليمينية المتطرفة والعلمانية من ناحية فكرة التهجير ،وإنما الفرق في ماهية الفكرة ، وقد وضعت السلطات الإسرائيلية فيما بعد مخططات لتهويد الجليل وكسر التركيز العربي في هذه المنطقة ، وذلك عبر تسميات مختلفة منها : ما يسمى مشروع تطهير منطقة الجليل ومشروع نجمة داوود لعام 2020 ، حيث يهدف إلى إخلال التوازن السكاني لصالح اليهود في المنطقة الشمالية من فلسطين المحتلة عام 1948 م وتضم المنطقة : الجليل وحيفا والناصرة .
لم يكتف الصهاينة بتربية أجيالهم على ثقافة أرض الميعاد ومفهوم أرض إسرائيل الكبرى ( إيرتس يسرائيل ) حتى جعلوها مبادىء راسخة فكراً وعقيدة ذات أهداف توسعية ، وإغتصاب أرض فلسطين ليس سوى جزء من مخططها التوسعي ، يقول بن غوريون ( إن بلادنا من الشمال إلى الجنوب .. من قمم لبنان وحرمون إلى البحر الأحمر .. ويقول أيضاً : دولة إسرائيل إنما قامت على جزء من أرض إسرائيل وأنها ليست تجسيداً كاملاً للرؤية الصهيونية ) يقول هرتزل في مذكراته : ( المساحة من نهر مصر إلى الفرات ) ويقول الحاخام البولوني ( إيزاكس) في كتاب له نشر في العام 1917 م . في أمريكا : ( إن أرض إسرائيل تمتد من الإسكندرية إلى أواسط سيناء وتشمل الصحراء من العقبة حتى تدمر فالفرات .. تلك هي حدود مملكة سليمان )، ولهذا فإن التاريخ السياسي الصهيوني ظل يدور حول الأرض وطبيعة الحدود التي يتحرك في داخلها الطموح الصهيوني الذي يجري في عروق كل الحكومات والرموز الإسرائيلية والتي كان آخرها وصول أرييل شارون للحكم في إسرائيل .
من الرموز التي أكدت حضورها في الخطاب الصهيوني المعاصر ، كانت أفكار إستعادة الأرض وتوطين المستوطنين ومفهوم الدولة ، التي إستعادت العديد من الطقوس والأساطير ، فالخطاب الصهيوني يؤكد على أن الأساطير التي تحدث عنها العهد القديم تشكل الأساس التاريخي الذي يقوم عليه طبيعة الحقوق اليهودية التي تمنحها الأساطير القديمة ، ولهذا فإن قصص سفر التكوين وسفر الخروج شكل في الرواية الصهيونية الأساس الذي يربط اليهود في العصر الحالي بفلسطين .
لقد ربطت الحركة الصهيونية نجاح مشروعها لإقامة كيانها بقدرتها على طرد السكان الفلسطينيين من بلادهم وإحلال المستوطنين اليهود من كافة بقاع الأرض عوضاً عنهم ، ففي العام 1948 م نجحت في إقامة كيانها على 78 في المائة من مساحة فلسطين البالغة 27000كلم وإنتهجت إستراتيجية الإرهاب للإجبار على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين فقامت بالعديد من المجازر كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم ودير ياسين وغيرها كثير ، إضافة إلى هدم نحو 385 قرية عربية بشكل كامل .
ويشير أحد الباحثين في هذا السياق إلى أن التشكيل التوراتي ذا الطابع الأسطوري جرى التعامل معه في الدوائر الصهيونية والغربية كحقائق غير قابلة للنقد ، وعليه فقد جرى تبني المقولات الصهيونية عن أرض فلسطين التي لا شعب فيها ، والأرض المقفرة والجائعة التي كانت تنتظر وصول المهاجرين الأوروبيين اليهود لتعميرها وزرع بساتينها وفي داخل هذا الإدعاء جرى إستبعاد وإهمال تاريخ طويل من الفعل الزراعي في فلسطين .
لقد كان إستقدام اليهود من الشتات إلى فلسطين وإقامة المستوطنات على أرضها وأرض لبنان من أهم الأسباب الذرائعية في بنائها بحجة إستصلاح الأرض وزراعتها وبناء البيوت في داخل البساتين كل ذلك كان يحصل في ظل الإحتلالين البريطاني والفرنسي .
بناء المستوطنات :
مشروع بناء المستوطنات قديم يمتد إلى ستة عقود قبل قيام الكيان الصهيوني خصوصاً المستوطنات الشمالية في الجليل وعلى طول الحدود مع لبنان ، وقد أقيمت في وقت مبكر وذلك بمساعدة الإنتداب البريطاني الذي حمل شعار تخليص بلاد العرب من الإحتلال العثماني ،وعمل على تفويضه تمهيداً لتنفيذ أقذر مشروع وأخطر مؤامرة تعرض لها العالم العربي والإسلامي .. من هنا فلم يكن متصوراً آنذاك وجود لإسرائيل بدون هذا الدعم ، وبطبيعة الحال لم يكن لبنان بمنأى عن هذه المخاطر التي دفع بازائها ولا يزال أثمان باهظة ، ففي فترة من الفترات أعرب بن غوريون عن عزمه لقبول إقتراح تقسيم فلسطين الذي قدمته لجنة ( بيل ) كحل مرحلي ، وكان هذا الموقف يشكل تراجعاً عن دعوته لفرض الإنتداب حتى حدود الليطاني .
تعتبر ( ريشيون ليتسيون ) أول مستعمرة يهودية والتي تأسست عام 1882 ثم مستعمرة ( متولاه) المطلة عام 1896 م( كفارغلعادي ) سنة 1916 ( حولاتا ) 1936م (كريات شمونة ) 1939 ( رميم )1944م.
( رموت نفتالي ) 1945م . ومرجاليوت ومسكاف عام ، عين عيرون ( 1934) ألون (1938) ومتسوفا ( 1930) أييليت هشاحر (1918) بيت هيلل(1940) إلى غيرها التي لا حصر لها ، ولا ندري أين ينتهي المشروع الصهيوني على المدى المستقبلي ولولا ممانعة شعبنا المستند لقوة المقاومة الباسلة لما أنشذ العدو عن جعل قرانا الحدودية مفرغة من سكانها ولأضافها إلى قائمة مستوطناته المقامة على أرض الغير ، ولا عجب فالكل يعلم أن كيان العدو لم يعلن حدوده بالدستور وذلك لأسباب توراتية ! وهذا ما يزيدنا قوة وعزيمة ويقيناً أن سلامهم حرب وتقتيل وتشريد ،وما يجري على الشعب المظلوم المعذب في الداخل الفلسطيني شاهد صدق على ما جاء به توراتهم المزعومة ( قل فأتوا بالتوراة فأتلوها إن كنتم صادقين ) .
وإقامة هذه المستعمرات سبقها محاولات صهيونية بغية شراء أراضي في مناطق حوض الحاصباني ومنطقة المطلة في سهل الخيام .
وحتى بعد ترسيم الحدود عام 1923م إستمرت عمليات إبتياع الأراضي لتتركز في الثلاثينات في بحيرة ( الحولة ) ومنطقة جبل البلان الواقع إلى الشرق من قريتي( ميس الجبل وحولا ) حيث أقيمت لآحقاً مستعمرة ( المنارة ) التي كانت قرية صغيرة من قرى جبل عامل ، كما ونجح اليهود في الأربعينات في شراء أراضي بلدة ( قدس ) أراضي تابعة لبلدة العديسة ، أراضي (المالكية ) ، أراضي مزرعة (دفته) بين القليعة ودير ميماس وأراضي ( هونين ) وما تبقى من أ راضي المنارة أراضي بلدة الذوق التحتاني ، وتكشف تلك الحقائق المدونة على صفحات تاريخ الإرهاب والإكراه الصهيوني أن جميع تلك الأراضي لبنانية ،فضلاً عن أنه لو أعمل حق تقرير المصير المكرس بميثاق الأمم المتحدة لتأكد الحق اللبـناني الثابت في هذه الأراضي ،وبالتالي المطالبة بها وفقاً للقانون الدولي مع الطعن بإتفاقية ترسيم الحدود ( نيوكومب بولية ) التي أدت إلى إتساع دائرة النفوذ البريطاني على حساب الأراضي اللبنانية ،حيث أن ما يسمى بإتفاقية حسن الجوار 1926م إنما تم على أساس توزيع النفوذ ، من حدود الإنتداب الفرنسي .
والوقائع المثبتة بالأرقام تعود إلى ما قبل إتفاق الهدنة عام 1949 وتوقيع المسح الجغرافي الموقع من ( إسرائيل) أما بعد هذا الإتفاق وبمعزل عن القرى السبع وغيرها من المناطق اللبنانية ، فإنه توجد أراض لبنانية عمل العدو على مصادرتها وإقتطاعها في إطار عمليات قضم متتالية .
ونشير إلى أن المواد المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني تقضي بالمحاسبة والمعاقبة تقول المادة 277 : يعاقب بالإعتقال المؤقت خمس سنوات على الأقل كل لبناني حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءً من الأراضي اللبنانية ليضمه إلى دولة أجنبية أو أن يملكها حقاً أو أمتيازاً خاصاً بالدولة اللبـنانية ، وقد يعاقب بالأعتقال المؤبد.
وفي إطار الحديث عن الأملاك اللبنانية داخل فلسطين والذي عملت الوكالة اليهودية على تحقيقه بالتعاون والمؤازرة من البريطانيين ، نذكر الوضع التاريخي الذي كان سائداً والذي أدى بإضافة العوامل الرئيسية إلى هذه الحال .
في العام 1888م ، أعلنت ولاية بيروت التي كانت تصل حتى اللآذقية شمالاً وحتى نابلس جنوباً بإستثناء بعض المناطق التابعة لمتصرفية جبل لبنان ،وهذا يعني أن المناطق اللبنانية والسورية والفلسطينية كانت متداخلة في ما بينها سياسياً وعسكرياً وأقتصادياً وإجتماعياً لهذا حرص العديد من اللبنانين علىإستثمار أموالهم وشراء عقارات منذ القرن التاسع عشر في فلسطين ، وإستطاعوا تطوير المناطق الزراعية في مختلف المناطق منذ العهد العثماني .
وما يدل على إتساع أملاك اللبنانيين في فلسطين ولبنان ، محاولات الحركة الصهيونية شراء خمس مستوطنات كاملة في الجليل الأعلى ، قرب حوضي الحصاباني والليطاني ، بالإضافة إلىاملاك اللبنانيين في سهل الخيام في الفترة الممتدة بين عامي 1882 و1896 ، وفي حزيران 1903 م حاولت الشركات الصهيونية التفاوض مع بعض الأقطاعيين لشراء مقاطعة وادي جزريل ( مرج أبن عامر ) وقد أكد تيودور هوتزل في مذكراته هذه المفاوضات ، وقد رأت الحركة الصهيونية من خلال دراساتها والمستندات والوثائق والإحصاءات التي تملكها أن معركتها الأساسية لأمتلاك فلسطين ليست ضد فلسطين وحدهم وإنما ستكون ضد اللبنانين الذين يملكون أقطاعات ومساحات ومستوطنات زراعية عديدة ، لأن الصهيونية أدركت منذ عهد مبكر : أن من يملك العقارات يملك القرار .
لهذا نشطت مجدداً بين عامين 1916 و 1920 للتفاوض مع الملاك اللبنانيين لشراء القرى اللبنانبة اللآتية : ( صلحا ، هونين ، طربيخا ... ) فضلاً عن ذلك ووفقاً للمخطط الصهيوني ، حاولت الصهيونية شراء أراضي فلسطينية من ملاك لبنانيين وسوريين لبناء مستوطنات صهيونية تقدر بمئات آلآف الدونمات وعلى سبيل المثال لا الحصر : 400 ألف دونم في مرج أبن عامر لأقامة 56 مستعمرة عليها .
أما في ما يختص بالقرى والأراضي اللبنانية التي أقتطعتها إسرائيل وأحتلتها بين 1948 و2000 فينبغي إعادتها حكماً إلى لبنان إستناداً إلى المواثيق والإتفاقات والقرارات الدولية التي لا تحترم إٍسرائيل أياً منها وبالتالي ليست مطالبة من قبل أمريكا ، حيث تعتبر أم من حقها أن تفعل أي شيء لدواعي أمنية وغيرها ، تقتل ، تقضم ، وتحتل ، حتى أن بيغن يرفض إستخدام كلمة ضم ، لأنك أنما تضم أرضاً أجنبية .. وما يضمونه يعني أنه ليس أرضاً أجنبية .. وما يضمونه يعني أنه ليس أرضا أجنبية وهنا يكمن الخطر ، لقد سيطرت إسرائيل بعد 1948 على قرى لبنانية عديدة منها : شوكة أقرط ، حانوتا ، معسولة ، المالكية ، الدحيرجة ، الجردية ، كفر برعم ،إضافة إلى آلآف الدونمات من مرجعيون وكفر كلا والطيبة والقليعة ودير ميماس ومارون وعيترون وبليدا والعديسة والآراضي الزراعية الخصبة التي تحوط سهل الحولة .
إذا كانت إسرائيل تتحدث عن الخط الأزرق ، وليس عندها خطوط زرقاء ولا حمراء فكل الخطوط عندها خضراء .
معممة هذا المصطلح كخط نهائي للحدود مع لبنان فهو يعني الغاء ترسيم 1923 الذي جاء ليعبر عن رغبة جامحة في توسيع الإنتداب البريطاني ، على حساب الإنتداب الفرنسي ،وبالتالي على حساب العامليين وإذا كان هذا هو حال ترسيم المذكور فكيف ما يسمى بالخط الآزرق ! وبين هذي وذي ضاعت الحقوق التاريخية ، وهي صفحة طويت مع الزمن ، أما القرارات الدولية فلم تعد تنفع في هذه المرحلة بحسب الزعم الإسرائيلي ،وفي كل الأحوال بحسب الزعم الإسرائيلي ، وفي كل الأحوال فإن لبنان موقن بأن القرارا الصادرة عن مجلس الأمن الدولي لم تعد أرضاً ولم تحرر أوطاناً لا تزال ترزح نحت نير الإحتلال وإنما قوة المقاومة ورجالاتها الإبدال صنعت النصر .
وبالعودة إلى التمسك بالإتفاقيات المعقودة مع أصحاب القرار ، كإتفاقية حسن الجوار وإتفاقية ترسيم ( نيو كومب ، بولية ) لحدود عام 1923 ، لا يعني إعترافاً بوجود شرعي لإسرائيل ،وتبقى إٍسرائيل دولة غاصبة لأرض شعب شردتة من وطنه ،وأمعنت في قتله والتنكيل به غير أبهة لكل الشرائع والنظم في العالم ، الذي يدعو إلى إحترامها ، فمن وجهة نظر القانون الدولي فإن تل أبيب ملزمة بإتفاقية الترسيم ،وذلك بعد أن وقعت تقرير المسح الجغرافي للحدود في أواخر العام 1949 أثر إتفاقية الهدنة أو ( خط الهدنة ) ويكفي للإطلاع على بند واحد من موادها حتى نعلم أنه حتى لو كان من مصلحة إسرائيل مع ذلك لا تلتزم به عندما تتمكن من مزيد من العدوان ، كما في المادة الأولى منها : ( لا يجوز للقوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية التابعة لأي من الفريقين القيام بأي عمل عدواني ، أو التخطيط له أو التهديد به ضد شعب الفريق الأخر ... ) والمادة الثامنة : ( ومجلس الأمن إنما دعا إلى الهدنة لدرء الخطر الذي يهدد السلم في فلسطين ) ، ذلك أن المسح الجغرافي الذي رسم الحدود ثانية تم بإشراف مندوب عن الأمم المتحدة ،وبعد إجتماعات مطولة شارك فيها عن الجانب الصهيوني : غوزنسكي وسيغال ، وعن الجانب اللبناني : الضابطان غانم وناصيف ، وأودعت في مجلس الأمن ،وتوجد خرائطها حالياً في أرشيفي الخارجيتين الأميركية والإسرائيلية ، وعلى هذا الأساس يعتبر خط الهدنة المرجعية القانونية للإتفاقات اللآحقة وللقرار بين 425 و426 وللبنان الرسمي في هذا الجانب المصلحة في التمسك بحدود خط الهدنة ، علماً أن المقارنة بين ترسيم 1923 وترسم 1949 تظهر أن ثمة تغيراً قد حصل في الحدود وخاصة في المنطقة الوسطى وذلك حتى لايكون بإمكان العدو الإدعاء بوجود أكثر من حدود وبالتالي تكريس متطلباته السياسية والإقتصادية والأمنية في تعديلات قد تجري بغطاء دولي.
وبحسب هذه المعطيات ليس هناك مانع من أن يطرح لبنان ملف إستعادة حقوقه الثابتة بالحدود الأساسية ، بل يفترض بالحكومة أن لا تتخلى عن المطالبة بحدود ما قبل 1923 إستناداً إلىأن الترسيم بين الإنتدابين يخالف روح صك الإنتداب وبالتالي تتوافر أكثر من إمكانية للطعن .
بإتفاق الترسيم على مستوى القانون الدولي ، وفي هذا الخصوص يأتي إعلان الجنرال غورو 1920 الذي على أساس منطوقه الجغرافي أعطى أبناء القرى السبع هويات عن دول لينان الكبير ،ودفعوا صكوك بموجب صكوك لبنانية في عهد الإنتداب فإن ما أصطلح عليه بالقرى السبع كان تابعاً للخارطة اللبنانية أبان إعلان دولة لبنان الكبير ، غير أنها تغيرت ما بعد 1926 للأسباب فيها التي ذكرناها ولالحاقها بدائرة النفوذ الصهيوني ، ومنذ عام النكبة وحتى الآن لا يزال الجنوب مدرجاً على خارطة لبنان وخارطة المطامع الإسرائلية ، لا يزال أبناء القرى يحتفظون بها والتي يمكن أن تفيد فيما لو قرر لبنان اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لأثبات حقوقه بالحدود مع فلسطين المحتلة .
وللدلالة على الحق اللبناني فإن إتفاق حسن الجوار أخرج على سبيل المثال منطقة بعرض 3 إلى 5 كلم من حدود الإنتداب الفرنسي ، فأضحت قرى خِرَب عديدة خارج الحدود اللبنانية المتعارف عليها في الفترة العثمانية كالبصة ، خربة معصوب ،وعين حور ، وحانيتا ، وما أصطلح على البقية بالقرى السبع التي تتوف على الثلاثين ، كما أخرجت من ناحية أصبع الجليل الشريط الآهل الممتد غربي سهل الحولة ،وهو شريط يقع في أعمال مرجعيون بالغضافة إلى أبل القمح ، النبرية ، الخاص المنصورة المالكية ، قدس ، النبي يوشع ، المنشية ، جاحولا خان الدور وتل ماي وكفر برعم ، وكانت إسرائيل قد وضعت يدها على هذه الأراضي ، بإعتبارها أملاكها للعدو ـ عام 1948 ، وتجددت المطالبة بها من المحامي الفرد نصار غلمية ، في مذكرة أرسلها في العام 1999 إلى الرئيس سليم الحص .
وهكذا يلاحظ أن للبنانيين أملاك قديمة منذ العهد العثماني حتى 1948 ،وثمة نسخ مصورة عن وثائقها في دوائر الحكومة البريطانية إستنسختها قبل إنسحابها من فلسطين ،وأملاك وقرى من 1948 وحتى سنة 2000 ، وليس من حق أحد التنازل عنها جماعة أو فرادى تحت أي ظرف ، ولذلك فإن على لبنان أن يولي هذه القضية عناية لأهميتها القصوى على الصعيد الوطني والسياسي والديموغرافي والإقتصادي والإجتماعي ، وإن كنا نثق تمام الثقة أن هذا العالم المتكبر والمستعلي الداعم لكل ما تقوم به إسرائيل لن يجني من المراهنة عليه في إرجاع الحق السليب ولكن الموقف الرافض للإبتزاز والممانعة لك لشكل من أشكال التطبيع أمراً بالغ الأهمية ، ينبغي الإبقاء عليه دونماً مساومة .. مع أننا نعلم أن العدو فكّر وخطط منذ زمن بعيد وصمم على عدم التنازل عن الأرض التي أحتلها وحتى على المساومة عليها وما مسارعته إلى بناء تلك المستعمرات في وقت مبكر إلا دليلا واضحاً على ذلك حيث أدرك أهمية تلك المرتفعات من الناحية العسكرية فعمل على ضمانها وأرفدها بالمد السكاني ومن وراءه العسكر الجاهز في أية فرصة للإنقضاض ولتنفيذ مشاريعه الرامية إلى التوسع وبسط النفوذ على أملاك الآخرين .. والوقائع المثبتة بالأرقام تعود إلى ما قبل إتفاق الهدنة ، أما بعده ويمعزل عن القرى السبع وغيرها من المناطق اللبنانية ، فإنه توجد أراض لبنانية عمل العدو على مصادرتها وإقتطاعها في إطار عمليات قضم متتالية ، ففي حزيران من العام 1948 سيطر على هضبة رأس الناقورة ولم ينسحب منها بالرغم من توقيعه إتفاقية الهدنة المبرمة معه والتي مضى عليها أكثر من عشرين عاماً ، وأقام عليها مستعمرة ( كفاروش هتكرا ) وعمل على توسيع منطقة أصبع الجليل الحدودية عندما أجتاز لواء ( كرملي ) الإسرائيلي خط الحدود أوائل تشرين الثاني عام 1948 وأحتل 17 قرية ، وتواصلت عمليات القضم للأراضي اللبنانية ، خصوصاً منذ العام 1967 حيث جرت محاولات مختلفة لتعديل الحدود من خلال إزالة المعالم وطرد السكان وهدم المنازل وشق الطرقات العسكرية ،كما حصل بالنسبة لمزارع شبعا التي تتداخل مع الجولان السوري المحتل ..
وبقي جبل عامل يتأرجح في تبعيتة منذ مطلع القرن الماضي وهو الحاضر دوماً في عروبته الضاربة أغوار الزمن الرافض .. فأريد الحاقه تارة بفلسطين وتارة بفصل جزء من فلسطين لألحاقه بلبنان ، وكان دائماً يصطدم هذا المشروع بعقبات كؤودة تحول دون تحققها ذلك أن الجنوب هذا ذو أكثرية مسلمة مما يجعل هذا الامر مهمة صعبة وتشكل خللاً في التوازن الديمغرافي على المدى البعيد ، حتى الحروب التي تكررت وشاهدنا فصولها لم تستطع الإخلال بهذا الميزان .
وكان هذا المشروع بشقه الأول يستهدف المساعدة على زيادة الهجرة اليهودية ، وكانت شخصيات لبنانية بارزة تسهل عمليات تهريب اليهود إلى إسرائيل ،كما ذكرت صحيفة النهار في 28 حزيران و7 آب 1946 ،وذكرت أيضاً مدى النشاط الصهيوني داخل لبنان في العدد 3159 بقولها : ( فقد أتصل بنا على ثقة أن جماعات من الصهيونيين في فلسطين شرعت منذ مدة في إجتياز الحدود إلى لبنان خلسة تحت ستار الكتمان وبواسطة سماسرة ما هرين في دلهم على الطريق ، وقد تكاثرت جموع الفارين منهم على مختلف نقاط الحدود ، فتوزعوا بين العاصمة ومدن المحافظات ،ولا نعلم إذا كان المقصود بهذه الحركة إفساح المجال للأجئين الجدد إلى فلسطين أم التوطين في لبنان عن طريق شراء الأراضي والعقارات لتوسيع الوطن الصهيوني على حساب لبنان ) وكان الذي يدفع الثمن دائماً قبل عام النكبة بأحقاب واحقاب ، هو جبل عامل ، صاحب العلاقة الحيوية والعريقة بفلسطين .
والذي تحول إلى هدف دائم للإعتداءات الإسرائيلية الوحشية .
ـ المصادر المعتمدة في البحث :
1 ـ نور مصالحة : إسرائيل الإمبريالية والفلسطينيين : سياسية التوسع.
2 ـ صحيفة النهار : 28 حزيران و7 آب 1946 .
3 ـ صحيفة السفير : 4 شباط 2002م.
4 ـ صحيفة العهد : 5 أيار 2000م.
5 ـ صحيفة الحوار : 6 أيار 2000م.