للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: محطة قطار 19.03.10 2:47 | |
| محطة قطار داليا مختار
شبه خاوية.. دخلت المحطة بخطوات شبه واثقة, أو هكذا تبدو لمن يراها.. تتحسس كوفيتها حول رقبتها للتأكد من دفئها... تلقي نظرة واسعة سريعة تتمهل لتسرح في تفاصيل الأشياء و الأشخاص الموجودين في محطة القطار. شبه فارغة.. تمارس فيها الرياح دورانها غير عابئة بما تصدره من عويل , فد يخيف طفل صغير يحاول مواصلة الركض خلف أبيه للحاق بقطار كاد أن يتحرك, أو يزيد من شعور امرأة عجوز تجلس -في صبر- بالوحدة و البرد. ثلاثة أرصفة تفصل بينها أربعة قضبان حديدية شهدت الكثير من الوداعات و نهايات الحكايات..كما أدفأها القليل من أحضان الشوق و دموع اللقاء.مقهى صغير,يدور حول طاولاته الحديدية اللامعة نادل لم يعد يري شيئا من كثرة ما رأي! ورجل يجلس ليبحث عن الدفء في البخار المنبعث من كوب الشاي الموضوع أمامه, و دخان سيجارته الذي يحيطه بهالة من عدم الوضوح...وبجواره علي الرصيف تراصت صحف لا تدري ان كانت صحف اليوم أم الأمس, يعبث الهواء بأوراقها محاولا في عناد التغلب علي الأثقال الحجرية التي ترسخ فوقها..عله ينجح في تمزيق بعض صفحاتها فيريح الناس من بعض هموم ذلك الوطن الذي لم يعودوا ينتمون إليه! شعرت أن كوفيتها لم تعد تعطيها الدفء الذي تنشده,فراحت تحرك قدميها سائرة إلى اللاشيء و قد أغشت عينيها دموع ربما تكون بسبب البرد الذي بدأ يتخلل جسدها..أو ربما تكون بسبب الذكريات التي راحت تتدافع علبها الواحدة تلو الأخرى..رأت نفسها تقف على الرصيف المقابل..تبدو أصغر سنا و أكثر إشراقا, تحمل أمالا عريضة لمستقبل رسمته لنفسها بنفسها..طريق صممت أن تمضي فيه رغم اعتراض الآخرين. رأت نفسها عائدة على نفس الرصيف و قد خذلها الخوف و عدم الثقة و كلام أمها.. فكان أن خذلت هي نفسها!رأتها تقف هنا و قد مضت بضع سنين تودع زوجا لم تعد تذكر ما الذي ربطها به..تتعلق به لأنها لم تكن تجد سواه تتعلق به.. تتركه مرغمة ليمضي..لتترك بعد ذلك كل ما بينهما يمضي! ما الذي جاء بها الى هنا اليوم؟!حاولت جاهدة أن تتذكر.. أجاءت لتستقبل غائب أم لتودع أخر سيغيب؟ شبه نائمة ..سرحت ببصرها فرأت قطارا يقترب ببطء.. يبدو مختلفا عن غبره من القطارات..لا يصدر الضجة المعتادة و كأنه يتسلل كى لا يشعر به أحد!توقف أمامها مباشرة ...نظرت بداخله فبدا لها ركابه أيضا مختلفين..يبدون أقل صخبا و أكثر سكينة و رضا..استغرق كل منهم في أفكاره و كأنه وحده تماما!..ما الذي جاء بها الى هنا؟!راحت تعتصر ذاكرتها المتعبة.. ألتعطي شخصا ما شيئا ما ليسلمه لشخص ما؟! أم لتأخذ شيئا ما من شخص ما لتعطيه لشخص ما؟! ازدادت الضجة من حولها و قطار أخر يهم بالرحيل مصدرا صافرته الأخيرة و رجل يركض لاهثا خلفه ليلحق به..فراح يتخبط بأحماله و أمتعته و همومه..و أخر يسير بخطى واسعة متابعا النوافذ التي راحت تتلاحق أمامه حتى وجدها مستندة برأسها على النافذة و قد أصابها اليأس من أن يأتي لوداعها,و ما أن رأته حتى عاد الدفء الى عينيها و راحت تلوح له بكل ما بها من عزم وكأنها كلها قد صارت يدين تلوحان و تخبران و تشتاقان و تتشبتان! بات طعم الملح متلاحقا فوق شفتيها,توقفت عن محاولاتها اليائسة للتذكر..تجاهلت هاتفها المحمول الذي راح يرن في إلحاح..شعرت بكوفيتها تكاد أن تخنقها فأزاحتها من حول رقبتها و تركتها تقع بجوارها..تقدمت بخطوات شبه ثابتة نحو القطار الساكن أمامها و الذي بدأ أيضا في التحرك دون أن يصدر أي صوت..خطت خطوة ثم خطوتين ثم باتت الخطوات أكثر سهولة..راحت جميع الأصوات تبتعد..و همس صامت يعلو بداخلها..إلى أين؟ وضعت قدما داخل القطار تبعتها الأخرى لأنها لا تملك سوى ذلك..إلى أين؟ استدارت لتنظر حيث كانت تقف, رأت كوفيتها و قد تكومت على الأرض وحيدة..ألقت نظرة أخيرة على المودعين و الراكضين و المنتظرين شيئا ما..ابتسمت..أي مكان أفضل من هنا!
| |
|