أسدلت جفنيها وغرقت في بحيرة مخيفة من الصمت،قبل ان تلملم ماتشظى من شتات صوتها الخافت،وتجيب بتأوه عن
تساؤلاتي التي كانت تستيقظ كلما نظرت الى ملامح وجهها بعد ان غيبت نظارته العشرينية سحب الشحوب.كأن هموم العالم بأسرها جثت فوقه.....
سألتها بصوت يحرك بركةالروح الساكنة:اكاد ألمس بأنامل خفية،لاتراها الأعين ولاتخطفها الابصار.. بأن حمماً غافية من الهدوء يتقاذفها الأنين الصامت متى يشاء في روحك..وبلا شك هي ليست هدأة الطمأنينةالتي يتوسدها القلب المتعب بعد نهارات عناءه،.وانما هو سكون الأشياءوالأرواح بعد ان تعصف بالجسد البريءصفعات الخراب وتعبث اياد الزمن القاسي بمدنه الآمنة .......
ارتعشت وهي تجول الأفق بعينيها الحائرتين هرباً من أستسلام محتوم لم تكن تستطع ان تمنع نفسها فيه من الانصات الي بكل جوارحها واستمرت في الذوبان ألماً وحسرة.. كلما كنت استرسل ببطء في تصفح وريقات ربيعها المتهرئة واعري بمزيد من الجرأة والأحساس المماثل محطات ألم كثيرة وسني ضياع،حتماً توقف عندها القلب الكسير يوماً ما..
قالت وهي تكابد دموعاً تفر من عينيها:لعلك اول انسان تحسس بصدق
النفس ماأكابده،فأنا لست بأكثر من بقايا امرأة واحلام معطوبة كل شيء فيها منخور ويشبه ذلك الهيكلٍ الضخم الذي لايضم بين جدرانه المتآكلة سوى خواء ابكم..فلم اعد افكر بشيء او احلم بشيء ..او انتظرصحوة اجفان روحي التي اصبح لها لون الليل والقهوة على فجر جديد..بعد ان مات الحلم واستنبت الفشل والتقهقر لباب الروح.
كنت اشعر مع احتراق اللحظات كم كانت تصارع تلك الانثى المكلومة بصمت وغصة..حين قالت وهي تستنجد بكل آه مكبوتة داخل صدرها لبث
الشكوى:احببتهُ بكل كياني وشرعت امام عينيه كل نوافذ الاحساس فبكلمة واحدة منه كانت تستيقظ كل الاهواء الغافية في روحي وجوارحي..
لم يكن يملك في حياته المتكئة على شفا حفرة من الضياع حين التقيتهُ لأول مرة سوى احلام معطوبة لشاب عراقي اغلقت بوجه طموحاته كل ابواب التفاؤل والمستقبل والحياة كما هو حال الملايين من الشباب اليوم...
تعاهدنا بالقليل الذي كنا نملكهُ من المال والكثيرمما نتحلى به من الصبر وحلم الشراكة الابدية على قهرالمستحيل والتشبث بكل بارقة امل او قشة صغيرة قد ترميها ليأسنا رحمة السماء..
شيد الحب حول قلبينا اسواراً عظيمة في خضم تلك العواطف المتلاحقة ،اصبح من الصعب تجاوزها، فقررنا في لحظة منفلتة من كل حسابات الزمن المثقلة بأغلال المستحيل والوجاهة الاجتماعية المقنعة بنرجسية الأخر بحسم المعاناة وقطع المسافة الفاصلة بين اجسادنا بعد ان اصبحت ابجدية الارواح والمعاناة واحدة، ونلم الشمل بخطوة جريئة تفضي في نهاية المطاف الى بيت الزوجية وعش الأحلام المؤجلة....وهنا بدأت رحلة الصراع والتواطء المرير بين ماكنت اعيشهُ من اصطخاب في داخلي كأمرأة اسيرة في قبضة يدٍ اقوى بكثير من رقتها وعاطفتها المتورمة من احساسهاالدائم بأنها الطرف الأضعف في حلقة الصراع الدائر بينها وبين عائلتها و أخيها الذي حل محل الأب بعد رحيله المبكر عن الدنيا من جهة ..وبين شاب اعزل من كل شي عدا حبه لها من جهة اخرى...ولكن !!هيهات ان يقتنع الاخ بكل ماكان يقدمه الحبيب من وعود متكررة بجعلي اسعد زوجة في العالم . . لم ييأس و.ظلت محاولاته تتكرر ولكن بدون جدوى ففي كل مرة ترتد التوسلا ت والأستغاثات امام رفضهِ المطلق بالرغم من علمه بقناعتي التامة ورغبتي من الزواج بذلك الشاب..
شعور قاسٍ ويعمل لحسابه فقط هو بالتأكيد ما كان يعنيه هذا الرفض المتواصل ،.فلم يكن احد ممن كانوا حولي يأبه لحجم الأسى والأغتراب الذي كان يمور في داخلي ويسحق روحي التي ذاقت ذرعاً من كل شيء.فها هي الحياة مرةاخرى تصر ان ترمي الحلم الوحيد في ضفةٍ يصعب على ايٍ منا ان يعبر بأتجاهها..
ولعل تلك النهاية القاتمة لكل المساعي والحلول الرامية الى اقناع اخي الأكبر بالعدول عن رأيه هي الشرارة التي احرقت علائق الحب والمودة بعد ان وقف كلانا على طرفي نقيض من التوافق. لم احتمل الوقوف مكتوفة الايدي والأقناع وهو ما لم يترك لي من خيار حينها سوى ان اقرر مصيري بنفسي واختار عنوةً الزواج من ذلك الرجل كأي امرأة راشدة تعي حجم الحياة وتقدر مسوؤليةالحياة الزوجية...............
تم الزواج وحلت القطيعةالتي كان يلوح بها اخي دائماً لو حصل وقررت الأقتران دون رضاه وفعلاً حصل ماكان يهددني به،غابت ضحكات الأهل والأصدقاء عن عالمي الجديد الذي كنت ارسم لهُ في خيالاتي بأجمل الوان السعادةوكيف لاواناسأقضي العمرمع رجل كم كنت اتمنى لو املك لأسعاده اكثر من قلب وروح وجسد...
ولكن!! آه من الصاعقة التي ماتركت لها ظنوني مكانا في الحسبان ،فلم يدر بخلدي ابداً ان ذلك الزوج الذي تركت لأجله كل شيء وهرعت ابحث بين احضانه عن دفء اهلي واحبابي ..هو من سيسقيني العذاب كأساً بعد آخر..يالسخرية الأقدار وتواطئها ، لقد حول هذا الرجل المريض بكل الهواجس والشكوك والوساوس حياتي الآمنة الى جيم لايطاق...فما ان مرت اشهر الزواج الأولى حتى بدأ يخلع عن وجهه الحقيقي كل اقنعة الطيبةوالحب الزائف والحنان الذي كان يخفي خلفه قيح التعصب والتخلف والرياء...لم يكن يسمح لي بالخروج لا لخارج الشارع وانما من غرفة لأخرى ياللمضحك المبكي، يثور لأتفه الاسباب وبدون اسباب ،يعمد بطرق هوجاء الى انفاق كل مرتبه على ملذاته الشخصية والدونية تاركاً لي هم الحياة وعبْ المعيشة..يتركني وحيدة في دوامةا لعوز والرثة وعسر الحال الذي بدأ يجتاحني شيئاً فشيئاً ،لم تعد بحوزتي من وسيلة لحل الأزمة غير قيامي ببيع مصوغاتي واشيائي وحتى ملابسي الشخصية فلم يتبق لي بعد انقطاع اهلي من ناصر او معين التجأ اليه...وكنت كلما اواجههُ بكل الذي يحدث لي بسببه،لا اجد جواباً اشد من استغلاله البشع لوحدتي وقطيعة اهلي عني ، الامر الذي اتاح لجنونه وحماقاته مساحة واسعة للعبث والدمار بحياتي بأسلوبه الهمجي في ألحاق الاذى تارة بالسباب وكيل الشتائم وتارة اخرى بآثاره الوحشيةالتي ماتركت من جسدي مكاناً خالياً من وخز ندوبه(وهنا رفعت بعضاً مما كان يغطي باطن يديها وقدميها لتريني مكامن التعذيب الذي كانت تخفيه عن اقرب الناس لها)
اغمضت عينيها لبرهة وهي تواصل تصفح شريط ذاكرة الالم بأجفان متنصلة عن مواجهة واقعها حين قالت : اصبحت كالقشة التي تتقاذفها الريح من مهب الى آخر،لقد بت ليالٍ طوالا وانا مسهدة العينين وواجمة البصر...الى اين افر ، لا ادري..بعد ان خسرت كل شيء ،وكل شيْ اغلق. ابوابه في وجهي.. الايام تمر والاقدار هي الاخرى كانت تسوق لحاظها دون توقف ومازلت اواصل اجترار اصناف العذاب والتيه والشتات، فلم يكن يمضي يوم واحد.دون ان يثير كعادته زوبعة لم تكن تنتهي الا بتعمد ألحاق الأذى الجسدي والنفسي بأعماقي ..
لم يتبق لي من سبيل غير الهرب ولكن اين عساي ان اذهب!!
قلبت في ذهني البيوت القليلة التي يمكن ان تفتح في وجهي ابوابها ، واذا برحمة السماء تقود خطاي اللاهثة لأحد العوائل الطيبة التي كانت تستشعر ما أعانيه من تعذيب ، لقد وجدت اخيراً في كنف تلك الأسرة كل الحب والأهتمام فقد كانوا بحق كعائلتي التي منذ ان فارقتها ذات نهار وانا اشبه بمن ظل عن سبيله في ليلً دامس، كانت اول المنازلات القاسية التي واجهتها لترميم ماتبقى من اشلائي . هو السعي بكل دأب للخلا ص من ذلك الرجل والانفصال عن كل ما كان يربطني به وفعلاً بعد معاناة جمة وعوائق اجتماعية وانسانية قد تصعب على امرأة بظروفي ان تجتازها ولكن هي نعمة الأله وعين رحمته التي ايقنت وسط ضياعي بأنها لن تغفل ابداً عن انين ملايين القلوب المكتضة ألماً وحسرة.........
حصلت اخيراًعلى ورقة الأنفصال ...لأطوي معها اكذوبة الحب الكبير الذي عشتهُ وهماً مع رجل ترك في حنايا القلب والروح طعنةمارقة ولن تشفى مدى الحياة....ولعلك سيدتي حين قرأت مع اعماقي حوار التوحد العميق جعلك تتفقين بأنه ليس هنالك اوجع واشد ايلاماً على المرأة من ان يتجسد الماضي بكل تناقضاته امام عينيها في كل لحظة لم اجبها وانما كان آخر ما الحقتهُ برعشة على هامش دفتر ي الصغير قبل ان ينفرط عقد لقائي بها هي بضعة كلمات يتيمة شعرت بأنها هي الاخرى كانت تبحث عن ورقٍ حانٍ لأ حتضانها فكتبت : ساعدني يالهي كي ابقى خارج مجرة الزمن والاحساس بعد ان اصبح الماضي رمالا والمستقبل زئبقاً فما معي سوى قلب اعزل سمُح له القدر وحتى اشعارٍ آخر ان يكون ضمن قائمة الاحياء....فعذراـــــــــــــــــ
آمنة عبد النبي