في الصباح الباكر وبعد دخولي المكتب بدقائق معدودة.. تفاجأت بشابة تقف أمامي فارعة الطول لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها دامعة العينين منكوشة الشعر بدو عليها مسحة من الجمال الخجول بالرغم من آثار الكدمات التي علت وجهها .. احمرار حول العين اليمنى .. وجرح نازف على الشفة العلوية ..
قالت والدتها : يا أستاذ جسمها كله ( لطعات زرق .. الله ينتقم منو ابن الحرام ).
علمت من الزوجة (أحلام) بعد سرد قصتها بأنها رفضت مشاركة زوجها الفراش في تلك الليلة لمرض ألم بها.
مما دفعه إلى ضربها بقسوة وقد ساقها إليه عنوة لقضاء شهوته ...
أرسلتها مع أحدى المحاميات العاملات في المكتب إلى النيابة العامة لمباشرة التحقيقات..
وقد أشار تقرير الطب الشرعي..الى إصابتها بنزف رحم حاد اضافة الى كدمات ورضوض منتشرة في أنحاء متفرقة من الجسم..
تشفى خلال شهر واحد وتعطل عن العمل لمدة عشرة أيام ..
وعندما علمت الزوجة بأن عقوبة الزوج لن تتعدى الحبس التكديري ( لا يتجاوز العشرة أيام )
والغرامة خمسة وعشرين ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين ... وفق أحكام المادة 540 من قانون العقوبات ...
انتابتها حالة من الذعر الشديد .. وقد أجهشت في بكاء مر .. وهي تردد .. (يا ريتني ما اشتكيت ..)
بس هيك عقوبته يا أستاذ...
لا تكون غلطان .. ..
شو هل قانون ..
أكيد في غلط ..مو معقول ..
ضربني وجامعني غصب عني .. متل مانك شايف ..وكنت متت لو ما لحقت حالي ..
ابن جيرانا أنحكم 15 سنة أشغال بجرم اغتصاب .... وأنا اغتصبني و بينحكم هيك حكم ..
أكيد انك غلطان .. يا مانك فهمان ..
فأجبتها: بأن ابن الجيران اعتدى على امرأة غريبة أما أنت.. فالمعتدي هو زوجك وله حق عليك ..
قالت : وإذا كان زوجي .ما هو جامعني غصب عني وضربني ..شو فرقو عن الغريب .. والله ما حسيت انو جوزي .. يوم هجم علي .. شفت قدامي وحش مفترس.. غبت عن الدنيا .وما حسيت إلا ودمي طولي ..
َخرجْت بعد أن وعدتها بتبني قضيتها ونشر معاناتها مع مثيلاتها من الزوجات ..
فلابد من عقوبة زاجرة بحق الزوج المغتصب .
فعقد الزواج لا يبيح للزوج مجامعة زوجته بالإكراه ..
فيقع الإكراه على الزوجة بكل فعل مادي يأتيه الزوج من أفعال الشدة وضروب الإيذاء والتعذيب الجسدي..
كما يتحقق عن طريق الإكراه المعنوي الذي يشمل كل ما من شأنه إدخال الخوف إلى النفس الذي يخشى معه وقوع الأذى عليها أو على من يلوذ بها ..
فالمرأة ليست ملك كامل للرجل ...ولم يحصل عليها من سوق النخاسة لشراء العبيد ..
فعقد الزواج يتضمن التزامات متبادلة بين الطرفين وحقوق متساوية .
فالعقد شريعة المتعاقدين .. ولطالما لم ينص العقد على حق الزوج بإستعمال العنف لإرغام زوجته على المضاجعة..فليس له
اللجوء الى ضروب الشدة والإكراه لتحقيق ذلك .
وإن تبادل ألفاظ عقد الزواج .. الإيجاب والقبول... كقولها زوجتك نفسي .. و قوله قبلت بك زوجة .. لا تتضمن القبول
بالعنف والإكراه ولا تجيزه لأي من طرفي العقد ..
وفي غياب النص الصريح على قبول العنف من عدمه في عقد الزواج ..فإنه من المستوجب البحث عن نية المتعاقدين أثناء
الاتفاق وتوقيع العقد ...إن كانا يقبلان به أم لا .
حيث يتم الرجوع إلى القواعد العامة التي تقضي بتغليب العرف العام على الخاص المستحدث..
فالقواعد العامة تقضي بتحريم الإكراه بكافة صوره... وتجريمه.. وان في إجازته قول خاص يحتاج الى نص .مما ينتفي معه
القبول بانصراف النية الى جواز استعمال العنف والإكراه أثناء تبادل الفاظ انعقاد الزواج.
ومن باب أولى فليس هناك من زوجة تنصرف إرادتها إلى قبول الضرب والتعذيب وإرغامها على مجامعتها عنوة خلافا"
لإرادتها...عند توقيع عقد قرانها. !!!
ولكن الرجل لا يعير تلك التفسيرات والقواعد القانونية أي اعتبار لطالما يتسلح بما نص عليه قانون العقوبات . الذي وضعه
لخدمته في زمن مضى .. لم يعد صالحا" ليحكم المرأة في هذا العصر بعد نيلها حق المساواة مع الرجل ..
ولطالما كان الخالق واحد فالمساواة بينهما واجبة بقوة الحق اللإلهي .
لابد من تشريع جديد :
تنص المادة 489 من قانون العقوبات العام على معاقبة من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع بالإشغال الشاقة لمدة خمسة عشر سنة.
فالمشرع عاقب على الإكراه في الجماع ولكنه اباحة للزوج وبأية درجة كان دون تحديد أو تقييد..
و لم يكن منصفا في ذلك .. حيث اعتبر جسد المرأة ملكا" للرجل يستعمله في الزمان والمكان الذي يختاره لإشباع رغباته الجنسية ...
في حين اعتبر أموالها المادية والمعنوية خاصة بها وينال الزوج عقابه أن هو اعتدى عليها.
وهو بذلك قد تجاهل كرامة المرأة ولم يقم لها وزنا" .. وقدم المادة ( الجسد) على الروح .. ولم يلحظ أن الروح هي حقيقة
الانسان وأما الجسد فهو اداة جامدة بلا روح ..
وعندما يقع الاعتداء على الزوجة فهو اعتداء واقع على روحها .. على مشاهرها .. على أحاسيسها ..
وكم ينتابها شعور بالمرارة وامتهان لكرامتها إن هو أخذ منها ما لاتعطيه لأحد دون أحاسيس أو مشاعر تحمل الرغبة والقبول ..
وهي بذلك تكون قد ُاستُِرقت وأكِرهت على إتيان فعل الجماع رغما" عنها ..
فإكراه الزوج لزوجته لمجامعتها غير معاقب بينما يعاقب القانون على كل فعل إكراه يوقعه على أموالها الأخرى ...
بالرغم من أن الضرر النفسي الذي أوقعه بها (فعل الجماع كرها") يفوق في خطورته كافة الاضرار الأخرى الناجمة عن الإكراه المادي .
وقد اباحه المشرع للزوج دون أية اعتبارات لإنسانية المرأة وسر وجودها وكأنها مجرد أداة لمتعة الرجل
سواء كانت عاقلة أم مصابة بالجنون وسواء كانت تعاني من شلل أو مرض عضال .
فقد نصت المادة 490 على عقوبة الأشغال الشاقة لمدة تسع سنوات من جامع شخصا" غير زوجه لايستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي ..
ولم يشمل العقاب الزوج ..
فله إكراه زوجته على الجماع حتى لو كانت فاقدة العقل أو تعاني من مرض نفسي وليس ما يمنعه من إشباع غريزته الحيوانية
ان هي كانت مقعدة لشلل أو سواه..
أمام ذلك لابد من سن تشريع يضمن للمرأة انسانيتها .. وحريتها في التصرف بما وهبه الله لها وأن لايكون ذلك نقمة عليها ..
وقد سبقنا الى ذلك قوانين كثيرة .. منها القانون الألماني الذي يجرم الزوج لمعاشرته زوجته دون رضاها .وكذلك القانون
التونسي الذي فرض عقوبة الحبس لمدة عامين لمن يقدم على اغتصاب زوجتة .
بذلك أكون قد وفيت بوعدي وإن كانت .. أحلام .. قد تنسمت رياح الحرية والمساواة من خلال ما قدمت .. إلا أنها لن
تشعر بالطمأنينة قبل أن نزف لها البشرى.. بإحداث مواد جديدة في القانون تعيد إليها اعتبارها وتدفع عنها اعتداءات جديدة .
دمشق
عن سيريا كورت