راهنت المخرجة السورية هالة العبدالله في فيلمها (هيه لا تنسي الكمون) الذي يعرض للمرة الأولى في سورية على توثيق ثلاث حالات إبداعية يجمعها إحساس الغربة والقدرة على تجسيد هذا الإحساس عبر أحد أنواع الكتابة الإبداعية.
وحشدت المخرجة حواسها السينمائية من أجل الإصغاء إلى ألم كل من القاص السوري جميل حتمل في غربته الباريسية عبر قصته نرجسية التي كتبها وهو على فراش المرض وأوجاع الكاتبة المسرحية الإنكليزية سارة كين التي آثرت الانتحار كاستمرار لصدقها المسرحي إضافة إلى آلام الممثلة اللبنانية دارينا الجندي التي قدمت أصعب أدوارها بتجسيدها مسرحياً لذاتها أثناء الحرب اللبنانية عبر دور كتبته عن نفسها.
تقول العبد الله.. في حوار عرض الفيلم في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق يحمل فيلمي في طياته صفحات متداخلة تحمل صرخات ألم بما في ذلك أغاني يولا خليفة التي جاءت متمازجة بالنص وتشكل نصاً إضافياً فأنا حاولت أن ألتقط تلك الروح المتألمة سامحةً لنفسي أن أطرح وجع الأنا عبر هذا الفيلم الذي شكل صرخة مزجت زخم ثلاث صرخات إبداعية.
وتضيف المخرجة أن فيلمها (هيه لا تنسي الكمون) معمول فقط بحب دون أي تمويل ولذلك اقتصر تصويره على ثلاثة أيام في سورية ومثلها في فرنسا لافتة إلى أنها كانت ترغب بتحويل قصة نرجسية إلى فيلم كامل لكن معرفتها بدارينا الجندي جعلتها تشركها عبر شهادتها القيمة التي تخدم هدف الفيلم أما سارة كين فقصة حياتها هي السبب في إشراكها.
من الناحية الفنية جاءت محاولة العبدالله في توثيق تلك الحالات الإبداعية عبر لغة سينمائية استطالت في وجدانيتها لدرجة أنها طغت على الفكرة الأساسية أكثر من مرة بحيث جعلت المخرجة رغبتها في لغة شعرية للسينما مغرقة في أناها الشخصية تفوق اهتمامها بإبراز أناها المبدعة.
ويبدأ ذلك من العنوان الذي شكل النداء الأخير لـ حتمل بعد أن جاءته هالة بصحن حمص فطلب منها وهي في طريقها للمطبخ هيه لا تنسي الكمون وهو ما جاء في إحدى مشاهد الفيلم بصوت المخرجة للتأكيد على أنها تنقل نداءات صادقة وحقيقية يصر عليها وجدانها الشخصي تجاه أولئك المبدعين الثلاثة.
وهذا ما تبينه رغبتها في أن تكون جزءاً من الصورة التي يحويها الفيلم وفي أوقات أخرى جزءاً من الصوت لتعزيز فكرة أن ما تطرحه من أفكار يعنيها بشكل خاص ويشغل حيزاً كبيراً من همها الإبداعي.
لكن الاستجابة لتلك الأصوات الداخلية لدى العبدالله عبر تلك الاستطالات الشعرية السينمائية جعل إيقاع المشاهد وبناءها الدرامي ليس مضبوطاً بدقة فضلاً عن التشابك بين المحاور الدرامية للشخصيات الثلاث إضافة إلى المفارقات بين اللغة البصرية ونظيرتها المسموعة في أكثر من مكان ضمن هذا الفيلم.
ولا ننكر ما حققته المخرجة في بعض المشاهد من جمال بصري أخاذ ولاسيما دراما الضوء في مشهد البيمارستان أو المشهد الأخير للشال الأبيض المتجه نحو الفضاء والذي لا يلبث أن يتحول إلى كفن أو ذاك الخاتم الذي يربط خيوط الحكاية من المشفى الباريسي الذي احتضن
جميل حتمل مروراً بهواجس سارة كين وانتهاء بجنون دارينا الجندي.
ــــــــــــــ
بديع صنيج -سانا