صبـاح فخـري
1933م-
ولد الفنّان صباح فخري في مدينة حلب، في بيئةٍ علميّةٍ صوفيّةٍ. كان والده شيخًا لبعض الطُّرق الصّوفية، فكانت الأذكار تُقام والأناشيد الصوفية تُنشَد وآلات الإيقاع تَضرُب الأوزان الموسيقية، وكانت مسامع هذا الطّفل تتلقّى هذه النّغمات والأوزان؛ فنشأت عنده موهبةٌ موسيقيّةٌ فطريّة؛ وقد منحه الله جمال الصّوت، فكان يردّد هذه الألحان الصّوفية ويترنّم بها ويسمعها إلى أقرانه الأطفال.
دخل المدرسة الإبتدائية وتدرّج في دراسته حتّى الشّهادة الإبتدائية. ولمّا شعرت إدارة المدرسة بجمال صوت هذا الطّالب، بدأت تظهره في حفلاتها المدرسيّة. وفي الوقت نفسه، شعر هو بشخصيّة صوته وجماله وحسن أدائه، فقُوِّيَت شخصيته الفنّية وارتفعت معنويّاته الموسيقيّة. وصادف أن زار حلب الأستاذ سامي الشّوا، عازف الكمان الشّهير، وسمعه فأعجب بصوته وقرّر اصطحابه إلى مصر التّي كانت ولا زالت تُعتَبر منبرًا للفنون والعلوم والشّهرة وموطن الفنون الموسيقيّة. لكنّ دمشق ضنت به بعد أن اكتشفت مواهبه وتمسّكت به؛ وكان آنذاك راعي الموسيقى المرحوم فخري البارودي الذي أصرّ على بقائه ولا سيّما أن الحكومة السّورية كانت على أبواب تأسيس الإذاعة السّورية في 3 شباط 1947.
تعاقدت الإذاعة معه وبدأ يقدّم حفلاته الغنائية في كلّ أسبوعٍ. وكان للإذاعة معهدٌ موسيقيٌّ تابع لها، فدخله صباح ليزيد معلوماته الفنّية.
كان صوت صباح وغناؤه في إذاعة دمشق فريدًا في نوعه وأدائه. لقد كان متمسّكًا بالطّابع الكلاسيكي العربي المطرب. ساعده على سلوك هذا الطريق مرونة صوته وقوة صنعته خلافًا للمُطربين المعاصرين الذين يعجزون عن أداء هذا الطّابع العربي الأصيل، لأنه يحتاج إلى حنجرةٍ قويّةٍ صافيةٍ وصنعةٍ متينةٍ وصوت مرنٍ يؤدّي الحركات الغنائية العربية المطربة من دون تكلّفٍ أو عناءٍ.
وفي نهاية عام 1948، عاد صباح إلى مدينة حلب، تاركًا الغناء لزمنٍ قصيرٍ ليتزوّد بالعلم. فدخل المعهد العربي الإسلامي لإتمام دراسته الإعدادية. وبعد أربع سنوات عمل مدرّسًا في المدارس الرّسمية سنةً واحدةً ثم استدعته الحكومة لأداء خدمة العلم. ومارس بعدها بعض الأعمال الصِّناعية والتّجارية والكتابية؛ وكانت إذاعة حلب تستدعيه بين الحين والآخر لتتزوّد منه ببعض التّسجيلات من صوته الرّخيم العذب. ثم اتّجه إلى العمل المسرحي الغنائيّ حيث تقابل مع مُستمعيه وجهًا لوجهٍ ولم يعد جهاز الراديو واسطة بينه وبين مستمعيه.
ولمّا تأسّس التلفزيون السّوري عام 1960، كان "صباح" أوّل من شارك بغنائه في حفلاته. كما اشترك في كثيرٍ من البرامج التلفزيونية التي صاحب فيها الغناء. ولم يكن المطرب صباح مُطربًا محلّيًا بل تعدّى نطاقه الحدود السّورية، فسافر إلى مصر وروسيا وغنّى في الأردن ولبنان. وسافر إلى السّودان؛ وقد عمل الكثير من الإسطوانات الغنائية التي راجت بشكلٍ هائلٍ. كما سافر إلى أمريكا الجنوبية.
ومن نماذج غنائه: الموشّحات القديمة والحديثة، والأدوار المصرية. وسبق أن غنّى بعض النّوبات الأندلسيّة في إذاعة حلب، مع الشّيخ علي الدّرويش.