محمّد القصبجي
1892 - 1966م
ما إن يحاول المؤرخ دراسة سيرة محمد علي إبراهيم القصبجي، حتّى يقترن في المرتبة والتاريخ بِسَيّد درويش. فقد وُلِد في 15 نيسان (إبريل)، بعد تسعة وعشرين يومًا فقط من مولد السّيد درويش.
عاش القصبجي أربعة وسبعين عامًا. فتتلمذ من مدرسته جيلٌ كاملٌ من أساتذة الموسيقى العربية في القرن العشرين، ومنهم عبد الوهاب وأم كلثوم ورياض السُّنباطي. وتولّى رعاية عددٍ آخرٍ من الفنانين، منهم ليلى مراد ونور الهُدى وسعاد محمد. ورغم ذلك، فإنّ شهرة القصبجي ظلّت لأسبابٍ غير واضحةٍ أقلّ مما يُستحسن بكثير.
عمل القصبجي في تجديد الموسيقى العربيّة في السنوات ذاتها التي عمل بها سيد درويش. فبدآ لدى موت سلامة حجازي معًا سنة 1917، وجدّدا معًا في نكهة الغناء العربي، وتأثّرا معًا بالتُّراث الأوروبّي الكلاسيكي في الموسيقى، وأدخلا التّعبير في الغناء، وطوّرا اللّوازم الموسيقية وجعلاها جزءًا مُهمًّا لا غنى عنه في البناء الموسيقيّ. كما أدخل القصبجي الهارمونيا والبوليفونيا على الموسيقى العربية من دون أن يشوّه مزاج هذه الموسيقى أو يفقدها روحها وشخصيّتها ونكهتها القوميّة. وأرسى على نحو نهائي سنة 1928 ملامح شكل المونولوج في الغناء العربي.
نشأ القصبجي في بيئةٍ عندها سلالات أصيلة من سلالات الفن العربيّ. فكان أبوه عوادًا فذًا وملحّنًا غنّى له زعيم الغناء والطرب في القرن الماضي عبده الحامولي. لذا كان القصبجي قادرًا على استخدام الفنون التّقنية الغربية في الموسيقى من دون أن يفقده روحه العربية الأصيلة، ما دامت جذوره ضاربةً في عمق التّراث العربيّ الموسيقي، وما دامت شخصيّته العربية الموسيقية مكتملة التّكوين.
تحوّل هذا المؤلّف الكبير إلى أستاذٍ يزدحمُ حوله التّلاميذ، فكانت أم كلثوم تلميذته الكبرى. وتأثّر به رياض السُّنباطي تأثرًا واضحًا للغاية، بخاصّة في الأفلام التي لحنا أغنياتهما معًا: "نشيد الأمل"، "يا مجد"، "ياللي صنعت الجميل"، "قضيت حياتي"، "افرح يا قلبي".
ومِمَّن تتلمذ على القصبجي في مرحلةٍ من مراحلهم: فتحية أحمد، نجاة علي، مُنيرة المهدية، ثم ليلى مراد ونور الهدى وسعاد محمد، وبخاصة أسمهان. وامتدّ أثر القَصبجي إلى محمد الموجي الذي لحّن سنة 1954 "نشيد الجلاء" لأمّ كلثوم.
أحصى محمود كامل ثلاثمئة وستين أغنيةٍ للقصبجي، وهذا العدد من الأغنيات يُعدّ كبيرًا جدًا إذا قورن بعدد سنوات خصبه الأربع والعشرين، وإذا أُخِذَت في الحسبان جودتها.
لكنّ أهم التجديد الذي أحدثه القصبجي في الموسيقى العربية المعاصرة كان في إنشائه المونولوج، ثم في تطوير شكل الطّقطوقة، خاصّةً في الأغاني السّينمائيّة التي غنّتها أسمهان وليلى مراد.
يُعدّ القصبجي في رأي المُتخصّصين سيّد عازفي العود في القرن العشرين، برغم أنّ ثمّة أسماء متداولة على مقربةٍ من هذه المكانة.