بيان استقلال سوريا
أعلنه المؤتمر السوري في 8 آذار 1920
إن المؤتمر السوري العام الذي يمثل الأمة السورية العربية في مناطقها الثلاث الداخلية والساحلية والجنوبية (فلسطين) تمثيلاً تاماً يضع في جلسته العامة المنعقدة نهار الأحد المصادف لتاريخ 16 جمادى الثانية سنة 1338 وليلة الاثنين التالي له الموافق لتاريخ 7 آذار سنة 1920 القرار الآتي:
إن الأمة العربية ذات المجد القديم والمدنية الزاهرة، لم تقم جمعياتها وأحزابها السياسية في زمن الترك بمواصلة الجهاد السياسي ولم ترق دم شهدائها الأحرار وتثر على حكومة الأتراك إلا طلباً للاستقلال التام والحياة الحرة، بصفتها أمة ذات وجود مستقل وقومية خاصة، لها الحق بأن تحكم نفسها بنفسها أسوة بالشعوب الأخرى التي لا تزيد عنها مدنية ورقياً.
وقد اشتركت في الحرب العامة مع الحلفاء، استناداً إلى ما جهروا به من الوعود الخاصة والعامة في مجالسهم الرسمية وعلى لسان ساستهم ورؤساء حكوماتهم، وما قطعوه خاصة من المبادئ السامية القائلة بحرية الشعوب الكبيرة والصغيرة واستقلالها على مبدأ المساواة في الحقوق وإنكار سياسة الفتح والاستعمار، وإلغاء المعاهدات السرية المجحفة بحقوق الأمم، وإعطاء الشعوب المحررة حق تعيين مصيرها التي وافق عليها الحلفاء رسمياً كما جاء في تصريحات المسيو بريان رئيس نظار فرنسا بتاريخ 3 نوفمبر سنة 1915 أمام مجلس النواب، واللورد جراي وزير خارجية بريطانيا العظمى في 23 أكتوبر سنة 1916 أما لجنة الشؤون الخارجية، وتصريح الحلفاء على مذكرة الرئيس ويلسن بتاريخ 10 كانون الثاني سنة 1917، وتصريح المسيو بيو رئيس نظار فرنسا بتاريخ 22 مايس سنة 1917 أمام مجلس النواب، وبيان مجلس النواب الإفرنسي ليلة 4-5 حزيران سنة 1917، وبيان مجلس الشيوخ بتاريخ 6 منه أيضاً، وما جاء في الخطاب الذي ألقاه المستر لويد جورج في غلاسغو بتاريخ 29 حزيران سنة 1917.
وقد كان ما قام به جلالة الملك حسين المعظم من الأعمال العظيمة في جانب الحلفاء هو الباعث الأكبر لتحرير الأمة العربية وإنقاذها من ربقة الحكم التركي، فخلد لجلالته في التاريخ العربي أجمل الآثار وأفضلها.
وقد أبلى أنجاله الأمراء مع الأمة العربية في جانب الحلفاء البلاء الحسن مدة ثلاث سنوات، حاربوا خلالها الحرب النظامية التي شهد لهم بها أقطاب السياسة وقواد الجند من الحلفاء أنفسهم وسائر العالم المدني، وضحت العدد الكبير من أبنائها الذين التحقوا بالحركة العربية من أنحاء سوريا والحجاز والعراق، فضلاً عما قام به السوريون خاصة في بلادهم من الأعمال التي سهلت انتصار الحلفاء والعرب على ما أصابهم من الاضطهاد والتغريب والقتل والتعذيب، تلك الأعمال التي كان لها الأثر الأكبر في انكسار الترك وجلائهم عن سوريا، وانتصار قضية الحلفاء انتصاراً باهراً حقق آمال العرب بوجه عام والسوريين بوجه خاص، فرفعوا الأعلام العربية وأسسوا الحكومات الوطنية في أنحاء البلاد، وقبل أن يدخل الحلفاء هذه الديار.
ولما قضت التدابير العسكرية بجعل البلاد السورية ثلاث مناطق، أعلن الحلفاء رسمياً أن لا مطمع لهم في البلاد، وأنهم لم يقصدوا من مواصلتهم تلك الحروب في الشرق سوى تحرير الشعوب من سلطة الترك تحريراً نهائياً، وأكدوا أن تقسيم المناطق لم يكن إلا تدبيراً عسكرياً مؤقتاً ولا تأثير له في مصائر البلاد واستقلالها ووحدتها، ثم أنهم قرروا ذلك رسمياً في الفقرة الرابعة من المادة الثانية والعشرين من معاهدة الصلح مع ألمانيا، فاعترفوا فيها باستقلالنا تأييداً لما وعدوا به من إعطاء الشعوب حق تقرير مصيرها، ثم أرسلوا اللجنة الأميركية للوقوف على رغائب الشعب، فتجلت لها هذه الرغائب في طلب الاستقلال التام والوحدة السورية التامة.
وقد مضى عام ونصف، والبلاد لا تزال رازحة تحت الاحتلال والتقسيم العسكري الذي ألحق بها أضراراً عظيمة وأوقف سير أعمالها ومصالحها الاقتصادية والإدارية وأوقع الريبة في نفوس أبنائها من أمر مصيرها، فاندفع الشعب في كثير من أنحاء البلاد وقام بثورات أهلية منتفضاً على الحكم العسكرية ومطالباً باستقلال بلاده ووحدتها.
فنحن أعضاء هذا المؤتمر، رأينا بصفتنا الممثلين للأمة السورية في جميع أنحاء القطر السوري تمثيلاُ صحيحاً، نتكلم بلسانها ونجهر بإرادتها، وجوب الخروج من هذا الموقف الحرج، استناداً على حقنا الطبيعي والشرعي في الحياة الحرة، وعلى دماء شهدائنا المراقة، وجهادنا المديد في هذا السبيل المقدس، وعلى الوعود والعهود والمبادئ السامية السالفة الذكر، وعلى ما شاهدناه ونشاهده كل يوم من عزم الأمة الثابتة على المطالبة بحقها ووحدتها والوصول إلى ذلك بكل الوسائل، فأعلنا بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية بحدودها الطبيعية، ومن ضمنها فلسطين، استقلالاً تاماً لا شائبة فيه على الأساس المدني النيابي، وحفظ حقوق الأقلية، ورفض مزاعم الصهيونيين في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود أو محل هجرة لهم.
وقد اخترنا سمو الأمير فيصل بن جلالة الملك حسين، الذي واصل جهاده في سبيل تحرير البلاد وجعل الأمة ترى فيه رجلها العظيم، ملكاً دستورياً على سوريا بلقب صاحب الجلالة الملك فيصل الأول، وأعلنا انتهاء الحكومات الاحتلالية العسكرية الحاضرة في المناطق الثلاث، على أن يقوم مقامها حكومة ملكية نيابية مسؤولة تجاه هذا المجلس في كل ما يتعلق بأساس استقلال البلاد التام إلى أن تتمكن الحكومة من جمع مجلسها النيابي، على أن تدار مقاطعات هذه البلاد على طريقة اللامركزية الإدارية، وعلى أن تراعى أماني اللبنانيين الوطنية في إدارة مقاطعتهم لبنان ضمن حدوده المعروفة قبل الحرب بشرط أن يكون بمعزل عن كل تأثير أجنبي.
ولما كانت الثورة العربية قد قامت لتحرير الشعب العربي من حكم الترك، وكانت الأسباب المستند إليها إعلان استقلال القطر السوري هي ذات الأسباب التي يستند إليها استقلال القطر العراقي، وبما أن بين القطرين صلات وروابط لغوية وتاريخية واقتصادية وطبيعية وجنسية تجعل كلاً من القطرين لا يستغني عن الآخر، فنحن نطالب استقلال القطر العراقي استقلالاً تاماً، على أن يكون بين القطرين اتحاد سياسي واقتصادي.
هذا وإننا باسم الأمة السورية، التي أنابتنا عنها، نحتفظ بصداقة الحلفاء الكرام، محترمين مصالحهم ومصالح جميع الدول كل الاحترام. وإن لنا الثقة التامة بأن يلتقي الحلفاء الكرام وسائر الدول المدنية عملنا هذا المستند إلى الحق الشرعي والطبيعي في الحياة بما نتحققه فيهم من نبالة القصد وشرف الغاية، فيعترفوا بهذا الاستقلال ويجلو الحلفاء جنودهم عن المنطقتين الغربية والجنوبية، ليقوم الجند الوطني والإدارة الوطنية بحفظ النظام والإدارة فيهما، مع المحافظة على الصداقة المتبادلة حتى تتمكن الأمة السورية العربية من الوصول إلى غاية الرقي، وتكون عضواً عاملاً في العالم المدني.
وعلى الحكومة التي تتألف استناداً على هذا الأساس تنفيذ هذا القرار.