للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدمشق ..ملامح تاريخية 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 174 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 174 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     دمشق ..ملامح تاريخية

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    مُساهمةموضوع: دمشق ..ملامح تاريخية   دمشق ..ملامح تاريخية Icon_minitime27.10.09 3:08

    دمشق

    تعد مدينة دمشق عاصمة الجمهورية العربية السورية أقدم مدينة في العالم ما تزال عامرة حتى اليوم. وقد سكنها الإنسان منذ الألف الثانية قبل الميلاد، ومن ذلك الوقت ظلت مركز حياة مدنية مزدهرة.


    ورد ذكر المدينة في رسائل تل العمارنة التي تعود إلى القرن الرابع عشر ق.م باسم دمشقا، والمرجح أن أصل التسمية آرامي وهو "مشق" تتقدمه دال النسبة ومعنى العبارة "الأرض المزهرة أو الحديقة الغناء"، وذكرت تفسيرات عديدة لاسمها، لكن التفسير السابق هو أكثرها موضوعية. ويسميها البعض بأسماء أخرى مثل جلّق أو الشام وتلقب أيضاً بالفيحاء (أي واسعة الدور والرياض) وغير ذلك من تسميات.



    تقع مدينة دمشق جنوب الجمهورية العربية السورية على الطرف الغربي لحوض دمشق، وتطوقها سلاسل جبال القلمون ولبنان الشرقية من الشمال والغرب، والمرتفعات البركانية لحوران والجولان من الجنوب والشرق. وقد قامت دمشق القديمة على بعد عشرة كيلومترات من خانق الربوة، على الضفة الجنوبية لنهر بردى، الذي يعتبر شريان الحياة في المدينة، إذ لولاه لما عاشت المدينة في موقع تسيطر عليه تأثيرات بادية الشام، وتشكل الجبال الواقعة إلى الغرب منه حاجزاً طبيعياً للمطر القادم من البحر المتوسط.


    إن نشأة مدينة دمشق موغلة في القدم، إذ يعود سكناها كما تقدم إلى الألف الثانية ق.م، وورد ذكرها في النصوص المصرية والآشورية بوصفها مركزاً اقتصادياً وسياسياً معروفاً في الشرق القديم. وقد كانت دمشق المملكة الآرامية في وقتها أهم دولة في سورية وأكثرها قوة. قاومت الآشوريين أنفسهم قبل أن يستطيعوا تدميرها عام 732 ق.م. وقد اقترنت هذه السطوة السياسية بالازدهار التجاري، كما كانت أيضاً مركزاً دينياً يتمتع بنفوذ واسع.

    وقعت دمشق بعد هذه المرحلة تحت سيطرة الفرس الأخمينيين، ثم الاسكندر المقدوني بعد موقعة إيسوس عام 333 ق. م، واتصلت المدينة عندها اتصالاً وثيقاً بالثقافة اليونانية، لكنها اعتبرت في مدن الدرجة الثانية، وتخلت عن دورها لصالح مدينة أنطاكية التي أخذت المكانة الأولى طوال العهد اليوناني – الروماني. وبعد وفاة الاسكندر أفضى أمر دمشق إلى السلوقيين وظلت في حوزتهم حتى الاحتلال الروماني، عندما ضمها القائد "بومبي" إلى الإمبراطورية الرومانية عام 64 ق.م فالتحقت بالغرب سياسياً وثقافياً طوال سبعة قرون، وخلال هذه المدة أصبحت دمشق أقرب إلى المدن الرومانية شكلاً ومضموناً بسبب سيادة العناصر الرومانية، وقد أعطى الرومان بعض عناصر الاستقلال لدمشق، وأعطوها مميزات دستورية حيث نالت في عهد هدريانوس لقب "متروبول" ثم لقب "مستعمرة رومانية". وشهد العصر الروماني بناء سور يحيط بالمدينة وعمل قناة جديدة لمياه الشرب النقية من نبع الفيجة قرب دمشق والذي ما زالت المدينة تشرب منه حتى اليوم. وعندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى شطرين كانت دمشق من نصيب الإمبراطورية البيزنطية التي ظلت تحكمها حتى الفتح الإسلامي.

    دخل العرب المسلمون دمشق صلحاً عام 14 هـ/ 635م، تحت قيادة أبي عبيدة بن الجراح، ولكن دمشق لم تتبوأ مكانتها في العهد الإسلامي حتى عهد معاوية، الذي اختار دمشق عاصمة له عام 36 هـ / 656م، بعد أن كان والياً عليها طوال العهد الراشدي. وقد عادت دمشق في العهد الأموي مركزاً سياسياً واقتصادياً مرموقاً، وأدى ذلك إلى نمو المدينة واتساعها، فبدأت منذ ذلك العهد تنشأ أحياء جديدة في أطراف المدينة، كما كثرت قصور الأمراء والوجهاء الذين اتخذوا من بساتينها إقطاعات تدر عليهم دخلاً وفيراً.

    بظهور الدولة العباسية، انتهى عصر دمشق الذهبي، بعد أن نقل العباسيون عاصمتهم إلى بغداد، وغدت دمشق مجرد ولاية، شأنها شأن بقية المدن. وقد تأثرت دمشق كغيرها بالأحداث التي أعقبت انحطاط الدولة العباسية، فقد بسط أحمد بن طولون سيطرته عليها بعد أن حكم مصر عام 265 هـ/ 878م ودام حكمه 25 عاماً، وجاء بعدهم الإخشيديون في مصر والشام، ثم ظهرت الخلافة الفاطمية في مصر واستولى الفاطميون على دمشق عام 358 هـ/ 999م، ثم هاجمها القرامطة وحدثت فيها فتن كبيرة، حتى أن الجامع الأموي نفسه احترق حريقاً كبيراً عام 458 هـ / 1068م.

    في عام 468 هـ / 1076م، احتل القائد التركي أتسز المدينة، بعد هزيمته للفاطميين ووطد فيها حكم السلاجقة مع الاعتراف اسمياً بالخليفة العباسي، وقد حكم السلاجقة المدينة مباشرة أو بواسطة أتابكهم. وكان أشهر هؤلاء محمود بن زنكي الشهير بنور الدين الشهيد الذي استولى على المدينة، عام 549هـ /1154م، وأسس الدولة الزنكية، وجاء بعده صلاح الدين الأيوبي من مصر فأسس الدولة الأيوبية التي دامت حتى الغزو المغولي عام 658هـ / 1260م. وفي عهد هاتين الدولتين شهدت دمشق عودة لأيام العز والمجد القديمة، فانتعشت فيها الحياة العمرانية، وازداد تحصين أسوارها وأبوابها وأبراجها، وبنيت فيها المساجد والمدارس الدينية وأضاف نور الدين زنكي إليها باب الفرج، وغدت دمشق بعد ذلك عاصمة للحكم الأيوبي.

    وفي ربيع الأول عام 658 هـ/ آذار 1260م، قضى المغول بقيادة هولاكو على الدولة الأيوبية في دمشق، فنهبوها وأحرقوها وقتلوا الكثير من سكانها، غير أن انتصار مماليك مصر الكبير على المغول في معركة عين جالوت 659 هـ/1260م جعل منهم سادة الشام وأصبحت سورية بكاملها مقاطعة ملحقة بدولة مصر التي كان يحكمها المماليك الترك. وقد ظهرت هذه الدولة المملوكية المصرية السورية في أول عهدها وعلى يد سلاطين مثل بيبرس وقلاوون بارزة القوة وعدت مركزاً للسياسة والثقافة في العالم الإسلامي آنذاك. على أن المماليك الأتراك أخذوا يجمعون في مرحلة لاحقة مماليك جدد حولهم، وما لبث هؤلاء أن ثاروا على سادتهم، وسادت البلاد فترة من الفتن والحروب الداخلية وفلتان الأمور وزاد الأمر سوءاً مهاجمة تيمورلنك للشام ودخوله دمشق عام 803هـ/ 1400م، حيث أباح المدينة لجنده الذين عاثوا فيها خراباً وفساداً، واستمرت هذه الأوضاع إلى مجيء العثمانيين.

    دخل العثمانيون دمشق بعد بضعة أسابيع من هزيمة المماليك في معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516م، ولم يغيروا شيئاً في نواحي الحياة العامة إلا فيما يتعلق بنظام الحكم، وقد استمر حكم العثمانيين الظالم المليء بالنهب وسلب الخيرات وفرض الأتاوات طوال خمسة قرون، حتى قيام الثورة العربية الكبرى عام 1916م، وتحرير دمشق من سيطرة الأتراك، وقيام الحكومة الفيصلية التي لم تعمر طويلاً، إذ سرعان ما داهمها الفرنسيون واحتلوها بعد معركة ميسلون غير المتكافئة في 24 تموز 1920م، وخضعت دمشق بعدها للانتداب الفرنسي، وكان لها دور أساسي في أعمال الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925. وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وجلاء الفرنسيين عن سورية، شهدت دمشق نهضة واسعة، واستعادت أهميتها كعاصمة لسورية، ثم عادت إلى دورها الريادي العربي والدولي في سبعينيات القرن العشرين.

    كانت دمشق في أول نشأتها قرية تعتمد على الزراعة، ثم أخذت تتحول إلى مدينة ذات شكل مستطيل مدور الزوايا يمتد من الشرق إلى الغرب، وفي مركزه تل بارتفاع ستة أمتار، من المرجح أنه كان يضم تحته موقع قلعة دمشق الأولية وقصور الملوك الآراميين، غير بعيد عن معبد حدد، الذي أخذ مكانه الجامع الأموي اليوم

    ازدهرت المدينة عمرانياً في العهد الهلنستي حيث شيد فيها حيان جديدان عن الأحياء الآرامية، وفي العهد الروماني أحيطت بسور دفاعي ذي سبعة أبواب، لازالت قائمة حتى اليوم مع قسم من السور. واعتمد في العهد اليوناني-الروماني المخطط الشطرنجي في عمران المدينة والذي لايزال ماثلاً في الشارع المستقيم الذي يخترق المدينة من باب الجابية في الغرب إلى الباب الشرقي في الشرق بطول 1500 متر، ويسميه أهالي دمشق "السوق الطويل"، أما الشارع المتقاطع معه فلم يبقَ له أثر. أما أبواب دمشق السبعة فهي باب الجابية، الباب الصغير، باب كيسان، باب شرقي، باب توما، باب السلام، وباب الفرج الذي بناه نور الدين زنكي.


    ابتدأت الدراسات الشاملة عن بناء المدينة ونقوشها وآثارها بدءاً من العام 1908م على يد علماء غربيين، إضافة إلى أعمال ترميم ودراسات عمرانية، واستمرت على مدى السنين باكتشاف معالم هذه المدينة التاريخية المذهلة، وكان آخرها ما قام به علماء آثار سوريون في المديرية العامة للآثار والمتاحف من مسح شامل يغطي كل مساحات ومواقع الأبنية التاريخية والتقليدية القديمة، وذلك في إطار عمل لجنة دولية لصيانة المدينة القديمة في دمشق. وفي عام 1979 تم تسجيل قلب العاصمة القديم على لائحة اليونيسكو في عداد الممتلكات الثقافية العالمية. ويوجد اليوم في دمشق القديمة حوالي مائتي بناء أثري يعود معظمها إلى القرون الوسطى، ولا يزال حتى الآن عدد من المساكن التقليدية قائماً فيها، كما أن السوق الكبير لم يفقد شيئاً من نشاطه الذي استمر عبر العصور، مما يجعل المدينة القديمة واحدة من المراكز الحضارية القديمة القائمة في العالم الإسلامي والتي تعطي مثالاً رائعاً عن النشاط الاقتصادي والتجاري والاجتماعي والثقافي في هذا العالم.

    ويعد الجامع الأموي المعلم الحضاري الأبرز الذي تمحورت حوله تاريخياً النشاطات الدينية والثقافية والاقتصادية والسياسية لسكان المدينة. وتاريخ هذا المكان موغل في القدم إذ تعود أهمية الموقع إلى عهد الآراميين حيث جعلوا منه معبداً للإله حدد ثم أصبح معبداً لجوبيتيرر في عهد الرومان وكنيسة في عهد البيزنطيين. وفي العهد الإسلامي تقاسم المسلمون والمسيحيون العبادة في هذا المكان، حتى اشترى الوليد بن عبد الملك الكنيسة من أصحابها وضمت أرضها إلى أرض المسجد الكبير الذي بناه، وكان على غير مثال سابق، ولكنه أصبح نموذجاً أساسياً للمساجد التي أقيمت معه أو بعده مباشرة، كالمسجد الأقصى وجامع حلب وجامع القيروان وجامع قرطبة وغيرهم. كما أصبحت مئذنته قدوة في بناء المآذن في المغرب العربي والحجاز والأندلس. وقد بني قصر الحكم الأموي في عهد معاوية بقرب هذا الموقع، وبناء على ذلك اتخذت المدينة اتجاهاً عمرانياً جديداً، فالمتاجر التي كانت في السابق قائمة في ساحتها العامة في النصف الشرقي من المدينة، تحولت أكثر فأكثر نحو الغرب على مقربة من محور الشوارع التي يشتد التردد عليها بين المسجد وقلعتها القديمة، التي توسعت وصارت قلعة كبيرة. وحتى الآن يمتد في هذا المكان الجزء التجاري من المدينة، الشديد التفرع، والذي يعرض سلعاً متنوعة في طرقات تجارية تغلي بالحياة والناس، وتوجد فيه خانات كبيرة ترتفع فوقها القباب.

    إن المعنى الديني للمسجد الأموي دفع الحكام اللاحقين إلى تشييد مقامات دينية بالقرب منه، وبهذا نشأ خلال القرون مركز للمدينة مؤلف من أبنية ذات طابع ديني مقدس ومهام مختلفة (مساجد، مدارس، معاهد دينية وزوايا)، وأخرى مكرسة للخدمات الاجتماعية العامة (مستشفيات وحمامات وسبل مياه). كما أصبح المسجد الأموي بفضل مكانته الدينية هدفاً للحكام الذين أرادوا تشييد أضرحتهم بجانبه، ومن هذه الأبنية المدرسة التي تضم ضريح نور الدين بن زنكي، وبناء الضريح ذو القبة المحززة، الذي يضم رفات مؤسس دولة الأيوبيين الناصر صلاح الدين، والمدرسة التي تحولت اليوم إلى المجمع العلمي والتي تضم ضريح خلفه العادل سيف الدين، ثم المدرسة التي تحولت اليوم إلى المكتبة وهي تحتوي على قبة الضريح الضخمة للحاكم المملوكي الأول الظاهر بيبرس. كما أن قلب المدينة الشريف الذي يحيط بالمسجد الكبير قد غدا أيضاً الحي السكني المفضل للمسلمين. وهكذا شيد أهم حاكم مملوكي في دمشق تنكز الناصري قصره المنيف بجانب المسجد. والجدير بالذكر أن الحاكم العثماني أسعد باشا العظم قد بنى في المكان نفسه قصراً عظيماً شهيراً، كان في أواسط القرن التاسع عشر مقراً للقنصل الألماني (وهو الآن متحف التقاليد الشعبية).

    بانتقال مركز الخلافة إلى بغداد في زمن العباسيين، بدأت تغييرات جديدة تطرأ على المدينة بدءاً من القرن العاشر الميلادي، إذ تخلت عن الطرقات المستقيمة والمتقاطعة عمودياً التي حافظ عليها الأمويون كما وجدوها قبلهم، وحل محلها أحياء سكنية تصل بينها الممرات والأزقة الضيقة وتغلق ببوابات بين الشوارع الرئيسية، وبذلك بدأت المدينة تتخذ طابع المدينة الإسلامية، وطبعت هذه البنية ملامح الأحياء الجديدة التي نشأت خارج أسوار المدينة القديمة. وفي منتصف القرن الثاني عشر بنى مهاجرون هاربون من الهجمات الصليبية مايسمى بالصالحية في شمالي المدينة على سفح جبل قاسيون، وقد تطورت هذه المنطقة خلال القرون إلى مجتمع مدني ذي أسواق خاصة ومساجد كبيرة وأبنية ذات مسحة دينية مكرمة وأضرحة وأحياء سكنية. وشهدت دمشق امتداداً هاماً آخر في الاتجاه الجنوبي حيث نشأت وتطورت في ظل حكم المماليك والعثمانيين، وحتى أواخر القرن السادس عشر ضاحية حي الميدان، وذلك على طريق الحج إلى شبه الجزيرة العربية، إذ شهد الحي أبنية عديدة ذات طابع ديني وأبنية رائعة فخمة. وهذا التوسع المستمر في المدينة يدل بوضوح على الازدهار الجديد المتواصل لدمشق في العصر الحديث.

    ونجد في المدينة أيضاً عدداً كبيراً من المعالم المميزة الأخرى، فعلى صعيد المساجد نجد جامع المدرسة النورية من الفترة الزنكية، وجامع التوبة وجامع الحنابلة من العصر الأيوبي، ومازالت قائمة معالم جامع تنكز المملوكي إلى جانب عدد من المساجد المملوكية، مثل جامع التيروزي، ومن المساجد العثمانية التكية السليمانية وجامع محي الدين بن عربي وجامع درويش باشا وجامع سنان باشا.

    أما على صعيد المدارس فنجد المدرسة النورية والمدرسة الركنية والمدرسة العادلية والمدرسة الظاهرية والمدرسة الجقمقية والمدرسة السيبائية ثم المدرسة السليمانية. وفي المدينة الحديثة نجد المدارس التاريخية مثل المدارس الأجنبية كالمدرسة العازارية واللاييك (العلمانية) والفرنسيسكان، ومدرسة الطب ومدرسة دار المعلمين (وزارة السياحة اليوم) والمدرسة التجهيزية (ثانوية جودت الهاشمي) ومبنى دار المعلمين الابتدائية (مقر القيادة القطرية اليوم).

    أما المشافي فنجد بيمارستان نور الدين والبيمارستان القيمري. وعلى صعيد الخانات التي كانت وظيفتها في العصر العثماني إيواء المسافرين والقوافل واحتواء بضائع التجار، ومن أهمها خان أسعد باشا العظم والذي رمم وأصبح سوقاً سياحياً. وتشتهر دمشق بحماماتها العامة ومن أشهرها حمام التيروزي وحمام الجوزي والسروجي والورد.

    تتمتع دمشق أيضاً بتاريخ في عمارة المباني الرسمية، ويعد مقر الحكم الأموي الذي أنشئ غربي الجامع الأموي ومتداخلاً معه في الصالات التي تسمى اليوم "مشهد" وضم قديماً دواوين الدولة التي تنامت في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، ومازالت آثارها واضحة إلى الآن في منطقة المسكية. كما أن سلطة الدولة كانت محصنة منذ القرن الثاني عشر في بناء ضخم مازال ماثلاً وهو قلعة دمشق، أهم معالم دمشق المعمارية، وتقع في الزاوية الشمالية من دمشق القديمة، وكان الملك العادل الأيوبي قد أنشأها عام 615هـ /1218م على أنقاض قلعة سلجوقية أنشئت عام 469هـ/ 1076م، ولها أربعة أبواب واثنا عشر برجاً، ويحيطها خندق مائي، وفيها مسجد وقصر ودور.

    يعد البيت الدمشقي القديم من أنجح ما توصل إليه المعمار لخدمة الوظيفة السكنية وشروطها الاجتماعية، ويتألف البيت الدمشقي القديم من قسمين واحد للاستقبال وآخر للمبيت، وقد يضم قسماً للخدم واصطبلاً، وتتألف هذه البيوت من طابقين، في كل منها عدد من الغرف وتنفتح كلها على فناء الدار "أرض الديار" الذي يلعب دوراً مهماً في حماية المسكن من المؤثرات الخارجية، وفي الطابق السفلي ينهض إيوان ضخم ينفتح على مشهد الفناء المزين، والمعطر بأنواع النباتات العطرية والفل والياسمين وأشجار النارنج والليمون، وفي قلب هذا كله بحرات تسقي هذه الحديقة الغناء، وإلى جانبي الإيوان قاعة أو قاعتان تزين جدرانها كتبيات خشبية تتصل بزخارف السقف، وتحيط الأثاث الدمشقي المؤلف من آرائك وسجاجيد وقطع نفيسة. ومن أهم نماذج البيوت الدمشقية، قصر العظم في سوق البزورية، وبيت نظام وبيت السباعي وبيت خالد العظم وبيت السقا أميني وبيوت الدحداح، والمجلد وجبري والصفدي وبيت عنبر، وكلها بيوت لعائلات دمشقية معروفة.

    إن التراث المعماري الضخم كان لا بد وأن يترافق مع إرث فني وحرفي هائل امتلكته هذه المدينة العريقة بفسيفسائها وصناعة الخزف وخصوصاً الألواح الخزفية الملونة التي تسمى "القيشاني"، أو الزخارف الخشبية التي تسمى "العجمي" أو الزخرفة بتنزيل الملاط على الحجر والتي تسمى "الأبلق" أو الفسيفساء الحجري المسمى "المشقّف". أضف إلى ذلك ترصيع الأواني النحاسية أو زخرفتها بزخارف بارزة أو غائرة أو مرصعة بقضبان من الذهب والفضة بأشكال هندسية ونباتية أو زخرفة الأثاث الخشبي بالذهب والفضة والمسمى "موزاييك". أما في مجال النسيج فقد برع الدمشقيون قديماً بصناعة السجاد الدمشقي وإنتاج نسيج "الدامسكو" والأقمشة الحريرية. ومن الصناعات الفنية نفخ الزجاج الذي تجمع في منطقة الشاغور بالإضافة إلى الإبداع في الصناعات الزجاجية وتزيينها. ولا ننسى الفن التشكيلي الذي انتشر على شكل الرقش "أرابيسك". إلا أن أكثر الصناعات الفنية الدمشقية شهرة هي صناعة السيف الدمشقي المؤلف من قبضته المزخرفة والمرصعة، ومن شفرته المصنوعة من الفولاذ الدمشقي المرن ذي التمشيح الطيفي اللون والذي يطلق عليه اسم "الجوهر". وما زالت صناعة الفولاذ الدمشقي وتمشيح الجوهر من خصائص الصناعة الدمشقية الأصيلة.

    يدلنا كل ما ذكرناه على الدور العريق الذي لعبته دمشق كقلب للنشاط السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي والفني والحرفي الذي استمر منذ أكثر من أربعة آلاف سنة، مرت فيها على المدينة العديد من الأحداث الساخنة وفترات ازدهار أو مراحل صعبة إلا أنها حافظت على سماتها الحضارية الأساسية كمركز للإبداع الإنساني الرحب الأصيل.


    عدل سابقا من قبل للنشر في 14.10.11 19:16 عدل 1 مرات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: دمشق ..ملامح تاريخية   دمشق ..ملامح تاريخية Icon_minitime27.10.09 3:09

    دمشق في العصر الآرامي


    الذي قال: دمشق أقدم مدينة في التاريخ، أراد، ضمناً، دمشق مدينة قديمة في مشرقنا العربي، مثل حلب ويبرود، وجبلا (بيبلوس) وأريحا. وعلى هذا النحو نفهم عنوان هذه الندوة، وحقيقته. وللحقيقة نستنطق التاريخ، وقد فعلت هذا، في محاضرة ألقيتها قبل عام، بدعوة من جمعية أصدقاء دمشق بالمركز الثقافي العربي بدمشق، وكان عنوانها: «المصادر القديمة في تاريخ دمشق»، وعن لسان الوثائق نقلت أن أقدم ذكر لدمشق يعود إلى القرن الخامس عشر ق.م. وأن اللقى الأثرية عامة والآثار الفنية خاصة، الأوغل قِدَماً، لم نعثر عليها في دمشق حتى نبرهن على عكس ذلك.

    لست في صدد عرض تاريخ دمشق المدينة، لذلك أكتفي بهذه الإشارة وأعود إلى عنوان محاضرتي: دمشق في العصر الآرامي.

    بدأت حركة القبائل الآرامية في بلاد الشام، عند منتصف الألف الثاني ق.م. وجاءت أول إشارة إلى وجودهم في بلاد الشام الجنوبية من ثبت أسماء الأمكنة الذي يعود إلى عهد الفرعون أمانوفس الثالث «1403-1205ق.م» ذُكِر أنه كانت لهذا الفرعون مدينة في بلاد آرام، ونحن لا نستبعد أن يكون المقصود من بلاد آرام مملكة دمشق الآرامية لأن نفوذ الفرعون مرنبتح لم يتعدَّ منطقة دمشق شمالاً، ولأن ملوك دمشق الآراميين كانوا قد لقبوا أنفسهم بلقب ملك آرام.

    وفي نظرنا أنَّ هذه الإشارات إلى الآراميين، والتي تشابه تلك الإشارات إليهم في الكتابات الأكادية والبابلية والحثية من الألف الثاني ق.م. ما هي إلاّ شواهد على استقرار الآراميين في بلاد الشام الجنوبية، وانتشارهم في ربوعها، في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م.

    استقرت القبائل الآرامية في سهل الحولة والجولان وعلى ضفاف اليرموك وبينه وبين نهر الزرقاء، وفي حوران وجبها، وفي البقاع وسلسلة جبال لبنان الشرقية، ومناطق القلمون ودمشق وغوطتها، وأسست ممالك وإمارات ومشيخات أبرزها:

    ـ بيت رحوب: التي امتدت ربوعها بين نهري الزرقاء في الجنوب واليرموك في الشمال.

    ـ قبيلة طوبة: وانتشرت منازلها إلى الشرق من بيت رحوب، وعلى الأرجح في المناطق المجاورة لمدينة الزرقاء الأردنية.

    ـ قبيلة جيشور: في الحولة وعلى جانبي نهر الأردن والجولان.

    ـ قبيلة معكة: على سفوح جبل الشيخ الجنوبية والغربية وفي البقاع الجنوبي.

    ـ قبيلة صوبة: كانت أقوى قبائل الجنوب، وانتشرت في البقاع وسلسلة جبال لبنان الشرقية وغوطة دمشق وحوران. وكانت لها السيادة على قبائل الجنوب، وقد جاء في سفر صموئيل الأول 14: 47 أنّ ملوك صوبة قد دخلوا في نزاع مع صموئيل، وتدل عبارة «ملوك صوبة» أنَّ هذه البلاد كانت منقسمة إلى ممالك عديدة، كانت أقواها مملكة صوبة التي دخلت في صراع مع داوود، وكان ملكها هدد عزر بن رحوب (صموئيل الثاني 8: 3). يبدو أنَّ هدد عزر هو من بيت رحوب وأن رحوب ليس بالضرورة هو والد هدد عزر، بل هو شيخ قبيلة بيت رحوب، التي ينتسب أفرادها إلى هذا البيت، فهدد عزر ظهر في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أمّا رحوب فقد عاش قبل ذلك بعشرات السنين.

    والواقع أنَّ كتاب العهد القديم قد اعتبر بيت رحوب وصوبة قبيلة واحدة هَبّتا معاً لنصرة بني عمّون على داوود، وناصرهم آراميو طوبة ومعكة. ونحن لا نشك أنَّ هدد عزر الذي كان الملك الأقوى في الجنوب في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كان قد عمل على لمّ الآراميين وجمع شملهم حسب ما نستنتجه من إشارة وردت في حوليات الملك الآشوري شلمانوا شيرد (سلمانصر الثالث 858-824ق.م)، ففي معرض وصفه للأحداث التي وقعت في عهود أسلافه ذكر أن مدينة بيترو، على الضفة اليمنى لنهر الفرات، قرب مصب نهر الساجور، كانت قد سقطت في أيدي ملك آرام إبّان عهد الملك الآشوري آشور ربي الثاني 1012-972ق.م. وبما أنّ هدد عزر قد عاش في هذه الحقبة، وهو الوحيد الذي لقّب نفسه ملك آرام لا نستبعد أن يكون هو المشار إليه في حوليات سلمانصر. وإذا صحّ ذلك لابدّ أنه وصل إلى هناك لتوحيد الآراميين وتخليصهم من السيطرة الآشورية. ومما يعزز وجهة نظرنا هذه أنَّ برهدد الأول هذا قد أوعز بإقامة نصب للرب مقلرت عثر عليه في قرية البريج بجوار حلب. ولهذا النصب أهمية خاصة، فقد ورد بالنص المنقوش في النصب تحت صورة الرب جملة هدد عزر ملك آرام ويتضح من هذه الجملة أنَّ نفوذ برهدد قد وصل إلى هناك. والواقع أنَّ ملقرت هو رب المدن الساحلية صيدا وصور وهو على الأرجح اسم للرب هدد كاسم بعل. وقد يكون غرض برهدد من هذا تمتين أواصر الصداقة مع صيدا وصور.

    وفي عهد هذا الملك كانت دمشق تابعة له ولم تكن عاصمة ملكه. ويجب ألاّ نندهش من ذلك، فالآراميون لم يتخذوا من المدن الكنعانية الرئيسية عواصم لهم، بل جعلوا من مدن أخرى ذات مواقع استراتيجية هامة عواصم لهم مثل جوزن قرب رأس العين، وتل برسيب على ضفة الفرات اليسرى.. إلخ، وحينما تمرد قائد هدد عزر: رزون بن إيل يدع على سيده واغتصب السلطة منه اتَّخذ من دمشق عاصمة له، وأصبحت دمشق حاضرة آراميي الجنوب. وفي عهده، أي في الربع الأخير من القرن العاشر ق.م، استتب الأمن وقويت المملكة وأصبحت سيدة بلاد الشام الجنوبية بلا منافس، وسارت في ركابها الممالك الأخرى.

    والواقع أننا لا نعرف شيئاً عن رزون بن إيل يدع إلا تلك العبارة الغامضة التي وردت في (سفر الملوك الأول 11:23-25) حيث قيل أن رزون قد أقامه الله خصماً لسليمان بعد أن فعل الشر في عيون الرب.

    ونرجح أن إيل يدع كان من أفراد الأسرة الحاكمة في دمشق، وكان تابعاً لهدد عزر ملك صوبة، ثم حل محله وقاد الآراميين بدلاً عنه، ونعتبره مؤسس ملكة دمشق الآرامية القوية، وريثة مملكة صوبة، وقد حكم في النصف الثاني من القرن العاشر قبل الميلاد.

    جاء بعد رزون الملك طبرمان، الذي لا نعرف عنه شيئاً، وقد خلفه على عرش دمشق ولده هدد عزر الثاني، الذي عاصر سلمانصر الثالث ملك آشور.

    سار سلمانصر الثالث على نهج أسلافه في محاربة الآراميين. فقضى على مملكة بيت عديني، التي امتدت أراضيها على ضفاف الفرات من مصب نهر الساجور وحتى دير الزور، وكانت عاصمتها تل برسيب، وهي تل أحمر الآن، على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وقد حولها سلمانصر إلى حصن له أسماه «كارشلمانو اشيرد أي حصن سلمانصر»، انطلق منه إلى محاربة الممالك الآرامية في بلاد الشام.

    ففي عام 853ق.م، زحف بجيشه على بلاد الشام، بعد أن اجتاز الفرات غرباً، وكان له بالمرصاد هدد عزر الثاني، الذي جمع حوله ممالك بلاد الشام الجنوبية، وبَدْوها بقيادة جندب العربي، وممالك الساحل الشامي من صور في الجنوب وحتى سيانو شرقي مدينة جبلة في الشمال ومملكة حماه وأمير قوية في كيليكية وأمير مصر في منطقة الروج. زحف الجمع كله لملاقاة الجيش الآشوري. والتقى المتحاربان في قرقور جنوبي جسر الشغور، وحدثت المعركة التي وصلتنا أخبارها من الطرف الآشوري فقط.

    وحسب الرواية الآشورية كان جيش سلمانصر هو المنتصر، والتحالف الآرامي هو المنهزم ولو أخذنا بعين الاعتبار كثرة الوثائق الآشورية التي تحدثت عن المعركة، لأدركنا أهميتها بالنسبة إلى الآشوريين، وصدقنا أنَّ هذا التحالف الكبير هو الذي اندحر.

    والواقع أنَّ الأحداث التي وقعت بعد انتهاء المعركة تدعونا أن نرجح بأن القتال بين الطرفين قد توقف من غير أن يكون هناك طرف غالب وآخر مغلوب. فسلمانصر عاد إلى آشور بعد توقف القتال، ولم يطارد الآراميين المهزومين، حسب عادته، ولم يأسر ملكاًَ أو قائداً منهم، ولم يذكر شيئاً عن الغنائم. فلو كان منتصراً للاحقهم، وشتت شملهم، واستولى على ممالكهم واستراح من محاربتهم.

    هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ سلمانصر عاد لمحاربة الآراميين وذلك في عام 849 ق.م، حينما قصد حماه، وقبل أن يصلها، تصدى له التحالف السابق، بقيادة هدد عزر الثاني ملك دمشق، وأرخوليني ملك حماه، وفي هذه المرة ادعى الآشوريون النصر. وبعد فترة عاود سلمانصر الهجوم مرتين الأولى عام /848 ق.م/ والثانية عام /845 ق.م/، وفي كلتا المرتين تلقته الجيوش الآرامية بقيادة هدد عزر وأرخوليني ولكنها انهزمت أمامه، حسب الرواية الآشورية.

    وكما في المرّات السابقة، لم يطارد الجيش الآشوري الجيوش الآرامية المهزومة، ولم يحتل أية مدينة من مدن الآراميين، ولم يخلع أي ملك منهم، وينصّب آخر موالٍ له مكانه، جرياً على عادة الآشوريين في مثل هذه الأحوال. وهذا ما يشير إلى قوة التحالف وصموده أمام الآشوريين.

    لقد تميز عهد برهدد الذي وقع في النصف الأول من القرن التاسع ق.م بمقاومته العنيفة للآشوريين وبتضامن جيرانه معه. فالمناطق التي اتحدت معه امتدت من كيليكية في الشمال وحتى عمّون/عمّان في الجنوب، ولم يخل عهده، مثلما لم يخل عهد أقرانه الملوك من حركات سياسية معادية، فتمرد عليه رجل يدعى خزه إيل، اغتاله وهو مريض على فراش الموت حسب رواية (سفر الملوك الثاني 8:7-15)، وجلس مكانه على عرش آرام في دمشق حوالي عام 843ق.م وسلمانصر الثالث كان لا يزال ملكاً على آشور حاقداً على آراميي بلاد الشام يتحين الفرص للانقضاض عليهم.

    كان لهذا الحدث الذي نتج عنه وصول خزه إيل إلى الحكم أن انفرط عقد الآراميين وتفككت ممالكهم وأصبحت كل مملكة تقاتل الآشوريين بمفردها.

    استغل سلمانصر هذه الفرصة، فزحف نحو دمشق من غير أن يعترضه أحد وهو في طريقه إليها من الفرات وحتى دمشق، حيث جمع خزه إيل قواته وتصدى للآشوريين خارج المدينة. وتروي الوثائق الآشورية أن خزه إيل قد فر من أرض المعركة ونجا بنفسه مع ما تبقى من قواته وتحصن في جبل سانيرو أي جبل حرمون. لم تدخل القوات الآشورية المدينة، بل زحفت نحو جبل حوران فدمرت وأحرقت العديد من المدن ثم اتجهت صوب فلسطين فعبرتها حتى بعلي رأشي أي رأس الناقورة.

    ولزحف الجيش الآشوري نحو حوران وتدميره المدن فيها له مغزاه كما سنرى فيما بعد. ومما سبق يمكننا القول أن الآشوريين لم يحققوا في عهد سلمانصر الثالث ولا طيلة القرن التاسع ق.م أية مكاسب في بلاد الشام على الرغم من الحملات القوية المتكررة التي جردها وقادها سلمانصر ضدهم. ويعود الفضل في ذلك إلى حنكة ملكي دمشق هدد عزر الثاني وخزه إيل وقدرتهما على جمع الآراميين حولهما. علماً أن خزه إيل كان مغتصباً للعرش وكان له أعداء بلا شك.

    وإذا كان خزه إيل مغتصباً للعرش، فمن حقنا أن نتساءل عن نسبه، لقد وصفه النص الآشوري الذي كتب بمناسبة حملة سلمانصر الثالث على دمشق عام 831ق.م بالجملة التالية: «خزه إيل بن لامَنْ» وتعني خزه إيل بن لا أحد أو لا رجل. ويطيب لي هنا، وقبل أن أستفرد في عرض نسب هذا الملك، أن أعقد مقارنة بسيطة بين (مَنْ الأكادية ومَنْ العربية) نقول نحن في العربية (مررت بمَنْ معجب لك) وهذا كما لو قلت مررت برجل معجب لك فكأن هناك علاقة في المعنى بين الاسمين.

    إذاً خزه إيل وبعرف الآشوريين ابن لا أحد، والمقصود أنه ليس من الأسرة المالكة، بل هو مغتصب للعرش، فمن أين أتى؟ في عام 1984 اكتشفت بعثة أثرية ألمانية، وأثناء التنقيب في جزيرة ساموس اليونانية قطعة برونزية من لجام حصان تركب عادة فوق العينين على جبهته، وقد نقش فيها نص يقول (هذا/هذه ما قدمه هدد لسيدنا خزه إيل من عمق باشان، غره لسيدنا الجليل).

    ليس هذا وحسب، بل عثر في معبد للرب أبولون بجزيرة أويبو اليونانية على قطعتين برونزيتين تركبان عادة على سيور اللجام جانبي العينين، وقد نقش فيهما نص مطابق للنص الذي ذكرته أعلاه، وهذه القطع، فيما نرى من لجام واحد، أو على الأقل لعدة حصان للسيد خزه إيل، وقد وجدتا في مكانين متباعدتين ببلاد اليونان. وبها نستطيع التعرف على خزه إيل.

    لا تثبت هذه الكتابة، وبشكل قاطع، أنَّ خزه إيل ملك دمشق، هو نفسه خزه إيل المذكور بالنص المنقوش في هاتين القطعتين. إذ لم تذكر الكتابة أنَّ خزه إيل هو ملك دمشق، وبذلك نفتقر إلى وسيلة قاطعة تمكننا من إثبات أن خزه إيل ملك دمشق هو المعني بالنص المنقوش على القطع البرونزية. ومع ذلك، وفي ضوء الصفة التي اقترنت باسم خزه إيل نرجّح أنه هو ملك دمشق.

    ومن الملاحظ أنّ الذي نقش النص لم يذكر اسم والد خزه إيل ولا لقبه بل وصفه بكلمة «سيدنا». وهذا الذاتية نجدها في كل النصوص التي تخص خزه إيل ملك دمشق وهي «نقش» في قطعة عاجية من موقع أرسلان طاش يفيد أنَّ القطعة قد صنعت لسيدنا خزه إيل. ونقش آخر في قطعة عاجية أيضاً عثر عليها في مدينة كلخو (النمرود) في العراق نقرأ عليها لسيدنا خزه إيل يبدو أنَّ هاتين القطعتين كانتا من زخارف الأثاث الدمشقي الذي كان في قصر خزه إيل والذي غنمه تجلات فلصر الثالث كما سنرى ونقل إلى أرسلان طاش)/خداتو إلى النمرود/كلخو.

    وإلى جانب هذه الصفة التي تنفرد بها كتابات خزه إيل هناك ظاهرة وردت في وثائق سلمانصر وهي أن هذا الملك قد هاجم خزه إيل في دمشق (كما ذكر أعلاه) ولكنه لم يدخلها، بل زحف إلى حوران وجبلها حيث دمر وأحرق مدناً لا تحصى. فلماذا اختار حوران وجبلها وترك دمشق والقرى المحيطة بها؟ يوجد تفسيران لذلك، الأول أن مرد اختيار حوران هو رغبة سلمانصر في القضاء على منازل عشيرة خزه إيل في باشان وبالتالي إضعافه، وتجريده من عزوته، والثاني أن خزه إيل كان قد هرب من دمشق وتوجه إلى حوران على الأرجح حيث أهله وعشيرته ليلوذ بهم. ويبدو من هذا الدليل أن خزه إيل كان من باشان التي أصبحت تعرف فيما بعد بالنقرة، وتمتد من بلدتي الصنمين و نوى في الشمال وحتى اليرموك في الجنوب، ومن وادي العلان في الغرب إلى أطراف الجبل في الشرق.

    ولإثبات أن خزه إيل هو من باشان أو على الأقل من حوران لابد أن نستشهد بنص نقش في حبة عقد من المرمر عثر عليها في مدينة آشور. يقول النص «غنيمة من بيت الرب شرى في مدينة ملح، مدينة في مملكة خزه إيل من بلاد حميرشو (سنعود إلى هذه العبارة بعد قليل)، الذي سلمانصر بن آشور ناصر بال ملك آشور حشره في قلب الدوري في قلب المدينة».

    يتحدث سلمانصر في هذا النص القصير، عن لجوء خزه إيل إلى بيوت مدينة ملح التي فيها معبد للرب شرى. وفي هذا إشارة واضحة إلى أن ملح ما كانت مدينة عادية، بل هامة فيها معبد. فأين تقع هذه المدينة؟

    توجد في الغوطة قرية المليحة، ونستبعد أن تكون هي المدينة المعنية بسبب عدم وجود آثار فيها تعود إلى ذاك العصر، وفي محافظة درعا وإلى الشرق من بلدة إزرع تقع قرية مليحة العطش، عثر فيها على كتابة بيزنطية تشير إلى أن الاسم القديم لمليحة العطش هو مَلَحْ، ومع ذلك قد لا تكون هي مَلَحْ ذاتها التي ذكرت في النص المشار إليه أعلاه، إذ ليس فيها ما يدل على قدمها ويدل على أنه كان فيها معبد للرب شرى.

    وتبقى بلدة ملح في محافظة السويداء إلى الشرق من مدينة صلخد على أطراف الجبل والبادية ونرجح أنها هي مدينة مَلَحْ المعنية في كتابة سلمانصر، إذ كان فيها معبد للرب شرى في العصر النبطي، وكانت لها أهمية في العصر الروماني أيضاً. وربما أقيم المعبد النبطي على أنقاض المعبد الآرامي أو أن الأنباط قد حافظوا على المعبد الآرامي.

    بعد وفاة خزه إيل حوالي عام 803ق.م خلفه ولده برهدد الثالث على عرش دمشق. وعنه تحدث كتاب العهد القديم في سفر الملوك الثاني وتحدثت بعض الوثائق الآشورية في عهد هدد نيراري الثالث (809-782ق.م) ونصب ذكير ملك حماه، يخبرنا النص المنقوش في نصب ذكير ملك حماه الذي عثر عليه عام 1903 في قرية آفس شمالي سراقب عن حدث هام جداً كان الفاعل فيه برهدد الثالث.

    النصب محفوظ في متحف اللوفر في باريس، وقد نذره ذكير ملك حماه ولعش للرب الويّر حامي مدينة لعش، ويفيد النص أن برهدد وجيوشه وستة عشر ملكاً أو سبعة عشر تحالفوا معه نعرف منهم برجوس/برجش ملك بيت آحوش وجيشه، ملك قوية في كيليكية وجيشه. وملك عَمْق (في سهل العَمْق) وجيشه، ملك جرجم وجيشه، جرجم عاصمتها مرعش)، ملك شمال وجيشه (كانت مملكة شمال في حوض نهر الأسود وعلى السفوح الشرقية لجبال الأمانوس) وملك ميلز أي ملاطية وغيرهم قد حاصروا مدينة خزرك عاصمة لعش حصاراً شديداً ثم ما لبثوا أن تراجعوا عنها وذلك بعون بعل شمين سيد السماوات الذي هو الرب هدد، وبذلك يكون ذكير قد انتصر على هذا التحالف بعون الرب.

    في الواقع لا نجد في النص المشوه ما يشير إلى سبب الخلاف بين برهدد وذكير، وقبل أن ندخل في التفاصيل نشير إلى أن هذا التحالف كان على غرار تحالف برهدد الثاني مع ملوك بلاد الشام ضد الآشوريين، والفرق بين التحالفين أن هذا التحالف قد وجه ضد ملك حماه ولعش وليس ضد الآشوريين.

    وحتى نتعرف على السبب نشير إلى أن أحداً من ملوك حماه لم يلقب نفسه بلقب ملك حماه ولعش، فقط ذكير كان صاحب هذا اللقب، وربما أن ذكير كان من لعش وكانت لعش تابعة لحماه فاغتصب عرش حماه، واتخذ لنفسه هذا اللقب المزدوج ليشير إلى أصله، وهو بذلك يكون قد فعل ما فعله رزون وخزه إيل في دمشق. وإذا كان هذا هو الواقع فمن المرجّح أن اغتصاب عرش حماه من قبل ذكير قد أثار برهدد ملك دمشق الذي سارع لمحاربة ذكير وحشد له ممالك حثية وآرامية، ومما يلفت النظر أن الممالك الحثية والممالك الآرامية إلى الشمال من حماه قد ذكرت بالاسم بينما لم تذكر ممالك بلاد الشام الجنوبية بالاسم بل اكتفى النص بإجمالهم سوية تحت الرقم 7 ومرد ذلك على ما نعتقد أن ثلث الممالك كانت تابعة لبرهدد أو تنضوي تحت لوائه، زد على ذلك أن برهدد قد لُقب بملك آرام وهو اللقب الذي احتفظ به ملوك دمشق الآراميون جميعهم.

    بعد وفاة برهدد الثالث تبعه خديانو الذي نعرف اسمه فقط ويبدو أنه قد حكم في السنوات التي سبقت عام 745ق.م أي العام الذي اعتلى فيه الملك تجلات فلصر الثالث عرش آشور واستمر حكمه حتى عام 727ق.م.

    كان تجلات فلصر أقسى ملوك آشور محباً للحروب وخراب الديار، فقد قصد دمشق عام 832ق.م وكان ملكها رضيان فحاصرها حتى سقطت بيده وجعل منها ولاية آشورية.

    هكذا زالت مملكة دمشق الآرامية التي نستطيع تحديد رقعتها ونظام الحكم فيها على ضوء ما ذكرناه من أخبار بحيث نستفيد من أسماء الأمكنة الذي ذكرت في حوليات الملوك الآشوريين وهي: جبل سايزو الذي هو جبل الشيخ.

    بعض المدن الهامة التي دمرها سلمانصر في حوران وجبلها مثل الدينبة/الذينبة بجوار إزرع وملح إلى الشرق من صلخد، إن هذه المناطق كانت تابعة لمملكة دمشق الآرامية.

    ويستفاد أيضاً من الإجراءات التي اتخذها تجلات فلصر عام 732ق.م حيث قسم مملكة دمشق الآرامية إلى ست عشرة ولاية نعرف منها صوفيني/صوبيني أي صوبا في سلسلة جبال لبنان الشرقية، منصوتا وشملت البقاع بأكمله، قرنيم ومركزها قرنيم وهي الآن قرية الشيخ سعد جنوب مدينة نوى في حوران وتضم أراضي محافظتي السويداء وحوران وذكرت فيها المتونة على أطراف اللجاة الشرقية شمالي شهبا وكذلك البثينة إلى الشرق من المتونة حيث الجولان المعروف لدينا جميعاً.

    ويستفاد من كل هذا أن مملكة دمشق قد ضمت البقاع وسلسلة جبال لبنان إلى الشرق منه وامتدت شرقاً إلى البادية وجنوباً إلى حوران وغرباً إلى الجولان.

    في هذه الرقعة انتشرت قبائل آرامية ذكرت بعضاً منها في مستهل هذه المحاضرة وإذا أضفنا إلى ذلك أن ملوك دمشق ما كانوا من دمشق ذاتها بل كان هدد عزر من رحوب وخزه إيل من باشان، جاز لنا أن نفترض أن مملكة دمشق الآرامية كانت مملكة اتحادية تضم قبائل يحكمها شيوخ يتبعون الملك ونأمل أن نستطيع يوماً التنقيب في دمشق ذاتها أو في التلال الهامة المحيطة بها والتي كانت مدناً رئيسة في مملكة دمشق علَّنا نغني معرفتنا عن دمشق وسورية الجنوبية.

    وفي الختام يطيب لي أن أشير إلى أن اسم المنطقة المحيطة بدمشق كان في العصور الكنعانية، أي في الألف الثاني ق.م آفو/أفو وتعني هذه الكلمةب الأكادية والبابلية والآشورية نبات القصب ويرجح الباحث أولبرايت وغيره أن آفو كانت وصفاً لبيئة دمشق النباتية وخاصة القصب الذي كان ينمو على ضفاف بحيرتي العتيبة والهيجانة بكثرة. وهناك معنى آخر لهذه الكلمة وهو التربة الغضارية المتوفرة في محيط دمشق.

    ومهما يكن من أمر فإن اسم آفو قد اختفى باختفاء الكنعانيين وحلت محله عبارة: «مات شاحميرشو» أي بلاد الحمير بينما بقي اسم دمشق كمدينة.

    لقد جاء اختفاء اسم آفو مع ظهور الآراميين والآشوريين على مسرح الأحداث في بلاد الهلال الخصيب إذ أن النصوص الآشورية من القرنين التاسع والثامن ق.م كانت قد وصفت منطقة دمشق بالعبارة التالية: «مات حمير شو»، أو «مات شاحمير شو» أي بلاد الحمير.

    نالت هذه الظاهرة ما تستحقه من دراسة وتحليل وأدلى عدد لابأس به من الباحثين برأيه حولها وانطلق بعضهم من فرضية وجود علاقة بين «مات حمير شو»، ودمشق أي أن دمشق كانت عاصمة بلاد «مات شاحمير شو» كما نستنتج من النصوص الآشورية، إذ نرى أن الملك الآشوري سلمانصر الثالث قد نسب خزه إيل مرة إلى بلاد الحمير، وأخرى إلى دمشق عاصمة ملكه، أما في عصر هدد نيراري الثالث 811-781ق.م فنجد العبارة التالية: «لقد ذهبت إلى بلاد الحمير ومرئي ملك بلاد الحمير حاصرته في دمشق عاصمة ملكه» ويتضح من هذا أن بلاد الحمير كانت في منطقة دمشق وعلينا أن نتحرى سبب هذه التسمية.

    افترض بعض الباحثين أن جملة شاحمير شو ما هي إلا الترجمة الآشورية المغلوطة لاسم دمشق. فحرف «د» من دمشق هو اسم الإشارة ذو ويقابل شا الأكادية، وهذا صحيح إنما المشكلة هي في التطابق بين مشق وحمير شو، ولحل هذا اللغز قال الباحث الشهير شبايسر ما يلي: أن مسق هي من الفعل سقى وأن الحمير كانت تستخدم في تحريك غرافات المياه للسقاية، ولما سمعه الآشوريون فهموا المعنى غلطاً واستخدموا كلمة حمير للدلالة على السقاية.

    إن مثل هذا الرأي لا يأخذ بعين الاعتبار القرابة بين الآشورية والآرامية لذا تعرض لنقد شديد وبالتالي للرفض.

    إلى جانب هذا الرأي يوجد رأي آخر يعتمد في تحليله لهذه الجملة (مات شاحمير شو) على ترتيب مقاطع الكلمة. لجملة شاحمير شو كانت تُكتب مقطعياً شا-ح-ما-ري-شو. وقد أراد الآشوريون بها كتابة بلاد آرام فأخطؤوا بترتيب المقاطع.

    لم يكن هذا الرأي مقبولاً أيضاً، فالغلط هنا فاحش والتحوير جذري يُفترض ألا يقوم به آشوري لهجته ابنة عم اللهجة الآرامية التي عرفها الآشوريون عن كثب باختلاطهم الكثيف بالآراميين وتعلمهم للكتابة الآرامية.

    والرأي المقبول في هذا الصدد هو الذي يرى في هذه الجملة صورة عن حياة السكان في مملكة دمشق الذين كانوا يستخدمون نوعاً من الحمير الجيدة «حسب الروايات القديمة» في القوافل. فالحمار قبل الجمل كان واسطة النقل الوحيدة والفعّالة في بلادنا، يتسابق لاقتنائه التجار وغيرهم ويُعْرض في الأسواق لهذه الغاية.

    والحق يقال أن دمشق كانت ملتقى طريقين تجاريين هامين يربطانها بفلسطين وشرقي الأردن ومصر والبحر الأحمر، ومنها يذهب طريق إلى تدمر ثم إلى الجزيرة، وآخر إلى قادش وحماه وحلب ثم الأناضول. والقوافل التي كانت تستخدم هذه الطرق اتخذت الحمير وسائطاً لها وربما أراد الآشوريون أن يكنَّوا في هذه العبارة أو شبه الجملة عن كثرة قوافل الحمير التي كانت تحط بدمشق أو تمرّ بها أو تذهب منها.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: دمشق ..ملامح تاريخية   دمشق ..ملامح تاريخية Icon_minitime27.10.09 3:11

    دمشق في العهد البيزنطي:
    لمحات في تاريخ دمشق العمراني:




    في العهد البيزنطي، ظهرت الكنائس والأديرة كمنشآت معمارية جديدة، شيّد منها حوالي خمس عشرة كنيسة داخل الأسوار وخارجها.



    هذا ولقد عرفنا أسماء بعض هذه الكنائس وأمكنتها، فكنيسة مار يوحنّا كانت تحتلّ ركناً من أركان معبد جوبيتر، ثم هُدمت عند بناء الجامع الأموي، وكنيسة المصلّبة نظنّ أنها الواقعة (حتى اليوم) بالقرب من تقاطع (مصلّبة) التترابيل التي تقوم عند تقاطع الشارعين الرئيسين الطويلين: Decumanus Maximus من جهة، والـ Cardo Maximus من جهة أخرى، وقد تهدّمت في العهد الأيوبي وأعيد بناؤها (هي اليوم كنيسة مار بطرس وبولس). بينما يظن بعض الباحثين أن مصدر التسمية مصدره أن مخططها كان على شكل الصليب. ومنها أيضاً كنيسة المقسلاط في منتصف الشارع المستقيم، التي كانت محمولة عليه بقناطر ضخمة، ذكر المؤرّخ الدمشقي ابن كثير أنها سقطت عام 646هـ/1248م، فتهدّم بسببها دور ودكاكين كثيرة، وكان بقربها التمثال الروماني الذي أشرنا إليه. ثم كنيسة مريم الواقعة داخل باب شرقي، حيث توجد الكنيسة المريميّة حالياً (وهي مجدّدة)، أدركها الرحّالة العربي ابن جُبير الأندلسي في القرن الثاني عشر الميلادي، فقال عنها إنها أعظم كنائس دمشق، تتضمّن من التصاوير أمراً عجباً. وقد تهدّمت في أيّام العهد المملوكي. ثم كنيسة بولُص وكنيسة اليعاقبة عند باب توما.



    هذه الكنائس البيزنطيّة العديدة لا نعرف عنها الشيء الكثير اليوم، فبعضها اندثر وبعضها تجدّد. ولعلّها لا تختلف كثيراً من حيث الفنّ المعماري عن مثيلاتها الكثيرات في أماكن أخرى من سورية، والتي ما تزال باقية على درجات متفاوتة من الكمال، مثل كنائس قلعة سمعان، وقلب لوزة، ورويحة، ورفادة في الشمال السوري، وكنائس إزرع وبُصرى ومدن جبل العرب في الجنوب السّوري. والسّبب في بقاء هذه وزوال تلك، هو أن المباني في المدن عندما تتهدّم فهي لا تُترك وتُهجَر كما هو الأمر في القرى والأماكن المنعزلة، بل تسرع إليها أيدي البنّائين فيأخذون أحجارها ليبنوها من جديد بناء يمثّل روح العصر وحاجاته، ويضيع بذلك الأصل المهدوم. وما ذلك إلا لغلاء الأرض وضيقها في المدن في كل الأزمان.
    وأمّا الأديرة، فقد كانت عديدة في أطراف المدينة وضواحيها، اشتهر من بينها (دير مُرّان) في سفح قاسيون الغربي، قريباً من الرّبوة، وتذكر الرّوايات أنّ الوليد توفّي في دير مران هذا. وأيضاً كان هناك دير سمعان (عند الحرش اليوم بأعلى الفواخير وبير التوتة) ودير النساء ودير الرّهبان ودير الحوراني، كانت بسفح قاسيون شمالي المدينة، كما ذكر ابن عساكر.



    ومن المؤكّد وجود قصور ودارات ريفيّة آنذاك على سفح قاسيون، ولابدّ أن منها ما كان مختصّاً بالحاكم البيزنطي. فلقد ذكر الجغرافي والمؤرّخ الدمشقي ابن فضل الله العُمري قصراً في الشرف الأعلى يسمّى (قصر هرقل)، وأصبح في العهد السّلجوقي قصراً لشمس الملوك. ولقد أفلحنا في تحديد مكان هذا القصر عند مقهى الهافانا الشهير ومحيطه (محلّ فلاّحة وسينما الكندي ومقهى الكمال) على يمين النازل من شارع بور سعيد إلى جسر فيكتوريا، مواجه شركة الكهرباء. ويصف المؤرّخون هذه المنطقة الواقعة في الشَّرَف الأعلى وأنها كانت تطلّ على وادي نهر بردى، بمناظر رائعة من المروج والأشجار.



    هذا ولقد أثبتنا أن موقع هذا القصر قام فيما بعد في العهد السّلجوقي: البيمارستان الدُّقاقي (497هـ)، وخانقاه الطواويس التي قامت موضع تربة الخاتون صفوة المُلك وابنها شمس المُلوك دُقاق بن تُتُش بن ألب أرسلان (بُنيت 504هـ). وكذلك بالاستعانة بعملية تقاطع معلومات مُضنية بين نصوص المؤرخين ونصوص وقفيات قديمة متنوعة، استطعنا أن نجزم انطباق قبّة الطواويس وقصر شمس الملوك وجوسقه وحمّامه، ثم تربته وتربة أمه، ثم خانقاه الطواويس، على أبنية أقدم من ذلك هي: قصر الأتابك بورو (يكتب بالعربيّة: بورى، وهو بالتركية القديمة: Börü أي الذئب بلهجة بادت).



    ونزل بقصر شمس الملوك السّلطان صلاح الدّين الأيّوبي في القرن السادس الهجري، ولمّا ذكره العمري في كتابه الشهير (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) بالقرن الثامن الهجري كان قد تهدّم ولم يبق منه إلا الجوسق والحمّام.



    وفي أيام الحكم البيزنطي كان للغساسنة قصر في قلب دمشق يدعى البَريص، كان يؤمّه العرب وينزلون فيه ضيوفاً على أمراء الغساسنة. تحدّث عنه الشاعر حسّان بن ثابت فقال في قصيدة له يمدحهم:
    لله درُّ عصابة نادَمتُهم
    يَسقونَ مَن وَرَدَ البَريص عليهم



    يوماً بجلّق في الزّمان الأوّل
    بَردى يُصفّق بالرّحيق السّلسل



    والمعروف أنّ جلّق لقب من ألقاب دمشق عند العرب، وقد ذكر المؤرّخ البلاذُري، وهو من أوائل المؤرخين العرب المسلمين، أنّ موقع هذا القصر كان عند "المقسلاط" (وهو اسم لاتيني Maccella) في وسط الشارع المستقيم.



    وكذلك نشير إلى أنّه في أيام يوستنيانوس (527-565م) نجد قصراً جميلاً يُبني بالزاوية الجنوبية الغربية من الحرم الخارجي لكاتدرائيّة يوحنّا المعمدان، تمّ الكشف عن آثاره وبلاطه الجميل في الخمسينيات، ونشر عنه الدكتور عدنان البنّي دراسة وافية في مجلة الحوليات الأثريّة السّوريّة عام 1959.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: دمشق ..ملامح تاريخية   دمشق ..ملامح تاريخية Icon_minitime27.10.09 3:14

    دمشق في العهد الروماني



    طويت صفحة العهد اليوناني في دمشق عام 64ق.م عندما دخلتها جيوش الرّومان بقيادة القائد العام بومبيوس Pompeius، وعرفت دمشق في هذا العهد نشاطاً تجارياً واسعاً، مُستفيدة من كونها محطّة رئيسيّة على طريق القوافل، ومن اتّساع الإمبراطورية الرومانية، وأفادها تدفّق الأموال عليها في تطوّرها العمراني الذي بلغ في عهد الرّومان حداً عظيماً، مازالت آثاره باقية إلى اليوم.



    وأصبحت دمشق في عهد الإمبراطور هادريان حاملة لقب متروبول (مدينة رئيسية) ثم حملت لقب مستعمرة رومانية في عهد الإمبراطور سيبتيم سيفير، ولمع من أبنائها مهندسون، ووصلت شهرة أحدهم "أبّولودور الدمشقي إلى روما.



    وفي أواخر القرن الرابع الميلادي انقسمت الإمبراطورية الرومانية وغَدَت دمشق من أملاك الجزء الشرقي من هذه الإمبراطورية، وهي التي عرفت باسم الدّولة البيزنطية. وأصبحت دمشق مركزاً عسكرياً مهمّاً في مواجهة الفُرس السّاسانيين، كما غدت من أهم مراكز الدولة العربيّة التي قامت في بلاد الشام وهي دولة الغَساسنة. وتقع دمشق بيد الفرس عام 612م ويستعيدها الرّوم بعد خمسة عشر عاماً على يد هرقل عام 627م. ولم تلبث أن أضحت في حُكم العرب بعد أن فتحتها جيوش العرب المسلمين عام 14هـ/635م.


    لمحات في تاريخ دمشق العمراني العهد الرّوماني:

    من المعروف أنّ السّلم الرّوماني والازدهار الاقتصادي الملحوظ الذي حظيت به دمشق في أيّام تبعيّتها للامبراطوريّة الرّومانيّة، قد ضاعف من عدد سكّانها ونجمت عنه حركة عمرانيّة واسعة. الأمر الذي استدعى توسيع المدينة، وإحداث تنظيم جديد فيها، يحقّق المفاهيم الجديدة في تنظيم المدن وتحصينها. فأحيطت المدينة بسور واسع مستطيل بُني بالأحجار الضخمة، احتمى وراء بردى من ناحية الشمال، وفُتحت فيه سبعة أبواب: واحد في الشرق، وآخر في الغرب (باب شرقي وباب الجابية)؛ واثنان في الجنوب، هما باب كيسان والباب الصغير؛ وثلاثة في الشمال، هي باب توما وباب الجينيق (كان بقرب باب السّلام) وباب الفراديس.



    وكان يشق المدينة شارع رئيسي عريض يمتدّ من الغرب إلى الشرق، ينحصر بين باب الجابية وباب شرقي، اشتهر بالشارع المستقيم ويبلغ طوله 1500 متراً. وكان يتألف من طريق واسع في الوسط يقابل فتحة الباب الوسطى، ورواقين جانبيين مسقوفين يقابلان الفتحتين الصغيرتين للبابين الشرقي والغربي، تحملهما الأعمدة المتوّجة بتيجان كورنثيّة جميلة، التي مازال يظهر بعضها بين الفينة والأخرى خلال أعمال الحفر والبناء في الشارع. وكانت المخازن التجاريّة موزّعة على طول هذا الشارع بحذاء أروقته.



    وهذا الشارع الرئيسي الجميل Decumanus Maxiums كان مزيّناً بالتماثيل، أدرك العرب أحدها الذي كان يتوسّط الشارع، وهو عمود عليه تمثال رجل باسط ذراعيه، وآخر على رأسه مثل الكرة فيها حديد. وكان يقطع هذا الشارع شارع آخر عرضاني متقاطع (يمتدّ من الشمال إلى الجنوب) Cardo Maximus وعند نقطة التقاطع قوس رباعيّة Tetrapylum تمّ الكشف عنها في منتصف القرن العشرين (عند محلّة طالع الفضّة)، وكانت على عمق 4 أمتار ونصف من سطح الأرض الحاليّة، نظراً لارتفاع سويّة الشارع على مرّ العصور. وتمّ رفع هذه الآبدة إلى مستوى الشارع وترميمها، وهي قوس هامّة وجميلة تحتفظ بإحدى فتحاتها كاملة وبعض الأعمدة التي تزيّنها. ومن المحتمل أن تكون هذه القوس هي التي يسميّها ابن عساكر بقنطرة سنان، كما حدّثتنا المصادر التاريخيّة عن وجود قوس أخرى إلى الغرب من هذه القوس، تهدّمت في القرن الثامن الهجري، واستخدمت أحجارها في البناء، كما ذكر المؤرّخ ابن كثير.
    على أنّ الآبدة الأكثر أهميّة التي خلّفها العصر الرّوماني في دمشق كانت معبد جوبيتر، الذي كان من أشهر معابد العالم القديم، من حيث سعته وفخامة بنائه، وكأنّه وأبوابه وأسواره مدينة حصينة. بهذا الاعتبار عرفه العرب وأطلقوا عليه أحياناً تسمية (حصن دمشق)، والمدينة الداخلية أحياناً أخرى، معتبرين أسواره الخارجيّة هي أسوار المدينة اليونانيّة التي نسبوا بناءها إلى علام الإسكندر، كما جاء في رواية المؤرخ ابن عساكر. ولقد بني هذا المعبد على أنقاض المعبد الآرامي، وأسهمت في هندسته التقاليد المعمارية الشرقية إلى جانب فن العمارة الغربي الكورنثي، ولابُدّ أنه صُمّم وبُني من قبل مهندسين وصُنّاع دمشقيين كانت دمشق تشتهر بهم، أمثال (أبّولودور الدمشقي) الذي ذكرناه آنفاً.



    وكانت (الآغورا) أو السوق العامّة تقع في الناحية الشرقيّة، وقد شُقّ بينها وبين المعبد شارع واسع له أروقة فخمة ما تزال تشاهد كثير من أعمدتها. ولمّا لم يعد نهر بانياس يكفي هذه المدينة الواسعة جرى تعزيزه بقناة استمدّت مياهها من مياه بردى أيضاً، وحملت بعض أقسامها على قناطر لاتزال تُشاهَد في حيّ القنوات غربي المدينة، وخُصّصت الأراضي الواقعة في الشمال الشرقي بعيداً عن الأسوار لكي تكون مقبرة Necropole لدفن الموتى. واتصلت المدينة بالعالم الخارجي بشبكة طرق مرصوفة تخرج من أبوابها إلى مختلف الاتجاهات، من أهمّها الطريق الآخذ إلى فلسطين ومصر La Via Marina.



    وقُصارى القول، أن دمشق ظهرت في ذلك العصر مدينةً على النّسق الرّوماني، المطبوع بطابع القوّة والأناقة والجمال.



    وفي ختام القرن الرابع الميلادي، حلّ العهد البيزنطي (379م)، ولم يحدث تغيير جذري في نظام المدينة، سوى أن معبد جوبيتر تحوّل إلى كنيسة للقدّيس يوحنّا المعمدان في حدود عام 395م، واحتلّت بعض المنشآت الأرض الكائنة بين سورَي المعبد، وأحدثت أسواق ذات أروقة تصل بين أبواب المعبد الداخلي وبين أسواره الخارجية، يُشاهد جانب منها عند البابين الشمالي والغربي للجامع الأموي. وظلّت الأروقة ذات الأعمدة في الناحية الجنوبية، الممتدة من باب الزيادة في الجامع الأموي (عند سوق الصّاغة) باقية حتى القرن التاسع عشر، شاهدها السائح السكوتلندي جوزايا لزلي بورتر J.L.Porter في عام 1855، وعدّ منها اثني عشر عموداً، فُقدت جميعها فيما بعد.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المصدر: دمشق الشام
    قصة 9000 سنة من الحضارة

    د.أحمد إيبش والباحث عصام الحجار
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    للنشر
    الإدارة
    للنشر


    المشاركات : 3446
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    دمشق ..ملامح تاريخية Empty
    مُساهمةموضوع: رد: دمشق ..ملامح تاريخية   دمشق ..ملامح تاريخية Icon_minitime27.10.09 3:16

    دمشق في العهد اليوناني



    دمشق في العهد اليوناني – المقدوني:

    ارتبط تاريخ دمشق منذ الغزو المقدوني بالغرب لفترة تُقدّر بحوالي عشرة قرون، وكانت بلاد الشام بعد الإسكندر من نصيب خُلفائه السّلوقيين الذين أولوا دمشق عناية كبيرة، بينما كانت عاصمتهم في معظم أيامهم مدينة أنطاكية. وقد حُرمت دمشق من الاستقرار لاستمرار النزاع حولها بين السّلوقيين في الشام والبطالمة في مصر.



    عرفت دمشق في هذه الفترة من تاريخها ازدهار الحضارة الهلنستية، التي تمازجت فيها عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق وثقافته، وانتشرت بين أبناء دمشق لغة اليونان وثقافتهم وفنونهم.



    وخلال أواخر العهد اليوناني السّلوقي ازدهرت في جنوب بلاد الشام دولة عربيّة هي دولة الأنباط وعاصمتها البتراء Petra، وامتد سلطانها على أراضي الأردن وحوران ووصل نفوذ ملوكها مرّتين إلى دمشق، وذلك عام 85ق.م في عهد الملك الحارث الثالث، وفي عام 37م في أيام الملك الحارث الرابع، وكانت بلاد الشام بما فيها دمشق قد غدت تابعة لحكم الرّومان.




    لمحات في تاريخ دمشق العمراني في العصر اليوناني:







    في عصور الاحتلال الآشوري ثمّ البابلي والفارسي لم يحدث شيء هام في حياة (خريطة:دمشق)+) العمرانيّة والفنيّة، إلى أن حلّ اليونان فيها إثر احتلال ؛الاسكندر المقدوني لـسورية (333ق.م). وبالطبع لم تمرّ القرون الأربعة التي قضاها اليونان في دمشق دون أثر في تاريخ المدينة. جرت العادة أن يبالغ الكتّاب في أهميّة الدّور الحضاري الذي قام به اليونان في سورية. صحيح أنهم كانوا آنذاك يمتازون بالثقافة والنُّظُم والمبادئ الاجتماعيّة التي تختلف عمّا كان عليه الشرق، ولكن هذا الشرق الذي بسطوا سُلطانهم عليه كان على جانب كبير من الحضارة لم يرقَ إليها اليونان، ولقد تعلّموا منه الشيء الكثير لاتصالهم به قبل الاحتلال وبعده. وجَهد خلفاء الاسكندر من بَطالمة وسُلوقين إلى خلق ثقافة جديدة تعبّر عن هذا التّمازج، فتشكّلت بذلك الثقافة الهلنستيّة التي طبعت دمشق بطابعها طوال عدّة قرون.



    وفي دمشق عاش اليونان مع الآراميّين جنباً إلى جنب، وأصبح لليونان جالية كبيرة سكنت أحياء مستقلّة مؤلّفة مدينة جديدة إلى جانب المدينة الآراميّة، لها نظام المدن اليونانيّة في التخطيط والتنظيم، فهي تمتاز بالشوارع المستقيمة المتقاطعة، تحصر فيما بينها وحدات سكنية (كتلاً) تشبه في مجموعها رقعة الشطرنج، كما هو الحال في الجهة الشماليّة الشرقيّة (العازريّة وحنانيا).



    دلّت الدراسات الطبوغرافيّة على أن هذه الأحياء أقيمت في الجانب الشرقي من المدينة القديمة، وكانت تحتوي على ساحة واسعة هي السّوق العامّة (الأغورا) باليونانيّة، أمكن التعرّف على بعض جدرانها. ولاشكّ في أنّ الأنباط الذين احتلّوا المدينة فترة من الزمن قد قطنوا في هذا الجانب أيضاً. يدلّ على ذلك اسم المحلّة الموجودة بداخل باب توما، والتي حافظت خلال القرون الوسطى على اسمها (النّيبطون) نسبةً إلى النَّبَط. وإنّ كان ثمّة مَن حاول أن يعزو هذه التّسمية إلى Neptune إله البحر اليوناني، ولكن، هل بدمشق بحر؟
    ولا ندري بماذا نفسّر عدم وجود أي بناء من هذا العهد، هل هو التنازع الدائم بين دولة البطالمة في مصر ودولة السّلوقيين في أنطاكية، ووقع دمشق بأيدي هؤلاء تارة، وأولئك تارةً أخرى؟ أم لأن تحرّكات الأنباط في البتراء فرضت حالةً من عدم الاستقرار، فلم تُشيّد بدمشق أيّة آبدة جديرة بالبقاء، كما بقيت أوابد العصر الذي تلاه إلى يومنا؟!



    ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

    المصدر: دمشق الشام

    قصة 9000 سنة من الحضارة
    د.أحمد إيبش والباحث عصام الحجار
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    دمشق ..ملامح تاريخية
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات عامة ومنوعة :: فضاءات فلسطين والعرب-
    انتقل الى: