أخطو خطوة أخرى إلى الأمام...
حنان عارف
أشعر برغبة عارمة بالبكاء أريد أن أصرخ بأعلى صوتي أريد أن أحتج أندد استنكر اشجب كل ممارسات هذا المجتمع الذكوري علي رافضة كل محاولاته لكتم صوتي وشل حركتي.
لم أعد قادرة على المضي أكثر لم أعد راغبة في السكوت أكثر سأبلغ الثلاثين من عمري قريباً.
30 عاماً عشتها كأنثى في هذا المجتمع الذكوري، أسير كأنثى، أتكلم كأنثى،أتصرف كأنثى، أضحك كأنثى في مجتمع ذكوري ينظر إلي كأنثى ولكن ليس أنثى الإنسانة المساوية للرجل في الإنسانية وإنما مجرد ضلع أعوج.
30 عاما وأنا أضع يدي على أذني أغمض عيني وفمي حتى لا أرى ولا اسمع ولا أتكلم
و لكن هذا يكفي الآن أريد أن أقول رأيي بصراحة أريد أن أوجه انتقاداتي بشدة مجاهرة بها بدلا من المجاملات التي تدربت عليها كل عمري أريد أن أقف وجها للوجه أمام كل ما ومن يزعجني وأقول رأيي صراحة بدلا من كتم غيظي النهار بأكمله حتى أعود إلى البيت فأقف وجها إلى وجه أمام المرآة واصرخ محتجة معارضة مشاكسة منددة متذمرة حتى اتعب عندها ارتاح من هم ثقيل كاد يخنقني طوال اليوم وبعد ذلك عندما أريد أن اخلد إلى النوم " وحدي " لارتاح واهرب من تعب النهار اسمع صرخاتي في كل زوايا البيت في كل ركن من أركانه هناك في تلك الزاوية من المطبخ سخط على الظلم والقهر الذي لا زالت تتعرض له المرأة وهناك في ذاك الركن من الصالون ألم وعتب على قانون جديد صدر متجاهلا إنصاف المرأة وهنا في هذه الزاوية دموع ملأت حوض الاستحمام على فتاة جديدة حزت عنقها سكين الشرف؟؟؟
آلامي وأوجاعي ترافقني الليل بأكمله حتى في أحلامي ثم تعود ثانية متجولة في منزلي لتصل إلى الباب الخارجي لكنها تقف فجأة خائفة مترددة تحاول فتح الباب والخروج ولكن لا.. ليست لديها الجرأة الكافية بل تفضل أن تبقى سجينة في الداخل.. هنا ولدت وهنا ستدفن.
أما الآن لن اسمح لهذا الوضع بالاستمرار أكثر.. هذا يكفي أنا من سيفتح لها الباب أنا من سيحطم الأقفال السبعة التي وضعت عليه أنا من سيدعوها للخروج...
لم اعد قادرة على احتمالها أكثر بداخلي إما أن نموت معا أو نخرج لنعيش معا، أريد أن اكسر قيود سجني واخرج.. لقد فعلتها الآن وطالما تمنيت هذا اليوم حطمت قيودي بيدي تحررت من نفسي أحببتها أكثر ليس هذا فقط أريد أن أحطم قيود المجتمع.
أريد أن أحطم قيودي أمزق ثيابي أتحرر من نفسي، من أنا ومن أكون، أريد أن أكون أنا نفسي، أسير في الشارع وكأنه ملك لي لا آبه بجميع المارين من حولي أريد أن أحب واخبر الجميع عن قصة حبي الأسطورية لما لا أمارس الحب على سرير حديدي ليسمع أزيزه العالم أجمع.. أين ومتى أشاء؟
دون خوف دون رعب دون شعور بالألم دون إحساس بالذنب دون وجود لفكرة الحلال والحرام
المسموح والممنوع، العيب والأخلاق، العادات والتقاليد....
كم اشتقت إليك..
لم اعد قادرة على احتمال حرارة الشوق بداخلي أكثر من ذلك، فهي نار تكوي جسدي تلهب مشاعري...
لماذا أغلق عيوني عندما يذكر احدهم اسمك أمامي خوفا من أن يجدوك داخل عيوني، لماذا اضطر إلى وضع يدي على فمي لإخفاء ابتسامتي عندما تخطر ببالي ذكرى من أيامنا المجنونة معا لماذا أشيح بوجهي إلى الجهة الأخرى حتى لا يلاحظ احد غيري تورد وجنتي شوقا إليك فيعرفوا سري "أنا أحب...ياللعار".
بينما يأتي أخي كل يوم إلى البيت ليقص علينا بصوت مرتفع مغامراته العاطفية وبطولاته الفردية بكل حماسة وفخر دون أن يضطر إلى إغلاق عيونه خجلاً أو أن يشيح بوجهه بل على العكس يجاهرا بالأمر وكأنه بطل قومي قادم من المعركة... وسط تصفيق والدي وضحكات أمي سعيدة بابنها المدلل "الفحل".
أريد أنا أيضا أن أجاهر بحبي لا أن اضطر إلى الاعتراف به تحت الضغط ومحاولات الترغيب والترهيب من قبل أصدقائي فاضطر للاعتراف به أخيرا وكأنه ذنب اقترفته أو جريمة ارتكبتها...
اشتقت إليك كثيرا، اشتقت إليك الآن.
سأنهض من فراشي حالا، سأفتح خزانتي وأتناول الثوب الذي طالما تشاجرنا بسببه، أنت تحبه كثيرا لكن تخشى علي من نظرات الناس في الطريق وأنا أرتديه فهو عاري الأكتاف يكشف جمال جسدي ثم أتناول حقيبتي التي أهديتني إياها العام الماضي وقلت لأمي بأنها من صديقتي.
اخرج من المنزل مسرعة للقاءك مودعة أمي بكلمات مختصرة: "وداعا أراك لاحقا لا اعرف متى؟ أنا ذاهبة للقاء حبيبي وقد لا أعود قبل الغد.. عندما نفرغ من الحب".
بدلا من أن اضطر كما في كل مرة إلى ديباجة طويلة لأبرر فيها سبب خروجي من المنزل أو أتذرع بموعد أو زيارة صديقة مريضة.
اطلب التاكسي وارشد السائق إلى عنوان منزلك مباشرة لا أن ألقاك في مكان ما وسط بين بيتي وبيتك ننتظر حلول الظلام أو نبقى نتلفت يمنة ويسرة خوفا من أن يرانا احد ونحن ندخل المنزل...
بل أريد أن تفتح الباب لتراني أمامك ارتمي في أحضانك أغمرك بالقبل تضمني إلى صدرك حتى تتكسر أضلعي بين يديك.. تمرر يديك على شفتي... تشم شعري...تقبل أصابع يدي الصغيرة.. تطبع بصماتك على كامل جسدي أريد أن يراها الجميع أريد أن أتباهى بها لا أن اضطر إلى وضع المراهم والمساحيق لإخفائها أو ارتداء قميص ذي أكمام طويلة في أيام الصيف الحار..
ابكي من فرط سعادتي.. اضحك من لذة ألمي.. ثم أغفو على صدرك....
لنستيقظ في صباح اليوم التالي يوم عيد ميلادي الثلاثين وإذا بي أفاجأ بثلاثين اتصالا من أهلي على هاتفي.
أين أنا؟ هل خطفت؟ اغتصبت؟ هربت؟ " وهي المصيبة الكبرى ".
أم أنهم اكتفوا بقتلي فقط.
أعود بكل ثقة لأخبرهم بما حدث معي.. تسكت جميع الأصوات من هول الصدمة.. تدمع العيون ألما على فراقي.... تدق القلوب خوفا من الفضيحة.
تتصل أمي بأخي وتخبره بما حدث معي.. يقطع موعده الغرامي تاركا شريكته في الفراش وحدها تتلوى من ألم الحب ويأتي مسرعاً إلى البيت ليغرس سكينا في قلبي فيطفأ نار قلبه ويقطع ألسن الناس.
30 عاما من عمري اختصرتها في يوم واحد كنت فيه أنا نفسي واضحة صريحة جريئة أنثى إنسانة حتى لو كلفني هذا اليوم حياتي.