الشباب ومشاكل الاختيار
عبير العلي
الإصغاء والصمت عنوانان هامان جداً ومرتبطان ارتباطاً وثيقاً ببعضها، ولعل الإصغاء الذاتي يأتي بالدرجة الأولى في الأهمية فبقدر معرفتي لذاتي والإصغاء إليها بقدر ما استطيع تجاوز ضغوطها وأزماتها الاجتماعية والمنزلية.
هذا ما ورد في لقاء بين الأب فرانس فاندرليخت من دير الآباء اليسوعين بحمص ومجموعة من الشباب في قرية صدد وذلك من ضمن نشاطات لجنة التنمية في القرية قدم الأب فرانس أفكار حول اختيار الشريك وطريقة التعامل معه فاعتبر أن صعوبة الاختيار تكمن في عدم معرفتنا لحقيقة هذه اللفظة وعدم إدراكنا لها ينحصر بالطبع في عدم تلقي ثقافتنا الأولى في المنزل، فما نتلقاه إيجاباً كان أم سلباً فهو سينعكس على كل أمر من أمورنا ، وهنا نحن بصدد الارتباط الأمر الهام.
(أنا مصغ جيد إلى لنفسي أنا مصغ جيد للآخر) معرفتي تنطلق من هنا والطريق تصبح سهلة لمعرفة الآخر جيداً.
في الارتباط يرسم أحدنا لفتاة أحلامه صورة جميلة وكذلك الفتاة، والصورة عادة نقوم برسمها تبعاً لما تلقاه كل منا من مؤثرات وتربية وتوجيه ونسقط عليه أحلامنا.
إذا الاختيار يكون حسب الصورة وليس (حسب خصوصية وكيان كل منهما).
أنا لا أفكر فيما يعاني الآخر أو فيمنا يتخبط به من مشاكل والسبب واضح جداً لأنني لا أسمع إلا ذاتي وما أبغيه من هذا الشخص.
بهذه الحالة تتبلور الأنانية لدى الجنسين ويتظاهر كل منهما على الآخر هو بالحنان والقوة وهي بالرومانسية والمظهر الأنيق ليبقى انتباهه مشدوداً إليها باستمرار.
فترة الخطوبة هي فترة شكليات أكثر منها تعارف وتقارب فكري. لتأتي المفاجأة بعد الزواج، التعصب يظهر وتبدأ المشاكل وتبدأ هي بلمس أشياء ما كانت في الحسبان، وبهذه الحالة تكون الحلقة المفقودة والهامة هي عدم الدخول إلى عمق التفكير أي إلى الداخل، اللاوعي ظهر في الوعي عند الزواج، وكذلك هي الأنيقة اللبقة المتحدثة، كشفت على حقيقتها ولم تعد مثل أيام الخطبة، ويظهر الفرق والمقارنة، بالنسبة إليه لم يشاهد داخلها... لم يصمت لها... لم يفكر في سهرة أن يسألها عن حالها...أمورها..معاناتها.
كما تحدث الأب فرانس عن شروط الاختيار واعتبر أن النضوج الشخصي، والعمر المحدد اللائق بحياة زوجية هما شرطان أساسيان لسهولة الاختيار ونجاحه وبعدها يأتي الصمت التام كل منهما بمفرده.
وتأتي المرحلة الأساسية أو السؤال الهام: كيف نطبق الصمت؟ نطبقه بحب..بمصداقية لتكوين ثنائي جميل وخالٍ من الأخطاء.
الشرط الثاني: هو التعاون بين العواطف والعقل وذلك لأهمية كل منهما في حياتنا أولاً.
وللدور الذي يلعبه هذان الشرطان من تكوين أسرة سعيدة عنوانها الحب قوامها التفاهم تكلم عن دور الناضج الواثق من نفسه الذي بمقدوره أن يفرح مع الآخر ويحزن معه لأنه ممتلئ من الداخل ويستطيع أن يعكس كل ما بداخله من أحاسيس ومشاعر على الآخر وبأريحية. ومن ميزاته أيضاً لا يظهر بحدة عيوب الآخر لمجرد إظهارها فقط وغنما للمساعدة في تحسينها قدر الإمكان.
تحدث عن مريض يشكو دائماً من عدم وجود الذات لديه فهو كما يريد العالم وكما يطلب الأهل والأهل لا يسمعون له ويطلبون نجاحاً ، عدم معرفته لذاته من أجزاء الآخرين سيطرتهم الدائمة عليه وعلى أفكاره جعلته نسى الأنا، مقيد ولا يمكنه أن يعيش بحرية، يطلب فك القيود التي تحاصره لأن الحب لم يعد عفوياً وصوت بداخله يؤكد له عدم استمراريته حتى الأحلام كانت ترجمة لما يعانيه في الواقع، أراد في النهاية أن يتحرر من سلطة الوالد.
وهنا بدأ بالعلاج والانطلاق هو من الذات وما تعانيه من ضغوط ، السماع لها والانتظار من إطلاق أي شيء مكبوت لجعله واضحاً وبمجرد التكلم عنه وعرضه خارج النفس يصبح الأمر أكثر سهولة.
وهنا تكلم عن السكن داخل الآخر بتاريخه وبأحاسيسه وعند الإصغاء بصمت كامل يصبح الموضوع سهلاً حتى في عرض أكبر مشكلة.
فمعرفة اللاوعي تكمن في الإصغاء الجيد ومنها أصل إلى الوعي وهو القسم الأهم من الذات التي لا أعرفها.
كيف أتعاون وبشكل مدروس بين العواطف والعقل وعملية المزج ضرورية ولكن كيفية مزجها يحتاج إلى وعي وإدراك لأي أمر عقلاني كان أو عاطفي.
أبحث عن العواطف وأطلقها من ذاتي وأريدها كما أحب أنا أن تكون هذا التخطيط المسبق وعدم إحساسي بالآخر وما يملك هي عواطف نرجسية بحتة ، وبهذه الحالة ليس لدى الآخر خيار إلا الاهتمام بما أنا أحبه وبما أحب لنفسي فيه.
فالمصلحة هي الأساس وميولي هي التي تتحكم بكل شيء، فيما بعد عندما أحصل على المصلحة يذهب ما تبقى بذهابها وخيبة أمل الليلة الأولى من الزواج متوقفة بكل حالاتها على ما ذكر ، الحب موجود والاهتمام موجود ولكن كلاً على حدا وعدم معرفتي له لأنني كنت أعيش عزلة داخلية وفراغي العاطفي شيء طبيعي، لعدم وجود الحب المرتبط بالعقل وبعيد عن المصالح ، ولكن عندما أستعمل الآخر من أجل تزويدي بالفراغ فهنا لا وجود للحب مطلقاً ، علينا أن نكون متيقظين لاكتشاف كل منا لشريكه، السفر إلى أعماقه والبحث في كل محارة، وعليّ اعتبار المحار موجود دائماً ليكون التفاؤل بالأفضل موجود.
تكلم عن الارتباط ووجود المشاكل بعد الزواج يفضل إما الانتظار فترة بدون أولاد لمعرفة الحياة أكثر أو الاستيعاب الكامل لجميع المشاكل طالما وجد أطفال ، وفيما بعد يرفض الانفصال بكل حالاته بوجود الأطفال والمحاولات يجب أن تكون حثيثة حتى عندما يكبر الأهل ، يفضل الابتعاد بأي حجة,أما الانفصال فمرفوض حتى عند الأولاد الكبار سيؤثر بشكل سلبي عليهم.
تكلم عن الروح الذي علينا أن نتعامل به مع بعضنا الروح وجمالية العلاقة الروحانية، فهي انعكاس جميل لنا ولأطفالنا فالأطفال تصل إليهم روح العلاقة الجيدة فيتعلموها ويعتادونها وتأخذ لديهم منحاً وحساً راقياً يمكنهم من نقلها إلى محيطهم الصغير ومن ثم المحيط الأكبر.
عندما أعطي روح العلاقة لزوجتي أنهل منها روحها ، أقدم إليها أوخذ الروح وليس الأفكار والطبائع، الحب هو الذي سيمهد لي الوصول إلى ما أريد.
وفي النهاية تحدث الأب فرانس عن المصارحة الجنسية لدى الأطفال وأنّ دراستها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وترتيبها كأفكار ونقلها يجب ألا نستهن به ولكن سيصبح سهلاً لو سرنا به درجة درجة سنجد أنفسنا وقد وصلنا إلى ما نريد وبشكل سهل.
-------
عبير العلي