مطلقات.. مع وقف التنفيذ!
يثرب سيدا
في ريف محافظة الحسكة لا تزال حياة الكثير من النساء رهينة العادات التي أكل الدهر عليها وشرب, عادات رجعية تعود لمئات السنين، وربما أكثر! تكاد تكون أحد أهم الأسباب في تأخرها وتردي أوضاعها.
فإذا ما أخذنا معضلة الطلاق بين الأقارب، خاصة في هذه المناطق المهمشة، فحدث ولا حرج! الكثير من العائلات التي تتمسك بمفهوم "العشيرة" يجدون في الطلاق امتهانا لسمعتهم ومركزهم الاجتماعي، وانتقاصا لكرامة بناتهم! وكأنهن ارتكبن الفاحشة بطلاقهنّ! مع الاعتبار أن نظرة المجتمع باتت تتساوى عند مختلف الفئات ومنها النخب المثقفة!
ولكن عند الأقارب حينما تستحيل الحياة الزوجية يكون للمأساة لون مختلف! فذوي المرأة يصرون على أن تبقى المرأة طيلة حياتها مهانة في بيت زوجها، وتتذوق المرارة، وتتقبل قسرا واقعها الذي لا يطاق.. على أن يقال أن فلانة، من العشيرة كذا: "مطلقة"!
وما يزيد الأمر مرارة إذا كان الزوج ابن العم أو ابن الخال! فبحكم الواقع العشائري فإن طلاق الطرفين سيؤدي لتمزق العائلة والقطيعة الأبدية بين الطرفين! ومن عليه أن يتحمل النتائج؟! طبعا هي المرأة دون غيرها! أما الرجل فلا مشكلة لديه: سيتزوج بثانية وثالثة.. وربما رابعة أيضا!
عشرات الزيجات يعيش فيها الزوجان، المرأة والرجل، بائسين لا يستطيعان المضي في العيش المشترك لأسباب كثيرة.. ومع ذلك يقضون حياتهم في هذه التعاسة خوفا من فضيحة الطلاق!
نائلة تزوجت ابن عمها "على ضرة"، لكن الصراع مع هذه الضرة جعلت الحياة مستحيلة. لذا غادرت قرية عمها إلى قرية أبيها تجر معها ثلاثة أولاد.. إلى مصير مجهول. سنوات مرت... وأصبح الأولاد شبابا، وهي لازالت على ذمة ابن عمها! إذ من المعيب أن يطلقها وهي ابنة عمه! فبقيت تعيش مع أولادها كـ"أرملة إلى جانب بيت أبيها".. كما يقولون: "لا معلقة ولا مطلقة".
وفاطمة، سيدة لم تتجاوز العشرينات من عمرها، وأم لولدين، تقول: "تزوجت ابن عمي.. وكنت سعيدة بذلك. لكن، تبين لي بعد الزواج أن ابن عمي قد أجبر على الزواج مني! كنا نعيش في البيت كغريبين! لا تجمعه بي أي نوع من أنواع العاطفة , إلى أن احترقت أعصابي ولم أر بدا من العودة إلى بيت والدي باحثة عن حل. وها أنا مازلت هنا منذ ثلاث سنوات في بيت أهلي! أنا على ما أنا عليه.. أما هو فقد تزوج ثانية.. فأهلي يماطلون في طلب الطلاق.. وهو أيضا.. وذريعتهم انه "ابن عمي"!
أما منى وسعاد فتنتميان لعائلات محافظة، ثروتها، كما يقولون، هي "سمعتها". كل منهما تزوجت قريبا لها وأنجبت منه طفلا.
منى مازالت عند بيت أبيها منذ ستة أعوام! كبر ابنها، ودخل المدرسة.. والأمور كما هي! فالحياء يمنعها من المطالبة بأي شيء! حيث الثقافة أن تقول المرأة: "هذا حقي" غائبة كليا! إذ أن والدها كفيل بحل مشكلتها , وزوجها مأسور بتحكم والدته، ويمنعه العناد من وضع حد لهذه المشكلة!
أما سعاد فتقول أن ابنها لم يسجل في السجل المدني بعد (مكتوم)، رغم بلوغه سن دخول المدرسة! فزواجها لم يثبت في القانون! ذلك الزواج الذي لم يدم سوى أشهر قليلة كانت نتيجته هذا الطفل الذي دخل المدرسة بأوراق مزورة!
ومثلهن الكثيرات ممن يقعن فريسة زيجات شكلية لا ينتج منها سوى العذاب، وأطفال يعانون من أمراض وعقد نفسية نتيجة حياة بنيت أساسا على الخطأ.
بالطبع، ليست هذه دعوة منا إلى التشجيع على الطلاق (ابغض الحلال إلى الله ) لأتفه الأسباب. لكنها دعوة إلى التحرر من رباط زوجية عاجز عن الاستمرار أصلا، ويبقى حبرا على ورق، غالبا ما تدفع المرأة ثمنه! إذ لأجل من تحترق هباء أيام العمر لنساء كن في عمر الورود مليئات بالحماس ومتفائلات بحياة أفضل؟ وهل هؤلاء يعشن في مناطق لايطالها قانون ولا دين! فالعرف أقوى من كل شيء؟! مع أن القانون كفيل بحل مشكلاتهن، والدين يناصر الطرفين دونما تمييز (إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). أم أنه، في تلك الزوايا من الريف، مازال قانون القبيلة ساريا، وهو الملزم الوحيد الذي يحمل وزر تعاسة نساء لا حول لهن ولا قوة سوى أن يتعلمن أن الحقوق تؤخذ ولا تعطى؟!
عن
خاص: نساء سورية