قضية مناهضة العنف ضد المرأة تتفاعل فى مصر
ممحمد حميدة
العنف ضد المرأة أحد انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ظاهرة عالمية لا تنتمى إلى اقليم أو ثقافة معينة أو خلفية اجتماعية. وهى ظاهرة بالغة الاهمية وتحظى باهتمام واسع لانها لا تؤثر فقط على المرأة بل تضر بأطفالها وأسرتها وتعيق تحقيق المرأة لذاتها أو المشاركة فى التنمية. وإنطلاقا من حقيقة ان هذه المشكلة لا يمكن تجنبها، ولكن يمكن تقليصها من خلال دعم الإدارة السياسية والاستجابة المنظمة من جميع الجهات والمنظمات غير الحكومية والباحثين والأفراد، اطلق المجلس القومي للمرأة برعاية السيدة الاولى سوزان مبارك أول إستراتيجية قومية لمناهضة العنف ضد المرأة فى مصر تهدف إلى تقليل معدلاته تدريجيا والقضاء عليه.
وحول هذه الإستراتيجية قالت الدكتورة فرخندة حسن الامين العام للمجلس ان هذه الإستراتيجية ستتسم بقابليتها للتنفيذ وبأنها عملية وواقعية ، وسيراعى عند إعداد ها أن تكون ملائمة للتقاليد والعادات المصرية وأن تكون متأصلة فى جذور واقع السياق المصري وتستند إلى احترام ثقافة مصر وتقاليدها القوية، مشيرة إلى أن هذه الثقافة والتقاليد فى حد ذاتها تقف ضد كافة أشكال العنف ضد المرأة. وأوضحت أن هذه الإستراتيجية تستند إلى نهج يقوم على المشاركة وسيشارك فيها كافة المسئولين فى الوزارات المعنية والمجتمع المدني والخبراء من مجالات متعددة. ومن المقرر الانتهاء منها هذا العام وسيتم رفعها للدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء تمهيدا لوضعها فى خطة لتنفيذها.
وتستوعب هذه الإستراتيجية القومية خبرات المواطنين المصريين العاديين وستأخذ فى اعتبارها الاختلافات بين المناطق والفئات الاجتماعية المختلفة فى مصر، و ستتضمن خطة عمل وأدوار ومسئوليات محددة للعديد من الأطراف المعنية الحكومية وغير الحكومية، وستتسع لمتطلبات الموارد المالية والبشرية وتتضمن جدولا زمنيا لتنفيذها. وستشمل خطة قوية للتقييم والمتابعة لعملية التنفيذ وكذلك استحداث آليات لرفع التقارير وجمع البيانات حول العنف ضد المرأة من قبل هيئات حكومية وغير حكومية.
تباين بين الإسلاميين والعلمانيين
و تبدو مشكلة العنف ضد المرأة احد أوجه الصراع بين العلمانيين والإسلاميين. ففى الوقت الذى يرى العلمانيون أن منظومة القيم الإسلامية والأعراف والتقاليد الشائعة في المجتمعات الإسلامية هي السبب وراء ممارسة العنف ضد المرأة، حتى إن كانت تلك الأعراف لا علاقة لها بالدين، يرى الاسلاميون ان الاسلام أعطى للمرأة كامل حقوقها و كفل لها من ما يحفظ لها الاحترام والكرامة،و يتفق الفريقين على ان المرأة المسلمة تتعرض لقدر كبير من العنف، و تحتاج إلى من يدافع عن حقوقها.
ومن جانبها تقول نجلاء الامام مدير مركز بريق لمناهضة العنف ضد المرأة فى مصر ظاهرة كبيرة جدا، مشيرة الى "إيلاف" انه بالرغم من تحريم الختان الا ان لا يزال يمارس ولم تنجح جميع الوسائل فى محاربته،كما تنامت ظاهرة التحرش الجنسى ضد المرأة بشكل مزعج هذه الأيام بالرغم من الحجاب، وترجع نجلاء السبب ظاهرة العنف ضد المرأة الى "انغلاق المجتمع وسيادة الفكر الذكورى "، مؤكدة انه "كلما يزداد فى المجتمع الانغلاق تزداد معه امراضه الاجتماعية". وتزعم نجلاء ان النظام الاسلامى فى القرأن الكريم والحديث الشريف نظام" ابوى صرف"،المرأة "مفعول به" وليس لها دور، وتأتى فى المرتبة الثانية، مضيفة ان "الاسلام اعطى لها نصف الشهادة ونصف الارث واباح ضربها ".
وترى نجلاء الامام التى سبق ان اثارت موجات شديدة من الجدل على خلفية تصريحات نسبت اليها بالاساءة الى الدين الاسلامى والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مما ادى الى تكفير علماء الازهر لها، "ان القوانين لا يمكن ان تحد من ظاهرة العنف ضد المرأة "،مبررة ذلك "لغياب الوعى" وترى الحل من وجهة نظرها فى "خلع الحجاب"، ولا تقصد التبرج، "لكن التحرر عقليا من هذا الهاجس الذى يمزقهم من الداخل، فى اشارة الى "الخوف من الدين " بحسب قولها.
ولا تتوقع نجلاء ان ينجح المجلس القومى فى الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، مضيفه انها من خلال السنوات العديدة الى قضتها فى هذا المجال، تأكد لها انفصال عمل منظمات العمل النسائية عن الناس الطبيعيين،"انهم يهتمون فقط بإطلاق المصطلحات، لكن الفعل لا شئ،والنتيجة دائما حملات غير مؤثرة، واتساع الفجوة بين النخبة والعامة ".
ويسعى فريق العلمانية إلى الدفع بالمرأة إلى ما يزعمون أنه الحرية التي تتمتع بها نظيرتها الغربية، ويقف الإسلاميون ليدافعوا عن قيم ومعايير من باب أن أسباب العنف الحقيقية ضد المرأة تختلف في المجتمعات الإسلامية عنها في المجتمعات الغربية حيث تكمن النظرة المادية للمرأة في الغرب ورؤيته للحرية في أمور تتعارض مع القيم الأخلاقية.
ومن جانبه يرى الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الازهر سابقا ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب ان العنف ضد المرأة ليس خلقا اسلاميا بل هو من عادات الجاهلية الاولي، حيث كان من عنفهم ضد المرأة ظاهرة "وأدالبنات" في بعض القبائل ولما جاء الاسلام حرم ذلك ونعي علي مرتكبيه ظلمهم قال الله تعالي: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا". ومن ظواهر العنف ضد المرأة منعها في الجاهلية من الميراث ولم تزل هذه الظاهرة لها رواسبها في بعض البيئات التي تحرم النساء من حقوقهن التي فرضها الله تعالي في القرآن الكريم. وتفضيل بعض الاسر الذكور علي الاناث، وإكراهها علي الزواج وقد قرر الاسلام ضرورة اخذ رأيها وموافقتها. وقال الدكتور هاشم ان التحرش الجنسي والاغتصاب ظواهر خارجة عن تعاليم الاسلام وآدابه.
واضاف ان الاسلام قرر للمرأة حق الصداق، والعدل، والنفقة، وحسن المعاشرة،مشيرا الى ان حسن معاملة النساء دلالة خيرية الإنسان وإيمانه. ومما قرره الاسلام من حقوق للمرأة: حق الاعفاف، واستشارتها وأخذ رأيها، والوفاء لها. إذا كان الاسلام قد حمي حقوق المرأة علي هذا النحو فكيف يتسني للبعض أن يوجه عنفا وتشددا عليها.
ويؤكد ان توجيهات الاسلام كثيرة في حسن التعامل مع المرأة وفي تحريم العنف معها، ويرى ان مقاومة العنف لا تكون بالقانون وحده ولكن لابد لمناهضة ظاهرة العنف ضد المرأة، "من غرس الضمير الديني والوازع الديني الذي يصوغ شخصية الرجل علي نحو كريم يحترم فيه المرأة ويصونها"، وتابع قائلا :"ولا يكون غرس الوازع الديني إلا بالتوعية الصحيحة والمكثفة من المؤسسات الدينية والدراسات الإسلامية في كل مجال من المجالات ".
----------------------
عن "إيلاف"،