ينقذ الأسرة السورية..؟
بشار المنيّر
لا نعلم، هل حركت نتائج المسح الذي أجرته الهيئة السورية لشؤون الأسرة، بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة دمشق، مشاعر مهندسي الاقتصاد السوري بعد أن بيّن هذا المسح من خلال استطلاع آراء 1400 عائلة تنتمي إلى جميع محافظات القطر، ما تعانيه العائلة السورية من منغصات وأزمات، وخاصة بعد أن تخلّى مهندسو الإصلاح عن الشق الاجتماعي في " اقتصاد السوق الاجتماعي "..؟ ودون مقدمات نعرض باختصار بعضاً من معاناة الأسر السورية:
1- انخفاض الأجور،إذ تبيّن أن 48% من الأسر السورية لا يتجاوز دخلها 15 ألف ليرة سورية، ويتجاوز دخل 31% من الأسر 20 ألفاً، أما نسبة الأسر التي يقل دخلها عن 5000 ليرة، فبلغت نسبتها 5ر4%،ويترافق انخفاض الأجور مع ارتفاع نسبة الإعالة، فكل عامل لقاء أجر مسؤول عن إعالة ثلاثة أشخاص آخرين.
2- احتلت مشكلة ارتفاع الأسعار المرتبة الأولى بين مشاكل الأسرة السورية، تليها مشكلة الديون المتراكمة، ثم جاءت مشكلات زيادة الضرائب، وارتفاع قيمة الفواتير الشهرية،وارتفاع كلفة العلاج في المشافي والعيادات الخاصة.
3- وتتّبع الأسر السورية الأساليب التالية للتعامل مع الظروف الاقتصادية:
- 9ر81% من الأسر تلجأ إلى ترشيد الاستهلاك الدائم.
- 70% تتبع أسلوب الاستدانة من الآخرين.
- 7ر55% تلجأ إلى العمل الإضافي لتحسين الدخل.
-1ر49% تقوم باستهلاك مدخراتها.
- 2ر56% تتأخر بسداد الالتزامات المالية، كأجرة المنزل والأقساط والفواتير والديون.
- 5ر46% تعتمد على حرمان أفرادها من بعض الحاجات كالتعليم والسكن اللائق مراعاة للظروف الاقتصادية.
- 8ر32% تلجأ إلى بيع الممتلكات الثمينة.
4- وَصفت نسبة2ر46 % من الأسر المستطلعة وضعها الاقتصادي بأنه مقبول، في حين صنفت نسبة 3ر23 % من الأسر وضعها الاقتصادي بأنه سيئ، أما نسبة 9ر11 % من الأسر فوصفت وضعها بأنه سيئ جداً،ويرتبط عدم الشعور بالرضا لدى الأسر بارتفاع نسبة المتعطلين عن العمل،وعدم التوازن بين الدخل والاستهلاك،وانخفاض نسب الأداء على الصعيد التعليمي والصحي والسكني.
(راجع استطلاع رأي الأسرة السورية حول أوضاعها المعيشية-الهيئة السورية لشؤون الأسرة)
أُجري المسح المذكور عام 2007، أي أن معاناة الأسر السورية ازدادت منذ هذه الفترة وحتى يومنا هذا،إذ شهد عام 2008 ارتفاعاً لأسعار المواد والسلع الضرورية لمعيشة هذه الأسر بلغت نسبته نحو 60%،إضافة إلى زيادة عدد المتعطلين عن العمل،واتساع بؤر الفقر، وتراجع الإنتاج الزراعي، وهو النشاط الرئيسي لغالبية السكان، كما شهدت الشهور المنصرمة من عام 2009، تأثر البلاد بتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عقر دار الرأسمالية الأمريكية في 15/9/2008، وما خلفته تلك التداعيات من انخفاض للصادرات السورية،وإغلاق لعدد من المصانع،وتراجع للاستثمارات الخاصة،وانخفاض لتحويلات السوريين من الخارج. وبكلمة أخرى،فإن معاناة الأسر السورية تضاعفت حسب اعتقادنا، قياساً على الفترة التي أُجري فيها المسح المذكور.
المفارقة هنا، أن مسؤولي الاقتصاد في البلاد يدللون على صحة النهج الذي يتّبعونه، بارتفاع نسبة النمو خلال السنوات الثلاث الماضية التي تراوحت بين 5و 6 %،دون أخذهم بالحسبان تدهور الأوضاع المعيشية والاجتماعية للأسر السورية..!
الفئات المتأثرة سلباً بالنهج الاقتصادي، حددها السيد النائب الاقتصادي بأنها الفئات العاملة لقاء دخل ثابت.. وذوي الدخل المحدود الذين لا تتجاوز نسبتهم 25 %، أما الفئات الباقية، فمصلحتها في تحويل الاقتصاد، ولا ندري كيف حدد السيد النائب هذه النسبة،رغم أن عدد العاملين في القطاعين العام والخاص يبلغ أكثر من أربعة ملايين عامل، وهم من ذوي الدخل المحدود، ومسوؤلون عن إعالة عشرة ملايين مواطن آخرين، ويشكلون أغلبية الشعب السوري،هؤلاء هم من تأثروا سلباً بالنهج الاقتصادي للبلاد.. هم من تقلص دخلهم الحقيقي رغم الزيادات الطارئة على أجورهم، أما الأقلية التي تأثرت إيجاباً بهذا النهج.. وكدست الملايين، بل المليارات، فهم رجال الأعمال.. والمستثمرون الذين فُتحت لهم الأبواب" الموصودة " وأسياد الأسواق الذين تربعوا على عرش " العرض والطلب " بعد انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية كرمى لعيون السوق وآلياته..! هؤلاء هم المستفيدون من النهج الاقتصادي الذي تحول بقدرة قادر من اقتصاد السوق " الاجتماعي" إلى اقتصاد النخب..!
لقد برهنت نداءات الاستغاثة من قبل سكان المنطقة الشرقية.. والمناطق الأخرى التي لم تصل إليها بركات رجال الأعمال.. ولا كرم المستثمرين، كم هي جدية تلك الخطط التنموية- التي رسمت على الورق فقط- لتنمية المجتمعات المحلية، وتطوير وتحسين المستوي المعيشي والاجتماعي للمواطنين السوريين..!
المطلوب الآن هو العودة إلى الهدف الأساسي لعملية الإصلاح، وهو التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن تطويراً وتجديداً للهياكل الاقتصادية الرئيسية المنتجة بالاستناد إلى صيغة تشاركية بين القطاعين العام والخاص،وتعمل على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وصحية وتعليمية للمجتمعات المحلية، بادئة بتحسين أوضاعها المعيشية المتدهورة. ونرى أن تَنصبَّ جهود الحكومة في المرحلة الراهنة على تحسين الأوضاع المعيشية للسكان السوريين وأسرهم، عبر مجموعة من الإجراءات، كزيادة الأجور،وتوفير فرص عمل ضمن استثمارات حكومية جديدة في قطاعها الصناعي والإنشائي، وعدم انتظار فرص العمل المقدمة من القطاع الخاص،فهو غير قادر على امتصاص أعداد الوافدين إلى سوق العمل، إذ ذكر تقرير لوزارة الصناعة أن عدد فرص العمل المحدثة نتيجة تنفيذ المشاريع الصناعية الخاصة لعام 2008 وفق قوانين ترخيصها،بلغت 11806 فرصة عمل، وهذا يعني أن حجم الاستثمار الصناعي الخاص لم يوفر فرص عمل جدّية رغم جميع التسهيلات التي مُنحت له، وأن الرهان على تكليف القطاع الخاص بتحقيق التنمية الاجتماعية، رهان خاسر.
معاناة الأسر السورية تتفاقم.. ولا يخفف منها بناء المشاريع السياحية التي ستبلغ تكاليفها الاستثمارية في عام 2010 ستة مليارات دولار..!
عن كلنا شركاء،